هيرست: التطبيع الإسرائيلي السعودي.. الوهم الكبير
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للكاتب البريطاني دافيد هيرست، يتحدث فيه عن مآلات التطبيع السعودي الإسرائيلي المرتقب.
وأطلق هيرست وصف "الوهم الكبير" على التطبيع بين الرياض وتل أبيب، والذي تؤكد تقارير غربية أنه وصل إلى مراحله الأخيرة.
وتاليا ترجمة المقال:
في تصريح أدلى به مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لصحيفة ذي واشنطن بوست قبيل اعتلاء الرئيس الأمريكي جو بايدن منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ليلقي خطابه في الأسبوع الماضي، قال المسؤول المذكور: "إذا ما تحدثنا بشكل عام، فيمكن القول إن المنطقة توجد في حالة من الاستقرار لا تختلف عما لم تزل تشهده من استقرار منذ العديد من السنين.
يقول هذا بينما هناك خمسة من البلدان في حالة من الدمار الشامل، كان دمار أربعة منها ناجماً عن التدخل الأمريكي. وهناك ثلاث أخرى، يحظى حكامها بدعم واشنطن، تترنح على حافة الإفلاس.
ومضى المسؤول الأمريكي يتحدث دون أن تبدو عليه أي أمارات تشير إلى التهكم، وقال: "أعتقد أن الكثير من ذلك ما هو إلا نتاج بعض من الدبلوماسية الأمريكية الذكية، والتي عادة ما تتم داخل الغرف الخلفية".
والآن، يتم تخصيص موقع الصدارة داخل خزانة الكؤوس التي أحرزتها الدبلوماسية الأمريكية للجهود التي يبذلها الرئيس بايدن من أجل حمل المملكة العربية السعودية على الاعتراف بإسرائيل.
على الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن كان من أبرز المشككين في مثل تلك الجهود عندما كانت تبذل على يد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعلى يد زوج ابنته جاريد كوشنر، إلا أنه اليوم يتحدث عن الأمر بحماسة تفوق حماسة من اهتدى لتوه وتحول من دين إلى آخر.
بل صرح بأن التطبيع ما بين اثنين من أقرب حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط سوف يكون "حدثاً له ما بعده". في تلك الأثناء لاحظ مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأن الأطراف المعنية بات لديها "فهم واسع للعديد من العناصر الأساسية."
غدت آخر قطعة في اللغز الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم هي الموافقة السعودية على الإشراف النووي الذي تمارسه الهيئة الأممية التي تناط بها الرقابة على ما كل ما يتعلق بالطاقة الذرية، والتي تسمى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وذلك أن المساعدة الأمريكية في التخصيب النووي باتت واحدة من المطالب السعودية ضمن القائمة المتنامية للمشتريات السعودية.
وقبل ذلك جرى حديث حول إبرام اتفاق أمني مع الولايات المتحدة. إلا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستمر في التلويح بما لديه الاستعداد للتوقيع عليه ولكن دون التضحية بعلاقته مع الصين.
اصطفاء الزعماء الغربيين
في المقابلة التي أجرتها معه مؤخراً قناة فوكس نيوز، نفى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعليق المحادثات بسبب التوجه اليميني المتطرف للحكومة الإسرائيلية الحالية، وقال: "في كل يوم نقترب أكثر [من إبرام الصفقة]. ويبدو للمرة الأولى أننا أمام صفقة حقيقية، صفقة جادة".
في نفس الوقت لم يقتنع بوقف تأييده لروسيا في مجموعة أوبيك زائد، بل قال إن الأمر كله "يخضع للعرض والطلب"، ولا بوقف تأييده للصين التي أشاد بزعيمها الرئيس زي جينبينغ الذي قال عنه إنه "يسعى بكل ما أوتي لتحقيق الأفضل" من أجل بلده.
ما من شك في أن التطبيع العربي مع إسرائيل صار يعني أشياء مختلفة تماماً لمختلف الأطراف. بالنسبة للولايات المتحدة، والتي تواجه مشاكل جمة ضمن استراتيجية انسحابها من المنطقة بعد عقدين من التدخلات التي منيت بإخفاق شديد، تعتبر المكاسب المتحققة من مثل هذه الاتفاقيات ذات أبعاد جيو استراتيجية.
وذلك أن الأمر يتعلق باصطفاء الزعماء الغربيين الجدد للمنطقة، كما يتعلق بإبعاد كل من روسيا والصين عن منطقة الخليج، والحيلولة دون تحولهما إلى أكثر من مجرد شريكين تجاريين.
وبذلك يكون قد تم صهر تركيز الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على منطقة المحيط الهادي في "صفقة القرن" التي أبرمت في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب، فصارا شيئاً واحداً. وبذلك يكون الرؤساء الأمريكيون الثلاثة قد أوقفوا البحث عن حل للصراع الفلسطيني.
بالنسبة للدول الخليجية الثرية، يتعلق الأمر برمته باللعب في السوق، وبتحصيل أعلى الأثمان وضمان أعلى العروض.
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر كلها مرت بنفس المعاناة، حيث كانت ذات مرة بلداناً تعتمد بشكل تام على الغرب من حيث الإدارة التمويلية، وكمصدر للتكنولوجيا، ومن حيث الدعم العسكري. وهي نفس الرحلة التي مضت فيها من قبل كل من إيران وروسيا وتركيا. فهم تقريباً في نفس الموقع فيما يخص استعراض القوة الأمريكية خلال القرن الحادي والعشرين، وذلك على الرغم من أن التصريحات الصادرة عنهم والتحالفات التي هم جزء منها قد تختلف.
ولئن كانوا جميعاً ذات يوم ممن آمنوا بالحلم الغربي كمحرك للتنمية، فقد باتوا الآن يشعرون بخيبة عميقة إزاء ذلك، وانعقد لديهم العزم على رسم ملامح مستقبلهم من خلال تحالفات يبرمونها بأنفسهم.
الصورة الجديدة المحسنة لولي العهد السعودي
كل من يعتقد بأن المملكة العربية سوف تصبح جزءاً لا يتجزأ من المعسكر الغربي نتيجة لاعترافها بإسرائيل فإنه يعيش في عالم من الأوهام. كل ما تفعله الرياض هو أنها توزع رهاناتها – وهو أمر معقول إذا ما أخذنا بالاعتبار الظروف الحالية.
حتى من الناحية الشخصية – ولا ريب في أن السياسة التي يرسمها حاكم مطلق هي سياسة شخصية وحصرية – يعتبر محمد بن سلمان أقرب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منه إلى معظم الزعماء الآخرين على الساحة الدولية.
فكلا الرجلين، كل في بلده، بدءا مسيرتهما من خارج المنظومة الحاكمة. وكلاهما استبعدا من قبل أقرانهما، واستصغرا من قبل خصومهما، وسلكا طريقيهما نحو القمة باللجوء إلى أقسى درجات العنف والشدة. وكان بوتين هو النموذج الذي اقتدى به محمد بن سلمان حين تعلق الأمر باغتيال مواطنيه المغتربين في الخارج.
ولذلك يبدو أقرب إلى المسرحية الهزلية تصور أنه من الممكن إنتاج صورة جديدة لمحمد بن سلمان باعتباره صاحب الرؤية المستقبلية الساعي للإصلاح، ناهيك عن أن القيام بمثل هذا الأمر يشكل إهانة كبيرة ومؤذية للعائلات السعودية المكلومة.
بعد مرور خمس سنين على جريمة قتل جمال خاشقجي، والتي أمر بتنفيذها ولي العهد السعودي مستخدماً فريق اغتيال لتلك المهمة هو من اختار أفراده بنفسه، ها قد عاد المستثمرون الغربيون إلى دافوس الصحراء وقد سال لعابهم وهم يتهيأون لاقتناص الفرص السانحة.
أما بالنسبة لإسرائيل، فالتطبيع مع جيرانها العرب يعني بالنسبة لها تكريس مكانتها كقوة عسكرية وتكنولوجية مهيمنة في المنطقة. لم يخطر ببالها يوماً أن التطبيع يعني التكافؤ أو البحث عن شراكة متساوية مع جيرانها العرب – ولا يتعلق الأمر حتى بوصول مستعمرة أوروبية إلى القناعة بأنه آن لها أن تتعايش مع حقيقة كونها موجودة داخل منطقة الشرق الأوسط. مهما أبرمت إسرائيل من اتفاقيات مع جيرانها، لسوف تظل مصرة على الاحتفاظ بتفوقها العسكري، سواء من ناحية الأسلحة التقليدية أو من ناحية السلاح النووي.
الإعلان بأن الصهيونية قد انتصرت
وفيما يتعلق بالقيادة القومية المتطرفة حالياً في إسرائيل، هناك أيضاً مكون عقائدي داخلي قوي له باع في الموضوع، وهو مكون ليس له أدنى اهتمام بإنهاء الصراع ناهيك عن تحقيق السلام.
ولذلك فإن التطبيع مع المملكة العربية السعودية يتعلق كلياً بالإعلان عن أن المشروع الصهيوني قد انتصر. وهذا ما عبر عنه بشكل واضح في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي يندر أن تقابل تصريحاته بالتجاهل، حيث قال إن الفلسطينيين لا يمكن لهم ممارسة حق النقض تجاه السلام.
وقال نتنياهو: "أعتقد أننا نقف اليوم عند منعطف يوشك أن يفضي إلى تحقيق إنجاز أكبر وأجل – إنه السلام التاريخي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وهو السلام الذي سوف يكون من نتائجه إنهاء الصراع بين العرب وإسرائيل."
ومضى نتنياهو يقول: "وهذا ما سوف يشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. ولسوف يعزز من فرص السلام مع الفلسطينيين أنفسهم. كما أنه سوف يشجع على إنجاز مصالحة أشمل ما بين اليهودية والإسلام، ما بين القدس ومكة، ما بين أبناء إسحاق وأبناء إسماعيل. وكل هذه بركات ونعم عظيمة."
ثم قام نتنياهو باستعراض واحدة أخرى من خرائطه المضللة، والتي مسحت منها تماماً الأراضي الفلسطينية، معلناً بذلك تحقيق النصر.
إلا أنه هو وإسرائيل يعيشان في وهم كبير.
فلكم أعلن من قبل، وفي مرات عديدة، عن بداية تاريخية جديدة. عندما التقى الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن، تعهد هذا الأخير بأنه "لن تكون هناك حروب أخرى، ولن تسفك دماء أخرى، ولن تشن اعتداءات أخرى." كان ذلك اللقاء في عام 1977.
ولكن بعد عام واحد غزت إسرائيل جنوب لبنان وصولاً إلى نهر الليطاني، وكررت نفس الأمر في عام 1982 من أجل إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
ونفس هذه الوعود الكاذبة تم التعهد بها تارة أخرى في أوسلو في عام 1993، من خلال وثائق تم التوقيع عليها على نفس المائدة الخشبية التي استخدمت للتوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979. في ذلك الوقت، كتب محرر صحيفة نيويورك تايمز يقول إن أوسلو سوف "تسمح للفلسطينيين أخيراً بإدارة شؤونهم بأنفسهم بينما تنسحب القوات الإسرائيلية خلال شهور من قطاع غزة ومن أريحا كخطوة أولى".
سلام في زمننا نحن؟
لقد تم إبرام معاهدات السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن بعد ترتيب العديد من اللقاءات السرية التي كانت تعقد بين الزعماء العرب والزعماء الإسرائيليين، وكذلك فعل محمد بن سلمان ونتنياهو اللذان جمعتهما لقاءات سرية كذلك.
في ليلة من ليالي عام 1986، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز ووزير دفاعه آنذاك إسحق رابين مع عاهل الأردن الملك حسين على مشارف مدينة العقبة. وبات معروفاً الآن أن الملك حسين كان قد زار إسرائيل سراً ثلاث مرات، وكان يحمل معه هدايا، من ضمنها أقلام ذهبية يعلوها شعار التاج الأردني. وكانت الهدية التي تلقاها منه ييغال آلون، الوزير في الحكومة الإسرائيلية، بندقية هجومية صنعت في ألمانيا. وكان الملك حسين وإسحق رابين يستمتعان بالتدخين معاً.
كلها تفاصيل مثيرة، ولكن لم يفلح أي منها في تغيير مسار التاريخ. بل ما حصل بالفعل هو أنها زادت من عزيمة إسرائيل على الاستمرار في احتلالها للأراضي الفلسطينية وفي مهاجمة جيرانها كلما لاحت في الأفق إشكالات.
هل تبدل الرأي العام تجاه إسرائيل بين الفلسطينيين أو بين المصريين نتيجة لإبرام تلك المعاهدات؟ لا، على الإطلاق، بل لا يقل كره الناس لإسرائيل اليوم عما كان عليه في أي وقت مضى. وأكثر ما يشغل بال أي عربي هو الأسلوب الذي تعامل به إسرائيل الشعب الفلسطيني.
بعد ثلاثة عقود من توقيع معاهدة السلام مع الأردن، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي ياعوف غالانت أن إسرائيل سوف تقيم حاجزاً جديداً على امتداد 300 كيلومتر من الحدود بين إسرائيل والأردن. كثيراً ما ترفض إسرائيل إصدار تأشيرات زيارة للشباب الأردنيين الراغبين في العبور إليها. والمحصلة هي أنه لا يوجد سلام بين البلدين.
ذلك ما رآه بوضوح شديد فلاديمير جابوتنسكي، الزعيم اليهودي الأوكراني والمحسوب على التيار اليميني الصهيوني، والذي كتب يقول: "إنها لفكرة طفولية أن يتخيل المرء، كما هو ديدن المحبين للعرب من بيننا، أن الفلسطينيين سوف يرضون طواعية بتحقق المشروع الصهيوني، مقابل بعض الفوائد المعنوية والمادية التي سيجلبها المستعمر اليهودي معه. تحمل هذه الفكرة في طياتها ازدراء للشعب العربي، ومن يفكر بهذا الشكل فإنه يزدري العرق العربي، حيث أنه يرى في هذا العرق دهماء فاسدة يمكن أن تشترى وتباع، ولديها الاستعداد للتخلي عن أرض الآباء والأجداد مقابل الحصول على شبكة جيدة من السكة الحديد .... لا وجود إطلاقاً لما يبرر مثل هذا الاعتقاد".
ومضى يقول: "لربما كان بعض الأفراد من العرب ممن يقبلون الرشوة. ولكن هذا لا يعني أن الشعب العربي في فلسطين بأسره سوف يبيع تلك الحمية الوطنية التي يعتزون بها ويعضون عليها بالنواجذ، والتي ما كان حتى البابويون (سكان غينيا الجديدة) ليقبلوا ببيعها أو التنازل عنها. ما من شعب من الشعوب الأصلية في العالم إلا ويقاوم المستعمرين طالما وجد بارقة أمل في إمكانية التخلص من خطر الوقوع فريسة للاستعمار".
منذ عقود والزعماء العرب يستمتعون بعلاقات دافئة مع نظرائهم الإسرائيليين، وبعضهم كانت لديه مثل تلك العلاقات حتى قبل قيام دولة إسرائيل. ولذلك فإن الزعم بأن إسرائيل محاطة بأنظمة عربية تشكل تهديداً وجودياً لها مجرد وهم، ما لبث أن كشف زيفه المؤرخون الجدد الذين وثقوا لأحداث حرب عام 1948 ولكل حرب جاءت من بعدها.
تمكنت إسرائيل من زرع جواسيس لها في أرقى المناصب وأكثرها نفوذاً داخل الأنظمة العربية، من إيلي كوهين في سوريا إلى أشرف مروان في مصر. يذكر أن أشرف مروان كان زوج ابنة جمال عبد الناصر وكان مقرباً جداً من أنور السادات ومساعداً له.
ولكن مشكلة إسرائيل الاساسية هي مع الفلسطينيين الذين يعيشون داخل فلسطين التاريخية أو في الشتات، والذين يرون في إسرائيل نظاماً استعمارياً يقوم على الفصل العنصري. لا يمكن لأي معاهدة جديدة قد يتم التوقيع عليها أن تغير من هذه النظرة.
لن يتحقق السلام بين أي بلد عربي وإسرائيل إلى أن ينتهي الصراع الفلسطيني من خلال موافقة إسرائيل على تشاطر السيادة على الأرض. وفي المرة القادمة التي يعلن فيها زعيم إسرائيلي أن "السلام سيكون في زمننا" فإني أنصح كل من يتواجد بالقرب من طائرات إسرائيل الحربية وطائراتها المسيرة أن يلوذ بما يقيه شرها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة التطبيع السعودية السعودية الاحتلال التطبيع صحافة صحافة صحافة تغطيات سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المملکة العربیة السعودیة العهد السعودی محمد بن سلمان ما کان فی عام من قبل ما بین
إقرأ أيضاً:
ذكريات توثيقية: حرب اليمن والقصة الحقيقية لهروب الرئيس عبد ربه منصور هادي الى السعودية.. مارس 2015 – مارس 2025
اجتماعاً ضمَّ عدداً من أعضاءِ مجلسِ النُّوَّاب مُمثلي مُديريَّات مدينةِ عَدَن، وأعضاءِ المجالسِ المحليَّة بالمُحافظة ،ومُدراء الأمن العامّ ( الشُّرطة ) بالمُديريَّات ، ومُدراء المُديريَّات، والعامِّين بالمُحافظة، استمرَّ الاجتماعُ لأزيدَ من ساعةٍ ونصفٍ ، ونقاطُ محور الاجتماع، هي كيفيَّةُ الحفاظُ على أمنِ وسلامةِ المُواطنينَ في المدينة من عبثِ العابثينَ، والمُسلَّحينَ، والخارجينَ عن القانُون ، وكلَّفتُ جميعَ المسؤولينَ التّنفيذيين، والقياداتِ على مُستوى الخدماتِ بالمُحافظة بمُختلفِ درجاتهم، وصلاحيَّاتهم.، بأن يعملَ الجميعُ على خدمةِ المُواطنِ العَدَنيّ اليمنيِّ، ومنع إثارةِ الفوضي؛ كيلا تصلَ إلى هؤلاءِ المُواطنين.
أتذكَّرُ أنَّ في تلك السَّاعاتِ الحرجةِ لحركةِ المُواطنين انتشارَ فوضى حركةِ السَّير ( جيئةً وذهاباً )، وبَدْءَ أعمالِ النَّهب والسَّرقة ، وبدءَ الهُرُوبِ الجماعي لجميعِ المسؤولين القياديين بمُختلفِ درجاتِهم، ومناصبِهم من مدينةِ عَدَن إلى مُحافظتي أبين، وشبوةَ، بَدْءاً من منصبِ وكيلِ مُحافظةٍ، ووزارةٍ، وضابطٍ عسكريٍّ ومدنيٍّ، مُرُوراً بالوزراء، وأعضاءِ مجلسَي النُّوَّاب والشُّوري، وقادةِ الوحدات العسكريَّةِ، والأمنيَّة، وصُولاً إلى هُرُوب الرَّئيسِ الأسبقِ / عبدربّه منصُور هادي ذاتِه مع أصدقائه وحاشيتِه، وعائلتِه.
كُنَّا في وداعِ الرَّئيسِ/ هادي للمرَّةِ الأخيرة:
ذهبتُ، وعدداً من الشَّخصياتِ السِّياسيَّةِ، والعسكريَّةِ؛ لزيارةِ مقرّ الرَّئيسِ/ عبدربّه منصُور هادي في مسكنه الشَّخصيّ، والرَّسميّ في حيّ المعاشيق من ضاحيةِ كريتر؛ لزيارته والاطمئنان عليه، والاطلاعِ على آخرِ الأخبار لديه ، وإلى أين سارتْ، وتسيرُ الأمُور، ولأنَّ هُنَاكَ تعقيداتٍ في المشهد فلن أتطرَّقَ إلى أسماء الشَّخصيَّاتِ التي رافقتني في هذه الزّيارة، ومُنذ ولوجنا بوَّابةَ مَجمْعِ مباني المعاشيق في كريتر لم نجدْ تلك الحراساتِ للقصرِ الجُمهُوريّ المُعتادةَ، ولم نُقابلْ سوى أعدادٍ مُحدُودةٍ من العسكر بعددِ أصابع اليد الواحدة، وسألتُ ذلك الضَّابطَ الذي اعتاد أَنْ يستقبلَنا بحرارةٍ كُلما زُرنا القصرَ ، فقد وجدناه جالساً وحيداً مهزُوماً نفسيَّاً في البوَّابة الأولى بجانبِ نادي التِّلال الرّياضيّ ، وكان يُرشدُنا إلى دُخُول المعاشيق بكلتا يديه ، واصلنا السَّيرَ بموكب سيَّاراتنا، وكانتْ قافلةً طويلةً نسبيَّاً؛ نظراً للشَّخصيَّات التي قرَّرتْ زيارةَ الرَّئيسِ/ عبدربّه ، وواصلنا الحركةَ، والسَّيرَ إلى البوَّابةِ الثانية، وهي في الجهةِ المُقابلةِ لقاعة فلسطينَ، وهُنا لم نجدْ أحدَاً من الحراسات بالمُطلق ، وواصلنا السَّيرَ باتِّجاه طُلُوع العقبةِ المُؤدِّية إلى مباني الرئاسة في قمَّةِ جبلِ المعاشيق حتَّى وصلنا إلى المبني الذي يُقيمُ فيه فخامةُ الرَّئيسِ، وهُنا أيضاً لم نجدْ أيَّةَ حراساتٍ سوى ثلاثةَ عشرَ جُنديَّاً تقريباً، هُم من أقاربِ الرَّئيس، وكي يطمئنَ قلبي سألتُ أحدَ حراساته المعرُوفين لديَّ ، هل مازالَ الرَّئيسُ عبدربّه منصُور موجُوداً بالمكان ، أومأ لي بالإيجاب، وهُنا اطمأنَّ قلبي بأنَّه مازالَ موجُوداً.
دخلتُ – مع بقيَّة الزُّملاء القادمينَ لزيارةِ الرَّئيس – بهوَ المبنى الذي يُقيمُ فيه الرَّئيسُ، واستقبلني الدُّكتُور/ مُحمَّد علي مارم الذي عُيّن حديثاً مُديراً لمكتبِ الرَّئيس، والعميدُ / ناصر الإسرائيليّ، مُديرُ مكتبِ اللواء / ناصر منصُور هادي، وكيلِ جهاز الأمن السِّياسيِّ في عَدَن ولحج وأبين، وهو شقيقُ الرَّئيسِ/ عبدربّه منصُور هادي ، ولم نجدْ غيرَهُم في كلِّ أرجاء دار الرّئاسة ( مباني المعاشيق كُلها ) ، أي لم يبقَ في هذا المبنى الرّئاسيّ سوى الرَّئيسِ/ عبدربه منصُور ،ومُدير مكتبه، ومُدير مكتب شقيقه، وابنه جلال عبدربّه منصُور، وثلاثةَ عشرَ جُنديَّاً وحارساً ، مع أنَّ حراساتِ القصرِ الجُمهُوريّ قيلَ لي أنَّهم يتجاوزُون خمسةَ آلافِ جنديٍّ، وضابطٍ وقائدٍ ، هذهِ من عجائب الأمُور في تأريخِ اليمن، وتفريعاته.
أتذكَّرُ أنَّ مَن حضر لزيارة الرَّئيس كُلٌّ من :
الدُّكتُور/ عبدالعزيز صالح بن حبتُور مُحافظ مُحافظةِ عَدَن؛
الدُّكتُور/ مَهدي علي عبدالسَّلام، العولقي عُضو مجلسِ النُّوَّاب؛
اللواء / عبدربّه الطّاهري المصعبي البيحانيّ، قائد المنطقةِ العسكريَّةِ الجنُوبيَّةِ/ عَدَن وضواحيها؛
العميد رُكن / فرج حُسين العتيقي العولقي، قائد مُعسكر بئر أحمد؛
اللواء / غازي أحمد علي مُحسن لحول المصعبيّ، مُدير أمن عَدَن الأسبق، الدُّكتُور/ حاتم باسردة الحميري، أستاذ مُحاضِر بجامعةِ عَدَن، الدُّكتُور/ علي حسن الأحمدي العولقي، رئيس جهاز الأمن القوميّ؛
الأستاذ/ مُحمَّد بن حصامة العولقي، كادر مُعاون في الأمن القوميّ..
ملحُوظةٌ عابرةٌ : إنَّ جميعَ مَن حضر آنفاً لالتقاء الرَّئيسِ/ عبدربّه منصُور في ذلك الزَّمن الحاسِم، هُم من أبناءِ م/ شبوةَ فحسب.
انتظرْنا جميعاً في قاعةِ الاستقبال لدقائقَ إلى أَنْ حضرَ إلينا الرَّئيسُ ،يرافقُه ولدُه جلال عبدربّه، وأخذ مقعدَه على يميني، وكان في حَالَةِ يأسٍ، وإحباطٍ شديدينِ ، لكن يتَّضحُ من حديثه أنَّه في حَالَةِ انفصالٍ عن الواقع ، وكأنَّ ما يدُورُ في الشَّارع العَدَنيّ لا يُدركُ مآلاتِه، ولم يستوعبْ مُعطياتِه، ولا حتَّى نتائجه ، وأنَّ أقصى ما يُفكِّرُ فيه، هو كيفيَّةُ هُرُوبه إلى الخارج، هو وشلّته، وأسرته .
وقال ما نصَّه خلاص خلاص ، كُلُّ شَيْءٍ انتهى، والجماعةُ في أطراف مدينة عَدَن، ويقصدُ ( جيشَ أنصار الله الحُوثيين ، والحرس الجُمهُوريّ للجيش اليمنيّ ) ، وأردف بالقول لقد أخذُوا، و أسرُوا الأخ / محمُود الصُّبيحي، وزيرَ الدّفاع، والأخ / ناصر منصُور هادي، وكيلَ الأمن السِّياسيّ عدن، والأخ فيصل رجب، قائداً عسكريَّاً ، وعليه فإنَّ كُلَّ واحدٍ منكُم، يعُودُ إلى منزله، هكذا بكُلِّ وضُوحٍ، ودُونَ زيادةٍ، أو نُقصان ، لكنَّه أعطى في تلك اللحظات الضَّائعة بعض التّوجيهات العسكريَّة غير الدَّقيقة لقائد المنطقة العسكريَّة الجنُوبيَّة اللواء / عبدربّه الطاهري المصعبي ، وكأنَّه كان مُنفصلاً عن الواقع تماماً، أي أنَّه لا يعرفُ ماذا يدُورُ على أرض واقع عَدَن في تلك اللحظات، وقال لقائد المنطقة العسكريَّة الجنُوبيَّة، اصرفْ لمُحافظ عَدَن 2.000 قطعةِ سِلاح كلاشنكُوف صُنع رُوسيّ ( ألفي قطعة كلاشنكُوف )، وكذلك مليوني طلقة رصاص، أي مليوني طلقةٍ ناريَّةٍ ، ردَّ عليه قائدُ المنطقة بكثيرٍ من الأدب، والانضباط بالقول، ولكنْ يا سيدي فخامةَ الرَّئيس جميعُ أبواب مُعسكر جبل حديد قد تمَّ اقتحامُها من قِبلِ الفوضويين، وعِصابات النَّهب ، وبُدِئتْ السَّرقةُ لمُحتوياته من جميع أنواع الأسلحة، والذّخائر، وغيرها، نهبٌ من قِبلِ الجماعات المُسلّحة، و الشَّعبيَّة غير المُنظّمة في عَدَن ، كما أنَّهُم قد نهبُوا بقيَّةَ المُعسكرات الأخرى للجيش والأمن ، وحتّى مكتب القصر الجُمهُوريّ المُسمَّى قصرَ 22 مايُو في التَّواهي تعرَّض مُنذ صباح هذا اليوم للنَّهب والسَّرقة من قبلِ النَّاس المجاورين للمواقع التي نُهِبتْ.. ردَّ عليه الرَّئيسُ بعباراتٍ قاسيةٍ، وصارمةٍ، وقال له: يا هذا نفّذ التّوجيهات دُونَ تلكُّؤٍ وبس .
وهُنا أودُّ أن أشيرَ إلى أنَّ تلك الأسلحةَ نوع “الكلاشنكُوف الرُّوسيّ” التي وجَّه بها الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي ، بأمر قائد المنطقة الجنُوبيَّة اللواء/ الطاهري البيحاني؛ كي يصرفَها في هذه اللحظات الضَّائعة لمُحافظ مُحافظةِ عَدَن ، هي تلك الأسلحةُ التي أرسلها الرَّئيسُ / فلاديمير بُوتن، الرَّئيس الرُّوسيّ ، أرسلها في سفينةٍ حربيَّةٍ من رُوسيا إلى اليمن قبلَ أشهرٍ، ووجَّه الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي بتحويل شُحنتها من ميناء الحُديدة إلى ميناء عَدَن ، ووصلتْ في نهاية شهر يناير 2015م ، وأنا حينها قد أصبحتُ مُحافظاً لمُحافظة عَدَن ، وقمتُ أنا شخصيَّاً باستلامها رسميَّاً من سعادة السَّفير الرُّوسيّ في الجُمهُوريَّة اليمنيَّة ، حتّى إنَّنا واجهنا مُعضلةً مُعقَّدةً في تفريغ شُحنة السَّفينة المُكوَّنة من 194 كونتينرز؛ خوفاً عليها، أو على أجزاءٍ منها منَ السَّطو المُسلّح من قبلِ العِصابات الارهابيَّة المُسلّحة، والتي انتشرتْ في تلك الأيَّام بالقُرب من مدينة عدن ، وقد رسمنا خُطّةً عسكريَّةً مُحكمةً؛ للتَّفريغ، والإنزال في المساء لعددٍ من الليالي بعدَ أن أغلقنا عدداً من الطّرقات العامَّة المُؤدِّية إلى بوَّابة مُعسكر جبل حديد ، حتّى إننا نجحْنا في تأمين إنزالها، ووصُولها، وتفريغها في مُعسكر جبل حديد.
هذه حكايةٌ مُهمَّةٌ وددتُ سردَها فيما يتَّصلُ بالأسلحة المُهدَاة من جُمهوريَّة رُوسيا الاتحاديَّة إلى الجُمهُوريَّة اليمنيَّة، ودوري الشَّخصيُّ استلامُها، وتخزينُها كما يجب .
وبعدَ الشَّدِّ، والجذب بينَ الرَّئيس، وقائد المنطقة الجنُوبيَّة ، وفي هذه اللحظات الصَّعبة علينا جميعاً ، فإنَّنا قد طلبنا الاستئذان بالمُغادرة ، وأذن لنا الرَّئيسُ بالمُغادرة ، وكُنَّا ( أنا وزُملائي ) على يقينٍ تامٍّ بأنَّه قد خطّط، هو والمُقرّبُون منه، وله من المُغادرة، إمَّا عبرَ طائرةٍ مروحيَّةٍ ( هيليكُوبتر )، وإمَّا عبرَ سفينةٍ ترسُو بالقُرب من الشَّواطئ اليمنيَّة، وتحديداً شواطئَ مدينة عَدَن ، هكذا كُنَّا نتوقَّعُ مُغادرتِه.
اتّجه موكبُنا باتّجاه منزل اللواء / غازي أحمد علي مُحسن لحول، في الضَّواحي الشَّماليَّة لحي دار سعد / عَدَن؛ لتناول وجبةِ الغِداء، والاستراحة بعدَ عناءِ يومٍ طويلٍ من الاجتماعات، واللقاءات، والمُتابعات، والمُشاحنات .النَّهبُ الجماعيُّ لمُحتويات قصر المعاشيق / كريتر / عَدَن، ولحظة هُرُوب الرَّئيس هادي من عَدَن :
وفورَ خُرُوجنا بطابُورٍ طويلٍ من سيَّاراتنا من بوَّابة منطقة مباني المعاشيق، وقد شاهد خُرُوجَنا عوامُّ، وعامَّةُ النَّاس في ضاحية كريتر، أعتقد المُواطنُون بأنَّ الرَّئيسَ قد غادر قصرَه في المعاشيق ، وعليه اعتقدُوا أنَّ المكانَ قد خلا من مُرتاديه، وسُكَّانه، وعساكره ، وهُنا انقضَّ المُواطنون – من مُعظم الأحياء السَّكنيَّة المُتاخِمة، والمُجاورة لنادي التّلال الرّياضيّ ، وحي القطيع – وهجمُوا مشياً على الأقدام، وتسلّقُوا زحفاً في طريق عقبة المعاشيق بأرتالٍ منَ المُواطنين قُدِّرتْ بالآلاف ، وانقضُّوا على الفلل، والشّقق السَّكنيَّة، والمكاتب الرئاسيَّة، والاستراحات الخاصَّة بالرئاسة، وهجمُوا على كُلِّ مُحتوياتها من أثاثٍ، وتجهيزاتٍ، ومُعدَّاتٍ مكتبيَّةٍ، وغيره ، والعجيب في الأمر بأنَّ البُسطاءَ ينهبُون الأثاثَ البسيطَ الرَّخيصَ، بينَما عددٌ من الأشخاص المُتنفّذينَ قد نهبُوا مُستودعاتِ الأسلحة، والذّخائر، والأوراقَ الخضراءَ، والزَّرقاءَ غاليةَ الثّمن، والسِّعر، والقيمة .
وفي لحظات الاقتحام، والتّكسير، والتَّحطيم، والنّهب، مازال الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي ، يقبعُ في غُرفة نومه ، ويسترخي في استراحته الوثيرة المُطلّة على البحر العربيّ، بآفاقه اللامُتناهية النَّظر على المُحيط الهنديّ في القصر الرّئاسيّ، يُشاهدُ بأمِّ عينيه، المُواطنين من ضاحية كريتر، وهُم ينهبُون أمامَ ناظريه مُحتويات دار الرّئاسة في المعاشيق بضاحية كريتر العدنيَّة.
لكنَّ الرَّئيسَ قرَّر السَّفرَ إلى الخارج عبرَ الطّريق البريّ إلى سلطنة عُمان ، واضطّر لطلب العون العسكريّ والحمائي من قائد المنطقة الجنُوبيَّة، اللواء /عبدربّه الطّاهري المصعبي البيحاني، والعميد / فرج بن حُسين العتيقي العولقي مع مُرافقيهم من الجُنُود، علماً بأنَّ القائدينِ العسكريينِ بعدَ أن غادرْنا، وإيَّاهُم معاً دار المعاشيق، هُم كذلك قرَّرُوا المُغادرةَ إلى مُحافظتهم شبوةَ ، وفي مُنتصف الطّريق اتَّصل بهمُ الرَّئيسُ، وطلب منهم العودةَ لمُرافقته، وحمايته أثناءَ السَّفر إلى سلطنة عُمان عبرَ مُحافظات أبين ، وشبوةَ، وحضرمُوت، والمهرة، وصُولاً إلى حُدُود السَّلطنة العُمانيَّة، ومن هُناك – كما يعرفُ الجميعُ وصل باليوم الثّاني – وكان في استقباله؛ لأخذه إلى الرّياض الأميرُ / مُحمَّد بن سلمان، ابنُ ملك مملكة العُدوان السُّعُوديّ على الجُمهُوريَّة اليمنيَّة .
ومازال أرشيفُ القنوات الفضائيَّة العربيَّة، والأجنبيَّة يحتفظُ بمقولة الرَّئيس / عبدربّه منصُور هادي، حينَما سُئل عن عُدوان عاصفة الحزم السُّعُوديَّة الخليجيَّة المُوجَّهة ضدَّ اليمن، قال: لا أعرف ، لقد كُنَّا نسيرُ طيلة الليل، ولم نسمعْ بأخبار الحرب مُطلقاً، ولم نعرف بها سوى بعدَ وصولنا إلى عُمان.
هذا التَّصريحُ التّأريخيُّ المُوثّقُ بالصَّوت، والصُّورة يُعدُّ بمثابة وثيقةٍ تأريخيَّةٍ قاطعةٍ تُدينُ العُدوانَ السُّعُوديَّ، والإماراتيّ، والخليجي على اليمن ، تُدينُهُم إدانةً دامغةً لا لبسَ فيها .
وهُنا علينا التَّأكيد للقارئ اللبيب، ومن وحي المُعايشة المُباشِرة، والشَّهادة للتّأريخ بأنَّ جميعَ المسؤولين اليمنيين القياديين الذين كانتْ تمتلِئُ بهم فنادقُ، ولوكندات أحياء، وضواحي عَدَن ، والشُّقق، والفلل المفرُوشة في مدينة عَدَن، وضواحيها قد هربُوا برَّاً، وبحراً، وجوَّاً ، وتركُوا المدينةَ، وأهلَها البُسطاءَ لمصيرهمُ المجهُول مع أهوال أيَّة مُواجهةٍ ، ذهبُوا إلى دُول الجِوار لينعمُوا بدفْ العيش، والسُّكنى في فنادق، ومُنتجعات الرّياض، وأبوظبي، والدَّوحة، وحتّى المنامة.
هُنا يتبادرُ السُّؤالُ المركزيُّ الآتي، ماذا يُمثلُ الوطنُ، وشرفُ حمايته، والدّفاع عن قيمه الأخلاقيَّة، والدّينيَّة بالنّسبة لهؤلاءِ المسؤولين اليمنيين الذين هربُوا، و لجأوا إلى الرّياض ؟ ، ومن هُناك يجتمعُون؛ ليُصادقُوا، ويبصمُوا على الاعتداء على وطنهمُ اليمن ! ! ! .
هل يُمثلُ الوطنُ لهؤلاءِ المسؤولين الحزبيين، والقياديين من أصحاب ( الفخامة ، و المعالي ، والسَّعادة و و و و و ) سوى أنَّها قطعةُ أرضٍ جافّةٌ يبني عليها مسكنَه الشَّخصيَّ، ولا يعنيه الوطنُ بشيء سوى أن يأويه فحسب، ولا يمثلُ له أيَّةَ قيمةٍ من حيثُ شرفِ المكان ، وعظمة، وطهارة الأوطان ، وقُدسيَّة التّراب اليمنيّ الذي انتمى، وترعرع على ترابه الطّهُور، واستنشق عبيرَ هوائه النّقي العليل، هكذا هو ترابُ الوطن الذي يجبُ الدّفاعُ عنه، وبذلُ الرُّوح والجسد، لحمايته من أيّ اعتداءٍ .
إنَّ الإنسانَ الذي يهربُ من الأرض، والوطن الذي ينتمي إليه؛ تجنُّباً لبطش الغازي أيَّاً كان، هو أشبهُ بالإنسان الذي يسمحُ طواعيةً بدُخُول رجُلٍ غريبٍ منزله الخاصّ، يرتعُ، وينامُ، ويستمتعُ بوقته مع أقرب المُقربين من أسرته، وأهله ، هكذا هو التَّشبيهُ الأقربُ للمسؤول الذي هرب في وقتِ الشّدَّة من مدينته، وقريته، ووطنه، والأدهى، والأمرُّ من ذلك أن يضعَ يدَه في يد العدوّ المُعتدِي على وطنه الأم ، وهُنا تبدأ خيانةُ شرف الوطن، وتُرابه الطّاهر .
يومَ الخميس – المُوافقُ 26/ مارس / 2015 م انطلاقُ العُدوان السُّعُوديّ الخليجيّ على اليمن :
كان الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي آخرَ المسؤولينَ اليمنيينَ الفارين، الهاربين من عَدَن، وفي صبيحةِ يوم الخميس انطلقتْ صواريخُ الحقدِ، والكراهية الخليجيّ ضدَّ اليمن، ونعني بالدُّول الخليجيَّة :
المملكة العربيَّة السُّعُوديَّة
مملكة البحرين
دولة إمارة الكويت
دولة إمارة قطر
مشيخة الإمارات العربيَّة المتّحدة
وكان الاستثناءُ الوحيدُ هو سلطنةُ عُمان، قد رفضتِ الاشتراكَ في العُدوان رفضاً قاطِعاً ، وقال وزيرُ خارجيّتها يومَذاك الشَّيخ / ….. بن علوي إنَّ سلطنةَ عُمان، وجلالة السُّلطان قابُوس – رحمةُ الله عليه – لا تُريدان بأن يُكتبَ التَّأريخُ العربيُّ في المُستقبل بأنَّها اشتركتْ بجيشها في العُدوان الخليجيّ العُرُوبيّ على الجُمهُوريَّة اليمنيَّة، وشعبها الشّقيق.
ويتذكَّرُ الرَّأيُ العامُّ العربيُّ، والإسلاميُّ، والأجنبيُّ بأنَّ المدعُوَّ / عادل الجُبير، وزيرَ خارجيَّة المملكة السُّعُوديَّة أعلن عُدوانَ ( عاصفة الحزم ) على اليمن/ كما أسماها الأعداءُ من العاصمة واشنطن ، العاصمةِ الأمريكيَّة ، وتبجَّح الوزيرُ، ووليُّ عهد المملكة السُّعُوديَّة بأنَّ الحربَ على اليمن لن تستغرقَ أسبُوعين، أو شهرين على أبعد الحُدُود الزَّمنيَّة ، وها نُحنُ نحتفلُ بالذّكرى العاشرة لاندلاعها المشؤوم .
يتذكّرُ الرَّأيُ العامُّ اليمنيُّ، والعربيُّ والاسلاميُّ، والأجنبيُّ ذلك الهُجُومَ العسكريَّ الجويَّ الغادرَ في تلك السَّاعات المُبكِّرة من يوم الخميس، حيثُ انهالتْ حُممُ الصَّواريخ الهوجاء؛ لتوزّعَ الموتَ على اليمنيين يميناً وشمالاً، وهُم في حالة سُكُونٍ، وهُدوءٍ وفي ليلةٍ آمنةٍ ، جاءتِ الطّائراتُ العسكريَّةُ من القواعد العسكريَّة السُّعُوديَّة والإماراتَّية والقطريّة، كي تُوزّعَ هدايا صباحيَّةً على مُدُن اليمن الآمنة في صنعاء ، وعدن ، وصعدة ، والحُديدة ، وذمار ، وعتق ، وحضرمُوت ، ومأرب ، وحوطة لحج ، وتعز ، والبيضاء ، وبيحان ، وزُنجُبار، وصُولاً إلى تدمير جسرٍ في قرية الغُرير المُتواضِع، الواقع في غيل حبَّان.
استمرَّ الهُجُومُ الجويُّ العُدوانيُّ المُتوحِّشُ لأشهرٍ، وسنواتٍ ، دمَّر فيها العديدَ من البُنى التَّحتيَّة، والجُسُور، والطّرقات، والسُّدُود، وآبار مياه الشُّرب، ومحطّات الكهرباء، والأسواق، وأجهز على مُعظم المعاهد، والمدارس، والجامعات ، وحتى الأشجار، والمساجد لم تسلمْ من عُدوانهم ، ولم تسلمْ من الاعتداء الموانئُ البحريَّةُ، والجويَّةُ، وتدمير الطّائرات المدنيَّة الرَّابضة في المطارات اليمنيَّة الآمنة، وحتّى الآثار اليمنيَّة التَّأريخيَّة هي الأخرى كانتْ هدفاً للعُدوان، والحقد التّأريخيّ للشّيوخ، الأَعْرَاب الخليجيين.
بذخُ المال الخليجي شبهُ السَّائب المُوظّف لتدمير مُقوّمات الأمَّة العربيَّة والاسلاميَّة :
لسنا بحاجةٍ، ولا القارئ العادي لمقالتنا هذه إلى احتساب أموال البترو دُولار المُتدفِّقة على دُول مجلس التّعاون الخليجيّ ( الخمس ) التي شنَّتِ العُدوانَ الوحشيَّ على اليمن؛ لأنَّ ما تسجلّه، وتحتسبُه أرقامُ الماكنة الحاسبة الإلكترونيَّة في كُلِّ دقيقةٍ، وساعةٍ، ويومٍ، وأسبُوعٍ، وشهرٍ، وعامٍ من عائدات الأموال السَّائلة للبترُو دُولار تصلُ إلى التّريليُونات من الدُّولارات، وهي محفُوظة، والحمد لله في بُنُوك وخزائن أميركا، وغرب أورُبا .
وهذه الأموالُ الطائلةُ هي ملكٌ، وحقٌّ لهُم، وبارك اللهُ لهم في استخدامها، والاستفادة منها، كما شاؤوا، ورغبُوا لأغراضهم، وأسرهم، واحتياجاتهم، وحتّى بذخهمُ الفاحش، وليس لنا، ولا لغيرنا أيَّةُ ملحُوظاتٍ في التَّصرُّف بها ، ومن حقّ دُول الخليج المُتخمة بالدُّولارات أن تُنفقَ جُزءاً من أمولها، أو حتّى مُعظمها على أيَّةِ دولةٍ عربيَّةٍ، أو اجنبيَّةٍ ، لكنْ بشرطٍ واحدٍ أنَّها تُوظّفُ لصالح الأمَّة العربيَّة والاسلاميَّة في الشَّأن العامّ ، وليستْ لتدمير الأمَّة ومُستقبلها؛ لأنَّها أموالٌ مشرُوطةٌ، ومُستخرَجةٌ من باطن الأرض العربيَّة الاسلاميَّة ، أي من أراضي الحرمينِ الشَّريفين، وجوارها ، وهي هُنا أرضٌ ريعيَّةٌ مُشاعةٌ للمُسلمين جميعاً، وليستْ أموالاً خاصَّةً مُنتجةً من عرق جبينهم ، أي أنَّها ليستْ ملكاً خاصَّا للأسر الحاكمة في مشيخات مجلس التّعاون الخليجي، بل إنها مالٌ للأمَّة العربيَّة والاسلاميَّة جميعاً ، وليستْ أموالاً خاصَّةً، ووقفاً على أسرٍ ومشيخاتٍ فاسدةٍ فاجِرةٍ مُجرمةٍ سلّطتها الماسونيَّةُ الصُّهيُونيَّةُ العالميَّةُ الغربيَّةُ على رِقاب العرب والمُسلمين جمعاء ، والى وقتٍ ليس بالبعيد؛ أي إلى مطلع السَّبعينيَّات من القرن العشرين، وحينَما كانتْ دُولُ مجلس التَّعاون الخليجيّ فقيرة، ولم تأتِ عائداتُ البترُول بعد، فقد كانتْ جميعُ دُول مجلس التَّعاون الخليجيّ تتلقَّى الهِباتِ، والعَطايا، والمُساعدات، وعائدات الزَّكاة من حُكُومات الصُّومال، والمملكة المُتوكُليَّة اليمنيَّة، ومن مُستعمرةِ عدن، ومن المملكة المصريَّة العربيَّة، والجزائر، وغيرها من بقيَّة الدُّول والأقطار العربيَّة، نعم هكذا كانتْ هذه الدُّولُ الخليجيَّةُ الفقيرةُ تستقبلُ المُساعداتِ من شقيقاتها من الدُّول العربيَّة، والتي للأسف تحوَّلتِ اليومَ إلى رأس حربةٍ في تدمير، وتمزيق البلدان العربيَّة؛ خدمةً للأجنبيّ الطّامِع في ثروات الأمَّة كُلّها، كمصرَ، والعِراق، وسُوريا، ولبنانَ، واليمن، والجزائر .
لنأخذْ أمثلةً حيَّةً على ما نُشيرُ إليه على النَّحو الآتي :
أوَّلاً :
مُنذ مرحلة الخمسينيَّات من القرن العشرين، وبزُوغ حركة التَّحرُّر العربيَّة من الاستعمار الأورُبي بقيادة الزَّعيم / جمال عبدالنَّاصر، ونُشُوء، وتأسيس الأحزاب القوميَّة العربيَّة التَّحرُّريَّة، كحزب القوميين العرب، وحزب البعث ، لعبتْ الدُّولُ الخليجيَّةُ دورَ مُمثل الرَّأسماليَّة الصُّهيُونيَّة العالميَّة ، ومِعولَ هدمٍ لجميع الجبهات التَّحرُّريَّة في عالمنا العربيّ والإسلاميّ ، ونصيراً خفيَّاً للكيان الإسرائيليّ الصُّهيُونيّ، وحليفاً علنيَّاً سافراً للدُّول الرَّأسماليَّة الاستعماريَّة المُتصهينَة.
فالمملكةُ السُّعُوديَّةُ – ومن خلال الوثائق التَّأريخيَّة المُعلَنة لعبتْ دوراً رئيسيَّاً في تدمير الجيش العربيّ المِصريّ، وهزيمة الزَّعيم جمال عبدالناصر في ما سُمّي بنكسة 5 / حُزيران / 1967 م ، نكايةً بما قدَّمته مِصرُ / جمال عبدالنَّاصر من دعمٍ، وإسنادٍ للثّورة اليمنيَّة الأم 26 / سبتمبر / 1962م ، وثورة 14/أكتوبر / 1963م في جنوب اليمن .
ومُنذ ذلك الانكسار، وهزيمة العرب تقوَّتْ شوكةُ الكيان الصُّهيُونيّ الإسرائيلي من جهةٍ، وزادتْ مُعاناةُ الشَّعب العربيّ الفلسطينيّ، والمِصريّ، واللبنانيّ، والأردُنيّ، والسُّوري من جهةٍ أخرى.
ولولا تلك المُؤامرةُ الرَّخيصةُ التي دبَّرها قادةُ المملكة السُّعُوديَّة مع الخُبراء الأمريكان لما وقعتْ نكسةُ الأمَّة العربيَّة المُؤلمة التي مازالتْ آثارُها السّلبيَّةُ واضحةً، وبيّنةً لكُلِّ الأمَّة العربيَّة .
ثانياً :
مُنذ قيام الثورة الاسلاميَّة الإيرانيَّة في عام 1979م بقيادة الشَّهيد المُجاهد الثّائر / آية الله الخُميني – رحمةُ الله عليه -، وجميعُ دُول مجلس التّعاون الخليجيّ تتآمرُ عليه ليلَ نهارَ ، وتضعُ العصيَّ في دُولاب الثّورة من خلال المُساعدة المُباشرة في المُقاطعة، والحِصار الأمريكيّ الأورُبيّ الإسرائيليّ على الشَّعب الإيرانيّ المُسلم المُجاهد ، ومن خلال تمويل، وتشجيع الرَّئيس العراقي / صدَّام حُسين على شنِّ حربٍ واسِعةٍ على الثّورة الإيرانيَّة الإسلاميَّة، والغاء الاتفاقيَّة الحُدُوديَّة المُوقَّعة بينَ جُمهُوريَّة العِراق، والإمبراطوريَّة الإيرانيَّة الشّاهنشاهية بقيادة ملك الملُوك مُحمَّد رضاء بهلوي، والمُوقَّعة عامَ 1975م في جُمهوريَّة الجزائر يومَذاك.
مازال التَّاريخُ حيَّاً، ومكتوباً بأحرُفٍ من نُور العزَّة والكرامة، والشَّرف ، حينَما اتّخذ الإمامُ آيةُ الله الخُميني قرارَه الشَّهير بقطع العلاقة الدُّبلوماسيَّة، والسِّياسيَّة، والاقتصاديَّة، والثقافيَّة مع كيان العدو الإسرائيليّ ، وتحويل السَّفارة اليهُوديَّة الإسرائيليَّة إلى سفارة دُولة فلسطينَ، وحُضُور الرَّئيس الشَّهيد / ياسر عرفات – رحمةُ الله عليه يومَذاك لافتتاحها شخصيَّاً ، وطرد السَّفير الأمريكيّ ، واحتجاز مُوظّفي السَّفارة الأمريكيَّة في طهران لعددٍ من الأشهر، كُلُّ تلك المواقفِ الإسلاميَّة الشُّجاعة أقدم عليها ثُوَّارُ إيران الأحرار .
وبالمُناسبة هُنا للتذكير فحسب للقارئ اللبيب فإنَّه لم تُثَرْ قصَّةُ، ونعرةُ الطّائفيَّة الدّينيَّة بينَ الطّائفتين المُسلمتين، وهُما الطّائفة المُسلمة السُّنيَّة الكريمة، والطّائفة المُسلمة الشّيعيَّة الكريمة ما قبلَ الثّورة الإيرانيَّة في زمن شاهنشاه إيران / مُحمَّد رضاء بهلوي، الحاكم المُطلق لإيران الشّيعيَّة، وحليف الصُّهيُونيَّة الإسرائيليَّة الأمريكيَّة، ولم تُثَرْ إلّا بعدَ الثّورة ، حيثُ انبرتْ إعلامُ وأبواقُ الحركة الصُّهيُونيَّة، والبلدان الأورُبيَّة، والأمريكيَّة، وأبواق إعلام الصَّهاينة العرب من دُول الخليج، وأبواق حركة الإخوان المُسلمين، ومن في فَلَكهم، ودوائرهُمُ المسمُومة تحضُّ على الافتراق، والخِصام، وحتّى المُعاداة العلنيّة، والصَّريحة، تحتَ مُسميَّاتٍ ما أنزل اللهُ بها من سُلطانٍ؛ للضَّحِك والتّدليس، والمُغالطة على العَوام الدُّهماء من أقوام المُسلمين، وهُم كُثرٌ للأسف، واشترك في تلك الحَمْلَة الدّعائيَّة عُلماءُ دينٍ اسلاميين من الطّراز الرَّفيع، أمثال الشّيخ / عبدالمجيد الزّندانيّ من اليمن، والشّيخ / الدُّكتُور / عبدالله النفيسي من الكويت ، والشَّيخ / سلمان العودة من السُّعُوديَّة ، والشَّيخ / خيرت الشَّاطر، ومُحمَّد علي بشر من جُمهوريَّة مِصرَ العربيَّة ، والدُّكتُور / الشَّيخ / حسن التُّرابي من السُّودان، والشَّيخ . علي صدر الدين البيانوني من الجُمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة ، و و و.
إضافةً إلى الأبواق الإعلاميَّة الرَّسميَّة في الدُّول التي تنهجُ المذهبَ الإسلاميَّ السُّنيَّ للأسف ، مع أنَّ ابسطَ، وأصغرَ كاتبٍ، أو كويتبٍ في صحيفةٍ مغمُورةٍ في بلدٍ معزُولٍ في هذا العالم يستطيعُ التَّمييز بسهُولةٍ ويُسرٍ، وأنَّ هذه الحملةَ الإعلاميَّة المسعُورة الرَّخيصة التي تستهدفُ جمهُوريَّة إيران الاسلاميَّة، وثورتها الظّافرة ماهي إلّا من صناعة المُخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة المُتصهينة، وحليفتها الموساد اليهُودي، والحُكَّام العرب المُتصهينيين بطبيعة الحال.
ثالثاً :
تمَّ استدراجُ نظام الرَّئيس العِراقي / صدَّام حُسين لغزو، واحتلال إمارة الكويت، وهذا مُخالفٌ للعُرف الأخويّ، والمنطق، وحقّ الجِوار، والقانُون الدَّوليّ برُمَّته بطبيعة الحال، وهُنا حشدتْ دُويلاتُ مجلس التّعاون الخليجيّ مُعظمَ الدُّول الكُبرى ، وموَّلتها بالمال، والعَتاد، وحشدتْ لها العالمَ أجمعَ، وانقضُّوا على العِراق، ودمَّرُوه، وأعادُوه كما يُشيرُ الخُبراءُ الاستراتيجيين ثلاثين عاماً، وأزيدَ إلى الخلف، وفرضُوا عليه حِصاراً بريَّاً، وجويَّاً، وبحريَّاً حتّى تمّ افلاسُه ، وتحوَّل الإنسانُ العِراقيُّ إلى إنسانٍ فقيرٍ مُعدَمٍ باع حتّى أثاثَ منزله الشّخصيّ؛ كي يعيشَ فحسب، ومن جرَّاء الحِصار الظّالم القاهر مات قُرابةُ مليونِ طفلٍ عراقيّ؛ بسبب الحِصار، ومات قُرابةُ مليون إنسانٍ بأسبابٍ مُختلفةٍ جرَّاءَ ذلك الحِصار الأمريكيّ الصُّهيُونيّ الجائر ، وكان رأسَ الحربة في مُعاداة الشَّعب العِراقيّ الشّقيق، هي دولةُ ممالك، ومشيخات مجلس التَّعاون الخليجيّ .
وكُلنا يتذكّرُ ردَّ وزيرة خارجيَّة الولايات المتّحدة الأمريكيَّة المُتصهينة / (مادلين أولبرايت) حينَما سألها الصَّحفيُّون بالقول بأنَّ حِصارَ الأمريكان للشَّعب العِراقيّ قد تسبَّب في وفاة مليونٍ ونصفِ المليون طفلٍ عراقيّ ، هُنا ردَّتْ بوقاحةٍ مُفرَطَة : بأنَّ القضيَّة تستحقُّ الثّمن .
والعالمُ الُمنافقُ يشهدُ بأنَّ التَّهمةَ الحُجَّة التي ساقتها دوائرُ الغرب الصُّهيُونيَّة، هي عبارةٌ عن أكذوبةٍ علنيَّةٍ ساذجةٍ بأنَّ العِراقَ يمتلكُ أسلحةً مُحرَّمةً أمريكيَّاً، لكنَّ السُّؤالَ الواضِح هو ماذا كان دور الخلايجة العرب في تلك المؤامرة علي العِراق الشَّقيق ؟.
رابعاً :
جميعُنا سمع التَّصريحَ الشَّهيرَ المُتلفَزَ لوزير خارجيَّة حُكُومة قطر، ورئيس وزرائها الشَّيخ / حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ، حينَما قال شكلْنا غُرفةَ عمليَّاتٍ، ومقرُّها الأردن الهاشميَّة؛ من أجل اسقاط النَّظام الجُمهُوريّ في الجُمهوريَّة العربيَّة السُّوريّة، أي اسقاط نِظام الدُّكتُور / بشَّار الأسد ، وكانتْ غُرفةُ العمليَّات مُكوَّنةً من حُكُومة قطر ، والمملكة السُّعُوديَّة، والمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة ، وجُمهُوريَّة تُركيا الطّورانيَّة، وعرَّابة المُؤامرات العالميَّة، وهي الولاياتُ المُتحدةُ الأمريكيَّةُ المُتصهينَة.
قال الشَّيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني: لقد كان ملفُ اسقاط النّظام العربيّ السُّوريّ بأيدينا ، هكذا صرَّح بالأمر بوضُوحٍ عجيبٍ، ودُونَ أي خجلٍ، لا منَ الله، ولا من رسُوله، ولا من المُؤمنين، والمُسلمين جميعاً ، أي ملف سُوريا بيد حُكومة قطر، وقد تمَّ صرفُ ما يقاربُ 150 مليارَ دُولارٍ؛ لتمويل الجماعات المُسلّحة التي استقدمُوها من أزيدَ من 77 دولةً، وجنسيَّةً، وعِرقاً من حول العالم؛ لقتال النّظام العربيّ السُّوريّ المُقاوم للعدو الصُّهيُونيّ .
وقال الشَّيخُ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وفي أحد اجتماعات الدُّول الخمس في إطار الغُرفة المُقامة؛ لغرض اسقاط النّظام السُّوريّ ، احتجَّ الأميرُ الملكيُّ السُّعُوديُّ / بندر بن سُلطان آل سُعُود في أن يكُونَ الملفُ بيد قطر ، وقال: السُّعُوديَّةُ أولى بهذا الملف المُهمّ بشرط أن تسلُمُوني ترليوني دُولار، وأنا سأسقطُ النّظامَ في غُضُون أشهرٍ ، وهُنا انسحبتْ قطر من اللجنة الخُماسية، وعملتْ بمُفردها، وبتنسيقٍ مع الحُكُومة التُّركيَّة في تمويل الجماعات الارهابيَّة من قِطعان تنظيم القاعدة، وداعش، وغيرهم من الارهابيين، وكان المدعُوُّ أبو مُحمَّد الجولاني الذي تحوَّل اسمُه إلى أحمد الشَّرع الذي قاد الجماعاتِ الارهابيَّةَ حتّى أسقط النّظامَ العربيَّ السُّوريَّ، وعاصمتُه دمشقُ بتنسيقٍ تامٍّ مع الحُكُومة التّركيَّة، بأجهزتها الاستخباراتيَّة، والأمنيَّة، وأموالِ دولةِ إمارة قطر، مع مُرافقةٍ إعلاميَّةٍ صاخِبةٍ لشبكة قناة الجزيرة القطريَّة.
خامساً :
كُلّنا يتذكَّرُ بأنَّ دُولَ مجلس التَّعاون الخليجيّ، وتحديداً السُّعُوديَّةَ، وقطرَ، والإماراتِ المُتحدةَ، والبحرين عملوا بشكلٍ تضامُنيٍّ فيما بينَهُم؛ من أجل التَّآمُر، والتَّخطيط لإسقاط النّظام العربيّ الليبيّ، وقائده الشَّهيد /مُعمَّر القذافيّ ، النّظام المُعادِي للكيان الصُّهيُونيّ الإسرائيليّ، وتمَّ حشدُ الأموال، والإعلام، والأسلحة الخليجيَّة؛ من أجل تدمير، وإسقاط النّظام العربيّ الليبيّ ، كما أنَّ الخليجيين دعَوا قُوَّاتِ حلف شمال الأطلسيّ المُعادِي للشّعُوب التّحرُّريَّة، وحُريَّاتها للاشتراك في قصف، وتدمير المُدُن، والمُعسكرات الليبيَّة، وبُناها التَّحتيَّة وصُولاً إلى إلقاء القبض عسكريَّاً على الزَّعيم الشَّهيد / مُعمَّر القذافيّ، وقتله بطريقةٍ لا تُوصفُ سوى بالوحشيَّة الهمجيَّة، وغير الأخلاقيَّة.
ولعب المالُ، والإعلامُ الخليجيُّ – المهووسُ بالعَظَمة الصَّحراويَّة البَدَويَّة الفاجِرة – دوراً في تخريب، وتدمير مُقدَّرات الشَّعب العربيّ الليبيّ ، كما قامُوا بدَورٍ محوريّ في تقسيم ليبيا سياسيَّاً، وجُغرافيَّاً حتَّى يومنا هذا.
سادساً :
لعبتْ إمارةُ قطر، والحُكُومةُ التَّركيَّةُ العُثمانيَّة، وعصاباتُ جماعات الإخوان المُسلمين المُسلّحة ، وسمُومُ قنوات الجزيرة القطريّة دوراً محوريَّاً خطيراً؛ لتخريب دولةٍ عربيَّةٍ محوريَّةٍ عظيمةٍ، هي جُمهُوريَّة مِصرَ العربيَّة ، وعملوا علي تدمير المُؤسَّسات الأمنيَّة، والعسكريَّة، والمدنيَّة التي كانتْ هي الضَّامنةَ لأمن، وسلامة، وعصرنَة مُؤسَّسات جُمهُوريَّة مِصرَ العربيَّة، وامتداد لدور مِصرَ بمُؤسَّساتها التَّاريخيَّة الكبيرة، عملوا كُلَّ ذلك؛ من أجل أن تخدمَ دولةَ الكيان اليهُودي الإسرائيليّ الصُّهيُونيّ ، وخدمةً للمشاريع الصُّهيُونيَّة العالميَّة.
ولولا التَّدخُّلُ العسكريُّ الحاسِمُ للجيش المِصريّ البطل، وفي اللحظات التَّاريخيَّة الحاسِمة، وإعادة البوصلة إلى اتّجاهها العُرُوبيّ الحقّ ، لقُلنا إنَّ مِصرَ العُرُوبيَّة العُظمى قد ضاعتْ إلى الأبد.
سابعاً :
شنَّتِ السُّعُوديَّةُ، وحليفاتُها المشيخاتُ الخليجيَّة، أو الخلايجيَّة ( الخمسُ دُول الخلايجيَّة ) باستثناء الشَّقيقة سلطنة عُمان ، شنَّتْ عُدوانَها الوحشيَّ والهمجيَّ على الجُمهُوريَّة اليمنيَّة، وعاصمتُها صنعاء ، ولم تكتفِ بجيوشها الجرَّارة، وأسلحتها الفتَّاكة في هذا العدوان غير الأخلاقيّ، وغير الإنسانيّ ، بل إنَّها استعانتْ بوحداتٍ عسكريَّةٍ من الجيش السُّودانيّ ( الشّقيق )، وتحديداً من عصابات الجنجويد السُّودانيَّة ، في زمن الرَّئيس / الإخونجي / عُمر أحمد البشير، كما دعَوا عصاباتٍ أمنيَّةً أمريكيَّةً من مُجرمِي “البلاك ووتر”، وغيرها من العِصابات الأمنيَّة المُجرمة، كما أرادُوا توريطَ الحُكُومةَ الباكستانيَّة، وجيشها المُسلم في الاعتداء على اليمن، ولحُسن الحظّ فقد اعترض البرلمانُ الباكستانيُّ على المُشاركة في العُدوان.
لكن قبلَ العُدوان، وتحديداً فيما كان تُسمَّى ثوراتِ الرَّبيع العربيّ – العبري صرفتْ حُكومةُ إمارة قطر المليارات العديدة من الدّولارات التي لم تُعَدْ، ولا تحصى لثوَّار عِصابات الإخوان المُسلمين في اليمن، ومَن لفَّ لفَّهُم من المُرتزقة، والمُنتفعين، وقائد ثورتهُمُ اللواء العجُوز / علي مُحسن الأحمر السّنحاني الذي بدوره قاد الانشقاقَ في الجيش اليمنيّ لمصلحة المُتمرّدين في ساحة التّغرير ( ساحة جامعة صنعاء )، وقبض مُقابلَ ذلك الانشقاق ملياراتِ الدُّولارات الأمريكيَّة ، والوثائقُ الدَّامغةُ تُظهِرُ ذلك .
أمَّا حُكومةُ الإمارات العربيَّة المُتحدة هي الأخرى صرفتْ ملياراتِ الدُّولارات للعِصابات الانفصاليَّة في جنُوب الوطنّ، وكذلك لتمويل مُقاتلي تنظيمي القاعدة، وداعش في حضرمُوت، وشبوة، وأبين ، كما أسَّسوا وحداتٍ عسكريَّةً وأمنيَّةً، واسمُوها حُرَّاس الجُمهُوريَّة ، الحزامَ الأمني ، قُوَّات النّخبة الشّبوانيَّة، والحضرميَّة، والسُّقطريَّة ، حُرَّاس الوطن، ودرع الوطن، وكُلّها عبارةٌ عن عِصاباتٍ مُسلّحةٍ؛ لنهب المُواطن اليمنيّ، وقتل أحراره الشّرفاء.
لقد عبث ( الأشقّاءُ ) الخلايجةُ غيرُ الأسوياء بالمُطلق ، وطيلةَ عشر سنواتٍ عِجافٍ ، أذاقوا فيها المُواطنَ اليمنيَّ صغيرَه، وكبيرَه، وشيخه مُرَّ العذاب، وعلقم القهر الإنسانيّ، وتعاملُوا مع شعبنا اليمنيّ الكريم بشيءٍ منَ الدُّونيَّة حدَّ الاحتقار، وباستخفاٍف فظيعٍ، رُبَّما لن نجدَ له مثيلاً بينَ الأعداء، فكيف بالأشقَّاء، واستهانُوا كثيراً بكرامة الإنسان اليمنيّ على طول اليمن وعرضها ، وعبثُوا عبثاً لا يُوصفُ بحياتهمُ المعيشيَّة، والأمنيَّة، والصِّحيَّة، والثقافيَّة والاجتماعيَّة، وغيرها.
ذلك الاستخفافُ بكرامة الإنسان اليمنيّ جاء نِتاجَ تصرُّفاتٍ، وسُلُوكيَّاتِ حفنةٍ تافهةٍ، ورخيصةٍ من المُرتزقة اليمنيين، ومن خَوَنة اليمن الذين هرعُوا إلى الرّياض، وأبو ظبي، والدَّوحة، ودبي، وإسطنبول ، وهُمُ الخَوَنةُ اليمنيُّون الذين فضَّلُوا الانبطاحَ، والارتماءَ في أحضان حُكَّام آلِ سُعُود، وآل نهيان ، وآل ثاني.
ملحُوظة مهمَّة قبلَ الخُلاصة :
كيف يُفكِّرُ هؤلاءِ المُلوكُ، والمشائخُ، والأمراءُ، وأعوانُهُم من أعداء اليمن العظيم الذين استلذوا، واستمتعُوا طيلةَ عشر سنواتٍ بقتل أبناء الشَّعب اليمنيّ، وفي تعذيب وتجويع، ومُمارسة التَّنكيل بالمُواطنين اليمنيين الكِرام ؟
، كيف يهنئون بأطايب، وملذات الحياة في معيشتهم، ورغدهم، وهُم يُشاهدُون كُلَّ ذلك البؤس الذي صنعُوه عنوةً بهذا الشَّعب اليمنيّ العربيّ الكريم ؟
، كيف يتسامرُ هؤلاءِ الأمراءُ والشّيوخ، وجلساؤهُم، وهُم يصنعُون – بإتقانٍ شديدٍ – ذلك الحقدَ والكراهيةَ في عُقول، وقُلُوب اليمنيين الذين تجرَّعُوا ويلاتِ المأساة طيلةَ عشرِ سنواتٍ ؟
هُم يعلمُون، وعُقلاؤهم أيضاً يعلمُون بأنَّ الضَّيمَ، والقهرَ الذي لحق بالمُواطن اليمنيّ حتماً لن ينساه ، وسيُلاحقُ بالقانُون الوضعي، والقانون الإلهي هؤلاءِ الظلمة ُالفَجَرَةُ المُجرمُون، من اليوم، حتى يوم القيامة، بعون الله، وصبر الأوفياء ! ! !
الخُلاصة :
إنَّ عشرَ سنواتٍ عُدوان، وحِصار، وتجويع، ونشر أمراضِ الدُّنيا، والدِّين بينَ أوساط الشّعب اليمنيّ ، وعمل كُلَّ ذلك الإجرام غير المُبرَّر بحقّ شعبٍ عزيزٍ كريمٍ سيُخلّفُ، ويولّدُ لكُم أيُّها الحُكَّامُ الخلايجةُ المُستبدُون عواقبَ وخيمةً ستندمُون عليها أجيالاً وأجيالاً، وأنَّ التَّسامُحَ، والكرمَ الأخويَّ اليمنيَّ الذي تعودتمُوه من اليمنيين الطّيبين بعدَ كُلِّ هذه الفترة من العُدوان، والصَّلَف، والعنجهيَّة المَقيتة لم يَعُدْ مُتاحاً على الإطلاق في تقديري ، وسيحاسبُ هذا الشَّعبُ اليمنيُّ الأصيلُّ كُلَّ مَن عمل على قتله، وحِصاره، وتجويعه، وتدميره ، وسيلاحِقُ بالقانُون الخَوَنةَ، والمُرتزقةَ من اليمنيين، ويحاكمُهُم على خيانتِهُمُ اليمنَ العظيمَ.
“وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٌ”
*عُضو المجلس السِّياسيّ الأعلى للجُمهُوريَّة اليمنيَّة / صنعا