تأهب أرمن لبنان، بعد الهجوم العسكري الخاطف الذي تعرض له إقليم ناغورني قره باغ، الانفصالي، من قبل الجيش الأذربيجاني الأسبوع الماضي، وذلك لمساعدة الأرمن هناك.

في منطقة برج حمود (في محافظة جبل لبنان)، أحد "معاقل" الأرمن الرئيسية في لبنان، جالت سيارات تحمل مكبّرات للصوت في الشوارع داعية للمشاركة في وقفة احتجاجية، الخميس، أمام السفارة الأذربيجانية في بلدة عين عار (قضاء المتن)، كما رفعت يافطة كبيرة تدعو لنجدة أرمن قره باغ، في وقت تابع أرمنيون مستجدات ما يدور في الإقليم والحزن يغمر قلبهم على الظلم الذي يلاحقهم منذ قرون.

Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.

سيارات تحمل مكبّرات للصوت في الشوارع تدعو للمشاركة في وقفة احتجاجية أمام السفارة الأذربيجانية في لبنان

على باب محل لبيع الألبسة كانت نورا كانترجيان تقف منتظرة زبونا يكسر جمود حركة المبيع، وعند سؤالها فيما إن كانت من أرمينيا أجابت "بكل فخر"، مشددة "لم تطأ قدماي أرض وطني الأم الذي أحمل جنسيته، لكنه يعني لي كل شيء، إلى درجة أني كنت أتمنى أن اصطحب أولادي لتمضية بقية عمرنا فيه، لكن وضعي المادي لا يسمح كما أن الوضع هناك لا يشجع على ذلك".

وتضيف في حديث لموقع "الحرة" أنها تتابع عبر الإنترنت ما يحصل في أرتساخ، قره باغ، وتصلّي لأبناء وطنها لكي يتوقف الموت والتهجير والظلم عن ملاحقتهم، "ورغم أننا في لبنان نحتاج إلى من يساعدنا، نجمع المال لإرساله إلى منكوبي الحرب الذين لا يطمحون سوى إلى العيش بسلام، مع العلم أن الأرمن حول العالم لديهم عزة نفس وكرامة، فهم يفضّلون الموت جوعاً على مد يدهم لأحد".

يذكر أنه حتى الآن فرّ أكثر من نصف سكان قره باغ إلى أرمينيا، في وقت أعلنت حكومة الإقليم الانفصالي، الخميس، تفكيك نفسها وانتهاء الجمهورية - غير المعترف بها - بحلول الأول من يناير عام 2024.
وخلال الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها حزب "الطاشناق" أما السفارة الأذربيجانية في لبنان، الخميس، دارت اشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي تقوم بحماية السفارة.

طريق.. "اللبننة"

وصل معظم الأرمنيين الذين فرّوا من المجازر التركية إلى لبنان بين عامي 1915 و1917، بعدما سلكوا طريق سوريا، كما يقول، رئيس حزب الكتائب والنائب والوزير الأسبق، كريم بقرادوني "وكما كل البلدان التي استقروا فيها، مرّوا بثلاث مراحل، أولها مرحلة الحفاظ على الذات. في هذه المرحلة اعتبر الأرمن أنفسهم مقيمين بصورة مؤقتة، تجمعوا في مناطق معينة، بنوا كنائسهم ومدارسهم ومستشفياتهم وحافظوا على لغتهم، كان أملهم بالعودة قريبا إلى بلدهم، لذلك اتخذوا قرار تأييد رئيس الجمهورية وعدم التدخل في صراع الأحزاب اللبنانية".

أما المرحلة الثانية بحسب ما يقوله بقرادوني لموقع الحرة" فهي "مرحلة الانفتاح على الآخر، حيث شاركت الأحزاب الأرمنية في الانتخابات النيابية اللبنانية في خمسينات القرن الماضي، وتمكنت من أن يكون لها حصة في مجلس النواب والوزارات لتصبح جزء من السلطة اللبنانية، في هذه المرحلة برزت شخصيات أرمنية، منهم النائب والوزير جوزف شادر الذي عُرف بأنه معدّ الموازنات، كما عرف الأرمن بميلهم إلى الشؤون المالية والاجتماعية".

والمرحلة الثالثة، "هي مرحلة الاندماج، لم يعد الأرمن محصورين في حزب ومنطقة معينة، خرجوا من قوقعتهم وتلبننوا بشكل كامل، حيث أصبحوا يشاركون في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم يعد هناك مستشفى أرمني، بل مراكز طبية بدعم من الأحزاب الأرمنية، ورغم استمرار فتح مدارسهم إلا أن عدد الطلاب فيها تراجع".

اللافت أنه عند هروب الأرمن من تركيا ولجوئهم إلى مخيمات في حلب، طلبوا من هيئة الأمم المتحدة، كما يقول بقرادوني "أدوات للإنتاج بدلا من المواد الغذائية والألبسة والبطانيات، وهذا يدل على طبيعة الشعب الأرمني المنتج" ويضيف "مكوث الأرمنيين في المخيمات كان مرحلي قبل توجههم إلى البلدان التي اختاروا الانتقال إليها، وقد قدم العدد الأكبر منهم قدم إلى لبنان حيث أسسوا مصانعهم وأعمالهم فيه".

بين العودة والبقاء

رغم مرور ما يزيد عن القرن على وجود الأرمن في لبنان، إلا أن معظمهم ظلوا محافظين على لغتهم الأم، كونها كما تقول نورا "أساس بقائنا، نتحدث بها بين بعضنا البعض، لا بل سجلت أولادي في مدرسة أرمنية، لأضمن إتقانهم لها"، وفيما إن كانت تعتبر نفسها لبنانية أرمنية أم أرمينية، أجابت "أنا أرمنية لبنانية، ولغويا لا يوجد فرق بين كلمتي أرمني وأرميني".

وعلى عكس نورا، تشدد نايري نالبانديان، التي تملك محل لبيع الإكسسوارات النسائية في برج حمود، على أنه رغم دراستها في مدرسة أرمنية، إلا أنها فضّلت تسجيل أولادها في مدرسة لبنانية لتعلم لغات تساعدهم في مستقبلهم العملي.

وفيما إن كانت تتابع أخبار ما يجري في قره باغ، أجابت بالنفي، معبرة عن استيائها من تآكل مساحة الدولة الأرمينية التي تحمل جنسيتها والتي لا تفكّر في زيارتها سوى كسائحة، مشددة في حديث لموقع "الحرة" أنها "ولدت في لبنان وأريد أن أدفن فيه، فهو بلدي ولن أهاجر منه".

مع قيام الدولة الأرمنية، ظهر اتجاهان عند أرمن لبنان، أولهما بحسب بقرادوني "يشمل من اعتبروا أن العودة إلى أرمينيا ضرورة، هؤلاء لديهم حنين إلى وطنهم الأصلي ولم يتّقنوا اللغة العربية، عددهم قليل ويعيشون في محيط أرمني في برج حمود وعنجر، ومنهم من عاد بالفعل، بعضهم لم يوفق بتأسيس حياة جديدة هناك فعاد إلى لبنان، أما الاتجاه الثاني فيعتبر نفسه لبناني بالتالي يرفض مغادرة هذا البلد إلا للأسباب التي تدفع اللبنانيين لذلك، وهؤلاء هم الأكثرية".

يفخر بقرادوني بأصوله لكنه لم يحصل على الجنسية الأرمنية، ويقول "نحن من العائلات التي حكمت في أرمينيا في القرنين العاشر والحادي عشر، واستمرت بعدها في الحضور السياسي في الأحزاب"، مشددا "نجح الأرمن أينما حلوا في أن يكونوا من كبار الاقتصاديين كونهم كانوا مهنيين، والأرمني في مختلف الدول اندمج في المجتمع الذي يعيش فيه".

تناقض صارخ!

على كرسي أمام محل لبيع التحف، كان جرار (66 عاما) يجلس حين كشف لموقع "الحرة" أنه ولد في لبنان، وفتح معملا لصناعة الحقائب فيه، لكنه اضطر إلى إغلاقه نتيجة غزو الحقائب الصينية "التي لا يمكن منافسة أسعارها الزهيدة"، من هنا اضطر للسفر وامضاء سنوات من عمره في كندا، وبعدما تقاعد من وظيفته فكّر بالسفر والإقامة في أرمينيا، ليعدل عن ذلك بسبب المعارك.

يعبّر جرار عن استيائه من سياسيّ أرمينيا "غير المحنكين" بحسب وصفه، قائلا "الأراضي الأرمينية كلها في خطر"، مشددا "أرمينيا وطني الأم، زرتها مرتين وأحمل جنسيتها، ومع ذلك اعتبر نفسي لبناني أكثر من أرمني رغم أن بعض اللبنانيين طائفيين يعتبرون الأرمن مواطنين من الدرجة الثانية"، لافتا إلى أن "الأرمن في لبنان حافظوا على تراثهم الثقافي الغني، بما في ذلك لغتهم وفنّهم وطعامهم".

البعض يتساءل فيما إن كان هناك اختلاف في الدلالة بين كلمتي "أرمني" وأرميني"، عن ذلك يجيب بقرادوني "تطلق صفة أرمني على كل الأرمن حول العالم ومن ضمنهم سكان الدولة الأرمنية"، لكن لعضو مجلس النواب اللبناني، هاغوب ترزيان، رأي آخر، حيث يشير إلى أن "الأرمينيين هم شعب أرمينيا أما الأرمنيين فيختصرون الأرمن كطائفة دينية، وما يجمع أرمن لبنان بأرمينيا هو رابط الدم ومحافظتهم على اللغة الأرمينية".

يشدد ترزيان في حديث لموقع "الحرة" أن معظم أرمن لبنان قدموا إليه من كيليكيا (جنوب الأناضول)، قبل عام 1812، "أي أنهم موجودون فيه قبل الإبادة الجماعية عام 1915 وقبل إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920، والدليل على ذلك أنه كان يذكر على بطاقة هويتهم، أرمني قديم".

ما هو مؤكد بحسب ترزيان أن "الأرمن مكوّن أساسي في لبنان، حقهم بالجنسية اللبنانية مكتسب كأي مواطن لبناني، وقد حصلوا عليها نتيجة الإحصاء الذي أجراه الفرنسيون خلال فترة انتدابهم للبنان، حين أرادوا إعلان دولة لبنان الكبير، ومن يحمل الجنسية الأرمينية منهم هم كأي لبناني يحمل جنسية دولة ثانية"، أما بقرادوني فيشير إلى أن "أكبر عملية تجنيس لأرمن لبنان حصلت في عهد الانتداب الفرنسي ما بين العامين 1932 و1936، واليوم لا توجد إحصاءات دقيقة لعددهم، لكن العدد التقريبي لهم يتراوح ما بين 200 و250 ألفاً".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: فی لبنان قره باغ إن کان

إقرأ أيضاً:

الإطلالة السعودية من السرايا: تأكيد استمرار الحضور في لبنان

يسجل للسفير السعودي وليد بخاري حركة متجددة، من خارج مجموعة سفراء الدول الخمس المهتمة بالملف اللبناني، حيث كان له جولة على عدد من القيادات السياسية والأمنية بالتزامن مع نشاط رعاه إلى جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا وهو توقيع مذكرة التعاون المشترك بين مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والهيئة العليا للإغاثة اللبنانية.

وفي هذا السياق كتبت سابين عويس في" النهار": قدمت المملكة لتنفيذ ٢٨ مشروعاً في مختلف المناطق اللبنانية تمويلاً قيمته عشرة مليارات دولار. واكد بخاري ان هذا الدعم يأتي امتداداً لحرص القيادة السعودية على دعم العمل الإنساني والاغاثي وتحقيق الاستقرار والتنمية. ولم يفت السفير السعودي التذكير بمجموع ما قدمته المملكة ضمن عمل المركز في العالم وقد حصد منه لبنان تنفيذ ١٢٩ مشروعاً بقيمة بلغت مليارين و٧١٨ مليون دولار. ولكن هل حرص ايضاً البخاري في تحديده الأهداف الانسانية والتنموية والإغاثية للمساعدة على حصر اهتمام المملكة بلبنان بهذه الأبعاد دون غيرها من الأبعاد السياسية التي يعول عليه فريق كبير من اللبنانين ضمن سياسة المحاور التي تحكم المشهد الداخلي؟
فباستثناء الدور الذي يضطلع به بخاري ضمن الخماسية، لا تعكس لقاءاته الثنائية مع قيادات او مع نواب سنة قراراً بعودة للانخراط التام في الملف اللبناني. وفي رأي مرجع سياسي، انه لا يمكن تحميل حركة بخاري اكثر مما تحتمل. وهي في رأيه لا تحمل عنصراً جديداً او تغييراً في السياسة السعودية حيال لبنان والقائمة، منذ تولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذا الملف، على مأسسة العلاقات ووضعها في الإطار الطبيعي لعلاقات المملكة مع الدول القائمة على المصالح المشتركة لا سيما وان خطوات لبنان وإجراءاته المتخذة في اتجاه المملكة ظلت دون المستوى المطلوب ولا سيما في ما يتعلق بمكافحة التهريب ومكافحة الفساد وتأمين الشفافية في المعاملات.
 
الاكيد بحسب المرجع السياسي نفسه، ان الخطوة السعودية ترمي إلى تأكيد استمرار حضور المملكة في لبنان، وان لا نية للتخلي عنه في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها، ولكنها لن تتجاوز هذا الحضور إلى انخراط في الموقف السياسي، ولا سيما من "حزب الله"، وقد تجلى ذلك اخيراً في إعادتها تصويب موقف الجامعة العربية منه على اثر المواقف التي صدرت عن نائب أمينها العام السفير حسام زكي إبان زيارته الأخيرة إلى بيروت، والتي اثارت التباسات في النقاط مغزى الكلام الذي تحدث فيه عن عدم تصنيف الحزب منظمة ارهابية. وفي رأي المرجع، ان رادار المملكة سيظل يلتقط اي إشارات تستدعي التدخل او الرد، ولكنها لن تكون صاحبة مبادرة في المرحلة الراهنة، والملف متروك حالياً في عهدة الخماسية التي تشكل السعودية عضواً ناشطاً وفاعلاً فيها، وان كان التقارب الاميركي الفرنسي الأخير يشي عكس ذلك.
 
لم يكن اختيار السرايا للإعلان عن المساعدة المالية إلا لتجديد التأكيد السعودي ان اي مساعدات او دعم للبنان لن يكون إلا عبر مؤسساته الرسمية ضمن قرار مأسسة العلاقات. اما احتضان فئة سياسية على حساب اخرى او طائفة دون اخرى، فهذا رهان سقط عن اجندة المملكة، أقله في الوقت الراهن!
 

مقالات مشابهة

  • باحثة: مصر تؤمن بأن حل الأزمة السودانية بأيدي السودانيين أنفسهم
  • هل يعود العرب الى لبنان بعد الحل؟
  • حزب الله وحماس: تنسيق ميداني وسياسي
  • الإطلالة السعودية من السرايا: تأكيد استمرار الحضور في لبنان
  • يرضون أنفسهم بخطاب الكيزان وإشعال الحرب لعله ينسيهم عذاب ضمائرهم وخيانتهم للمواطنين
  • سارة الودعاني عن تعرضها للانتقادات: نيتي صافية وهم يمثلون أنفسهم .. فيديو
  • نداء للعسكر السودانيين الرافضين للسلام
  • إصابة خطيرة تضرب أفراد البحرية الأمريكية قبل إنهاء حياتهم.. «لا يعرفون أنفسهم»
  • ثمنت اعتراف أرمينيا بدولة فلسطين… سورية: القرار يساهم في إعادة حقوق الشعب الفلسطيني
  • أمن الدولة تُمهل متهمين 10 أيام لتسليم أنفسهم / أسماء