كيف يصنفون أنفسهم في ظل الحروب والتهديدات.. لبنانيون أرمن أم أرمينيون في لبنان؟
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
تأهب أرمن لبنان، بعد الهجوم العسكري الخاطف الذي تعرض له إقليم ناغورني قره باغ، الانفصالي، من قبل الجيش الأذربيجاني الأسبوع الماضي، وذلك لمساعدة الأرمن هناك.
في منطقة برج حمود (في محافظة جبل لبنان)، أحد "معاقل" الأرمن الرئيسية في لبنان، جالت سيارات تحمل مكبّرات للصوت في الشوارع داعية للمشاركة في وقفة احتجاجية، الخميس، أمام السفارة الأذربيجانية في بلدة عين عار (قضاء المتن)، كما رفعت يافطة كبيرة تدعو لنجدة أرمن قره باغ، في وقت تابع أرمنيون مستجدات ما يدور في الإقليم والحزن يغمر قلبهم على الظلم الذي يلاحقهم منذ قرون.
Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.
سيارات تحمل مكبّرات للصوت في الشوارع تدعو للمشاركة في وقفة احتجاجية أمام السفارة الأذربيجانية في لبنانعلى باب محل لبيع الألبسة كانت نورا كانترجيان تقف منتظرة زبونا يكسر جمود حركة المبيع، وعند سؤالها فيما إن كانت من أرمينيا أجابت "بكل فخر"، مشددة "لم تطأ قدماي أرض وطني الأم الذي أحمل جنسيته، لكنه يعني لي كل شيء، إلى درجة أني كنت أتمنى أن اصطحب أولادي لتمضية بقية عمرنا فيه، لكن وضعي المادي لا يسمح كما أن الوضع هناك لا يشجع على ذلك".
وتضيف في حديث لموقع "الحرة" أنها تتابع عبر الإنترنت ما يحصل في أرتساخ، قره باغ، وتصلّي لأبناء وطنها لكي يتوقف الموت والتهجير والظلم عن ملاحقتهم، "ورغم أننا في لبنان نحتاج إلى من يساعدنا، نجمع المال لإرساله إلى منكوبي الحرب الذين لا يطمحون سوى إلى العيش بسلام، مع العلم أن الأرمن حول العالم لديهم عزة نفس وكرامة، فهم يفضّلون الموت جوعاً على مد يدهم لأحد".
يذكر أنه حتى الآن فرّ أكثر من نصف سكان قره باغ إلى أرمينيا، في وقت أعلنت حكومة الإقليم الانفصالي، الخميس، تفكيك نفسها وانتهاء الجمهورية - غير المعترف بها - بحلول الأول من يناير عام 2024.
وخلال الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها حزب "الطاشناق" أما السفارة الأذربيجانية في لبنان، الخميس، دارت اشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي تقوم بحماية السفارة.
وصل معظم الأرمنيين الذين فرّوا من المجازر التركية إلى لبنان بين عامي 1915 و1917، بعدما سلكوا طريق سوريا، كما يقول، رئيس حزب الكتائب والنائب والوزير الأسبق، كريم بقرادوني "وكما كل البلدان التي استقروا فيها، مرّوا بثلاث مراحل، أولها مرحلة الحفاظ على الذات. في هذه المرحلة اعتبر الأرمن أنفسهم مقيمين بصورة مؤقتة، تجمعوا في مناطق معينة، بنوا كنائسهم ومدارسهم ومستشفياتهم وحافظوا على لغتهم، كان أملهم بالعودة قريبا إلى بلدهم، لذلك اتخذوا قرار تأييد رئيس الجمهورية وعدم التدخل في صراع الأحزاب اللبنانية".
أما المرحلة الثانية بحسب ما يقوله بقرادوني لموقع الحرة" فهي "مرحلة الانفتاح على الآخر، حيث شاركت الأحزاب الأرمنية في الانتخابات النيابية اللبنانية في خمسينات القرن الماضي، وتمكنت من أن يكون لها حصة في مجلس النواب والوزارات لتصبح جزء من السلطة اللبنانية، في هذه المرحلة برزت شخصيات أرمنية، منهم النائب والوزير جوزف شادر الذي عُرف بأنه معدّ الموازنات، كما عرف الأرمن بميلهم إلى الشؤون المالية والاجتماعية".
والمرحلة الثالثة، "هي مرحلة الاندماج، لم يعد الأرمن محصورين في حزب ومنطقة معينة، خرجوا من قوقعتهم وتلبننوا بشكل كامل، حيث أصبحوا يشاركون في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم يعد هناك مستشفى أرمني، بل مراكز طبية بدعم من الأحزاب الأرمنية، ورغم استمرار فتح مدارسهم إلا أن عدد الطلاب فيها تراجع".
اللافت أنه عند هروب الأرمن من تركيا ولجوئهم إلى مخيمات في حلب، طلبوا من هيئة الأمم المتحدة، كما يقول بقرادوني "أدوات للإنتاج بدلا من المواد الغذائية والألبسة والبطانيات، وهذا يدل على طبيعة الشعب الأرمني المنتج" ويضيف "مكوث الأرمنيين في المخيمات كان مرحلي قبل توجههم إلى البلدان التي اختاروا الانتقال إليها، وقد قدم العدد الأكبر منهم قدم إلى لبنان حيث أسسوا مصانعهم وأعمالهم فيه".
بين العودة والبقاءرغم مرور ما يزيد عن القرن على وجود الأرمن في لبنان، إلا أن معظمهم ظلوا محافظين على لغتهم الأم، كونها كما تقول نورا "أساس بقائنا، نتحدث بها بين بعضنا البعض، لا بل سجلت أولادي في مدرسة أرمنية، لأضمن إتقانهم لها"، وفيما إن كانت تعتبر نفسها لبنانية أرمنية أم أرمينية، أجابت "أنا أرمنية لبنانية، ولغويا لا يوجد فرق بين كلمتي أرمني وأرميني".
وعلى عكس نورا، تشدد نايري نالبانديان، التي تملك محل لبيع الإكسسوارات النسائية في برج حمود، على أنه رغم دراستها في مدرسة أرمنية، إلا أنها فضّلت تسجيل أولادها في مدرسة لبنانية لتعلم لغات تساعدهم في مستقبلهم العملي.
وفيما إن كانت تتابع أخبار ما يجري في قره باغ، أجابت بالنفي، معبرة عن استيائها من تآكل مساحة الدولة الأرمينية التي تحمل جنسيتها والتي لا تفكّر في زيارتها سوى كسائحة، مشددة في حديث لموقع "الحرة" أنها "ولدت في لبنان وأريد أن أدفن فيه، فهو بلدي ولن أهاجر منه".
مع قيام الدولة الأرمنية، ظهر اتجاهان عند أرمن لبنان، أولهما بحسب بقرادوني "يشمل من اعتبروا أن العودة إلى أرمينيا ضرورة، هؤلاء لديهم حنين إلى وطنهم الأصلي ولم يتّقنوا اللغة العربية، عددهم قليل ويعيشون في محيط أرمني في برج حمود وعنجر، ومنهم من عاد بالفعل، بعضهم لم يوفق بتأسيس حياة جديدة هناك فعاد إلى لبنان، أما الاتجاه الثاني فيعتبر نفسه لبناني بالتالي يرفض مغادرة هذا البلد إلا للأسباب التي تدفع اللبنانيين لذلك، وهؤلاء هم الأكثرية".
يفخر بقرادوني بأصوله لكنه لم يحصل على الجنسية الأرمنية، ويقول "نحن من العائلات التي حكمت في أرمينيا في القرنين العاشر والحادي عشر، واستمرت بعدها في الحضور السياسي في الأحزاب"، مشددا "نجح الأرمن أينما حلوا في أن يكونوا من كبار الاقتصاديين كونهم كانوا مهنيين، والأرمني في مختلف الدول اندمج في المجتمع الذي يعيش فيه".
تناقض صارخ!على كرسي أمام محل لبيع التحف، كان جرار (66 عاما) يجلس حين كشف لموقع "الحرة" أنه ولد في لبنان، وفتح معملا لصناعة الحقائب فيه، لكنه اضطر إلى إغلاقه نتيجة غزو الحقائب الصينية "التي لا يمكن منافسة أسعارها الزهيدة"، من هنا اضطر للسفر وامضاء سنوات من عمره في كندا، وبعدما تقاعد من وظيفته فكّر بالسفر والإقامة في أرمينيا، ليعدل عن ذلك بسبب المعارك.
يعبّر جرار عن استيائه من سياسيّ أرمينيا "غير المحنكين" بحسب وصفه، قائلا "الأراضي الأرمينية كلها في خطر"، مشددا "أرمينيا وطني الأم، زرتها مرتين وأحمل جنسيتها، ومع ذلك اعتبر نفسي لبناني أكثر من أرمني رغم أن بعض اللبنانيين طائفيين يعتبرون الأرمن مواطنين من الدرجة الثانية"، لافتا إلى أن "الأرمن في لبنان حافظوا على تراثهم الثقافي الغني، بما في ذلك لغتهم وفنّهم وطعامهم".
البعض يتساءل فيما إن كان هناك اختلاف في الدلالة بين كلمتي "أرمني" وأرميني"، عن ذلك يجيب بقرادوني "تطلق صفة أرمني على كل الأرمن حول العالم ومن ضمنهم سكان الدولة الأرمنية"، لكن لعضو مجلس النواب اللبناني، هاغوب ترزيان، رأي آخر، حيث يشير إلى أن "الأرمينيين هم شعب أرمينيا أما الأرمنيين فيختصرون الأرمن كطائفة دينية، وما يجمع أرمن لبنان بأرمينيا هو رابط الدم ومحافظتهم على اللغة الأرمينية".
يشدد ترزيان في حديث لموقع "الحرة" أن معظم أرمن لبنان قدموا إليه من كيليكيا (جنوب الأناضول)، قبل عام 1812، "أي أنهم موجودون فيه قبل الإبادة الجماعية عام 1915 وقبل إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920، والدليل على ذلك أنه كان يذكر على بطاقة هويتهم، أرمني قديم".
ما هو مؤكد بحسب ترزيان أن "الأرمن مكوّن أساسي في لبنان، حقهم بالجنسية اللبنانية مكتسب كأي مواطن لبناني، وقد حصلوا عليها نتيجة الإحصاء الذي أجراه الفرنسيون خلال فترة انتدابهم للبنان، حين أرادوا إعلان دولة لبنان الكبير، ومن يحمل الجنسية الأرمينية منهم هم كأي لبناني يحمل جنسية دولة ثانية"، أما بقرادوني فيشير إلى أن "أكبر عملية تجنيس لأرمن لبنان حصلت في عهد الانتداب الفرنسي ما بين العامين 1932 و1936، واليوم لا توجد إحصاءات دقيقة لعددهم، لكن العدد التقريبي لهم يتراوح ما بين 200 و250 ألفاً".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی لبنان قره باغ إن کان
إقرأ أيضاً:
إسرائيل التي تحترف إشعال الحرائق عاجزة عن إطفاء حرائقها
يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي إسماعيل المسلماني أن استعانة إسرائيل بدول أوروبية لإطفاء الحريق الضخم الذي اندلع غربي القدس دليل على فشلها في التعامل مع هذه الأزمات.
وتقف إسرائيل عاجزة عن التعامل مع الحريق الثاني الآخذ في الاتساع، والذي تتحدث وسائل إعلام محلية عن أنه ربما يكون بفعل فاعل وليس بسبب الأحوال الجوية.
وعلى الرغم من محاولة 120 فريق إطفاء الحريق من البر والجو فإنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليه، مما دفع تل أبيب إلى طلب الدعم من دول أوروبية.
وأكد المسلماني -في مقابلة مع الجزيرة- أن هذا الحريق يعكس فشل إسرائيل في التعامل مع هذا الحوادث الكبرى رغم ما تمتلكه من تكنولوجيا متطورة، وقال إن استعانتها بدول أوروبية دليل على عدم امتلاكها البنية التحتية اللازمة للتعامل مع هذه الأزمات.
مشاهد من الحرائق المندلعة في أحراش غرب القدس المحتلة. pic.twitter.com/VEXoG6M48i
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) April 30, 2025
وهذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها إسرائيل إلى إخلاء هذا العدد من السكان في منطقة غربي القدس، فضلا عن إغلاق كافة الطوارئ بالمنطقة، وهو ما يؤكد عجزها عن التعامل مع الحريق، برأي المسلماني.
إعلانويضع هذا الفشل الحكومة في مواجهة انتقادات كثيرة بالنظر إلى زعمها المستمر امتلاك الخبرة اللازمة للتعامل مع هذه الأزمات، وهو ما أثبت الواقع كذبه، وفق المسلماني.
ولا يمكن للحكومة القول إنه الفشل الأول لها في التعامل مع هذه الحرائق، لأنها فشلت في التعامل مع حريق مماثل الأسبوع الماضي، كما فشلت في التعامل مع الحرائق التي كانت تندلع في مئات الدونمات خلال المعارك بينها وبين حزب الله اللبناني، كما يقول المسلماني.
وهذا هو الحريق الثاني الذي تتعرض له غربي القدس خلال هذا الأسبوع، وقد أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وألغت كافة احتفالات يوم الاستقلال، والتي كانت مقررة مساء اليوم الأربعاء.
واندلع الحريق في منطقتي القدس وتل أبيب، وقال قائد فريق الإطفاء إنه الأكبر في تاريخ إسرائيل، وإنه ربما ينتشر إلى جبال القدس الغربية، ومن المحتمل أن تبدأ الحكومة إخلاء مدينة إلعاد من السكان.
ووفقا للقناة الـ12 الإسرائيلية، فقد تم إجلاء سكان 8 بلدات غربي القدس بسبب هذه الحرائق المدفوعة بالسرعة الكبيرة للرياح، وصدرت أوامر بإخلاء مزيد من البلدات.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اعتقال 3 شبان فلسطينيين من القدس بسبب الاشتباه في تورطهم بإشعال الحريق كما قال مراسل الجزيرة في القدس إلياس كرام، في حين نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصدر أمني أن هناك شبهة عمل إرهابي في هذا الحريق.
امتداد الحرائق إلى مستوطنة "بيتاح تكفا" شرقي "تل أبيب" وسط فلسطين المحتلة. pic.twitter.com/jfhn90HFPG
— القسطل الإخباري (@AlQastalps) April 30, 2025
غموض بشأن الأسبابولا يزال الغموض مسيطرا على الأسباب الحقيقية لهذا الحريق، لكن دخول جهاز الشاباك على خط التحقيقات يشي بوجود شبهة جنائية فيه رغم غياب التأكيد الرسمي حتى الآن، كما يقول كرام.
ويدير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأزمة بنفسه، في حين يتساءل الإعلام الإسرائيلي عن كيفية عجز إسرائيل عن التعامل مع هذه الأحداث رغم ما تمتلكه من إمكانيات.
إعلانوتمتلك إسرائيل 24 طائرة لإطفاء الحرائق إضافة إلى 3 طائرات تابعة للشرطة، كما يقول كرام الذي أشار إلى أن تل أبيب تمتلك مئات الطائرات لإشعال الحرائق في قطاع غزة وسوريا ولبنان، لكنها لا تمتلك ما يكفي لإطفاء حرائقها.
وحتى هذه اللحظة تمنع الرياح القوية الطائرات من التدخل لإطفاء النيران، ومن المقرر أن تصل غدا الخميس 3 طائرات من كرواتيا وإيطاليا للتعامل مع الحريق.
وقالت قناة "كان" الرسمية إنه تم إخلاء أكثر من مستوطنات وإجلاء 10 آلاف شخص من منازلهم بسبب هذه الحرائق، في حين طالب قائد فرق الإطفاء في القدس بعدم الاقتراب من شارعي 1 و3 ومنطقة القدس، مؤكدا أن السيطرة على الحريق لا تزال بعيدة.