«مرماح إدفو».. لعبة متجذرة في تاريخ الموروث الشعبي بأسوان
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
في الصحراء المتاخمة لمدينة إدفو شمال أسوان، يتجلى عشق أهلها لتربية الخيول العربية الأصيلة المزينة بعقود من الفضة، والخلاخيل، والخمسة وخميسة والشراشيب التي تتدلى وسط عيونها، لتصدح مكبرات الصوت بأنغام المزمار الصعيدي وسرعان ما تتبختر هذه الخيول متألّقة ترمح بخطوات رشيقة في مشهد مليء بالعادات والتقاليد على هامش لعبة المرماح.
في هذا السياق، يعبر علي البلك الذي يتجاوز عمره 60 عاما عن حبه العميق للخيول، وقرر أن يشارك بحصانه القوي «المدهش» في سباق المرماح وقبل هذا يهتم برعاية حصانه بشكل كامل حيث يُطعمه ويهتم به بعناية.
شعبية كبيرة تحظى بها اللعبة الموروثة من الأجدادتمتلك الخيول التي تنافس «المدهش» أسماء تعكس قوتها وجمالها، وتشمل «الإنجليزي» و«الشقي» و«الصاروخ» و«الراسي» و «تايسون» و«نجم الشرقية»، وهنا يكمن جمال هذه اللعبة في صعيد مصر في تلاقي الثقافة المحلية وشغف الأهالي بتربية الخيول والمشاركة في التنافس الشرس، فيظهر عشقهم للخيول وحرصهم على الحفاظ على تراثهم الذي يجعل هذه اللعبة تحظى بشعبية كبيرة وتعكس روح المجتمع.
فرسان في صابية الخيول على طريق مرسى علميقول علي البلك لـ«الوطن» إن العادات والتقاليد، في إدفو تتجلى هنا في الصابية وهو المكان المخصص للسباق في الصحراء الواقعة على طريق ادفو مرسى علم بما فيها الأزياء، والاحتفالات والطعام إضافة إلى الموروثات الشعبية المتمثلة في المزمار الخلفية المبهجة لهذه اللغة الشعبية الجماعية التي تقام في غالبية قرى وبلدان صعيد مصر، مشيرًا إلى أنها تجسد معارك الخيول القديمة، وبموجبها يدعو شبان القبيلة المنظّمة للحدث فرسان القبائل الأخرى للتباري بالفروسية.
لعبة متجذرة في الموروث الشعبيلكن الأربعيني محمد أبو إسماعيل أحد فرسان قبائل مدينة إدفو يقول إن أطياف الثقافة الشعبية، يصعب تحديد تاريخ دقيق لنشأة لعبة المرماح وأصولها،بكن ارتباطها بسكان المدينة من حدود الجدود في تعبير عميق يصف به تجذر تلك اللعبة من ايام المصريين القدماء فالثقافة الشعبية تنشأ من الوجدان الجماعي للشعوب أو الجماعات، وتُعتبر سباقات المرماح لعبة شعبية تتميز بطابع خاص، إذ تجمع بين التراث العربي الذي يحتفي بالخيول وبين استخدامها بالحروب والمعارك.
ورجح الرجل الذي قضى سنوات منذ صغره في سباقات الخيل بأسوان وقنا واسنا باحثا في أصل المرماح، أنه بعد دخول قبائل العرب إلى مصر واستيطان أغلبها في صعيد مصر، أصبحت القرى في صعيد مصر ساحة ازدهرت فيها الألعاب الشعبية، بشكل متناغم مع الهوية المصرية ومن أبرزها الرمح والعدو الخيول، وذلك لاستعراض القوة والمهارة في ركوب الخيل.
محمد أبو إسماعيل الذي جاء رفقة عدد من قبيلته بحصانهم 'نجم الشرقية" إلى مدينة ادفو لفت إلى أنّ المرماح لا يُعتبر سباق فروسية فقط إنما محاولة لخلق نوع من التفاخر والفارس لبراعته في الفروسية وركوب الخيل، وإعلاء شأن وسمعة القبيلة التي ينتمي إليها، والحصان أو الفرس الذي يمتطيه.
وتشهد المنطقة بحسب محمود جمعة أحد أهالي وادي عبادي إقامة حلقات الذكر جنبًا إلى جنب مع المرماح، احتفالا بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك الشيخ مصطفى عبد السلام أحد أولياء القرية والذي يعود نسبه إلى أهل البيت وهي مناسبة توافد عليها جميع القبائل في الصعيد والقرى المجاورة.
وأوضح أن فعاليات المرماح تقام على بعد 20 كيلو متر من مدينة إدفو و تشهد حضور أعداد غفيرة من أهلها من الشراونة إلى الرمادي، الذين يتجمعون أطفالًا وشباب وشيوخ حول الصابية أو حلقة المرماح لمشاهدة عروض الفرسان التي تعكس مهارتهم بالفروسية، إلى جانب كونها مظهرًا من مظاهر الفخر بحصان القبيلة.
عرفة أبو نعيم أحد القائمين على عملية تنظيم السباق وينتمي إلى قرية أبو غلاب يقول إن التجهيز لفعاليات المرماح تتم بشكل كامل قبل يوم واحد، حيث تأتي عربات محملة بالمياه وأخرى محملة بألواح الثلج وغيرها من المواد الغذائية والمشروبات كالشاي والقهوة استعدادا لهذا الحدث الذي يضفي على سكان ادفو جوا من البهجة والسعادة.
ويضيف أن السباق يقام في مضمار كبير في الصحراء المتاخمة لمدينة ادفو على أطراف منطقة البرامية التابعة لمرسى علم في محافظة البحر الأحمر وفي قلبها تحتوي الآلاف من أهالي إدفو في مشهد يمتليء بالعادات والتقاليد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الخيول العربية سباق الخيل سباق الخيول العربية سباقات الخيول أسوان إدفو صعید مصر
إقرأ أيضاً:
انكسار الشخصيات في «لعبة مصائر» لهلال البادي
في روايته الأولى الصادرة عن دار الانتشار العربي عام 2024م، تناول الكاتب هلال البادي موضوعات حساسة تدور في المجتمع العماني، وناقش قضايا مهمة، كما رسم صورة لصراعٍ متشكّلٍ في الفكر الإنساني استمر لسنوات طويلة في مجتمعاتنا العربية على وجه العموم.
لم ينس البادي أن ينبش في المجتمع مقدمًا لهذا الصراع المتشكّل بين طبقات مختلفة من مجتمعنا العماني، كل طبقة بتفكيرها وقناعاتها وأيديولوجيتها في نص يمكن أن نلمح من خلاله أنساقًا مجتمعية مضمرة في الخطاب الروائي.
يمكن لنا أن نقرأ النسق المضمر في الرواية من خلال الشخصيات والأمكنة التي تدور فيها الأحداث؛ إذ يرسم لنا الشخصيات التي تتفاعل في محيطها المكاني مستفيدة من تأثيرات المكان ومرجعياته المختلفة في تقديم النص، وهنا نجد الرواية تستفيد من الأحداث المتقاطعة في الواقع العماني في فتراته الزمنية المختلفة، وذلك بدوره ينعكس على الشخصيات التي تتشكّل طبائعها وتفكيرها بناء على المكان والأحداث المستعادة.
تبدأ الرواية في تقديم أحداثها وشخصياتها من القرية التي تكون مسرحًا لنقل الحكايات؛ فالقرية تبدو هنا مكانًا صغيرًا يعلم فيه الناس خفايا بعضهم، ويطّلعون فيه على أسرارهم الخاصة، لا يخفى شيء إلا ما أراد الناس إخفاءه بالقوة، تأخذنا عبارة: «تطلقت شوّان مرة أخرى» إلى توالي الأحداث، فشوّان هنا شخصية تحاول الرواية إظهارها بمميزات خاصة، يتحرك معها الحكي من موضع إلى آخر، ومن زمنٍ إلى زمن؛ إذ ليس من مهام شخصية شوّان تحرك الأحداث فقط، بل عملت كذلك على إبراز طبائع الشخصيات وصفاتهم.
يحاول السرد تقديم صورة عن شوّان بأنها قوية الشخصية في مواجهة زوجها لفظًا وبنية جسمانية، تواجه الكلمة بالكلمة، والضربة بالضربة، كما تحاول أن تقدّمها بأنها ذات لسان سليط متحرر أمام نسوة القرية، وبأنها طوافة للبيوت تنقل الأخبار وتأخذ العطايا، بالإضافة إلى أنها في مواضع معينة تعكس صورة المرأة الماجنة وذلك من خلال الأوصاف القبيحة التي أطلقها عليها زوجها «فايوز» وابنتها أمل بعد ذلك في اعترافها عن الماضي المختزن في ذاكرتها.
لكن مع التقدم في الزمن تظهر صورة شوّان منكسرة في السرد، ضعيفة، وهو حال بقية الشخصيات التي استكملت أدوارها في السرد ثم تجنح إلى الخفوت، نجد ذلك عند أبي طلال مثلًا، وعند زوجته.
إنّ المتأمل في شخصيات العمل الروائي يجد أنها شخصيات منكسرة بالفعل، تُظهر الفرح والبهجة لكن حوارها الداخلي مع الذات يبوح بانكسار وانهزام، يظهر هذا الحوار على لسان الراويتين وداد وأمل في أثناء تناوبهما على السرد؛ إذ يبوح السرد باعترافات الماضي، وتقديمه في هيئة حزينة. تقول أمل: «أنا أمل بنت شوان لم يُغَرِرْ بي أحد لأتهمه، لا قاسم ولا سعيد ولا صالح ولا أي أحد آخر، لا أقول هذا لكي أقنع أحدًا بقضيتي في الأساس لا قضية حقيقية لي! مع أنني لاحقا سأردف وأقول: أنتِ السبب يا شوّان لولاك لما كنت أنا هي التي هي عليه الآن من وحل وخطيئة! أنت تتحمّلين جزءًا، وجزءًا كبيرًا من ذنبي. ما الذي أعطيتني إياه إلا الوقاحة والضعة يا أمي؟ ما الذي أعطيتني إياه إلا خطيئة متواصلة وكأنما على أمثالي أن يعيشوا في قعر ضياع لا متناه على الإطلاق؟
حدث أنني جئت إلى هذا العالم، وكانت أمي هي شوّان بنت معصومة بنت من لا أعرف، ولا يهمني أن أعرف اليوم. أما أبي فإنني أسألكِ يا شوّان هل هو «فايوز» الذي صرخت ذات نهار صرخة شقت سماء حارتنا القديمة الوادعة التي تحتضن البحر، حتى تجمعت النسوة عند باب بيتنا يستفسرن عما حدث، ليشاركنني لاحقا في صرختي وبكائي؟ هل هو أبي حقا؟ وكل أولئك الرجال الذين كانوا يدخلون إلى البيت الصغير، بيتنا، ماذا كانوا يفعلون؟ هل تتذكرين يا أمي أحدهم لا أتذكر اسمه ولا شكله وهو يمازحك ويمد يديه إليك، إلى جسدك، وأنت تتغنجين وتضحكين ناهرة إياه بميوعة واضحة كأني بك تقولين له أكمل وافعل بي ما تريد؟».
إنها رسالة اتهام من البنت لأمها سخطًا ورفضًا لما كان يدور في ذاكرتها، والرفض ذاته تقدّمه وداد لخالها عندما وصفته بالوحش. تعيش وداد لحظات الغربة والانكسار منذ الطفولة بوفاة والديها في حادث السير، جاء في ذلك: «في صغرها، وبعد أول موقف حاد مع خالها انكفأت تدعو الله لو أنّ الوقت يعود إلى الوراء قليلًا، لتصر على والديها أن تذهب معهما في رحلتهما المشؤومة تلك، فلا تفارقهما إلى الأبد، تمنت لو أنها ماتت معهما في الحادث، على الأقل ستكون معهما دائمًا، ولن تتعرض لما تعرضت له. لكن الوقت يمضي إلى الأمام، لا يذهب إلى الخلف.
تتذكر أنها لم تذرف أي دمعة، كانت مصدومة وهي ترى خالها يتحول إلى ما يشبه الوحش الذي كانت تشاهده في شاشة التلفاز، يصرخ ولا تفهم ما يقول. كان غاضبًا ولم تستوعب لماذا يغضب، ألأنها كانت تلعب بدميتها الصغيرة التي اشتراها لها والدها قبل زمن؟ إنها صغيرة فهل عليها أن تكون كالكبار تفعل كما يفعلون؟ لم تفهم قط لماذا كان يصرخ ذلك الصراخ، كلّ الذي فعلته يومذاك أنها، وبعد أن تدخلت زوجة خالها أم طلال، أغلقت على نفسها ذاتها وانزوت في عالم ليس لهم أن يدخلوه.
بكت لاحقا، لم تستطع يومذاك تحمّل مزاج خالها الحاد غير المبرر، صرخت صرخة مدوية، وقالت له: أنت وحش. كان رأسها يستحضر كائن الغول الشرير الذي رأته في إحدى حلقات الكارتون، تخيلته خالها الذي صفعها صفعة سيظل ملمسها منحفرًا في خدها، كما لو أنه وشم ظاهر، لكن لا أحد يراه سواها، لا أحد يرى ذلك التشوه الخافي سواها وحدها».
تعيش الشخصيات في صراع مكاني متمثل في المدينة والقرية، وتلجأ إلى الذاكرة واستدعاءاتها بعبورها إلى المدينة باحثة عن حياة أرحب، ومتنفس كبير بعيدًا عن القرى وثرثرتها، لكن القارئ يلمس الانكسار ذاته على الشخصيات، كما يلمح صراعًا داخليًّا واختلافًا في العلاقات القائمة.
في رأيي أن انحياز العمل الروائي إلى ثلاث شخصيات رئيسة قد قدّم لنا صورة عن هذا الصراع وعن هذا الانكسار، نجد ارتباط الشخصيات الرئيسة (طلال، وأمل، ووداد) بالآخر حاضرًا (غرايس، وصالح، وصالح) هذا الارتباط قد تشكّل منذ القرية من خلال ثلاثة حوادث:
أولها: صفعة والد طلال لطلال؛ إذ إنها عملت تمرّد طلال ولجوئه إلى الخطيئة وانتقاله من خطأ إلى آخر، ثم كرهه لوالده وعدم تقبّله حتى بعد ضعفه ومرضه.
ثانيها: الماضي الأليم الذي كانت تعيشه أمل من العلاقة المتوترة بين والديها، أو من حيث ألم اللف على بيوت القرية مع والدتها وأخذ الملابس القديمة من الناس، ثم دخولها إلى مجال الخطيئة المحرمة منذ طفولتها خاصة بعد حادثة طلال.
ثالثها: تشدّد خال وداد معها، وزجره لها كلما رآها تلعب، وهو ما شكّل جرحًا عميقًا انتقل معها من القرية إلى المدينة ولازمها حتى كبرت، واتسع ذلك بمحاولة تزويجها رغمًا عنها.
عملت هذه الحوادث على انتقال السرد من موضع إلى آخر، كما عملت على تشكيل الصورة السردية للشخصيات المذكورة، وأدّت في المقابل إلى انتقال أثرها إلى الآخر، فكل علاقات الحب مع الآخر كانت فاترة غير حقيقية، خسر فيها كل من طلال وأمل ووداد، وظل الماضي ينهش في ذاكرتهم ويستقطع منها.
لقد توسع طلال في ممارسة كذبه وادعائه مع الحاج رضا، ومع فيوليتا، ومع غرايس، سرق من الأول ماله، وسرق من الأخيرة قلبها، وكذب على الثانية. كان طلال يرى في المرأة جسدًا ففيوليتا وغرايس مثلهما مثل أمل التي خدعها في الصغر، ولم يقابل غرايس بما كانت تتطلع إليه من حب. وانخدعت وداد في علاقتها بصالح، والأمر ذاته بين أمل وصالح.
لقد كانت المرأة ضحية هذه العلاقات، والأمر ذاته مع فتحية وزوجها الذي كان يرى فيها جسدًا يلجأ إليه كلما أراد أن يطفئ لهيب شهوته. إذن فالمرأة في الرواية جسد ومتعة من منظور الرجل، وربما هذه الرسالة التي أرادت الرواية أن تقدّمها للقارئ، المرأة من زاوية رؤية الرجل كانت جسدًا ولذة، ما إن تنتهي حتى يبحث عن غيرها بدءًا بفايوز وشوّان، ثم فتحية وزوجها، وطلال وأمل وفيوليتا وغرايس، وعزيزة ومغامراتها في القاهرة، وأمل وصالح، ووداد وصالح.
لقد حدّد النسق المجتمعي مصائر الشخصية وتحولاتها، فقد قدّمت الرواية انعكاسًا لقضايا المجتمع، وفضحت بعض الممارسات الخاطئة من أبنائه، لذا لم تكن المرأة إلا شخصية منكسرة في ذاتها، تقوم عليها دوائر اللعبة المقصودة.