سلفاكير في موسكو.. هل يمهد جنوب السودان للخروج من عباءة الغرب؟
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
موسكو – في أجواء ابتعاد موسكو عن الغرب وتوجهها نحو الشرق وأفريقيا، جاءت زيارة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت إلى روسيا، وسط تبدلات جيوسياسية متسارعة ومصيرية تجتاح القارة السوداء، تمثلت بالدرجة الأولى في نجاح انقلابات عسكرية وحالات تمرد ضد السلطات المحسوبة على فرنسا وضد باريس نفسها، كما حصل في النيجر والغابون ومالي وبوركينا فاسو.
وتعدّ زيارة سلفاكير أمس الخميس الأولى من نوعها إلى روسيا منذ توليه منصب الرئاسة في البلاد بعد الانفصال عن السودان صيف العام 2011، وبعد شهرين تقريبًا من انعقاد القمة الروسية الأفريقية في سانت بطرسبورغ، والتي لم يحضرها سلفاكير شخصيًا، مما فُسر في حينه على أنه نتيجة تعرضه لضغوط غربية.
لكن تفسيرات غياب رئيس جنوب السودان عن الحدث الرئيسي والأكبر في العلاقات الروسية الأفريقية باتت موضع شك الآن مع وصوله إلى العاصمة الروسية واجتماعه مع الرئيس فلاديمير بوتين، مما يطرح سؤالا حول ما إذا أصبح البلدان على أعتاب نمط جديد من العلاقات يتجاوز التعاون التقليدي في المجال الاقتصادي، وقيود المواقف الأوروبية والأميركية.
اهتمام متبادلأشار الرئيس الروسي خلال لقائه بسلفاكير إلى تطور العلاقات مع جنوب السودان "بشكل مكثف للغاية"، وأعاد إلى الأذهان أن روسيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بسيادة واستقلال جنوب السودان، متابعا أنه لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، وخاصة في مجال التنمية الاقتصادية.
كما شدّد بوتين على أن "هذه ليست سوى البداية، ولدينا العديد من الفرص الجيدة في طيف متنوع من المجالات بما في ذلك الطاقة والتجارة والاقتصاد".
ويعود تاريخ علاقات روسيا مع جنوب السودان إلى عام 2011، مع قيام دولة جنوب السودان، عندها وقع الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف مرسوما يعترف بالدولة الجديدة، ويعلن إقامة علاقات دبلوماسية معها.
وبدأ التعاون الاقتصادي بين البلدين يتخذ بعدا جديدا بعد التوقيع على مذكرة تعاون مشترك بين وزارتي الطاقة فيهما، قبل أن يرتفع منسوب التفاعل بين الجانبين ليشمل التعاون في قطاعات أخرى كالصناعة والتجارة والطب والتعليم وغيرها.
وتشكل القارة الأفريقية عموما مجالا حيويا لتوسيع النفوذ الروسي في العالم، فإلى جانب العوامل السياسية، وتوسّع المزاج الشعبي المعادي للغرب -خصم روسيا-، وغياب إرث أو ذاكرة استعمارية لموسكو في هذه البقعة من العالم، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا وبريطانيا، تعدّ القارة مخزن الأرض من حيث الثروات.
يعتبر خبراء روس أن التحول في بوصلة التحالفات الدولية لدى بلدان أفريقية نحو روسيا، بما فيها جنوب السودان، سيكون سمة المرحلة المقبلة، التي تشهد -وفقًا لتقديراتهم- منافسة شديدة بين الدول الرائدة، لا سيما الصين والولايات المتحدة والدول الغربية.
وحسب رأي الخبير في الشؤون الأفريقية فياتشيسلاف تكاتشينكو، فإن جوبا تحتاج إلى دعم موسكو في مجلس الأمن الدولي بشأن رفع العقوبات وحظر الأسلحة، وأيضا تستعد لمرحلة ما بعد تراجع النفوذ الفرنسي والأميركي، مما يعطي الزيارة طابع التمهيد لتقارب أكبر مع موسكو مع إمكانية استثمار إستراتيجي متبادل.
علاوة على ذلك، يرى تكاتشينكو، في حديث للجزيرة نت، أن الخبرة والتصنيع والإمكانات العسكرية وفي مجال الطاقة مقابل الرغبة الجامحة في الاستقلال، هي عوامل تجعل روسيا نموذجا فريدا من نوعه، يرشحها للعب دور الضامن الوحيد للأمن الغذائي في أفريقيا.
لكنه يشير إلى أن جنوب السودان تعدّ من أصعب الدول من الناحية الأمنية، وهو ما أكدته بعثة الأمم المتحدة هناك، من حيث ارتفاع حالات القتل والاختطاف، التي تكون في غالبيتها على يد المليشيات المحلية أو مجموعات الدفاع المدني، فضلا عن الاشتباكات المتواصلة وحالة العداء بين القبائل، مما يرجح بروز دور مستقبلي لمجموعة "فاغنر" في البلد المرشح ليكون حليفا لموسكو.
أهمية جوبا لموسكومن جانب آخر، يرى المحلل السياسي إيغور مالتسيف أن جنوب السودان يشكل بالنسبة لروسيا سوقا مهما للسلع الزراعية والأسلحة والمعادن الحديدية والطاقة والمنتجات الهندسية، كما أنه جزء من المكون السياسي الأفريقي المتمثل بـ54 عضوا في الأمم المتحدة، مما قد يكون مهما لموسكو في مناقشة القضايا التي تهمها في الجمعية العامة للمنظمة الدولية.
ويقول مالتسيف إن من شأن تعزيز الوجود الروسي في جنوب السودان أن يحل إشكالية خطط روسيا المتعثرة حاليا لإنشاء مركز لإصلاح السفن البحرية في السودان بسبب استمرار الاشتباكات هناك بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويضيف أن عدد سكان شرق أفريقيا يتزايد، وبالتالي تتسع أسواقها، فبمحاذاة جنوب السودان هناك إثيوبيا المهمة لروسيا، وهناك وجود فاعل أيضا في جيبوتي، كما أن موسكو تتمتع بعلاقات جيدة مع مصر والجزائر، وعليه يمكن النظر إلى جنوب السودان كدولة مستقلة وشريك واعد، حتى لو تطلب بناء العلاقات معه البدء من الصفر، خاصة وأن زيارة الرئيس سلفاكير إلى موسكو تعد من وجهة نظر الدبلوماسية إشارة جيدة للغاية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جنوب السودان
إقرأ أيضاً:
البرهان وسلفاكير يبحثان تعزيز العلاقات الأمنية
أجرى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان اتصالا هاتفيا مع رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت أمس الأحد، لبحث تطورات الأوضاع الأمنية في جنوب السودان والعلاقات الثنائية بين البلدين.
ووفقا لبيان صادر عن مجلس السيادة السوداني، تناول الاتصال العلاقات بين الخرطوم وجوبا، وسبل دعمها وتعزيزها، إلى جانب قضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة في ظل التوترات الأمنية المتزايدة في جنوب السودان.
وأكد البرهان خلال الاتصال "حرص السودان على استدامة الأمن والاستقرار في دولة جنوب السودان"، مشددا على أن استقرار جوبا ينعكس إيجابيا على الأوضاع في السودان نفسه.
كما أشار إلى أن أمن البلدين مترابط بشكل وثيق، مما يتطلب تعزيز التعاون المشترك للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
من جانبه، عبّر سلفاكير عن التزام حكومته بالعمل على تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي مع السودان، مشيرا إلى أن حكومته تبذل جهودا مكثفة لاستعادة الأمن والاستقرار في بلاده.
قلق أمميويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه المخاوف الدولية بشأن تصاعد التوترات في جنوب السودان، حيث أمرت الولايات المتحدة أمس الأحد موظفيها الحكوميين غير الأساسيين بمغادرة البلاد بسبب "المخاوف الأمنية"، مؤكدة أن "الصراع المسلح مستمر، والقتال يجري بين مجموعات سياسية وعرقية مختلفة، في حين أن الأسلحة متاحة بسهولة للسكان".
إعلانكما أعربت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي عن قلقهما إزاء الوضع الأمني في جنوب السودان، خاصة بعد استهداف مروحية تابعة للأمم المتحدة في مدينة ناصر بولاية أعالي النيل (شمال) يوم الجمعة الماضي، إلى جانب اندلاع أعمال عنف في مناطق متفرقة من البلاد.
وحصل جنوب السودان على استقلاله عن السودان عام 2011 بعد استفتاء شعبي، لكنه سرعان ما انزلق إلى حرب أهلية دامية عام 2013 عقب إقالة سلفاكير نائبه رياك مشار، وسط اتهامات بمحاولة انقلاب.
وعلى الرغم من توقيع اتفاقيتي سلام عام 2018 و2022، فإن المواجهات المسلحة لا تزال تندلع بين القبائل والمجموعات السياسية المختلفة من حين لآخر.
وفي الآونة الأخيرة، سيطرت مليشيا تُعرف باسم "الجيش الأبيض"، وتتكون من عناصر من قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار، على مدينة ناصر، مما دفع السلطات إلى اعتقال عدد من قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة بقيادة مشار.
ويأتي اتصال البرهان بسلفاكير في ظل هذه التطورات المتسارعة بوصفه محاولة لاحتواء الأزمة وضمان عدم امتداد تداعياتها إلى السودان، الذي يواجه بدوره تحديات أمنية وسياسية داخلية منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.