الشاعر البحريني حسين السماهيجي لـ 24: الشّعر نصٌّ ينفتح على الحياة
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
الشاعر والناقد البحريني حسين السماهيجي، حصل من قبل على شهادة الدكتوراه من جامعة منوبة في تونس، عن أطروحة بعنوان "توظيف التراث الصوفي في الشعر العربي الحديث، من خلال بعض النماذج".
ويملك السماهيجي 7 إصدارات شعرية، أولها "ما لم يقله أبو طاهر القرمطي" عن دار الكنوز الأدبية، بيروت 1996، وكان آخر ما صدر له "لهفة المَشَّاء"، عن دار "طَرَفَة للشِّعر والدّراسات" البحرين في 2021، وأصدر كتابين في النقد، و3 كتب في التحقيق، وخلال مسيرته الأدبية حاز على أكثر من 3 جوائز.
ربطٌ مراوغ بين بداية تجربتك الشعرية واليوم، هل توصلت إلى مفهوم للشعر، أم ليس بالضرورة؟
السؤال على بساطته وكونه مباشراً، إلّا أنّه ينطوي على غموض شديد. ثمّة ربطٌ مراوغٌ بين التجربة الخاصّة من جانب وبين الشِّعر باعتباره قابلاً للمقاربة والفهم، ومن ثمّ للإحاطة به، من جانب آخر. والذي أراه الآن، وهذا الفهم قابلٌ للتبدّل والتطوير، أنّ مفهومي للشِّعر الآن ليس هو مفهومي للشِّعر الذي كان قبل ثلاثين عاماً. عندما أعود إلى تجربتي أرى أنّني كنتُ قبل ثلاثين عاماً أنظر للشِّعر بصورةٍ حدِّيّة في الجوانب الشّكلانيّة. أمّا الآن فلا. الشّعر نصٌّ ينفتح على الحياة. وهو بشكلانيّاته القابلة للتطوّر إنّما يمنحنا فهماً متجاوِزاً لهذه الحياة. لذلك، فالشِّعر ما هو إلّا معادلٌ لهذه الحياة ومعوِّضٌ عنها في وجوهها المتعدّدة. إنّه الشّراسة واللّطف في آنٍ واحدٍ معا. وهذه اللّغة، وهذا الإيقاع الذي تتجلّى فيه، وبه، نصّاً شعريّاً غير مهيَّأ للقبض عليه، أو الإعلان عن حدوده وضوابطها بصورة صارمة.. هذا كلّه، وغيره، هو الشِّعر في بعض وجوهه.
كيف تمّ الاعتراف بك شاعراً في بداية تجربتك، هل بدعوة للمشاركة بأمسية، أم بنشر قصيدة، وهل يمكن أن تستعيد لنا تلك اللحظات؟
بكلّ ذلك. وإذا ما عدتُ إلى الوراء الآن قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، فذلك الشخص الذي أدين له بصورةٍ مباشرةٍ هو أستاذي الذي أخذ بيديَّ عندما كنتُ لا أزال طالباً في جامعة الملك سعود؛ وأعني به الكبير إبداعاً ونقداً الشّاعر السوري الدكتور نذير العظمة رحمه الله تعالى. كنّا في نادي الشّعر في الجامعة؛ وكان هو قد استمع هناك إلى قصيدة لي بعنوان «رسالة إلى أبي القاسم الشّابي». كانت ردّة فعله بالنّسبة لي ذات أثر هائل جدّاً. ومع تلك اللحظة الفارقة بالنسبة لي، أخذت في سلوك الطّريق إلى الشِّعر، والتفتيش عنه. في الواقع، فإنّني أدين إلى ذلك المحفل العلمي والأدبي العظيم «جامعة الملك سعود» بالفضل. فهناك قرأتُ الشّعر، واستمعت إليه، وتابعتُ قضاياه في الوسط الثقافي في المدن الكبرى ومنتدياتها ومحافلها. نعم، كنّا شباباً مصابين بهذا الشِّعر. وكنّا نقبل عليه بلهفة العشّاق. حضورٌ مهيمن كانت أطروحتك في الدكتوراه " توظيف التراث الصوفي في الشعر العربي الحديث من خلال أعمال: جبران، عبدالصبور، البياتي، عفيفي مطر، أدونيس" . ما محرضات دراستك لهذا التوظيف، ولأسماء محددة، من دون غيرها، وما تشابك محور الأطروحة مع تجربتك، وتالياً هل ترى أن هذا التوظيف أحد أهم خصوصيات الشعر العربي؟
في الواقع، فجميع أعمالي البحثيّة متعلّقة بصورة أو أخرى بالشِّعر. «الشِّعر» بالنسبة لي كذات تتعامل في فضاء الوجود هو المركز. هو الذي يخلّق الحركة ويوجّهها. أمّا تراثنا الصّوفيّ، فأراه أحد المراكز الأساسيّة لحركة الشّعر في فضائها العربيّ. وهذا المركز له حضورٌ مهيمِن؛ لا يزال بحاجة إلى استقصاء واستكشاف وتجريب. أمّا الأسماء التي اشتغل عليها البحث، فهي على تفاوت ما بينها، تمثّل تجارب دالّة وأساسيّة تعاملت مع هذا التراث الصّوفيّ الذي قدّمته أمّتنا إلى العالَم. لا يمكننا حال النّظر إلى منجز الحداثة الشّعريّة، بل حركة الشّعر العربي المعاصر، أن نغفل التأثير الهائل الذي لا يزال يمنحنا عطاءً وزخماً جديداً. ولعلّي أكتفي بذكر نموذج واحد دالٍّ، هو الشّاعر العربي الكبير الأستاذ عبد القادر الحصني. ها هنا، لدينا نموذج مضيء لا يزال يتعاطى مع تراثه الصّوفي بحسٍّ شعريٍّ لافت. بذلك كلّه، وبسواه، أجيب: نعم، إنّ توظيف التراث الصوفيّ يمثّل خصوصيّة للشّعر العربيّ اليوم. ولعلّ المستقبل كفيلٌ بأن يكشف لنا أبعاد ذلك بصورة أفضل.
أزعم أن كثيرين من الشعراء العرب حاولوا تمثّل التجربة الصوفية في شعرهم لكنها أتت بثمار ليست ناضجة بل تشي بافتعال هذه التجربة، ما دوافعهم برأيك الناقد؟
هذا أمر طبيعيّ جداً. ستجد الافتعال أحياناً. وستجد السّذاجة أحياناً أخرى. ولكنْ، المهمّ أنّك ستجد دون ريب النماذج المضيئة التي تمنح العالَم جمالَه وتكشف عن فتنته. التجربة الصوفية، في وجهٍ من وجوهها، محاولةٌ للحياة بطريقة خاصّة. والشاعر ليس ملزماً في ذلك بأن يكون على نمط الآخرين. إنّه يقترح نموذجه للعيش والفهم والتّمثّل، ومن ثمّ التعبير بطريقته الخاصّة التي لا تشبه الآخرين. إنّه يقترح نموذجه على ذاته. الشّعر حالة فرديّة؛ والذّهاب إلى هذا الاختيار إمعانٌ في نزعة الفرديّة. وهذا الأمر بحاجة إلى بحث مستقلّ. قمع ضد القصيدة! إقصاء بعض الشعراء لقصائد غيرهم هل له علاقة بعدم امتلاكنا ثقافة التعدد بحيث لا نقبل الاستجابة للشعر على أي نظام جاء؟
لا أفهم أنّ شاعراً حقيقيًّاً يقصي نصّاً شعريّاً مضيئاً. ربّما يكون له موقف شخصيّ من أحدهم؛ ولكنْ يجب أن يتوقّف ذلك بحيث لا يمسّ النّتاج الإبداعيّ. ودون شكّ، فإنّ هذا له علاقة بطبيعة بنية الذّات وتشكّلها. هذا الأمر، يرجع غالباً إلى نظام التربية لدينا. ولذا، لم أكن أفهم أن يمارَس القمع ضدّ القصيدة لأنّها جاءت على شكل معيّن. يا عزيزي، لتكن علاقتنا بنتاج الآخرين منطلقة من الفهم والمحبّة. حينها سيمكننا أن نتشبّث بالحياة التي تمّ تدمير أعظم منجزاتها خلال عقود الدّمار.
نلت أكثر من جائزة، هل ترى أن الجوائز في أي عمر من التجربة تقدم الحوافز المعنوية ذاتها للمبدع؟
نعم. نلت بعض الجوائز. وللأمانة، كنت أرى إليها باعتبارها محفِّزاً للإبداع. أتذكّر أنّ الجائزة الأولى التي نلتها كانت جائزة راشد بن حميد في سنة 1986م. وقد كان لها أثرٌ مهمّ في استمراري في الكتابة. الآن، أنظر إلى مسألة الجوائز باعتبار أهميّتها للمبدعين والنُّقّاد في بداية مشوارهم الإبداعي أو النقدي. أمّا التجارب التي تكرّست في فضاء الإبداع والكتابة فيليق بهم التّكريم؛ وليس السّباق على الجوائز. فهمٌ آخر للشعر هل صدرك رحب تتقبل الملاحظات النقدية على شعرك، وما رأيك في الشعراء الذين يتكبرون على النقد والنقاد إلى درجة قد يتهمونهم بعدم فهم الشعر؟
ينبغي للمبدع الواثق من تجربته أن يتلقّى النّقد، وإن كان سلبيّاً، بصدرٍ رحب. الذّات الشّاعرة ينبغي لها أن تستفيد من كلّ الملاحظات النقدية، وتعتبرها علامةً ومؤشّراً كي تستأنف انطلاقتها من جديد. في بداية تجربتنا الشعرية، وعندما كنّا متكرّسين على كتابة القصيدة العموديّة، واجهنا نقداً شرساً لأنّنا نكتب القصيدة العموديّة. تخيّل ذلك. أن يقال لك: لا تكتب القصيدة العموديّة. القصيدة العموديّة تعني المتنبّي. ونحن لسنا بحاجة إلى المتنبّي؛ نحن بحاجة إليك. طبعاً، هذا الطّرح يُقَدَّمُ باعتبارات خاصّة كانت حاكمةً ومهيمنةً في لحظتها. مع ذلك، لم نلتفت إلى هذا الطّرح. ولكن، استفدنا منه بصورة مغايرة. ولذلك كان لدينا فهمٌ آخر للشِّعر. وهذا الفهم لم يكن محدوداً بنظر الآخرين. بل كان متعلّقاً بالنتاج الشعري نفسه، منذ أقدم عصوره وإلى اليوم.
هل تعرف ذاتك النقدية ما يفترض أن تنأى عنه قصيدتك، ولم تفعله حتى الآن، ولماذا؟
لا أظنّ ذلك. ولا ينبغي لها أن تعرف. عالم مُغاير هل ثمة شاعر تقيم حواراً دائماً مع قصائده من هو، وما هي أسبابك؟
أحبّ أبا تمام وأبا الطّيّب وأبا العلاء. وأجد أنّ الحسين بن منصور الحلّاج وابن عربي مؤسِّسَين لعالَم مغاير. هؤلاء، إن شئت، خلّقوا العالَم الخاصّ بي، ولا يزالون يعيدون تشكيله ورفده.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يبحث مع نظيره البحريني العلاقات بين البلدين والأوضاع في المنطقة
بحث وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي، اليوم، مع وزير خارجية مملكة البحرين الشقيقة الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وذلك على هامش منتدى صير بني ياس بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وثمن الوزيران عاليًا تنامي وتيرة تطور العلاقات بين الجانبين، بما يمثل مرتكزًا قويًا لاستمرار التنسيق والتشاور حيال سبل دفع مختلف مجالات التعاون الثنائي، وبما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين.
كما تبادل وزير الخارجية الرؤى مع نظيره البحريني، حول مستجدات التطورات في قطاع غزة ولبنان، حيث أكدا أهمية التوصل لوقف فوري لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية، وكذلك ضرورة العمل على تخفيف حدة التوتر المتصاعد في المنطقة.