أكتوبر والأزمات واستشراف المستقبل
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
مع اقتراب ذكرى انتصار أكتوبر العظيم، وهى الذكرى الخمسون بالتمام والكمال، أكرر وأعيد أن توثيق ذكريات وخبرات ومشاعر أبطالنا الذين خاضوا الحرب بأنفسهم من ضباط وجنود وزوجاتهم أمر محورى.
هذه المطالبة لا تقتصر على الأسماء والأحداث المعروفة فى المعركة فقط، بل تشمل أجواء المصريين فى ذلك الوقت، وما كان يدور فى الشارع، وعلاقة الضباط بالجنود على الجبهة، وعلاقة الأسر والجيران بعضهم ببعض أيام الحرب، وموقف المواد التموينية، وما كان يقال للطلاب فى المدارس، وغيرها من تفاصيل الحياة فى مصر قبل 50 عاماً.هذا التوثيق هو سرد لتفاصيل الحياة وقتها، ليس فقط على الجبهة، بل فى البيوت والشوارع، والمدارس والجامعات والمحلات، ومن شأن معرفة ونشر وكتابة وتسجيل هذه الذكريات توصيل رسالة مهمة ومطلوبة ومحورية اسمها «نعم نستطيع».
وإذا كانت استطاعتنا فى الحرب، واستعادة الأرض والحق قد تحققت، فإن التأكيد على استطاعتنا الآن لعبور المراحل الصعبة مطلوب ومرغوب، كما أن الأجيال الجديدة -على الأرجح- فى حاجة ماسة لمعرفة حقيقة مصر والمصريين من خارج زاوية وكادر الـ«سوشيال ميديا» المحدود جداً.
وبمناسبة الـ«سوشيال ميديا» وكادرها المحدود، والذى هيئ للبعض أنه بات الكادر الوحيد القادر والماضى قدماً فى السيطرة على حاضرنا ومستقبلنا، فإن الـ«سوشيال ميديا» والعوالم الافتراضية والقوى الرقمية «خلعت» وقت الجد.
الثورة الرقمية بالغة الأهمية، وهى تطور طبيعى لحياة البشر الذين انتقلوا من الاقتصار على المجتمعات الريفية الزراعية وبات لديهم مجتمعات صناعية وحضرية، ومنها إلى المرحلة الثانية فى الثورة الصناعية ونمو الصناعات القائمة وابتكار الجديد، مثل النفط والكهرباء واستخدامهما فى الإنتاج على مستوى ضخم.
ومن الثانية إلى الثالثة حيث التقدم التكنولوجى وانعكاسه فى الأجهزة والمنتجات المتاحة للبشر ومنها الكمبيوتر الشخصى والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، ثم المرحلة الرابعة وفى القلب منها شبكة الإنترنت وقدرتها الفائقة، ليس فقط على تخزين المعلومات، بل توليدها مع إمكاناتها اللامحدودة للوصول إلى المعرفة.
مع تطور هائل فى الذكاء الاصطناعى من روبوتات وسيارات ذاتية القيادة وتكنولوجيا النانو وحوسبة كمومية وتكنولوجيا حيوية، والقائمة على ما يبدو لن تنتهى.
للوهلة الأولى تبدو سلسلة الكوارث والمصائب الطبيعية التى ألمت بالمنطقة العربية على مدار الأشهر الماضية أمراً خارج إطار زمن الروبوت والسيارة ذاتية القيادة.
زلازل مدمرة وإعصار مأسوى تنضم إلى كوارث من صنع الإنسان حيث صراعات مسلحة، لا مع العدو، بل بين «الأصدقاء» وحروب مشتعلة لا من أجل البقاء بل من أجل الفناء.
وإذا أضفنا إلى ذلك سلسلة مصائب، مثل حفل زفاف يتحول إلى كارثة يموت فيها بعض ما لا يقل عن مائة من المدعوين، وحوادث قطارات وسيارات وغيرها، يقف الذكاء الاصطناعى عاجزاً عن فهم ما يجرى.
ما يجرى يخبرنا بأنه لا غنى عن الذكاء البشرى والقدرة على الفهم واختيار الأولويات، وذلك قبل أن نشترى سيارة ذاتية القيادة.فى منتدى الإعلام العربى فى دورته الـ21، هذا الحدث الذى يلقى الضوء سنوياً لا على مجريات العالم من سياسة واقتصاد وعلوم من منظور الإعلام فقط، بل بات يخبرنا بما نحن مقبلون عليه من تطورات تقنية ومهنية تؤثر فى التطور البشرى، فتفيد من يفيق من غيبوبته وتفوت على ما يصر على البقاء فيها.
وفى دورته التى انتهت قبل ساعات فى دبى، أشار وزير الدولة للذكاء الاصطناعى والاقتصاد الرقمى وتطبيقات العمل عن بُعد الإماراتى عمر سلطان إلى نقطة بالغة الأهمية، حيث قال إن دور الإنسان كان وسيبقى مهماً فى كافة مراحل تطور التقنيات الحديثة، إذ يشكل الإنسان العنصر الأهم فى البحث عن الحقيقة، وذلك بالنظر إلى الكم الهائل من المحتوى الذى سيتدفق بشكل واسع مدفوعاً بالتكنولوجيا، فالقيمة الحقيقية للمحتوى هى مصداقيته، وتتوقف على وجود أشخاص ذوى مصداقية قادرين على بلورة هذا المحتوى وتطويره ونشره.
علينا إذن أن نحدد أولوياتنا: هل نريد اقتتالاً وتناطحاً وهوساً دينياً والغرق فى جدل دخول الحمام بالرجل اليمنى وشراء عروس المولد والعمل فى البنوك حرام؟ أم نريد أن نلحق بالتطور البشرى الذى بات ينافس حيناً ويتكامل أحياناً مع الذكاء الاصطناعى؟
وما زلنا فى منتدى الإعلام العربى فى دبى، ورسائل تعنى الكثير من رائد الفضاء الإماراتى دكتور سلطان النيادى، حيث قال إنه حصل على تدريبات احترافية على مدار خمس سنوات، وإن الحضارة العربية ألهمت العالم من قبل وحان وقت إعادة إحيائها، مضيفاً أن نصيحته للأجيال الجديدة تتلخص فى العلم والمعرفة والمثابرة حتى تحقيق الحلم، لأن هذا هو ما فعله بالضبط.
كلمة أخيرة: تحية كبيرة لنائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبى للإعلام، رئيسة نادى دبى للصحافة السيدة منى غانم المرى. هذا المنتدى أصبح تقييماً لما فات، واستشرافاً لما هو آت.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة
إقرأ أيضاً:
عُمان ورحلة التحول الرقمي.. حين يصبح المستقبل واقعًا
في عالمٍ يتحرك بسرعة الضوء، حيث تتقلص المسافات وتندمج العوالم في فضاء رقمي واحد، تدرك الدول أن البقاء ليس لمن يراقب التغيير، بل لمن يصنعه. وفي قلب هذا التحول، تقف سلطنة عُمان، ليس كمتلقٍّ للتكنولوجيا، بل كصانعٍ لمستقبلٍ رقمي يتناغم مع هويتها وتطلعاتها التنموية.
منصات رقمية أفقٌ جديد للإدارة والحكم:
حين أعلنت عُمان تدشين ثلاث منصات وطنية، لم يكن ذلك مجرد خطوة تقنية، بل إعلانًا عن مرحلة جديدة، حيث تتحول العلاقة بين المواطن والحكومة من معاملة ورقية جامدة إلى تفاعلٍ ديناميكي مباشر.
منصة «تجاوب» ليست مجرد نظام لتلقي الشكاوى والمقترحات، بل هي جسرٌ يربط المواطن بصانعي القرار، حيث يصبح الصوت الفردي جزءًا من نسيج السياسات العامة. إنها فلسفةٌ جديدة في الحكم، حيث تتحول الحكومة من سلطة منفصلة إلى كيانٍ يسمع، ويستجيب، ويتفاعل.
أما «المنظومة الوطنية للتخطيط والتقييم»، فهي عقلٌ رقمي يُفكر، ويُحلل، ويُقيّم المسار نحو «رؤية عمان 2040». إنها ذاكرةٌ مؤسسية ذكية تحفظ الأداء، وتضع السياسات تحت مجهر التدقيق المستمر، فلا يُترك النجاح للصدفة، ولا يُسمح للفشل بالاستمرار.
وأخيرًا، تأتي «البوابة الوطنية الموحدة للخدمات الإلكترونية» بصفتها نافذة شاملة تُعيد تعريف مفهوم الخدمة الحكومية. لم يعد المواطن بحاجةٍ إلى أروقة البيروقراطية، بل بات بإمكانه إنجاز معاملاته بكبسة زر، في فضاءٍ رقمي يحاكي المستقبل. لقد أصبح من الممكن للمواطنين والمقيمين إنجاز العديد من الخدمات الحكومية في وقت قياسي، مما يعزز من مستوى الشفافية والفاعلية الإدارية.
بين الفلسفة والاقتصاد معًا نتقدم:
في قلب هذا التحول، يبرز ملتقى «معًا نتقدم»، حيث لا يكون المواطن مجرد متلقٍ للقرارات، بل شريكًا في صناعتها. إنه تحوّلٌ في الفلسفة السياسية، حيث لم تعد الدولة كيانًا يُصدر القوانين من برجٍ عاجي، بل فضاءً مفتوحًا للنقاش والحوار.
في هذا الملتقى، تُناقش الخطة الخمسية القادمة، ويُرسم مستقبل الوظائف والمهن، وتُدرس أوجه التنمية الاقتصادية. ليس الحديث هنا مجرد استعراضٍ للإنجازات، بل رحلةُ تفكير جماعي في اقتصاد الغد، حيث لا يُنظر إلى التحديات كمشاكل، بل كمشاريع تنتظر من يحوّلها إلى فرص.
الهوية الرقمية حين
يلتقي التراث بالمستقبل:
لكن السؤال الفلسفي العميق هنا: هل يمكن لدولةٍ أن تتحول رقميًا دون أن تفقد جوهرها؟ هل يمكن أن تعبر عُمان نحو المستقبل دون أن تُبدّد روحها التاريخية؟
الجواب يكمن في التفاصيل، وفي قدرة الدولة على بناء نظام رقمي لا يطمس هويتها، بل يعيد تعريفها في سياقٍ حديث.
فالتحول الرقمي في عُمان ليس انفصالًا عن الماضي، بل استمرارية له، حيث تلتقي الحكمة العُمانية العريقة بأدوات العصر الحديث.
إنه ليس مجرد «رقمنة» للخدمات، بل هو تجديد للفكر الإداري، حيث تصبح الحكومة كيانًا أكثر مرونة، وأكثر قربًا من نبض الشارع.
إن هذا النهج يثبت أن التقدم الرقمي لا يعني التخلي عن القيم الثقافية، بل يمكن استخدام التكنولوجيا لتعزيزها ونقلها إلى الأجيال القادمة.
المستقبل ليس وجهة بل رحلة مستمرة:
ما تفعله سلطنة عُمان اليوم ليس مجرد قفزةٍ تقنية، إنما هو رسمٌ لملامح دولةٍ لا تنتظر الغد، بل تسعى إليه. إنها تدرك أن التحول الرقمي ليس مجرد مشروع، إنما هو ثقافةٌ جديدة، عقليةٌ تُعيد التفكير في طريقة إدارة الموارد، وتوجيه الطاقات، وصياغة السياسات.
وهذا يعني أن عملية الرقمنة لا تعد تحولا لحظيا، بل رحلة مستمرة تتطلب الابتكار والتطوير الدائم لضمان تحقيق أقصى فائدة للمجتمع.
في النهاية، نحن لا نتحدث عن تقنيات جامدة، بل عن إعادة هندسة العلاقة بين المواطن والدولة. هذا هو جوهر العصر الرقمي: ليس أن تكون لديك منصات إلكترونية، بل أن تكون لديك رؤيةٌ تجعل هذه المنصات جسورًا حقيقيةً نحو مستقبلٍ أكثر ذكاءً، وأكثر إنسانية.