خطبة الجمعة من الجامع الأزهر
الدكتور محمود الهواري يتحدث عن "الرحمة" ويؤكد:
الرحمة جامعة الأخلاق واعتنى بها القرآن
الرحمة قضية الإسلام الأولى وهذا سر تكرارها في الصلوات
الرحمة هي أول ما وصف الله به المجتمع المسلم


نقل التليفزيون المصري، شعائر صلاة الجمعة اليوم، من رحاب الجامع الأزهر، حيث تبدأ شعائر صلاة الجمعة، بتلاوة قرآنية مباركة للقارئ الشيخ أحمد تميم المراغي، ويؤدي خطبة الجمعة اليوم، من رحاب الجامع الأزهر، الدكتور محمود الهواري، من علماء الأزهر الشريف، متحدثا عن "الرحمة".

وقال الدكتور محمود الهواري، في خطبة الجمعة، من الجامع الأزهر، إن الله تعالى اختصر رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- في إعلان صريح فقال "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقد تجسدت هذه الرحمة في وحي منزل.

وأشار إلى أن قيمة الرحمة، هي مركزية الأخلاق، أو هي جامعة الأخلاق، فعنها يتفرع كل خلق قويم، فالإنسان يرحم فيكرم، ويرحم فيعطي، ويرحم، فيعفو، ويرحم فيعين غيره.

وذكر الهواري، في خطبة الجمعة من الجامع الأزهر، أن أبو البقاء الكفوي - رحمه الله- في كلياته أربعة عشر معنى من معاني الرحمة، إلى غير ما ذكرته كتب أخر عن معناها.

وتابع: ومن تأمل بدقة، عرف أن القرآن الكريم، اعتنى عناية تامة بالرحمة، ففي بداية كتاب الله، افتتاح عجيب، فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) مع كثرة ما لله من أسماء، وكان يمكن أن يجعل الله صفة غير الرحيم إلى جوار الرحمن، أو صفة غير الرحمن إلى جوار الرحيم.

الدكتور محمود الهواري خطيب الجامع الأزهر

وإنما جمع الله تعالى الصفتين لما لهما من تقارب في المعنى في إشارة واضحة إلى أن الرحمة الخلق المقدم، الذي ينبغي أن يتمثله الناس في حياتهم، وينبغي أن يتخلق به أهل الإيمان، ثم جمع بين هذين الاسمين ولم يجعل معهما ثالث.

وقال الدكتور محمود الهواري، في خطبة الجمعة، من الجامع الأزهر، إن المجتمع الذي يخلو من الرحمة هو مجتمع شقي، يشقى أهله ويشقى بأهله، منوها أن المسلم حين يصلي الصلوات المفروضة فإنه يكرر معانى الرحمة 4 مرات في كل ركعة، وذلك من خلال قراءة سورة الفاتحة.

وأضاف، أن المسلم بذلك يذكر مفردات الرحمة، 68 مرة في ركعات الصلوات المفروضة يوميا، وكأنما هي رسالة للمسلم إلى أنه لا ينبغي أن يكون بعيدا عن الرحمة ومعناها وآثارها، ثم جاءت السنة لتحول هذا المعنى وهذه القيمة إلى مطلق إلى موصوف وواقع، من نظرية إلى سلوك عملي في المجتمع، يتراحم به الناس فيما بينهم.

واستشهد خطيب الجامع الأزهر، في خطبة الجمعة، بحديث النبي الذي يقول "لا يرحم الله من لا يرحم الناس" بل جعل الرحمة منصرفة إلى عموم الناس لا تقتصر على المسلمين فقط، تشمل الجميع من الكائنات الحية.

وأكد أن الرحمة، هي قضية الإسلام الأولى، أن توجد وتنتشر بين خلق الله، وإن ضاعت من المجتمع، شقى أهل هذا المجتمع بضياعها.

كما استشهد بقصة امرأة عذبت في هرة، حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها تأكل من حشاش الأرض، وكذلك قصة المرأة البغي من بغايا بني إسرائيل، رقت لكلب أصابه العطش، وسقتهذا الكلب، فغفر لها.

وتابع: ما يضر الكون، كلبا مات من العطش، لكن القضية ليس إطعام هرة أو سقي كلب، إنما القضية في تربية القلوب وتهذيب القلب والوجدان على معاني الرحمة.

وذكر أن الرحمة هي قضية الإسلام الأولى فعلا، وذكرت في عشرات الأحاديث الصحيحة، وذكرت في القرآن الكريم 300 موضع تصريحا دون تلويح، يذكر الله الرحمة التي أوجبها على عباده.

وقال الدكتور محمود الهواري، في خطبة الجمعة، من الجامع الأزهر، إن المجتمع الفاضل الذي صان النبوة وورث من النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الوحي وما فيه من أنوار، مع كثرة ما فيه من أوصاف الخير، فأول ما وصفه الله عزوجل به، هو مجتمع متراحم.

واستشهد خطيب الجامع الأزهر، بقول الله تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا).

وذكر أن النبي مع المتراحمين، فأورد البخاري في صحيحه، أن الأشعريين كانوا إذا أرملوا أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما معهم ثم اقتسموه بينهم بالسوية، قال النبي في حقهم "فهم مني وأنا منهم".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطبة الجمعة الجامع الازهر الرحمة الاخلاق الإسلام من الجامع الأزهر فی خطبة الجمعة قضیة الإسلام

إقرأ أيضاً:

الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة غدًا... تعرف عليها

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة غدًا بعنوان: "لله درُّكَ يا ابن عباس"، وقد أشارت الوزارة إلى أن الهدف المنشود من هذه الخطبة والمراد توصيله للجمهور هو: توعية الجمهور بخطورة التعامل مع الفكر الضال، وبيان حكمة الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، في التعامل مع الخوارج، التي كانت سبيلًا لانتشال الأمة من هُوَّةِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ، وبيان سبل مواجهة هذا الفكر بالعلم الراسخ، والفهم العميق، والحوار الهادئ، والبيان الشافي، بعيدا عن الغلظة والشدة، وضرورة فهم النص الشرعي في سياقه، ومعرفة أسباب النزول والورود، والرجوع إلى كليات الشريعة ومقاصدها؛ لتحصين المسلم من الوقوع في شراك الغلو والتطرف، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول أهمية يقظة الضمير في إصلاح المجتمع.


الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شَاءَ رَبُّنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، هَدَى أَهلَ طَاعتِهِ إلى صِرَاطهِ المُسْتَقيمِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمِهِ القَديمِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَتَاجَ رُؤُوسِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فإننا نَقِفُ الْيَومَ وَقْفَةَ تَأَمُّلٍ عِنْدَ حَادِثَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمُنَاظَرَةٍ فَرِيدَةٍ، سَطّرَهَا التَّارِيخُ الإسْلَامِيُّ بِمِدَادٍ مِنْ نُورٍ؛ إنَّهَا مُنَاظَرَةُ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ حَبرِ الْأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ  لِلْخَوَارِجِ، تِلْكَ الْحادِثَةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ سِجَالٍ عَقْلِيٍّ، بَلْ كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللهِ ، وَنَمُوذَجًا يُحْتَذَى بِهِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْفِكْرِ الضَّالِّ، وَسَبِيلًا لِانْتِشَالِ الْأُمَّةِ مِنْ هُوَّةِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ، لَقَدْ خَرَجَ الخَوَارِجُ عَنْ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، شَقُّوا عَصَا الطَّاعَةِ، وَكَفَّرُوا بِالمَآلِ، وَاسْتَحَلُّوا الدِّمَاءَ؛ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَأَنَّهُمْ عَلَى الحَقِّ الْمُبِينِ، عَمِيَتْ أَبْصَارُهُمْ عَنْ فَهْمِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَتَحَجَّرَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ سَمَاعِ صَوْتِ الْحِكْمَةِ، يَفْهَمُونَ الظَّوَاهِرَ وَيَغْفُلُونَ عَنِ الجَوَاهِرِ، يُرَكِّزُونَ عَلَى الْحَرْفِ وَيَتْرُكُونَ الرُّوحَ، وقد نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ قَامَتِ التَّيَّارَاتُ الفِكْرِيَّةُ فِي زَمَانِ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِتَكْفِيرِ الْمُجْتَمَعِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ فِي وَجْهِهِ.  
أيهَا الكرامُ، يشاءُ اللهُ أن يُقيمَ سيدَنا عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ، رضيَ اللهُ عنهما، في زمانهِ نموذجًا ملهمًا في الجرأةِ والوضوحِ في مواجهةِ هذا الفكرِ المنحرفِ، فقامَ رضيَ اللهُ عنهُ يناقشُهم ويُفندُ باطلَهم، ويردُّ عليهم في كلِّ النقاطِ التي يتطرفون فيهَا، من مسائلِ الحاكميةِ، والولاءِ والبراءِ، والتكفيرِ، واستحلالِ الدماءِ، والغلظةِ في الفهمِ، وقد ضربَ رضيَ اللهُ عنهُ مثلًا للعالِمِ الذي لا تأخذُه في اللهِ لومةُ لائمٍ، والذي لا يتركُ الساحةَ للفكرِ المتشددِ حتى يعيثَ فيها فسادًا، لقد بيّن لهم، قولًا وفعلًا، أن فكرَ التطرفِ في حقيقتِه قبحٌ شديدٌ، قبحٌ يعتدي على كلِّ ما في الشريعةِ من نورٍ ورحمةٍ وسعةٍ وجمالٍ، وأنّ ما يحملُه هذا الفكرُ من عنفٍ في المظهرِ، وغلظةٍ في الفهمِ، وضيقٍ في الأفقِ، لا يمتُّ إلى هديِ الإسلامِ بصلةٍ، وإنما هو غلوّ مردودٌ، تُحصّن المجتمعاتُ من شرّه بالعلمِ والحوارِ والبيانِ.
أيها الناس،ُ هذه رِسَالَةٌ إِلَى أَصْحَابِ الْفِكرِ الْمُنحَرِفِ، هَلْ أَنتُمْ حَقًّا تَفْهَمُونَ حُكْمَ اللهِ؟ سُؤَالٌ إِلَى خَوَارِجِ العَصْرِ، هَلْ سَأَلتُمْ أَنفُسَكُمْ حَقًّا: هَلِ الرَّحمَةُ تَتَجَسَّدُ فِي قَتلِ الأَبْرِيَاءِ، وَتَدْمِيرِ الأَوْطَانِ، وَإِشاعَةِ الخَوفِ وَالرُّعبِ بَيْنَ النَّاسِ؟ أَلَمْ يَقُلْ رَبُّ العِزَّةِ في كِتابِهِ الكَرِيمِ: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {.
أيَّتُهَا الأُمَّةُ المَرْحُومَةُ، لقد امْتَدَّ هَذَا الإِشْكَالُ إِلَى وَاقِعِنَا المُعَاصِرِ، فَقَامَتْ سَائِرُ التِّيَارَاتِ المُتَطَرِّفَةِ فِي زَمَانِنَا نَتِيجَةَ هَذَا الْفَهْمِ بِتَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ؛ مِمَّا يُوصِلُنَا إِلَى أَنْ نُصْبِحَ أَمَامَ مَنْهَجَيْنِ؛ مَنْهَجٌ فِكْرِيٌّ مُسْتَقِيمٌ وَمُسْتَنِيرٌ يُقَابِلُهُ مَنْهَجٌ فِكْرِيٌّ سَقِيمٌ وَمُضْطَرِبٌ، مَفْعَمٌ بِالتَّشَنُّجِ، غَاضِبٌ وَمُنْدَفِعٌ وَعُدْوَانِيٌّ، عِنْدَهُ حَمَاسُ الفَهْمِ لِلإِسْلَامِ دُونَ فِقْهٍ وَلَا بَصِيرَةٍ وَلَا أَدَوَاتٍ لِلْفَهْمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سِمَاتِهِ وَخَصَائِصِهِ الثَّابِتَةِ، وَهُوَ يَظْهَرُ عَبْرَ الزَّمَانِ عَلَى هَيْئَةِ مُوجَاتٍ مُتَتَالِيَةٍ، وَكُلَّمَا مَضَتْ عِدَّةُ أَجْيَالٍ بَرَزَتْ مِنْهُ مُوجَةٌ جَدِيدَةٌ، بِهَيْئَةٍ مُغَايِرَةٍ، وَتَحْتَ شِعَارٍ وَاسْمٍ جَدِيدَيْنِ، لَكِنَّهَا تَسْتَصْحِبُ طَرِيقَةَ التَّفْكِيرِ بِعَيْنِهَا، وَتُعِيدُ نَفْسَ الْمَقُولَاتِ وَالنَّظَرِيَّاتِ بِعَيْنِهَا، وَتَرْتَكِبُ الْأَخْطَاءَ الْفَادِحَةَ فِي فَهْمِ الْوَحْيِ بِعَيْنِهَا. 
أَيُّهَا الكِرامُ، قَدْ أثْمَرَتْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ الْمُبَارَكَةُ ثِمَارًا عَظِيمَةً؛ حَيْثُ رَجَعَ مِنْهُمْ مَا يُقَارِبُ أَلْفَيْنِ أَوْ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمائَةِ رَجُلٍ، وَهُوَ عَدَدٌ هَائِلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْحُجَّةِ، وَصَفَاءِ الْمَنْهَجِ، وَتَوْفِيقِ اللهِ لِمَنْ قَامَ بِوَاجِبِ الْبَيَانِ، فَكَيْفَ وَاجَهَ ابْنُ عَبَّاسٍ التَّطَرُّفَ فِي زَمَانِهِ؟ وَاجَهَهُ بِالْعِلْمِ الرَّاسِخِ، وَالْفَهْمِ الْعَمِيقِ، وَالْحِوَارِ الْهَادِئِ، وَالْبَيَانِ الشَّافِي، بَعِيدًا عَنِ الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ فِي بَدَايَةِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا بِالحُجَّةِ الَّتِي تُقِيمُ الدَّلِيلَ وَتُوَضِّحُ السَّبِيلَ، لِيَعْلَمَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دُرُوسًا بَلِيغَةً فِي مُوَاجَهَةِ التَّطَرُّفِ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَأَنَّهُ لا يُوَاجَهُ بِالشِّدَّةِ وَالْعُنْفِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِنْفَادِ كُلِّ وَسَائِلِ الْحِوَارِ وَالْبَيَانِ، فَلِلَّهِ دَرُّكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.
*****
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وبعدُ:
 أيها المؤمنونَ، إنَّ الضميرَ جوهرٌ روحانيٌ، وواردٌ قلبيٌ، يحكمُ تصرفاتِ الإنسانِ وتفكيرَه، ويدلُّه اللهُ به على الخيرِ والشرِ،  ويرشدُه به إلى رضاه، لذلك سعى الإسلامَ إلى تربيةِ المسلمِ على يقظةِ الضميرِ، والخوفِ من اللهِ ومراقبتِه، وتذكيره في كلِّ أحوالِه بأنَّ هناك رَبًّا -جَلَّ شأنُه-، لا يَغْفُلُ، ولا ينامُ، ولا ينسى، وإلى هذا الحالِ قد أشارَ سيدُنا النبيُ صلى الله عليه وسلم في حديثِ جبريلَ- عليه السلامُ: «قال فَمَا الإِحْسَانُ؟  قال: أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ، فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ».
عبادَ اللهِ، اعلموا أَنَّ منهجَ الإسلامِ في تربيةِ الضميرِ، وتقويةِ الوازعِ الدينيِّ في نفوسِ الناسِ ضمانٌ لسعادةِ الأفرادِ والمجتمعاتِ والدولِ، وأنه بغيابِ الضميرِ لنْ يكونَ إلا الشقاءُ، والفشلُ إداريًّا واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا؛ لأنَّهُ مهما تَطورتِ الأممُ في قوانينِها ودساتيرِها، وطرقِ ضبطِها للجرائمِ، وإدارةِ شؤونِ الناسِف، لا بدَّ من سببِ النجاحِ في ذلك كلِّه، ألا وهو: «يقظةُ الضميرِ»، في الأقوالِ، والأفعالِ، بلْ وحتى في المشاعرِ وأعمالِ القلوبِ.
أيها الناس، ازرعوا في قلوبِ أولادكِم أنَّ الضميرَ هو المانعُ لكلِّ وجوهِ الفسادِ، فهو المانعُ للموظفِ أن يرتشيَ، أو يسرقَ، أو يختلسَ، والكاتبِ أن يُزوِّرَ ويدلسَ، والطبيبِ أنْ يهملَ في علاجِ مريضِه، والمعلمِ أن يقصرَ في واجبِه، والمرأةِ أن تفرطَ بواجبِها، والتاجرِ من أن يغشَّ، ويحتكرَ، ويدلسَ في تجارته، وهكذا في كلِّ مجالٍ؛ إذا حيا الضميرُ تكونُ السعادةُ والإصلاحُ، وإذا غابَ الضميرُ، يكونُ الفشلُ والفسادُ.  
اللهم أصلحْ فسادَ قلوبِنا
وانشرْ في بلادِنا بساطَ الأمنِ والرخاءِ والسكينةِ والإخاءِ.

مقالات مشابهة

  • خطبة الجمعة من المسجد النبوي
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • خطيب الجامع الأزهر: النبي كان يأخذ بالأسباب ويصدق التوكل على الله.. فيديو
  • خطيب الأزهر: الله يفسد الأسباب أحيانا لتأتي النتائج على خلاف رغبة العباد
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف
  • بعد قليل.. نقل شعائر صلاة الجمعة الجامع الأزهر
  • هل يجوز إنهاء المصلي عن الكلام أثناء خطبة الجمعة؟..الأزهر يجيب
  • موضوع خطبة الجمعة لـ وزارة الأوقاف.. «لله درُّكَ يا ابن عباس»
  • الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة غدًا... تعرف عليها