قدحة.. نافذة سينمائية على الطفولة المهمشة بتونس
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
تعتبر الأفلام التي تعنى بقضايا الطفل والطفولة ذات تقاليد راسخة في السينما بمختلف مراحلها، وقد اهتمت الأفلام التونسية بالأجيال الناشئة طوال تاريخها بالتوازي مع الاهتمام العالمي بها.
ولم يكن المخرج التونسي أنيس لسود بعيدا عن هذا الواقع، لذلك قدم أفلام "حصص قرابة" و"صباط العيد" و"صابة فلوس" و"جمهورية نفسي"، وهي أعمال تدور حول انشغالات وأحلام الأطفال، وأبرز الظواهر والقضايا التي تعاني منها الطفولة في تونس وفي المجتمع العربي.
أنيس لسود هو مخرج تونسي من مواليد 1972، ينتمي إلى الجيل الجديد من السينما التونسية التي اكتسحت أغلب المهرجانات السينمائية العربية، وتسير نحو العالمية بخطى ثابتة.
حياة ثانيةنال فيلم "قدحة.. حياة ثانية"، لأنيس لسود عدة جوائز في مهرجانات السينما من بينها جائزة أفضل سيناريو في مهرجان مالمو للسينما العربية، والجائزة الكبرى في مهرجان "زلينغ" للطفولة والشباب في التشيك.
اختار أنيس لسود لبطولة فيلمه طفلين يبلغان من العمر 12 عاما، ومن ثم بدأ النبش في ذاكرة الشاشة التونسية، واختار ممثلين غابت وجوههم عن الشاشة كالممثلة التونسية أنيسة لطفي، والعرفاوي وجمال العروي.
سيناريو الفيلم كتبه كل من شامة بن شعبان وأنيس لسود، ليصنعا فيلما طريفا بوجوه غير مستهلكة في الشاشة.
يروي "قدحة.. حياة ثانية" قصة طفل يتعرض لحادث مرور، لكن والدته لا تستطيع توفير مستلزمات العلاج بسبب الظروف المادية الصعبة، فتتكفل عائلة ميسورة بمصاريفه.
يغير الحادث حياة الطفل ووالدته، حيث تلتقي والدة الطفل قدحة في المصحة بمعز ومليكة اللذين يتكفلان بتغيير حياة قدحة، ويوفران له مسكنا، ليلتقي قدحة أسامة الابن الوحيد لمعز ومليكة، وتنشأ بين قدحة وأسامة علاقة صداقة.
تناقض جارحيصور المخرج تمزق البطل بين حياته القديمة في الحي الشعبي وحياته الجديدة في بيت مترف، وبين التعليم العمومي في مدرسة الحي والتعليم الخاص وبين الترف المادي و"البتر النفسي والجسدي".
صوّر المخرج أوجاع الذات وبعض قضايا الشعب التونسي، لكن تبقى صورة الجسد المبتور ذات رمزية عالية، يلقي الأب بنفسه وبجسده في مراكب الموت من أجل الحياة، ويتبرع الابن بكليته من أجل تأمين مقومات العيش الكريم.
يطرح أنيس لسود قضية البتر الجسدي والبتر الروحي معا، النقصان والخصاصة الروحية والجسدية، وغياب الأب في أفق مجهول، وضياع الأم بسبب عدم قدرتها على تحمل مصاعب الحياة.
تعبر هذه الصورة عن تفكك طبقة واسعة من المجتمع التونسي، الذي أنهكته السياسات ودفعته الضغوط الاقتصادية إلى "الحرقة"، وتعني في اللهجة الشعبية التونسية الركوب في قوارب الموت من أجل الهجرة إلى أوروبا، أو إلى بيع أعضاء أبنائه من أجل تأمين العيش الكريم.
يصور المخرج، من جهة أخرى الفئات المترفة، فعلى الرغم من مشاعر الامتنان الواضحة على عائلة أسامة، كانت تسعى دائما إلى الحفاظ على هذه التراتبية الاجتماعية، إنها الطبقة التي لم تستطع التخلص من مشاعرها العميقة بالتفوق على الطبقات الفقيرة في المجتمع.
هذا التباين وإن بدا ظاهرا في الفيلم، إلا أنه ليس الهدف الأساسي الذي بني على ثنائية جدلية، وهي حاجة كل طرف إلى الآخر، فأسامة الصبي لا حاجة له بالمال بقدر حاجته للصحة الجيدة، في حين أن قدحة ليس لديه وعي بأهمية جسده وصحته الجيدة بقدر تفكيره في مصير والده والخصاصة التي يعيشها.
وحدة روحيةرغم قسوة مشهد التبادل وبيع الكلية من أجل الحياة، فإن أنيس لسود أراد أن يغير من الصورة المألوفة لصراع الطبقات، ويجعل التقارب بينهما ليس تقاربا ظاهريا فحسب، بل تقاربا عضويا ودمويا مرتبطا بحاجة كل طرف إلى الآخر.
وسّعت الضغوط الاقتصادية والأوضاع السياسية الهوة بين الطبقات، إلا أن المشاعر الإنسانية التي تعمر عالم الأطفال تجمع وتصنع التوافق بينهم في الجسد والدم، فضلا عن الود الظاهر.
يعتبر أنيس لسود أن بين فئتي المجتمع هناك طبقة هائلة قادرة على صنع الأمل ورسم أفق أجمل للحياة، ذلك أن "قدحة" هو الاسم الشعبي الذي تتداوله الأحياء الشعبية للتعبير عن الانطلاقة والشعلة والنور والشجاعة.
يطرح الفيلم جملة من الثنائيات الإشكالية: الذات والآخر، الأطفال والآباء، الحرية والسلطة، الخيال والواقع، البتر والزرع، النقصان والترف، القطيعة والتوافق، الحياة والموت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
عضو بـ«النواب»: قمة العشرين نافذة قوية لاستعراض فرص مصر الاستثمارية
أكد النائب حسن عمار، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، أن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في فعاليات قمة العشرين جاءت في توقيت دقيق في ظل تأجج الصراع بالمنطقة، وزيادة حالة الاستقطاب التي قد يسفر عنها حرب إقليمية، تنتهى بخسائر لا حصر لها، لذا فإن مشاركة مصر والتي تعد صوت الدول النامية في هذه القمة، يأتي ليسلط الضوء على التحديات التي تواجه هذه البلدان جراء الصراعات والحروب، والتي تزيد من الأعباء الاقتصادية والمالية، وتعرقل مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الاقتصاد العالمي وأداء التجارة العالميةوأضاف أن قمة العشرين تضم قادة من الدول صاحبة أكبر 20 اقتصادا في العالم، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأفريقي، لذا فهي تلعب دورًا مهما في الاقتصاد العالمي وأداء التجارة العالمية، وبالتالي قد يكون أمام مصر فرصة هامة لتعزيز روابطها الاقتصادية واستعراض فرصها الاستثمارية على كبرى البلدان.
وأشار إلى أن هذه القمة تعد نافذة اقتصادية قوية على السوق العالمي، يمكن استغلال الفرص المتوفرة به في مرحلة تعافي الاقتصاد الوطني، خاصة أن قيمة استثمارات مجموعة دول العشرين بمصر 12 مليار دولار خلال العام المالي 2022/ 2023 .
وأشار عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، إلى أن مجموعة دول العشرين تمتلك 80% من إجمالي الإنتاج العالمي، كما تبلغ حصة المجموعة من حجم التجارة العالمية 75%، بخلاف ذلك فهي تضم عدد من المنظمات الدولية الهامة تحت مظلتها كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ومجلس الاستقرار المالي، ما يشكل أهمية لمناقشة التحديات التى تتعلق بقضايا الدعم والتمويل للبلدان النامية من قبل هذه الكيانات، لإعادة النظر في حجم المديونيات التي تلاحقها وتسهم في زيادة الأعباء على كاهلها، في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعرقل جهود التنمية بها.
وأوضح أن قمة العشرين تكمن أهميتها في القضايا التي يتم مناقشتها على طاولة تجمع دول ذات قيمة اقتصادية وسياسية لا يستهان بها، لمناقشة نمو الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية وتنظيم أسواق المال العالمية، وكيفية تقوية النظام المالي العالمي وتعزيز آليات الرقابة عليها لمنع تكرار الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم عام 2008، وعدم ترك أي قطاع من السوق المالية العالمية بعيدا عن الرقابة، ومحاربة التهرب الضريبي وتفادي المنافسة عن طريق تخفيض الضرائب، فضلا عن الحديث حول التغيرات المناخية وسياسات التنمية وأسواق العمل وقوانينها ونشر التقنية والهجرة وقضية اللجوء ومحاربة الإرهاب، للتوصل إلى رؤى واقعية تسهم في تخفيف حدة آثار هذه القضايا الملحة على الدول بشكل كبير.