بايدن و«العصر الجديد» مع آسيا
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
وصف أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، عقب لقائه في واشنطن مع وزيري خارجية اليابان وكوريا الجنوبية، القمة التي كان يجري الإعداد لها بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا، والرئيس الكوري يون سوك يول، في كامب ديفيد (18-08-2023) بأنها تدشن «عصراً جديداً» من التعاون الثلاثي.
ولم يتوقف الأمر عند حدود هذا التوصيف، فقد تعامل معها كثير من المراقبين باعتبارها، أي تلك القمة الثلاثية، تاريخية، وأنها تجيء لتكمل الجهود الأمريكية لاحتواء القوة الصينية في منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، لأنها تعزز تكتل «كواد» الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة مع كل من أستراليا والهند واليابان. وبذلك تكون الولايات المتحدة استطاعت أن تؤسس «قوساً استراتيجياً» يحيط بمنطقة جنوب شرق آسيا لمواجهة خطر التهديدات الصينية.
وقبل أن تعقد القمة الثلاثية الأمريكية – اليابانية – الكورية الجنوبية، التي استضافها بايدن، في منتجع كامب ديفيد، بالقرب من واشنطن، كانت الإدارة الأمريكية انخرطت في تحالفات أخرى فرعية في المنطقة نفسها، ابتداء من الفلبين، ثم إندونيسيا، وأخيراً فيتنام التي، بسببها، غادر الرئيس الأمريكي قمة العشرين قبل أن تكتمل بيوم واحد، إلى العاصمة الفيتنامية هانوي، ليؤسس لعهد جديد من الشراكة الاستراتيجية، حيث نقلت وكالة «رويترز» معلومات تفيد بأن الإدارة الأمريكية تجري محادثات حول اتفاق لأضخم عملية نقل أسلحة في التاريخ بين الخصمين السابقين إبان الحرب الباردة، وهو اتفاق قد يؤدي إلى «إغضاب الصين»، ما يعنى أن الهاجس الصيني هو الدافع الأساسي لهذا التوجه الأمريكي، وهو ذاته الدافع وراء إعلان وزير الدفاع الأمريكي تأييد بلاده تحديث الجيش الإندونيسي (25/8/2023)، تعليقاً على مشاركة من مشاة البحرية الأمريكية «المارينز»، في مناورات مشتركة مع القوات الأسترالية والفلبينية، لمحاكاة استعادة جزيرة استولت عليها قوات معادية على الساحل الشمالي الغربي للفلبين، قبالة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
لم يكتف بايدن بهذه الشراكات مع دول جنوب شرق آسيا، ولكنه اتجه أيضاً إلى تأسيس تحالفات جديدة مع جزر المحيط الهادي. وكانت البداية في أحدث قمم بايدن بهذا الخصوص. فقد رتبت الإدارة الأمريكية لقمة للرئيس بايدن يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين (25- 26 أيلول الجاري) مع زعماء دول جزر المحيط الهادي، باستثناء رئيس وزراء دولة جزر سليمان، الحليف الوثيق لبكين، والتي وقعت في إبريل/ نيسان الماضي، اتفاقاً أمنياً مع الصين أثار غضب واشنطن.
شارك في هذه القمة عدة دول وجزر منتشرة عبر المحيط الهادي، من أستراليا إلى أرخبيلات ذات كثافة سكانية منخفضة، ودول صغيرة، بهدف تعزيز الوجود العسكري والنفوذ السياسي الأمريكي في هذه المنطقة من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية وتعزيز التعاون البحري، وتجديد اتفاقيات شراكة أبرزها مع «جزر مارشال» التي تنتهى بحلول يوم غد السبت، إضافة إلى إبرام اتفاقيات مماثلة مع دولة «ميكرونيزيا»، وأرخبيل «بالاو»، والهدف من كل ذلك إغلاق كل الثغرات أمام الصين في منطقة المحيطين الهادي والهندي التي هي محور الصراع الأمريكي – الصيني.
وعلى الرغم من كل محاولات الإدارة الأمريكية إظهار الحرص على عدم التصعيد مع الصين، خاصة وزير الخارجية بلينكن في لقائه مؤخراً، مع نائب الرئيس الصيني في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث دعا إلى إدارة التوترات مع الصين «بمسؤولية»، لكن جوهر الاستراتيجية الأمريكية هي التعامل مع الصين «كعدو استراتيجي»، وهذا يدفع الولايات المتحدة إلى إظهار الجدية الصارمة في التعامل معها بخصوص قضيتين، الأولى هي قضية تايوان، والثانية هي قضية بحر الصين الجنوبي، التي تحولت إلى قضية ساخنة بين واشنطن وبكين عقب مواجهة قوات خفر السواحل الصينية مع قارب إمدادات عسكري فلبيني.
هذه الشراكات والاتفاقيات العسكرية الأمريكية مع دول منطقة المحيطين الهادئ والهندي، رغم كل أهميتها إلا أنها مهددة من الداخل، وفي مقدمتها الاتفاق الثلاثي الجديد الأمريكي- الياباني- الكوري الجنوبي، بسبب الخلافات التاريخية العميقة بين اليابان وكوريا الجنوبية، وبسبب احتمال تغيّر القيادة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا ما تراهن عليه الصين.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الإدارة الأمریکیة مع الصین
إقرأ أيضاً:
الطفل الجليدي ذو العيون الزرقاء.. مفاجأة جينية من العصر الحجري
كشفت دراسة حديثة أقدم عليها باحثون من جامعة سيينا الإيطالية، عن أقدم حالة معروفة لظهور إنسان بعينين زرقاوين، عُثر عليها لدى طفل وُلد قبل 17 ألف عام، وعاش حياة قصيرة في ظل ظروف قاسية.
وقد عُثر على رفات الطفل داخل كهف في منطقة مونوبولي جنوب غربي إيطاليا عام 1988، ووفقا للتحليل الجيني، فإن الطفل كان لديه عيون زرقاء وبشرة داكنة وشعر بني أسود مجعد.
وبحسب الدراسة، التي نشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، فقد عانى الطفل من تحديات صحية خطيرة مثل تضخم عضلة القلب، وهي حالة قلبية خلقية تؤدي غالبا إلى زيادة سمك عضلات القلب وقد تسبب الموت المفاجئ في سن مبكرة، وتشير التقديرات إلى أن عمر الطفل لحظة وفاته لا يتجاوز 18 شهرا.
ورغم هيكله الصغير البالغ طوله 82 سنتيمترا فقط، تمكن العلماء من استنتاج المزيد من التفاصيل التي تتعلق بحالته الصحية في أثناء وما قبل ولادته عن طريق فحص الأسنان والعظام، مشيرين إلى أن الطفل كان يعاني من الإجهاد الفسيولوجي، بالإضافة إلى أن والدته كانت تعاني كذلك من سوء التغذية أثناء الحمل، ليعكس بذلك الظروف الصعبة التي كانت تحيط بهما خلال حقبة العصر الجليدي الأخير.
عُثر على هيكل الطفل في عام 1988 داخل كهف يقع جنوب إيطاليا (جامعة سيينا) عودة في تاريخ الجيناتلا تعد العيون الزرقاء صفة شائعة في البشر، ولم تظهر إلا حديثا قبل عدة آلاف من السنوات، ويعتقد العلماء أن الطفرة المسؤولة عن ظهور العيون الزرقاء تتعلق في المهق الجلدي الثاني، وهي حالة وراثية تتميز بانخفاض كبير أو غياب تام لإنتاج الميلانين في الجلد والشعر والعينين، وكانت هذه الصفة حاضرة في حمض الطفل النووي بشكل بارز.
إعلانوقبل هذا الاكتشاف، كان أقدم إنسان معروف بعيون زرقاء هو "رجل فيلابرونا"، الذي عاش قبل 14 ألف عام، وتشير التشابهات الجينية بين الطفل ورجل فيلابرونا إلى أن عشيرة الطفل قد يكونوا من أسلاف سلالة فيلابرونا.
ومن المثير للاهتمام أن تحليل الحمض النووي للطفل كشف أن والديه كانا على الأرجح أبناء عمومة من الدرجة الأولى، وهي ظاهرة نادرة خلال العصر الحجري القديم ولكنها موثقة بشكل أكثر شيوعا في العصر الحجري الحديث، وربما ساهمت هذه العلاقة العائلية الوثيقة في مشكلاته الصحية.
تطور العلاقة بين البشر والنظام الغذائيبالإضافة إلى ذلك، يبرز ضعف قدرة الطفل على هضم الحليب في مرحلة البلوغ العلاقة المتغيرة بين البشر ونظامهم الغذائي عبر العصور. فقد افتقر الطفل، شأنه شأن أبناء عصره، إلى الطفرات الجينية التي تسمح بتحمل اللاكتوز، وهي خاصية لم تظهر بشكل واسع بين البشر إلا في مراحل لاحقة.
أما بقايا الطفل، التي عُثر عليها من دون أي مقتنيات أو زخارف جنائزية، فتعكس نمط الحياة العملي والبسيط خلال العصر الحجري القديم. غير أن قصته، التي تمكنت العلوم الحديثة من فك خيوطها، تُعد شهادة على صمود البشر الأوائل وقدرتهم الفريدة على التكيف، فالطفرة الجينية المسؤولة عن لون عينيه الزرقاوين، والتي يشترك فيها اليوم ملايين البشر حول العالم، تُبرز الروابط الجينية العميقة التي تجمع البشر بأسلافهم القدامى.
وتُظهر هذه الاكتشافات نظرة فريدة إلى السمات الجسدية والجينية لشعوب ما قبل التاريخ، إلى جانب تسليط الضوء على التحديات الاجتماعية والبيئية التي واجهتها تلك المجتمعات. ورغم قصر حياته، يترك هذا الطفل من العصر الجليدي إرثا حافلا بقصص الكفاح، وسعي البشر المستمر للنجاة والبقاء على قيد الحياة.