عربي21:
2025-03-09@23:26:58 GMT

الإعلام التونسي و خط التحرير الوطني

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

بتحويله الخط التحريري للإعلام العمومي إلى قضية "أمن قومي"، يبدو أن الرئيس التونسي يدفع بقضية حرية التعبير والإعلام إلى منطقة ملتبسة يتداخل فيها المحلي بالخارجي والمهني بالسياسي. فخلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي يوم الاثنين الماضي واصل رأس السلطة في تونس تدخله المباشر في "الإعلام العمومي"، على الرغم من أنّ هذا الأخير -بمختلف منابره المرئية والمسموعة والمكتوبة- قد تحوّل منذ 25 يوليو 2011 إلى "إعلام حكومي".

ولكن يبدو أنّ هذا "الإسناد" للسلطة باستبعاد مختلف الأصوات المعارضة لها لم يبلغ بعدُ -من منظور الرئيس- حد الانخراط الكامل في "خط التحرير الوطني".

إننا أمام مقاربة جديدة لا تتحدد فيها مهنية "الخط التحريري" وموضوعيته ووطنيته بمعايير العمل الصحفي، بل بمعيار "ما فوق إعلامي" يتمثل في "خط التحرير الوطني". فإذا كانت إجراءات 25 تموز/ يوليو تجد شرعيتها عند الكثير من مناصريها في أنها تأويل" ما فوق دستوري" للفصل 80 من الدستور، فإن الدعوة إلى خضوع "الخطوط التحريرية" للمقاربة الرئاسية تستمد شرعيتها هي الأخرى من "قراءة ما فوق إعلامية"، أي لاحتياجات "خط التحرير الوطني" الذي يُمثّله الرئيس دون سواه.

الإشكال يظهر عندما نغادر دائرة الدستور إلى دائرة الأوامر والمراسيم. فرغم عُلوية الدستور، فإنه قد أُفرغ من معناه -فيما يخص عموم المواطنين المهتمين بالشأن العام- بالمرسوم عدد 54 لسنة 2022 والمتعلق بـ"مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال"
بحكم وعي الرئيس بوجود مفارقة بين مقدمات كلامه ونتائجه فإنه لا يتردد في هدم المقدمات وإفراغها من أي مضمون "إيجابي"، أي لا يتردد في جعل آخر كلامه ينقض أوله. فالرئيس يقرّ في أكثر من مناسبة بأنه "لا نقاش في حرية الإعلام" ولا في حرية التفكير والتعبير من جهة المبدأ، فقد كفل الدستور الجديد هذه الحقوق في الفصلين 37 و38 حيث أكد المُشرّع على أنّ "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات (الفصل 37)، وأكّد في الفصل 38 على أن "تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة (و) الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال".

نظريا، لا يمكن لأية جهة أو لأي شخص أن يطعن في وجود تعارض بين الدستور وبين المعايير الدولية لحرية الإعلام أو حرية التعبير، ولكنّ الإشكال يظهر عندما نغادر دائرة الدستور إلى دائرة الأوامر والمراسيم. فرغم عُلوية الدستور، فإنه قد أُفرغ من معناه -فيما يخص عموم المواطنين المهتمين بالشأن العام- بالمرسوم عدد 54 لسنة 2022 والمتعلق بـ"مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال".

أما فيما يتعلق بالإعلام التقليدي فإن تهميش نقابة الصحفيين وحالة الموت السريري التي أصبحت عليها "الهايكا" (الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري ذات الرأي "التقريري" خلال "العشرية السوداء")، بالإضافة إلى استهداف بعض الإعلاميين بقضايا تتعلق بحرية التعبير- ووجود أسماء بعضهم في قضايا "تآمر على أمن الدولة"- كل ذلك يجعل من علوية الدستور ومرجعيته في حرية التفكير والتعبير والنشر مسألة غير مسلّم بها.

لو أردنا أن نبحث في البنية العميقة للمراسيم أو الأوامر التي تمهد للمراسيم والأوامر أو تبرر تناقضها مع فصول الدستور الضامنة لحرية التفكير والتعبير، فإننا سنجد أن "التضييقات" تعود إلى سببين مترابطين: أولا غياب علّة الحق، ثانيا سوء التصرف في الحق. ولا شك في أن "التضييقات" هنا ستتحوّل -في سردية السلطة- إلى أداة للتنظيم وحسن الإدارة. فحرية التعبير لا معنى لها -حسب الرئيس- عندما تغيب حرية التفكير (غياب علة الحق في التعبير)، أو عندما تتحول تلك الحرية إلى حرية في "الكذب والافتراء وهتك الأعراض والتهديد بالقتل" (سوء التصرف في الحق الدستوري). ولكنّ هذه السردية السلطوية التي تهدف نظريا إلى "أخلقة حرية التفكير والتعبير" تحمل بين طياتها العديد من التناقضات والمخاطر.

المصادرة على أنّ المخالف للرئيس أو المنتقد لسياساته هو بالضرورة شخص "بلا تفكير" هو أمر يهدد كل صوت معارض، سواء أكان فرديا أم جماعيا ويلحقه بصورة غير مباشرة بفئة "العجماوات" التي لا عقل لها. وتكمن خطورة هذا المنطق في أننا نجد هنا جذر الاستعارة السلطوية التي تعتبر المعارضين "خرفانا" أو جرذانا"، أي كائنات لا علاقة لها بـ"حقوق الانسان" بصورة جوهرية
لا شك في أن المصادرة على أنّ المخالف للرئيس أو المنتقد لسياساته هو بالضرورة شخص "بلا تفكير" هو أمر يهدد كل صوت معارض، سواء أكان فرديا أم جماعيا ويلحقه بصورة غير مباشرة بفئة "العجماوات" التي لا عقل لها. وتكمن خطورة هذا المنطق في أننا نجد هنا جذر الاستعارة السلطوية التي تعتبر المعارضين "خرفانا" أو جرذانا"، أي كائنات لا علاقة لها بـ"حقوق الانسان" بصورة جوهرية.

أما حجة "الكذب والافتراء وهتك الأعراض والتهديد بالقتل" فإنها لا علاقة لها بالإعلام العمومي الخاضع لسلطة الدولة من جهة التعيينات والخط التحريري. ولا يمكن أن نجد أية مناسبة بين هذه الحجة وبين الدعوة إلى "الانخراط في الخط التحريري"، إلا إذا اعتبرنا أن تناول التلفزة لبعض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية (وتحميل السلطة مسؤولية ذلك بصورة محتشمة) هو أمر غير مقبول ويدخل في باب "الكذب والافتراء" وتأليب الرأي العام، وهو ما يعني أن "الانخراط" يعني بالضرورة تحوّل التلفزة وباقي المنابر العمومية إلى أبواق دعائية للسلطة دون قيد أو شرط. ولا شك في أن هذا الأمر وحده غير كاف، مما جعل الرئيس يتهم الإعلام الخاص بالتآمر وبوجود نوع من التنسيق بين خطوطه التحريرية المنتقدة لـ"خط التحرير الوطني"، أي لسياسات السلطة وخياراتها الكبرى.

بعيدا عن صراع الرئيس ضد الإعلام العمومي والخاص، فإن الإشكال يكمن في "خط التحرير الوطني" الذي أصبح النواة الصلبة في الجملة السياسية للرئيس، منذ أن استوى أمره على سوقه بنجاح "خارطة الطريق الثلاثية". فإذا كانت سردية محاربة الفساد وإنقاذ مؤسسات الدولة هي أساس شرعنة "حالة الاستثناء" أو بالأحرى أداة تحويل الاستثناء إلى مرحلة انتقالية تؤسس لجمهورية "جديدة"، فإن "التحرير الوطني" هو أساس شرعنة إدارة تلك الجمهورية، أو بالأحرى أساس الحملة الانتخابية المبكرة التي بدأها رأس السلطة التنفيذية تمهيدا للاستحقاق الرئاسي القادم.

فانخراط وسائل الإعلام العمومي (خاصة التلفزة) في خط التحرير الوطني يعني تحولها منذ الآن إلى أداة دعائية للرئيس ومشروعه،. وليس تحويل المسألة إلى قضية "أمن قومي" إلا نوعا من الضغط السلطوي الموازي للضغط الممارس على وسائل الإعلام الخاصة. فالرئيس يعلم جيدا تأثير الإعلام في توجيه الرأي العام وتحديد خياراته الانتخابية، كما يعلم جيدا قدرة هذا الإعلام على "تزيين" سياساته وإبعادها عن دائرة النقد الجماعي المؤذن بتغيير موازين القوى بينه وبين معارضيه.

تدجين الإعلام وربطه باحتياجات السلطة لا يمكن أن ينتج "خط تحرير وطني" (بالمعنيين المهني والسياسي)، بل سينتج آلة دعائية ضخمة لا علاقة لها بضوابط المهنة ولا حتى باحتياجات مشروع تحرير وطني حقيقي. ومن باب الموضوعية، علينا أن نعترف بأن "قابلية التدجين" لدى الإعلاميين وغيرهم هو أمر لم يصنعه الرئيس، وإن كان يسعى الآن -من باب توظيف المتاح- إلى احتكار "خراجه"
ختاما، فإن "خط التحرير الوطني" هو سردية لم يبتدعها الرئيس، وإن كان هو آخر من يريد احتكارها. ورغم عدم وضوح ما يقصده الرئيس بـ"التحرير الوطني" بحكم التباس العلاقة بينه وبين "منظومة الاستعمار الداخلي" من جهة، وعلاقاته القوية بفرنسا وبمحور الثورات المضادة من جهة ثانية، فإن شعار "التحرير الوطني" يجعل من معارضة الرئيس تتجاوز مجرد معارضة النظام الحاكم إلى معارضة لـ"إرادة الشعب"، بل تصبح المعارضة أو حتى مجرد انتقاد عمل الحكومة "تآمرا" على تلك الإرادة وقضية تستحق التناول في "مجلس الأمن القومي". ولكننا نوافق الرئيس في أنه لا يوجد "خط تحرير وطني" في الإعلام العمومي والخاص على حد سواء. فخطوط التحرير في المنابر الخاصة تضبطها مصالح من يمتلكها، أما خطوط التحرير العمومية فكانت خاضعة قبل 25 تموز/ يوليو 2021 لمصالح اللوبيات الأيديولوجية والجهوية والمالية المتحكمة من وراء ستار في المشهد الحزبي. ولكنّ غياب الخط التحريري الوطني لا يمكن أن نصلحه بتحويل الإعلام إلى "إعلام حكومي" أو بتهميش الجهات المتداخلة في الشأن الإعلامي، أو بشيطنة النقد واستهداف حرية التعبير.

وإذا كانت "الوطنية" مطلبا حقيقيا للإعلامي وغيره، فإن تدجين الإعلام وربطه باحتياجات السلطة لا يمكن أن ينتج "خط تحرير وطني" (بالمعنيين المهني والسياسي)، بل سينتج آلة دعائية ضخمة لا علاقة لها بضوابط المهنة ولا حتى باحتياجات مشروع تحرير وطني حقيقي. ومن باب الموضوعية، علينا أن نعترف بأن "قابلية التدجين" لدى الإعلاميين وغيرهم هو أمر لم يصنعه الرئيس، وإن كان يسعى الآن -من باب توظيف المتاح- إلى احتكار "خراجه" بعد ذهاب ريح الأحزاب ومختلف الأجسام الوسيطة.

twitter.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسي الإعلام الحريات تونس حريات الإعلام قيس سعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإعلام العمومی حریة التعبیر لا علاقة لها لا یمکن أن الحق فی هو أمر من جهة على أن من باب

إقرأ أيضاً:

معالم في طريق استقرار الحكم في السودان (5-10)

أ / محمد علي طه الملك
خبير قانوني وقاض سابق بالمحاكم السودانية

السلطات التشريعية والقضائية

(أ) السلطة التشريعية الاتحادية
لما كانت دولتنا لازالت في طور البحث عن دستور دائم منذ فجر الاستقلال ، إذن فإن الحاجة قائمة إلي إنشاء دستور ، لقد استقر العرف الدستوري على نمطين يتم بأي منهما اجازة الدستور الدائم ، الاستفتاء الشعبي العام ، أو عن طريق جمعية منتخبة انتخاب حر أصطلح على تسميتها بالجمعية التأسيسية ، بالنظر لما جرى عليه العمل في ظل النظم الديموقراطية التعددية التي حكمت السودان ، فإن نمط الجمعية التأسيسية كان هو السائد وعلى قرار ذلك يطرح المقترح درجتين في المستوى الاتحادي ، إحداهما تشريعية موقتة والآخرى رقابية متجدد دوريا.

الجمعية التأسيسية
ـ تمثل المستوى التشريعي الموقت ، يتم انتخاب عضويتها بالاقتراع الحر على نطاق الوطن مهمتها إجازة الدستور الدائم للبلاد في فترة يتم التوافق عليها ، وتنتهي مهمتها بذلك ثم يعقبها مجلس للرقابة الاتحادية.
كما تقدم يمكن الاستغناء عن الجمعية التأسيسية واستبدالها بالاستفتاء الشعبي العام ، هذا الخيار يمكن اللجوء إليه حال انعقاد مؤتمر دستوري يتم التوافق فيه على دستور يستفتى فيه الشعب ويجيزه كدستور دائم.
مجلس الرقابة الاتحادية أو مجلس الشيوخ يتم انتخابه دوريا مع الدورات الحكومية على النحو التالي:
ـ عشرة أعضاء من المجالس التشريعية المنتخبة في كل إقليم. ـ رؤساء النقابات و الاتحادات المهنية والنسوية الاتحادية .

ـ ثلاث أعضاء من المجلس التشريعي لولاية الخرطوم.
ـ يختار أعضاء مجلس الرقابة الاتحادية من بينهم بالاقتراع رئيس المجلس ونائبة .
(أ‌) مهام مجلس الرقابة الاتحادية :
ـ مراقبة ومراجعة أداء الحكومة الاتحادية ومجلس الدولة وبذل النصح والمشورة.

(ب‌) سلطة التشريع الإقليمية
ـ هي سلطة التشريع والرقابة الدورية الرئيسة في الإقليم ، يفصل القانون عدد عضويتها وإجراءات انتخابهم ومخصصاتهم.
(ج) مجالس المحليات :
يحدد القانون الإقليمي دوراتها ، مهامها وعدد عضويتها وإجراءات انتخابهم ومخصصاتهم.

الهيئات أو المجالس التشريعية هي إحدى قوائم السلطات الثلاثة في الدولة ، وقد تلاحظون أن المقترح يشير لدرجتين للهيئات التشريعية وثلاثة درجات للمجالس الرقابة يفصلها كما يلي:
في المقام الاتحادي : يقترح سلطة تشريعية واحدة مؤقتة يسميها ( الجمعية التأسيسية ) ، يتم انتخاب عضويتها من سائر السودانيين وتنظيماتهم في الداخل والخارج ، مهمتها محددة وموقوتة بإجازة الدستور الدائم ، بإنجازها تلك المهمة ينتهي دورها كسلطة تشريعية إلى امآبد ، ويحل محلها مجلس يسميه المقترح ( مجلس الرقابة الاتحادية) ، عضويته ومهامه يفصلها الدستور والقانون ، الحالة امآخرى وهي التي أشار لها المقترح بالاستفتاء الشعبي يكون ذلك في حالة الاتفاق على صيغة دستورية من خلال مؤتمر دستوري ، يعرض بعدها للاستفتاء الشعبي الذي يعتمده كدستور دائم.
يفهم من ذلك أن ( مجلس الرقابة الاتحادية ) ليس له دور تشريعي ، فالدور التشريعي على المستوى الاتحادي ، يكون قد أنجز سلفا بإجازة الدستور الدائم من قبل الجمعية التأسيسية أو الاستفتاء الشعبي ، فإن كان الآمر كذلك ـ ما الحاجة إذن لمجلس الرقابة الاتحادية و ما هي مهامه؟
صحيح على الرغم من عدم امتلاك مجلس الرقابة الاتحادية لسلطات تشريعية لقوانين تأخذ الطابع الاتحادي ، غير أن الحاجة تظل قائمة لجهاز شعبي منتخب ، يتولى مهمة الرقابة على أعمال الدولة في مقامها الاتحادي ، ودور شوري تحتاجه السلطة التنفيذية الاتحادية فيما يتعلق بالقرارات المهمة الكبرى ، أما عن المهام فالمقترح يترك تفاصيلها للدستور ويقدم فقط تصوره حول عدد العضوية والجهات التي يحق لها التمثيل.

هنالك سؤال آخر يتعلق بالكيفية التي يعدل بها الدستور الدائم ، حتى لا يعتريه جمود أبدي في غياب السلطات التشريعية الاتحادية؟
هذا الآمر يمكن علاجه بأحد طريقتين يتم النص عليها في الدستور ، الاستفتاء الشعبي على التعديلات ، أو باجتماع كل عضوية مجالس التشريع الإقليمية في تشكيلة واحدة ، بالإضافة لمجلس الحكم الاتحادي ومجلس الرقابة الاتحادية ، يصبح لهذا الجمع سلطة تعديل الدستور الدائم بأغلبية الثلثين.
في المسنوى الإقليمي : هنالك سلطة تشريعية إقليمية منتخبة دوريا يسميها ( مجلس التشريع الإقليمي ) ، وهي السلطة التشريعية الوحيدة في الإقليم ، تطلع بتشريع كافة القوانين بما يتفق ومبادئ العدالة ومواثيق حقوق الإنسان ونصوص الدستور الدائم ، ويتلاءم مع بيئة وثقافة وإرادة مواطني الإقليم ، ويكون نطاق سريان الاختصاص المحلي لتلك القوانين والتشريعات الحدود الجغرافية للإقليم .
يفهم من كل ذلك أنه بمجرد سريان الدستور الدائم ، تنتقل سلطات التشريع الحقيقية من الاتحادية إلى الآقاليم ، لتصبح هي سلطات التشريع والرقابة الدورية في حدود الإقليم ، الغاية التي يرمي إليها المقترح من وراء ذلك ، بجانب ما تعارفت عليه النظم الاتحادية ـ هو غل يد السلطة الاتحادية من التدخل في شؤون الإقليم ، إلا في حدود ما يسمح به الدستور الدائم ، الامر الذي يوفر للسلطة الإقليمية استقلالها ، سواء في الإطار التنفيذي أو التشريعي.
غني عن القول أن توفر سلطتي التنفيذ والتشريع بيد الحكومات الإقليمية ، هو ضمان استقلال سلطاتها عن الحكومة الاتحادية في إطار أحكام الدستور الدائم ، قصد بهذا التصور إعطاء مواطني كل إقليم الحق الكامل ، في وضع القوانين التي يتوافقون عليها بالآغلبية ومن ثم حرمان الحكومة الاتحادية ومجلسها الرقابي من فرض أي تشريعات على الآقاليم بعد إجازة الدستور الاتحادي الدائم ، وذلك حفاظا على مبدأ استقلال السلطة الإقليمية ، تلك هي السلطتان التشريعيتان في عموم هيكلة الدولة الاتحادية المقترحة ، إحداها اتحادية ينتهي دورها بإجازة الدستور الدائم ، والآخرى إقليمية دورية ثابتة ، بقية المجالس الولائية والمحلية طابعها العام شوري ورقابي ، سلطتها في التشريع لا تتعدى إجازة الآوامر المحلية والمنشورات التنظيمية والتنسيقية واللوائح ، التي تصدر عن السلطة التنفيذية الولائية والمحلية ممثلة في المعتمدية بما يتسق مع التشريع الاقليمي والدستور الاتحادي.

السلطة القضائية
ـ هي السلطة الثالثة في بنية الدولة القطرية الحديثة ، ينظمها المقترح في مستويين :
المحكمة الدستورية الاتحادية :

ـ هي الجهة المختصة بالفصل في دستورية القوانين ، وأي اختصاصات أخرى ينص عليها الدستور الدائم ، ويفصل بقانون عدد عضويتها ومخصصاتهم ومدة خدمتهم .

يتم الاختيار للمحكمة الدستورية من بين أفضل وأطول الخبرات المرشحة من قضاة المحاكم العليا ، بواسطة رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس القضاة ، و مجلس الحكم الاتحادي ومستشار الدولة للعدل.

ـ يرس المحكمة الدستورية أطول المختارين خبرة في العمل القضائي.
. ـ مقر المحكمة الدستورية هو العاصمة الاتحادية
: السلطة القضائية الاتحادية
يرأسها رئيس يسمى رئيس القضاة ، ينتخبه القضاة من بين قضاة المحكمة العليا وتتبع لإدارته كافة الكوادر القضائية وإدارة المحاكم وتسجيلات الأراضي ، مقرها العاصمة الاتحادية.
: السلطة القضائية الإقليمية
تتبع لرئاسة القضاء الاتحادي إداريا ، ويرأسها رئيس المحكمة العليا الإقليمية
مقرها رئاسة الإقليم ، وتشمل المحكمة العليا الإقليمية والمحاكم العاملة بالإقليم وإداراتها.

السلطة القضائية هي الضلع الثالث من أضلاع الدولة ، ووفق ما استقر عليه تاريخ العمل القضائي ، فإن هناك صنفين للقضاء في السودان ، قضاء قانون وقضاء موضوع.
قضاء القانون معني به القضاء الذي ينعقد اختصاصه في نظر ومراجعة الآحكام الصادرة من محاكم الموضوع ، إذا كان الحكم مخالف للقانون ومبادئ العدالة ، أما قضاء الموضوع فتمثله المحاكم العادية بدرجاتها المختلفة ومحكمة الاستئناف ، ُعرفت بمحاكم موضوعية لآنها تنظر في موضوع الدعوى أي وقائعها ، وتصدر حكمها استنادا على معايير وزن البينات.
فيما مضى كانت المحاكم العليا وحدها الممثلة لقضاء القانون في السودان ، وفقا لتراتبية درج التقاضي آنذاك ، غير أن التطور الدستوري بعد اتفاق السلام الدائم ، أضاف محكمة أخرى لسلم القضاء في السودان لآول مرة سماها المحكمة الدستورية ، بهذه الإضافة أصبح للقضاء شقين في السودان ، شق تمثله المحكمة الدستورية ، على قمتها رئيس المحكمة الدستورية ، وشق آخر يمثله القضاء الاتحادي ،على قمته رئيس القضاء حدد الدستور الانتقالي في الباب الخامس حدود الاختصاص لكل منهما في المادة 122 في النقاط التالية :
ـ حراسة الدستور وتفسير نصوصه.
ـ الفصل في المنازعات التي يحكمها الدستور ودساتير الولايات.
ـ حماية حقوق الإنسان والحريات الآساسية. ـ الفصل في دستورية القوانين والنصوص.
ـ الفصل في النزاعات الدستورية فيما بين مستويات الحكم وأجهزته.
ـ للمحكمة الدستورية اختصاص جنائي في مواجهة كل من رئيس الجمهورية ونوابه وقضاة المحكمة العليا ورئيس الهيئة التشريعية القومية.
يفهم من ذلك أن المحكمة الدستورية مع أنها في الآصل قضاء قانون ، أضاف لها الدستور اختصاص موضوعي ، تمثل في الشق الجنائي عندما يكون الفعل الجنائي يتعلق برئيس الجمهورية ، أو أحد نوابه أو رئيس الهيئة التشريعية ، أو أي من قضاة المحكمة العليا ، وفي المادة 123 وما يليها حدد الدستور الشق الآخر ، وسماه بالسلطة القضائية القومية محددا اختصاصها بالفصل في الخصومات ، وإصدار املآحكام وفقا للقانون ، كما بين درجات التقاضي ، وسماها بالمحكمة العليا القومية ، ومحاكم الاستئناف القومية ومحاكم الموضوع القومية الآخرى بدرجاتها المختلفة .
لعلكم تلاحظون أن المقترح لم يتطرق للتفاصيل ، بحسبانها تفاصيل سوف تأتي بالضرورة عند صياغة الدستور ، واكتفى بالنص على شقي القضاء الدستوري والعادي مضيفا لفظ ( اتحادية) على السلطة القضائية بدلا من لفظ القومية ، بغية تمييزها عن السلطة القضائية الإقليمية ، كما أجرى تعديلا في طريقة اختيار أعضاء المحكمة الدستورية ورئيسها ورئيس السلطة القضائية الاتحادية ، خلافا لما عليه في الدستور الانتقالي ، واقترح لكل إقليم سلطة قضائية على قمتها
محكمة عليا، يكون لرئيسها سلطة إدارية على المحاكم الآخرى في الإقليم ، وتخضع جميع السلطات القضائية في الإقليم لإدارة رئيس القضاء الاتحادي ، بحسبانه رئيس الجسم الاتحادي المعني بتعين وتدريب وتأهيل وترقية وتنقلات القضاة ، ومحاسبتهم والعناية بكافة شؤونهم الآخرى .

medali51@hotmail.com

يتبع >>>>>>>>> 6  

مقالات مشابهة

  • وزارة الإعلام: ننوه إلى وسائل الإعلام العربية والغربية التعامل بدقة ومصداقية مع الأحداث الجارية وعدم الوقوع في فخاخ الشائعات التي يتم ضخها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متصاعد وممنهج
  • وزارة الإعلام: نهيب بالمواطنين التحلي بالوعي وعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة التي تستهدف النسيج الاجتماعي، ونؤكد على ضرورة الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة، لما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي
  • حرية سجين
  • رغم التعادل أمام بن قردان.. الترجي يحتفظ بصدارة الدوري التونسي
  • رفض الموظف المنتهية خدمته للانقطاع غير المتصل عن العمل من تقديم عذر يخالف الدستور
  • الرئيس السيسي: مصر خيارها السلام.. والأموال التي تنفق في الحروب يجب أن تنفق فى التعمير والتنمية
  • الرئيس التونسي يهنئ المنفي بحلول شهر رمضان
  • «المنفي» يتلقى برقية تهنئة من الرئيس التونسي
  • عمران: مشروع الدستور يعالج الفيدرالية والمماطلة تعمّق الأزمة
  • معالم في طريق استقرار الحكم في السودان (5-10)