يظهر أن اتفاق أوسلو كان غطاء مثالياً للكيان الإسرائيلي للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وإنشاء حقائق على الأرض تحت غطاء التسوية السلمية، لكنها عملياً تدمر أسس هذه التسوية، إذ كانت محصلتها مضاعفة التواجد الاستيطاني اليهودي ومصادرة الأراضي بغطاء فلسطيني (السلطة الفلسطينية)، وهو غطاء ممتنع عن المقاومة وملتزم بمنع العمل المقاوم.



حقائق خطيرة على الأرض:

بعد ثلاثين عاماً من أوسلو ما زال الاحتلال يتحكم بشكل كامل بالمنطقة المصنفة "ج" في الضفة الغربية وهي تمثل نحو 60 في المئة من مساحتها، كما يشارك في الإدارة الأمنية لـ22 في المئة أخرى من مساحة الضفة. وبدل أن ينسحب المستوطنون من الضفة لتهيئة الأجواء للتسوية السلمية، فقد ضاعفوا أعدداهم من 280 ألفاً سنة 1993 إلى أكثر من 900 ألف مع بداية هذه السنة. ويقوم الاحتلال باستغلال 76 في المئة من المساحة المصنفة "ج"، في الوقت الذي حوّل السيطرة للمجالس الإقليمية للمستوطنات على 63 في المئة منها، بينما صادر 18 في المئة من مساحة الضفة الغربية لما يسميه الأغراض العسكرية ومواقع التدريب، كما يستغل نحو 85 في المئة من مياه الضفة الغربية.

وفي الوقت نفسه، تسبّب الجدار العنصري العازل بفصل نحو 11 في المئة من مساحة الضفة عن محيطها الفلسطيني، وبإيقاع أضرار بالغة بـ219 تجمعاً فلسطينياً. كما صادر الاحتلال 353 ألف دونم تحت مسمى "محميات طبيعية"، وهي مُرشَّحة في أي لحظة لأن يحولها لأغراض تهويدية استيطانية. وتوسَّع الصهاينة مؤخراً فيما يعرف بالاستيطان الرَّعوي الذي يصادر مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية.

وبحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء فهناك 471 مستوطنة وبؤرة استيطانية وبؤراً على شكل مواقع صناعية وسياحية.

وتُمزِّق الطُرق الالتفافية الخاصة باليهود الضفة الغربية بما طوله نحو ألف كيلومتر، كما تُقطّعها الحواجز العسكرية الثابتة والمتحركة التي تصل إلى نحو 600 حاجز.

مع هيمنة اليمين الصهيوني وتصاعد التطرف في المجتمع اليهودي خصوصاً في السنوات العشرين الماضية، وقدوم حكومة هي الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان، وتولي الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وبن غفير ملفات الاستيطان والأمن الداخلي وإدارة الضفة، فقد أصبح العمل أكثر وقاحة وانكشافاً وتسارعاً، وأكثر منهجية وتنظيماً، دون رعاية حتى للديكورات والمحتويات الي كانت تضعها الحكومات السابقة
وتقع القدس في قلب المعاناة والاستهداف، حيث تتمحور حولها برامج التهويد، سواء في استهداف المسجد الأقصى ومقدسات المسلمين والمسيحيين، أم في الأحياء والمستعمرات اليهودية التي تطوقها، وبالجدار الذي يعزلها، أم باستهداف المدينة القديمة، أم بالحفريات، وهدم المنازل وسحب الهويات، وضرب المؤسسات التعليمية..

تصعيد منهجي ينهي حل الدولتين:

ومع هيمنة اليمين الصهيوني وتصاعد التطرف في المجتمع اليهودي خصوصاً في السنوات العشرين الماضية، وقدوم حكومة هي الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان، وتولي الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وبن غفير ملفات الاستيطان والأمن الداخلي وإدارة الضفة، فقد أصبح العمل أكثر وقاحة وانكشافاً وتسارعاً، وأكثر منهجية وتنظيماً، دون رعاية حتى للديكورات والمحتويات الي كانت تضعها الحكومات السابقة، وأصبح الكلام الرسمي الإسرائيلي لا يحتمل اللبس في انتهاء حلّ الدولتين، وفي تطويع الحكم الذاتي (السلطة) الفلسطيني لخدمة المشروع الصهيوني، بل وتصاعد الخطاب العنصري الذي يدفع باتجاه تجزئة السلطة نفسها في الضفة إلى كانتونات.

ومن جهة أخرى، فقد تزايد إرهاب جيش الاحتلال والمستوطنين ضدّ أهلنا في الضفة الغربية لمحاولة إخضاعهم، ولإيجاد بيئات طاردة تُجبرهم على الهجرة. فبحسب تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" فقد استُشهد من بداية 2023 وحتى شهر آب/ أغسطس 172 فلسطينياً، وأصيب 7,372 فلسطينياً بجراح، كما هدم 780 منزلاً في الضفة. وأشارت أوتشا إلى معدل اعتداءات شهرية للمستوطنين يصل إلى نحو 100 اعتداء شهرياً ضدّ الفلسطينيين في الضفة بحماية الاحتلال منذ بداية هذه السنة، بزيادة 39 في المئة عن المعدل الشهري لسنة 2022. وفي الأشهر السبعة الأولى قتلت قوات الاحتلال 40 طفلاً فلسطينياً في أجواء إرهابية متصاعدة.

أما هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فقد وثّقت في شهر تموز/ يوليو 2023 فقط ما مجموعه 897 اعتداء لجيش الاحتلال والمستوطنين بحق شعبنا في الضفة، بما في ذلك الاعتداءات على المواطنين وتخريب الأراضي وتجريفها، واقتحام القرى واقتلاع الأشجار، والاستيلاء على الممتلكات.

يظهر واضحاً أن أوسلو فقدت معناها وقيمتها، وأن مقولة "حلّ الدولتين" قد أسقطها السلوك الصهيوني على الأرض. ولذلك، يأتي السؤال المنطقي الذي يرفض الإجابات المتهربة والملتبسة، لقيادة منظمة التحرير وقيادة السلطة الفلسطينية وقيادة فتح: لماذا الإصرار على مسار التسوية السلمية؟ ولماذا الإصرار على التنسيق الأمني؟ ولماذا الإصرار على تسويق وهم حلّ الدولتين تحت سقف أوسلو؟
هذه الوحشية المفرطة والوقحة، اضطرت الولايات المتحدة نفسها لإدانة سلوك المستوطنين أكثر من مرة، ذراً للرماد في العيون أو خوفاً من انفجار الأوضاع. بل إن عدداً من الزعماء الإسرائيليين صاروا يرون في سلوك الحكومة والمستوطنين خطراً على المشروع الصهيوني نفسه، وتهديداً للطريقة "الخبيثة" التي كان يدار فيها الاستيطان، وكشفاً للقناع الزائف، الذي يحاول الكيان أن يسوق نفسه عالمياً من خلاله. فاعتبر بني جانتس وزير الجيش السابق أن أعضاء الحكومة ومن يدعمونهم يُمثلِّون "وصمة عار على جبيننا وخطراً على أمننا"، ورأى زعيم المعارضة لابيد أن "فتية التلال" من المستوطنين يُحوّلون الضفة إلى معركة بين ما أسماه "الإرهاب اليهودي والإرهاب العربي"، مضيفاً أن هذا يُعرّض الاستيطان للخطر، ويُعرّض الجنود الصهاينة أيضاً للخطر، بينما حذر رئيس الشاباك السابق روبين بار من أن "الإرهاب اليهودي" يؤجج ما أسماه "الإرهاب العربي".

على السلطة مواجهة الحقيقة:

في ضوء المعطيات السابقة، يظهر واضحاً أن أوسلو فقدت معناها وقيمتها، وأن مقولة "حلّ الدولتين" قد أسقطها السلوك الصهيوني على الأرض. ولذلك، يأتي السؤال المنطقي الذي يرفض الإجابات المتهربة والملتبسة، لقيادة منظمة التحرير وقيادة السلطة الفلسطينية وقيادة فتح: لماذا الإصرار على مسار التسوية السلمية؟ ولماذا الإصرار على التنسيق الأمني؟ ولماذا الإصرار على تسويق وهم حلّ الدولتين تحت سقف أوسلو؟

أما الإجابة المنطقية التي يعرفها كلّ فلسطيني وكل عربي ومسلم، وكل أحرار العالم، فهي أن العدو لا يفهم غير لغة المقاومة، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي، وما يؤكده الواقع من تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.

فإذا كانت ثمة مراجعة لاتفاقات أوسلو، وثمة رغبة في الوحدة الوطنية، فلتكن على أساس التمسك بالثوابت، وعدم التنازل عن أي من الحقوق، والالتفاف حول برنامج المقاومة.

twitter.com/mohsenmsaleh1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطيني المقاومة الاحتلال المستوطنين فلسطين مستوطنين الاحتلال المقاومة اتفاقية أوسلو مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الضفة الغربیة فی المئة من على الأرض أکثر من

إقرأ أيضاً:

منظمة حقوقية: جرائم المستوطنين في الضفة الغربية تزداد توسعا

في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي شنّ هجومه الدموي على الشعب الفلسطيني قطاع غزة، يستمر المستوطنون في استهدافه بالضفة الغربية، وسط دعم الاحتلال وإسناد جيشه، الذي يغضّ طرفه عن آلاف الشهادات التي يقدمها فلسطينيون تعرضوا لعمليات عنف المستوطنين بشكل مباشر، ورغم توثيقها، وفتح آلاف ملفات التحقيق لدى الشرطة، لكنها كلها ذهبت هباءً وسط قرار من الحكومة برمّتها.

واستندا زئيف ستاهل٬ ونوعا كوهين٬ العاملان في منظمة "يش دين" الحقوقية، وهي منظمة إسرائيلية بمعنى "هناك قانون"٬ إلى قاعدة بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، المصدر الأكثر شمولاً للمعلومات حول عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وإساءة معاملتهم، حيث تم توثيق 6 آلاف و285 اعتداء وقعت بين 2016-2023 في الضفة الغربية فقط، دون إحصاء عنفهم في القدس المحتلة التي بلغ عددها ألف و704 اعتداء، كأداة في خدمة الاستيطان في أحياء سلوان والشيخ جراح، وهناك ألف و613 اقتحام قام به مستوطنون لأراضي الفلسطينيين بزعم أنها جولات سياحية".

إحراق الأراضي وسرقة الممتلكات
وأضافا في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" إن "هذه الجولات والنزهات اسم احتيالي للممارسة الفاحشة والبلطجية المتمثلة باقتحام المستوطنين للقرى والبلدات الفلسطينية، وأراضيهم الزراعية الخاصة، بهدف مضايقتهم، وإيذائهم، وإتلاف الممتلكات والمحاصيل الزراعية، وإزالة أصحابها الشرعيين منها، وإقامة بؤر استيطانية فيها، أو إحداث دمار عام، وهذا نشاط مبادر ومنظم يعبر عن الشعور بالسيادة والتفوق اليهودي الذي يميز "فتيان التلال"، وهم من عتاة المستوطنين".


وضربا على ذلك العديد من الأمثلة، لكن أخطرها ما "شهده عام 2022، حين أجرى أبراهام شيمش، المرافق لمجموعة من "فتيان التلال" جولة في أرض عائلة حرب من قرية إسكاكا، وصلوا مزودين بالأدوات بهدف إقامة بؤرة استيطانية غير قانونية ضمن فعاليات "أسبوع إقامة المستوطنات" التي تنظمها حركة "نحلة"، حيث هرع أهالي القرية للمكان، وطالبوا المستوطنين بمغادرة المكان، إلا أنهم تجاهلوهم، وواصلوا التقدم داخل الأراضي الخاصة، ورغم أن سكان القرية لم يكونوا مسلحين، إلا أن "شيمش" اقترب من علي حرب البالغ من العمر 27 عاماً، وطعنه بقوة في قلبه، حيث انهار على الفور، وتوفي".

وواصلا أن "شيمش أخفى السكين، وعاد لمنزله، دون اعتقاله من الشرطة المتواجدين في المكان، ولم يتم القبض عليه إلا في اليوم التالي، وبعد أن أنكر في البداية، اعترف لاحقا بالطعن، لكن ملف التحقيق تم إغلاقه بزعم عدم وجود أدلة كافية، وأنه تصرّف "دفاعا عن النفس"، وبالتالي فإن كل هذه الرحلات والجولات التي يقوم بها المستوطنون تنتهي بشكل مأساوي".

تواطؤ الجيش والشرطة
وأوضحا أن "هناك 2039 حادثة من عنف المستوطنين تتضمن الاعتداء أو إتلاف الممتلكات دون إصابة جسدية، لا يتم إدراجها في الإحصائيات بزعم أنها لم تسفر عن أذى جسدي، وكأن إشعال النار في المنازل، وحرق المحلات التجارية والسيارات، وتحطيم وسحق وكسر الممتلكات، وتخريب المباني، وسرقة الحيوانات، وإلحاق الضرر بأشجار الزيتون والمحاصيل الزراعية، كلها لا تعتبر عنفاً استيطانياً، مع أننا أمام جرائم ينفذها المستوطنون بدوافع أيديولوجية كامنة وراءها بهدف إرهاب الفلسطينيين، ومنعهم من وصول أراضيهم ، سواء بسبب حظر عسكري، أو خوفًا من الجيش، وفي النهاية يتم طردهم من منازلهم".

وأشارا أن "جرائم المستوطنين وعدم متابعة الجهات الأمنية والقانونية لها ينطلق من فرضية عنصرية مفادها أن الفلسطينيين ليسوا مواطنين يتمتعون بحقوق متساوية، وليس لديهم الوسائل أو القدرة للدفاع عن أنفسهم، فليس لديهم مجموعات حراسة مسلحة، أو جنودا يحرسون المستوطنات ضد "الغزاة" غير المدعوين، ولا يُسمح لهم بحمل الأسلحة، أو إبعاد "المخربين" بأي وسيلة أخرى، لأن الفلسطيني الذي يحاول الدفاع عن نفسه أو عائلته أو ممتلكاته سيتم اعتقاله، واتهامه بالإرهاب في أفضل الأحوال، أو "العثور عليه ميتاً" في أسوأ الأحوال، وبالتالي يقفون عاجزين أمام حكومة والمستوطنين المسلحين والجيش".


تمهيد للضم
وأكدا أن "العديد من جرائم المستوطنين تنتهي بإتلاف ممتلكات الفلسطينيين، لأنهم يغزون قرية طواعية ، ويلحقون الضرر بممتلكاتهم، تنتهي بتدخل عنيف من جانب الجيش لصالحهم، وحتى قتل أو إصابة الفلسطينيين الذين سعوا لحمايتها، وهذا يعني أن بعض الحالات التي يتعرض فيها الفلسطينيون للإصابة بنيران الجنود ترتبط بعنف المستوطنين، التي بلغت وفق الإحصائيات اليومية بين كانون الثاني/ يناير 2016 ونيسان/أبريل 2023، قرابة ألف 104 اعتداءً عنيفاً على الفلسطينيين، شملت: الاعتداء والضرب وإطلاق النار وإلقاء الحجارة والتهديد، فضلاً عن الحرق العمد والسرقة وإتلاف المحاصيل الزراعية، وتدمير أنواع مختلفة من الممتلكات".

وكشفا أننا "التقينا بالعديد من الضحايا الفلسطينيين لجرائم المستوطنين، وجمعنا شهاداتهم حول ما حدث لهم، وساعدنا بتقديم الشكاوى للشرطة، لكن عددا كبيرا منهم، بنسبة 66%، تخلوا عن شكاواهم، لأن غالبيتهم العظمى لا تثق في الجهات القانونية، مما يسفر في النهاية عن استغلال الحكومة الإسرائيلية لجرائم المستوطنين في السيطرة على المزيد والمزيد من أراضي الفلسطينيين، وإفراغها بأكملها من وجودهم، وبناء البؤر الاستيطانية على طول وعرض الضفة الغربية لضمان السيطرة الأبدية والضم".

مقالات مشابهة

  • سلام: لبنان يريد وضع حدّ للانتهاكات وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
  • أحدثُه اعتقال السمودي .. الاحتلال يوسّع استهدافه للصحفيين في الضفة الغربية
  • قوات العدو تعتقل 14 فلسطينياً في الضفة الغربية
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدن الضفة الغربية
  • منظمة حقوقية: جرائم المستوطنين في الضفة الغربية تزداد توسعا
  • ضمن الاعتداءات.. قوات الاحتلال تنفذ عمليات هدم جنوب الضفة الغربية
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منازل الفلسطينيين جنوب الضفة الغربية وتُشرّد سكانها
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفّذ عمليات هدم جنوب الضفة الغربية
  • العدو الصهيوني يصعّد انتهاكاته في الضفة والقدس: إخطارات بالهدم واعتداءات على المواطنين
  • اندلاع حرائق كبيرة في منطقة وادي القلط شرقي الضفة الغربية