مهاجرون من غزة يتحدثون للجزيرة نت عن غربتهم
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
غزة- "أشعر بالحزن لأنني ضيعت سنوات من عمري في إجراءات اللجوء"، بهذه الكلمات وصف الشاب الفلسطيني حسن عابد، المقيم في ألمانيا، حاله وحال الكثير من الشباب المهاجرين من غزة.
وعمل عابد قبل الهجرة في عدة محال تجارية، ولكن تدني الأجور والوضع الاقتصادي السيئ الذي يعانيه قطاع غزة المحاصر من الاحتلال الإسرائيلي حال دون تلبية متطلباته المعيشية وآماله المستقبلية.
يقول عابد (24 عاما)، في حديثه من مهجره للجزيرة نت، "أنهيت الثانوية العامة، ولم أتمكن من إكمال الدراسة الجامعية لسوء الوضع الاقتصادي، فافتتحت مشروعا صغيرا على بحر غزة لبيع الذرة.. ولكن العائد المادي القليل جعلني أفكر في الهجرة لإيجاد فرصة عمل أفضل".
تجدد حملات دولية تطالب برفع الحصار وفتح موانئ غزة (الأناضول ) معاناة مركّبةووصف عابد رحلة معاناته للوصول لليونان قائلا "بالكاد استطعت الحصول على 800 دولار لتغطية السفر إلى تركيا، وعند الوصول إليها حاولت 9 محاولات سيرا على الأقدام في الغابات العبور إلى اليونان، وكانت كل محاولة تستغرق 8 أيام، فيقبض علينا حرس الحدود اليوناني لنعود إلى معاناة المحاولة من جديد".
اضطر حسن عابد للعمل في تركيا لسنتين من أجل جمع مبلغ لا يقل عن ألفي دولار، ليدفعه رسوما للمهربين من أجل الوصول إلى اليونان عبر الحدود البحرية بين البلدين. وهذا الطريق البحري هو الوحيد المتاح للوصول إلى الوجهة المطلوبة.
بعد أن استقر به الحال في ألمانيا، يقول عابد "نواجه العنصرية والبعد عن الأهل، لكننا نتحمل ذلك مرغمين مقابل ما تقدمه هذه البلاد لنا من مسكن وعمل وراتب شهري يؤمّن لنا مستقبلنا".
ويشير الشاب، الذي غادر غزة منذ 5 أعوام، إلى تدفق مهاجرين نحو ألمانيا مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية بداية العام الماضي، وتكدّس اللاجئين الأوكرانيين فيها، ويضيف بأسف "واجهنا معاناة جديدة، وهي تمييز المهاجرين الأوروبيين عن العرب".
وحمّل عابد الاحتلال الإسرائيلي وحصاره لغزة المسؤولية عن معاناة الشباب الغزّي، لكنه لم يعفِ الحكومة في غزة ورجال الأعمال من مسؤولياتهم عن هجرة الشباب. وقال إن "أصحاب المشاريع التجارية الكبيرة استغلوا ظروفنا، وتدنت أجورنا لحد لا يعقل، والحكومة فشلت في توفير فرص عمل لنا".
معدلات معقولة
ووسط أحاديث ومشاهد متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى ارتفاع أعداد الشباب المهاجرين من القطاع، أكدّت هيئة المعابر والحدود في غزة أن أعداد المغادرين والعائدين للقطاع موافقة للمعدل السنوي المعتاد.
ووفق بيان للهيئة في الثامن من سبتمبر/أيلول الحالي، "تم تسجيل مغادرة 113 ألفا و234 مواطنًا منذ بداية العام 2023، في حين تم تسجيل وصول 116 ألفا و651 مواطنا". وحذر البيان من تداول أرقام وإحصاءات غير صحيحة لأعداد المسافرين أو المسجلين للسفر، "والافتراض خطأ أن كل من سافر قد ترك قطاع غزة".
من جهته، نفى رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف ما يتم تداوله من أعداد كبيرة لمهاجرين من القطاع، رافضا وصفها بالظاهرة، وقال إنه "قياسا بفترات سابقة، فأعداد المغادرين أقلّ بحسب ما سجلته هيئة المعابر، وهذا يدحض الأرقام التي جرى الحديث عنها".
وقال معروف للجزيرة نت "منذ بداية العام الحالي وحتى منتصف الشهر الجاري غادر إلى تركيا -العنوان الأبرز لقاصدي الهجرة وصولا لأوروبا- قرابة 2855 مواطنا من الفئة العمرية 18-30، منهم مئات من الطلبة التحقوا بالمنح التركية، ومئات آخرون قدموا لغزة خلال عطلة الصيف وعادوا بعد انتهائها، فضلا عمّن خرجوا بحثا عن تجارة أو سياحة أو غيرهما".
والناظر للظروف التي شهدها قطاع غزة من حروب وحصار، يجد أن مغادرة القطاع -حسب معروف- تأتي في سياق الوضع الطبيعي مقارنة بالمجتمعات الأخرى التي يغادر فيها السكان لأهداف مختلفة سواء للإقامة وتحسين واقع الحياة والبحث عن عمل.
وبيّن أن "المؤسسة الحكومية تبذل جهدا لإنجاز العديد من البرامج في محاولة للحد من معدلات البطالة والفقر، غير أنها تبقى محدودة قياسا بالحاجة الكبيرة في ضوء الحصار وتبعاته الثقيلة على الحالة الاقتصادية ومع ارتفاع الكثافة السكانية في القطاع".
هل ينوون العودة؟
يقول رئيس "الهيئة الدولية لحقوق الشعب الفلسطيني" صلاح عبد العاطي إن معدلات الهجرة الأخيرة من غزة دليل على الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي يحياها المواطن بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع للعام الـ17 على التوالي.
وبحسب عبد العاطي، نتج عن هذا الحصار خسارة الاقتصاد الفلسطيني قرابة 17 مليار دولار، ودمار بالبنية التحتية والمنشآت الاقتصادية، مما حدّ من قدرة القطاع الخاص على التشغيل، وصار 74% من السكان يعتمدون على المساعدات الخارجية، علاوة على وصول نسبة البطالة إلى 49% بين سكان القطاع.
وقال "لا توجد نسبة دقيقة حول أعداد المهاجرين، واستطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسات مختلفة، من بينها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تشير إلى أن نحو 40% من الشباب في الأراضي الفلسطينية يرغبون في الهجرة، منهم 15% من الضفة الغربية و25% من القطاع".
واستدرك أن "63% من الشباب عبّروا في استطلاعات رأي خاصة بالهجرة أنهم لا يريدون هجرة نهائية، بل يريدون فرص عمل وحياة أفضل يستطيعون من خلالها مساعدة أنفسهم وأسرهم ثم العودة إلى بلدهم".
شاب غزّي يتفقد مزرعته بعد أن دمرها القصف الإسرائيلي في عدوان صيف 2021 (الأناضول) ذهاب للمجهولقبل مغادرته عبر معبر رفح الحدودي في قطاع غزة، قال الشاب محمد أحمد إنه لن ينسى دموع والدته وأخواته، ومطالبته بالعودة إلى وطنه في أقرب فرصة.
وتابع "أكملت دراستي الجامعية، وعملت في أعمال البناء وأجيرا في محال الملابس وغيرها، لكن الأجور المتدنية حالت دون استمراري، فقررت الهجرة لتأمين مستقبلي".
وقال "ليس لدي نية للاستقرار خارج غزة، فكل ما أسعى له هو جمع مبلغ من المال أستطيع به العودة إلى وطني وإقامة مشروع خاص بي أستطيع من خلاله العيش بكرامة ويساعدني على الزواج وتكوين أسرة".
ووصف حاله في لحظاته الأخيرة قبل السفر قائلا "أشعر بالتوتر، فلا أعلم مصيري وأنا أسلك طريقا مجهولا، والمغامرة فيه كبيرة خاصة أن الوصول لبلد مثل ألمانيا وغيرها يتطلب خطوة غير قانونية وهي عبور اليونان انطلاقا من شواطئ تركيا".
الاحتلال وحصاره لغزة مسؤول عن معاناة الشباب الغزّي (الأناضول) من المسؤول؟وحمل الحقوقي عبد العاطي الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الأولى عن الهجرة "من خلال فرض فوضى داخلية كما يحدث في أراضي الداخل (بين فلسطينيي 48) من عمليات قتل جماعي تحت نظر الشرطة الإسرائيلية، وما يفعله في الضفة من الاستيطان وجرائم الحرب والتهويد، ناهيك عن حصار قطاع غزة".
وأرجع المسؤولية الثانية إلى "تداعيات الانقسام الكارثية، وغياب سياسات وطنية تدعم صمود المواطنين". ولفت إلى "غياب حكومة وحدة وطنية قادرة على استغلال الموارد واستثمار طاقات الشباب في العملية الاقتصادية".
وربط الحقوقي ارتفاع الهجرة من عموم المناطق الفلسطينية بغياب المشاركة السياسية والانتخابات الطلابية والنقابية والعامة، "إضافة إلى انتهاك حقوق الشباب وعدم الاستجابة إلى احتياجاتهم".
وألقى بالمسؤولية أيضا على عاتق السلطة الفلسطينية، التي فرضت عقوبات جماعية على القطاع ساهمت في ازدياد أعداد المهاجرين، على حد قوله.
ودعا عبد العاطي القوى السياسية والمجتمع المدني لوضع خطة لمواجهة مخاطر ارتفاع ظاهرة الهجرة، وخاصة هجرة العقول والشباب وأصحاب الإمكانيات الاقتصادية.
ويعاني القطاع الحكومي في غزة من ضائقة مالية متراكمة، حيث خفّضت لجنة متابعة العمل الحكومي مؤخرا نسبة صرف رواتب الموظفين العموميين إلى 55%، وأعلنت عن نقصٍ حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية للأمراض المزمنة وخاصة غسيل الكلى، في حين أُطلقت قبل يومين دعوات جديدة لكسر الحصار تحت عنوان "افتحوا موانئ غزة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عبد العاطی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
اليمن يقود تحولًا استراتيجيًّا بحصار بحري يُخضِعُ “إسرائيل” ويضعها أمام خيار الاستسلام
عدنان الشامي
تتسارع الأحداث في المنطقة، لتتجلى معها حقيقة صراع قيمي يتجاوز الحدود، وفي هذا الإطار، يأتي الحصار البحري الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على العدوّ الإسرائيلي كتحَرّك إيماني أصيل ونصرةً لقضية الأُمَّــة المركزية. هذا التحَرّك، الذي يختزل موقفًا نابعًا من عمق الإيمان بالمبادئ وارتباطا لا ينفصم بقضايا الشرف، يستدعي تحليل أبعاده وتداعياته في ضوء التطورات الراهنة.
القرار اليمني بفرض الحصار على السفن التابعة أَو المرتبطة بالعدوّ الإسرائيلي ليس إلا إعلانا عن توجّـه إنساني ومبدئي يتجاوز الحواجز التقليدية، مبرزًا اليمن كصوت صارخ بالحق في قلب هذا الصراع المحتدم، وبل يتوجّـه برسالة تحذيرية إلى كافة القوى الإقليمية والعالمية. هي دعوة للانضمام إلى معركة أوسع ضد الظلم والاحتلال، دعوة تتجاوز المحاور التقليدية وتكشف هشاشة التحالفات القائمة. هذه الرسالة اليمنية، التي تتجاوز البحار، تضع دولًا كثيرة أمام استحقاق أخلاقي ومبدئي: إما أن تظل صامتة في ظل ممارسات الاحتلال، أَو أن تتحَرّك بدور فاعل في دعم القضية الفلسطينية. كي تتخذ مواقف فعلية تترجم على أرض الواقع، عبر الانخراط في معركة استراتيجية قائمة على الضغط السياسي والاقتصادي، بدلاً من الاكتفاء بالشعارات.
يمثل الحصار اليمني على السفن الإسرائيلية عنصرًا من حرب هجينة تستهدف شل حركة الاقتصاد البحري على العدوّ الإسرائيلي. وتعطيل قدراته على الاستيراد والتصدير. ومنذ عام كامل، أعلن العدوّ خسائره المتراكمة جراء هذا الحصار، حَيثُ تعرضت السفن المرتبطة بإسرائيل للاستهداف المتكرّر، وأصبحت عاجزة عن التحايل أَو التخفي تحت أسماء شركات أُخرى. فقد باتت القوات البحرية اليمنية تمتلك قدرات متقدمة لملاحقة هذه السفن وكشف هويتها مهما حاولت التنكر أَو التخفي، بل حتى لو كانت مغمورة تحت البحار. هذا التفوق الاستخباراتي واللوجستي يضاعف من الخسائر ويصعّب على العدوّ تأمين وارداته الحصار بهذا الأُسلُـوب يعكس استخداما بارعًا لأدوات متداخلة تهدف إلى إضعاف العدوّ دون الدخول في مواجهات مباشرة.
وبفضل هذا الحصار، تعرض العدوّ الإسرائيلي لخسائر متصاعدة منذ عام كامل. السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني مُنعت من عبور البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي وحتى سيكون في البحر المتوسط، وأصبحت تواجه خطر الاستهداف المُستمرّ أينما وُجدت في مياه المنطقة. غير قادرة على التحَرّك بحرية، فكل مياه البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي أصبحت مناطق ملغومة بالنيران اليمنية. هذا التقييد فرض ضغوطًا خانقة على إسرائيل، مما دفع شركات الشحن البحري إلى إعادة حساباتها، خشية المخاطرة بنقل بضائع عبر هذه المسارات الحيوية، ورفع كلفة تأمين وارداتها عبر البحار، ما يعزز الضغط على الكيان ويجعله عرضةً لخسائر فادحة متزايدة مع مرور الوقت.
استراتيجيًا، وضع اليمن بخطواته هذه حدًا لمغامرات العدوّ في البحر الأحمر وباب المندب، حَيثُ أغلق القائد القرآني هذه الممرات أمامهم وأشعل البحار بنيران الثورة والعدالة، ليمنعهم حتى من العبور بسلام. لم تكن هذه الخطوات متوقعة من طرف العدوّ، الذي فوجئ بالقدرة اليمنية على قلب موازين القوى والتحكم بمفاصل التجارة الدولية في تلك المناطق الاستر
يمثّل هذا الحصار خطوة استراتيجية لا تقتصر على الأبعاد العسكرية والاقتصادية، بل تهدف إلى إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة. الرسالة التي ينقلها اليمن بهذا الحصار تُدرك جيِّدًا حجم تأثيرها على الرأي العام العربي والإسلامي، مشجعةً على تعزيز موجة تضامن بين مختلف القوى المعادية للاحتلال.
وعلى المستوى الاقتصادي، فإن الحصار يعزز من ضغوطه على الاقتصاد الإسرائيلي. شركات الشحن بدأت تفكر ألف مرة قبل المخاطرة في إرسال بضائع عبر البحر الأحمر، خشية من الخسائر المتزايدة. هذا الحصار بدأ يؤثر بشكل ملموس على الحركة التجارية الإسرائيلية، مما يجبرها على التراجع في استراتيجياتها البحرية. اقتصاد إسرائيل، الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية، يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة.
أما سياسيًّا، فإن هذا الحصار الذي تفرضه القوات اليمنية يضع إسرائيل في وضع محرج أمام العالم. إنها المرة الأولى التي تجد فيها إسرائيل نفسها محاصرة ليس فقط بالقوة العسكرية المباشرة، بل بأُسلُـوب مبتكر يعزلها عن طرقها الحيوية.
إن هذا الحصار يأتي استباقيًا قبل أن تتصاعد المواجهات الكبرى في المنطقة، ليضعف العدوّ في مراحل مبكرة ويعكس إرادَة قوية لتحدي هيمنة إسرائيل. فما كان للنظام الصهيوني أن يتوقع أن يأتي الهجوم عليه من مياه البحر، حَيثُ تحكم القوات اليمنية قبضتها على نقاط كانت تعتبرها مناطق مناعة استراتيجية. بهذا الأُسلُـوب، يعيد اليمن تعريف مفهوم الصراع في المنطقة، ويكسر هيمنة الاحتلال الإسرائيلي على مفاصل الاقتصاد الدولي، وستجبره على الخضوع.
ختامًا: اليمن يقود ثورة جديدة في قلب الصراع العربي الإسرائيلي.
ما يقوم به اليمن اليوم ليس مُجَـرّد عمل عسكري، بل هو إرادَة أُمَّـة قرّرت أن معركتها ضد إسرائيل ليست تقليدية. إنها معركة الحق في مواجهة الباطل، معركة الحرية في وجه الهيمنة، معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس.
الحصار البحري الذي يفرضه اليمن ليس مُجَـرّد إجراء عسكري، بل رسالة قوية للعالم: أن الحق لا يُنتزع إلا بالإرادَة الثابتة والعزيمة الصادقة. إنها رسالة تثبت أن إرادَة الشعوب الحُرة تستطيع كسر طغيان المستبدين وتغيير موازين القوى لصالح العدالة والحرية وتضع العدوّ الإسرائيلي أمام خيارين لا ثالث لهما: الموت أَو العودة إلى مواطنه الأصلية.
إنها لحظة تاريخية تنطلق من اليمن لتضع إسرائيل أمام تحديات جديدة، تقرب الأُمَّــة من الحلم بتحقيق الحرية والاستقلال الكامل لأرض فلسطين ولكل المنطقة العربية.