نشر "معهد واشنطن" تحليلا للباحث جرانت روميلي، تحدث فيه عن مفاوضات التطبيع بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والمملكة.

وقال الباحث، إن السعودية تضغط على الولايات المتحدة من أجل تعجيل حصولها على أسلحة أمريكية أكثر تقدماً، من خلال مناقشة التوصل إلى اتفاق تطبيع محتمل مع الاحتلال.



وأوضح أن السعودية تسعى بشكل أساسي إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة لبرنامجها النووي المدني، وتوسيع نطاق تجارتها، من خلال الحصول على تنازلات لم يتم تحديدها بعد بشأن القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن واشنطن تملك الكثير لتقدمه بشرط استيفاء شروط معينة.


أسلحة متطورة

ورأى الباحث أن السعودية لا يمكن أن تقبل بأقل مما تم التعهد به للدول العربية الأخرى مقابل تطبيع العلاقات مع الاحتلال، لكن طلبها بتسريع حصولها على الأسلحة هو أكثر تعقيدا.

وأشار إلى أن الرياض ستحاول استخدام نفوذها لحث واشنطن على الوفاء بتعهداتها السابقة بمعالجة معضلة تأخر تصدير الأسلحة الأمريكية، والوصول إلى المنظومات الأكثر تطورا.

وقد يعكس طلب الأسلحة الأكثر تطوراً إحباط الرياض من التناقض في عمليات البيع بين إدارتي ترامب وبايدن، موضحا أن صفقات الأسلحة التي وقعت في عهد الرئيس السابق عانى بعضها من تأخيرات في الإنتاج أو قيود في سلسلة التوريد.

وأكد الباحث أن السعودية تسعى على وجه التحديد للحصول على ما تم التعهد به للإمارات مقابل اتفاق التطبيع، أي المقاتلة الهجومية المشتركة من طراز "إف-35"، وطائرات بدون طيار من طراز "إم كيو-9 ريبر"، ومجموعة متنوعة من الصواريخ الموجهة بدقة، لكن هذه الصفقة انهارت بعد اكشتاف بناء منشأة عسكرية صينية سرية في مجمع ميناء أبوظبي.

ولا يزال المثال الإماراتي يدور في أذهان المسؤولين السعوديين والأمريكيين على حد سواء. فقد أكد أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الديمقراطيين العام الماضي أن الرياض ستسعى على الأرجح إلى الحصول على طائرات من طراز "إف-35" أيضاً، ولكن يجب وضع ضمانات معينة بشأن الصين أولاً.


عقبات الحصول على أسلحة

وبحسب التحليل فإن السعودية ستواجه عقبتين رئيسيتين تحول دون حصولها على هذه الأسلحة الأمريكية المتطورة.

وتتمثل العقبة الأولى بعلاقة السعودية مع الصين، على الرغم من أن العلاقات ليست واسعة النطاق، إلا أن الرياض تحافظ على علاقة وثيقة مع بكين في قطاعات تجارية حساسة مثل الاتصالات، وشراء الأسلحة المتطورة، إضافة إلى التعاون في إنتاج الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية.

ومؤخراً، تم إلغاء اتفاق بين شركة دفاع أمريكية وشركة دفاع سعودية، وفقاً لبعض التقارير، على خلفية علاقة الأخيرة مع شركات الدفاع الصينية الخاضعة للعقوبات، وأصدر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تحذيراً مبطناً بأن المملكة قد تُكثف مشترياتها من الأسلحة من الصين.

وتسعى بكين من جانبها إلى توسيع صادراتها من الأسلحة في أسواق الخليج المربحة، ومن الممكن فعلاً أن تنمو علاقاتها الدفاعية مع السعوديين بسرعة إذا رغبت الرياض في ذلك.

وتتمثل العقبة الثانية في المطلب الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في أي عملية بيع للمنطقة. وسابقاً، أدت الاتفاقيات الإسرائيلية مع مصر والأردن إلى بيع أسلحة أمريكية متطورة إلى كل دولة، ولكن مع قيود لاحقة على قدرات التسلح.

ومن المرجح أن تكون النقطة المحورية في هذه الحالة طائرة "إف-35" والمتغيرات والقدرات المرتبطة بها، نظراً إلى تصنيف الطائرة المقاتلة وواقع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تستخدمها في المنطقة. وبما أن إسرائيل ترغب في إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية، يمكن الافتراض إلى حد معقول أنها ستخفف بعض الشيء من مخاوفها بشأن التفوق العسكري النوعي، علماً أنه سيبقى من الضروري تسوية تفاصيل عمليات البيع المعنية وفقاً للأنظمة الأمريكية.


تحديات كبيرة

وأوضح التحليل أن مسألة إيجاد آلية مبسطة لتسليم الأسلحة يطرح تحديات كبيرة، لأن السعوديين هم في الوضع نفسه مثل سائر عملاء صناعة الدفاع الأمريكية تقريباً.

وكشفت الحرب الأوكرانية عن المشاكل الكثيرة التي تعاني منها القواعد الصناعية الدفاعية في جميع أنحاء العالم، ومن بينها القواعد الأمريكية. وبينما يتزايد الإنتاج في بعض القطاعات، إلّا أنه لا يزال متخلفاً في قطاعات أخرى.

ويعاني جميع عملاء الولايات المتحدة من تأخير في الحصول على الأسلحة، ومن بينهم إسرائيل التي تنتظر تسليمها طائرات التزويد بالوقود "كيه سي-46"، وتايوان التي لديها ما يقرب من 19 مليار دولار من المشتريات المتراكمة.

ويَسهل التعامل مع هذه العملية مع الدعم التشريعي، إذ يمكن للكونغرس الأمريكي أن يؤخر أو يعقد عملية تمويل معينة لمبيعات الأسلحة وأن يسن تدابير للرقابة على استخدامها. وعلى الرغم من أن الكونغرس لم ينجح مطلقاً في منع عملية بيع أسلحة بشكل مباشر، إلا أنه كاد أن ينجح في ذلك، وكانت السعودية هي المستهدفة.

وتشمل عناصر خطة "رؤية السعودية 2030" بناء قاعدة صناعية دفاعية مستقلة. وعلى غرار العديد من البلدان التي تعتمد على موردي الأسلحة الأجانب، لطالما انزعجت المملكة من الاضطرابات والتأخيرات المرتبطة بالشراء من مُورِّد واحد بشكل رئيسي.

ويشكل تطوير قاعدة صناعية دفاعية وسيلة لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية، وتعزيز النمو الاقتصادي، وربما إنشاء أداة أخرى لممارسة النفوذ في الخارج من خلال صادرات الأسلحة. وتتضمن "رؤية السعودية 2030" خططاً لزيادة الإنفاق على المعدات العسكرية المحلية من 2 في المائة إلى 50 في المائة من إجمالي الإنفاق، مع تكليف "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" (SAMI) و"الهيئة العامة للصناعات العسكرية" (GAMI) المملوكتين للدولة بالإشراف على هذه الجهود.

وأعلنت الرياض أيضاً أنه اعتباراً من عام 2024، سيتعين على شركات الدفاع الأجنبية والشركات الأخرى أن يكون لها مقر إقليمي في المملكة.

من الناحية النظرية، يمكن لإدارة أمريكية متحمسة وكونغرس داعم أن يسهما إلى حد كبير في جهود تحديث الدفاع في المملكة. ويمكن لجهود مثل منشأة "الرمال الحمراء"، حيث يختبر البلدان بشكل مشترك تكنولوجيا مضادة للطائرات المسيّرة، أن تعزز الخبرة الدفاعية السعودية.

ويتمثل خيار آخر بتصنيف السعودية كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج "الناتو". وفي حين أن هذا التصنيف لا يشكل معاهدة ولا التزاماً دفاعياً، فإن الدولة التي تم تصنيفها على هذا النحو تعمل بشكل كبير على تطوير علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة.

وتتمتع الدول الحليفة الرئيسية من خارج "الناتو" بأولوية الوصول إلى البرنامج الأمريكي للمواد الدفاعية الزائدة (EDA)، ويمكنها استضافة مخزون احتياطي الحرب الأمريكي، وتكون قادرة على إجراء "مشاريع بحث وتطوير تعاونية بشأن معدات الدفاع والذخائر" مع الشركات الأمريكية.

وتشمل البلدان الأخرى في المنطقة التي تم تصنيفها كحليفة رئيسية للولايات المتحدة من خارج "الناتو" كلاً من مصر والبحرين وإسرائيل والأردن والكويت والمغرب وقطر وتونس.

ويمكن لهذه الخطوة أن ترفع مستوى العلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية وتوفر موارد إضافية لجهود المملكة الرامية إلى إنشاء قاعدة صناعية دفاعية خاصة بها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية التطبيع السعودية الاحتلال امريكا السعودية الاحتلال تطبيع سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة المتحدة من الحصول على

إقرأ أيضاً:

"فورين بوليسي": أوروبا الموحدة أو المفتتة مرتبطة بعودة ترامب للبيت الأبيض!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن مستقبل قارة أوروبا؟ هل ستظل القارة السلمية والديمقراطية والموحدة كما هي الصورة التي عليها في العقود القليلة الماضية؟ أم أوروبا المفتتة والمتقلبة والمبتلاة بالصراعات التي كانت موجودة لقرون قبل ذلك؟ 

وترى المجلة الأمريكية أن الإجابة على هذا التساؤل ستتكشف إذا فاز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، حيث كان ترمب يفكر في انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال فترة ولايته الأولى كرئيس. ويعتقد بعض مساعديه السابقين أنه قد يفعل ذلك إذا وصل مجددا إلى البيت الأبيض.

ويأمل المتفاءلون أن تتمكن أوروبا من الاستمرار في الازدهار حتى لو فقدت المظلة الأمنية الأمريكية (انسحاب واشنطن من حلف الناتو)، ولكن من المرجح أن أوروبا ما بعد أمريكا سوف تناضل من أجل التعامل مع التهديدات التي تواجهها، بل وربما ترتد في نهاية المطاف إلى أنماط ماضيها الأكثر قتامة وفوضوية وغير ليبرالية. 

وأوضحت المجلة الأمريكية أن أوروبا تغيرت بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية، حتى أن العديد من الناس لم يعد يتذكروا كيف بدت القارة يائسة ذات يوم، حيث كانت أوروبا أرض الحروب والمتاعب التي لا نهاية لها.

وبطبيعة الحال، لم تكن ولادة أوروبا الجديدة أمرا يسيرا، حيث تضمنت مجموعة من الالتزامات المتشابكة ذات التأثيرات الثورية. وكان الأمر الأكثر أهمية هو الالتزام الأمني الأمريكي، عبر حلف شمال الأطلسي، حيث كسرت الحماية العسكرية الأمريكية حلقة العنف المميتة داخل القارة، ولم يعد الأعداء القدامى (مثل فرنسا وألمانيا) مضطرين إلى الخوف من بعضهم البعض، وبالتالي التخلي عن سباقات التسلح التي ابتليت بها المنطقة، وحمل السلاح فقط في مواجهة التهديدات المشتركة للقارة العجوز.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه لم يكن المقصود من التزام الولايات المتحدة تجاه أوروبا أن يستمر ذلك إلى الأبد. فعلى سبيل المثال، كان بول هوفمان، الذي أشرف على خطة مارشال (المشروع الاقتصادي لإعادة إعمار أوروبا)، يحب أن يقول مازحا إن هدفه كان "جعل أوروبا تقف على قدميها وإنزالها عن ظهورنا (واشنطن)". كما تساءل الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي، عن متى يمكن للأوروبيين أن يتقدموا إلى الأمام حتى تتمكن واشنطن من "الجلوس والاسترخاء إلى حد ما". 

بلا شك، فكرت الولايات المتحدة في عدة مناسبات في خفض أو حتى إلغاء وجود قواتها في أوروبا. ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئا، فقد جلب الدور الأمريكي في أوروبا فوائد غير عادية، ولكنه فرض في الوقت نفسه تكاليفا غير عادية. فمن خلال توفير المساعدات الخارجية والسماح بالوصول غير المتماثل إلى أسواقها المحلية الواسعة، أعادت الولايات المتحدة بناء قارة وساعدت دولها على النمو بشكل أسرع من الولايات المتحدة نفسها.

ونبهت "فورين بوليسي" إلى أنه مع استمرار بعض المضايقات من دول أوروبية والتحديات الجديدة التي تجذب انتباه واشنطن إلى اتجاهات أخرى، أصبحت الشكوك بشأن استمرار التزامات أمريكا تجاه أوروبا أقوى من أي وقت مضى. 

وفي هذا الصدد، لطالما أعرب ترمب عن أسفه للأعباء التي تتحملها واشنطن في حلف شمال الأطلسي، وقد هدد بالسماح للروس بأن يفعلوا "ما يريدون" مع الحلفاء الأوروبيين الذين لا يشاركون (يدفعون) في تحمل هذه الأعباء. ومن الواضح –وفقا لفورين بوليسي- أن ترمب يكره الاتحاد الأوروبي، حيث لا ينظر إليه باعتباره تتويجا للوحدة القارية، بل كمنافس اقتصادي شرس. وباعتباره شعبويا غير ليبرالي، فترمب لا يبالي لمصائر الديمقراطية الليبرالية في أوروبا. لذا، عندما يروج لسياسته الخارجية "أمريكا أولا"، فإنه يعني سياسة خارجية تتخلى فيها الولايات المتحدة عن الالتزامات غير العادية التي أخذتها على عاتقها منذ الحرب العالمية الثانية.

وأكدت المجلة الأمريكية أن الوقت قد حان للنظر بشأن احتمال أن تغادر الولايات المتحدة أوروبا في يوم من الأيام، وأن يتم التفكير فيما سيحدث بعد ذلك.

ونوهت المجلة إلى أنه في سيناريو متفائل، سوف تظل أوروبا ديمقراطية، ومتماسكة، وموحدة في مواجهة أعدائها، حيث إن انسحاب الولايات المتحدة قد يجبر الاتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا خلال الحرب الحالية، وإعطاء كييف ضمانات أمنية ذات معنى بعد السلام، وتحويل نفسها إلى جهة فاعلة عسكريا من الطراز العالمي من أجل درء روسيا والتهديدات الأخرى التي تصدت لها الولايات المتحدة في السابق. وبالتالي، فإن أوروبا ستظهر باعتبارها ركيزة قوية ومستقلة للنظام العالمي الليبرالي، وستكون واشنطن حينها حرة في التركيز على أولويات أخرى.

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه بالنسبة للمشاكل المتعلقة بهذا السيناريو، فعلى سبيل المثال، عندما يروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتكامل الأوروبي كبديل للقيادة الأمريكية، يبدو أنه ينسى أن أوروبا أصبحت موحدة ومتماسكة على وجه التحديد بسبب مناخ الطمأنينة الذي قدمته واشنطن، وأن الاتحاد الأوروبي كان منقسما بشدة حول كيفية التعامل مع العدوان الروسي حتى فبراير 2022، إلى أن أخذت واشنطن زمام المبادرة في وقت مبكر في إمداد أوكرانيا. والدرس المستفاد هنا هو أنه من الصعب للغاية تنسيق العمل الجماعي بين العشرات من الدول (الأوروبية) ذات المصالح المختلفة، ما لم يكن هناك من يطرق الرؤوس بلطف ويوفر القيادة المهيمنة.

وعليه، فإن الاتفاق على من ينبغي أن يقود أوروبا سيكون صعبا، حيث إن فرنسا تتطلع دائما إلى القيادة، ولكن هذا الأمر يثير انزعاجا كبيرا لدى بعض الدول، خاصة في أوروبا الشرقية، التي لا تعتقد حقا أن باريس لديها الميل أو القدرة على التعامل مع أمنها على أنه أمنها الخاص. كما أن برلين تتمتع بالموارد الاقتصادية اللازمة لقيادة القارة، ولكن الطبقة السياسية فيها تشعر بالقلق منذ فترة طويلة من أن القيام بذلك سيؤدي ببساطة إلى إحياء المخاوف من القوة الألمانية. 

وتتمثل مشكلة أخرى في هذا السيناريو في أن أوروبا القادرة على التعامل مع شؤونها الأمنية سوف تكون أكثر تسليحا مما هي عليه اليوم، وأنها ستستثمر بكثافة في الأسلحة الأكثر فتكا في العالم، وأنه مع فقدان المظلة النووية الأمريكية، يمكن لدول خط المواجهة التي تأمل في ردع روسيا - وفي المقام الأول بولندا - أن تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية خاصة بها (سباق تسلح نووي).

وبالنسبة للسيناريو الثاني، فيتلخص في أوروبا، ما بعد أمريكا، الضعيفة والمنقسمة ــأو قارة لا تتقاتل بلدانها مع بعضها البعض ولكنها لا تدعم بعضها البعض. وإن هذه النسخة من أوروبا لن تكون بمثابة عودة إلى الفوضى بقدر ما ستكون استمرارا لحالة اللامبالة تجاه القضايا الوجودية. ففي هذا السيناريو، سوف يفشل الاتحاد الأوروبي في توفير القوة العسكرية اللازمة لتحرير أوكرانيا وحماية دول خط المواجهة الشرقية، وسوف تكافح القارة من أجل التعامل مع التهديد الاقتصادي والجيوسياسي الذي تفرضه الصين. كما قد تجد أوروبا نفسها عالقة بين ما وصفته المجلة الأمريكية بـ "روسيا العدوانية، والصين المفترسة، والولايات المتحدة المعادية" في عهد ترمب. وهذا هو السيناريو الذي يقلق ماكرون وغيره من الزعماء الأوروبيين. 

وأوضحت "فورين بوليسي" أن تحقيق التوازن بين روسيا من دون قوة الولايات المتحدة سوف يتطلب زيادات هائلة ومرهقة ماليا في النفقات العسكرية الأوروبية، الأمر الذي قد يضطر الدول الأوروبية إلى فرض زيادات ضريبية ضخمة لا تحظى بشعبية أو خفض برامج الرعاية الاجتماعية. وقد تقبل بعض الدول، مثل بولندا ودول البلطيق، بدفع هذا الثمن للحفاظ على استقلالها، فيما قد يقرر آخرون أن الاستعداد العسكري لا يستحق تمزيق العقد الاجتماعي، وأن استيعاب روسيا "العدوانية" هو المسار الأكثر حكمة.

وفي السيناريو الثالث، قد يبدو مستقبل أوروبا مشابها إلى حد كبير لماضيها. فمع انحسار نفوذ واشنطن المعزز للاستقرار، تبدأ العداوات الوطنية المكبوتة منذ فترة طويلة بين بعض دول أوروبا في الظهور من جديد. وفي هذا الوضع، تبدأ الدول الأوروبية في تسليح نفسها بشكل أكبر، ويسعى البعض إلى تحقيق الأمن الذاتي الذي لا يمكن أن توفره إلا الأسلحة النووية، وتتراجع الديمقراطية مع انتشار النزعة القومية غير الليبرالية، والتي تتسم في كثير من الأحيان بكراهية الأجانب. ومع مرور الوقت، وقد يستغرق الأمر أعواما، وربما عقودا، تصبح أوروبا ما بعد أمريكا مرتعا للتطرف والتنافس.

وخلاصة الأمر أن أوروبا ما بعد أمريكا سوف تختلف جوهريا عن أوروبا التي نعرفها، خاصة وأن أوروبا اليوم هي نتاج تشكيل فريد تاريخيا وغير مسبوق من القوة والنفوذ أنشأته الولايات المتحدة. 

وقد يتوهم أنصار أمريكا أولا أن الولايات المتحدة يمكنها تحقيق كافة الامتيازات المترتبة على استقرار أوروبا من دون دفع أي من التكاليف. ولكن الواقع يشير إلى أن أوروبا الأضعف والأكثر تشرذما من شأنها أن تجعل من الصعب على العالم الديمقراطي أن يتعامل مع التحديات التي تفرضها روسيا، أو الصين، أو إيران. كما أنه إذا تحولت أوروبا إلى الظلام والشر مرة أخرى، فقد تقوم مرة أخرى بتصدير صراعاتها إلى العالم، وبالتالي تعريض ما هو أكثر بكثير من مستقبل أوروبا للخطر.

مقالات مشابهة

  • شركة في صربيا تزود إسرائيل بالأسلحة تقيم علاقات مهمة مع الإمارات
  • جيش الاحتلال يزعم إحباط محاولة تهريب أسلحة عند الحدود الأردنية
  • كالكاليست: هل يمكن لإسرائيل الاستغناء عن الأسلحة الأميركية؟
  • تحركات أمريكية مع السعودية وسلطنة عمان بخصوص الحوثيين ومعتقلي الامم المتحدة في اليمن
  • كينيدي جونيور: العقوبات الأمريكية عززت الاقتصاد الروسي
  • رويترز: الولايات المتحدة أرسلت لـ”إسرائيل” آلاف القنابل شديدة التدمير منذ بداية الحرب على غزة
  • "فورين بوليسي": أوروبا الموحدة أو المفتتة مرتبطة بعودة ترامب للبيت الأبيض!
  • 10 آلاف قنبلة شديدة التدمير من الولايات المتحدة للاحتلال
  • حدث ليلا.. إيران تحذر من حرب طاحنة وأمريكا تقدم أسلحة ضخمة إلى إسرائيل وروسيا تتجه للسلاح المرعب
  • صحيفة “معاريف” الإسرائيلية: تضرر أكثر من 500 مدرعة منذ 7 أكتوبر.. وجنودنا متعبون جسدياً ونفسياً