اليوم نحتفل في اليمن بأعياد الثورة والحرية والاستقلال وتحتفل البشرية جمعاء بمولد رسول الحرية والاستقلال الرسول الأعظم محمد- صلى الله عليه وسلم , وربما شهد العالم من حولنا تظاهرات احتفالية بالمولد، لكن في ربوع اليمن تتمايز التظاهرات الاحتفالية عن غيرها من البلدان، ذلك لأن اليمن تحتفل بالحرية والاستقلال ورفض العبودية والخضوع والظلم والاستبداد والطغيان , فقد انتصرت لمفردات الحرية والاستقلال والحق والعدل والسلام قديماً ومازالت تنتصر لهذه المفردات وتبذل الدماء راضية مرضية دون كلل أو ملل حديثا .
لا تكاد تجد في كتب الأخبار والتاريخ القديمة شيئاً يشير أو يومئ ولو من مكان بعيد عن رضى أهل اليمن للعبودية , بل تحدث في صفحاته وفي السير عن قوم يعشقون الحق والعدل والحرية وتحدث عن أول شهيدين في الإسلام بذلا نفسيهما في سبيل الدعوة الإسلامية لما تحمله من عدل ومن مساواة ومن حرية , فالقضية عند أهل اليمن قضية ثقافية , وقضية مبدأ , ولذلك رفضوا الظلم الذي وقع على الرسول الأكرم وأصحابه ببكة فذهبوا اليه وبايعوه على السمع والطاعة , وحملت سيوفهم الراية الإسلامية , راية الحق والعدل والحرية إلى كل أصقاع الأرض .
ولذلك ليس بمستغرب أن ينتفض اليوم أهلنا أهل الغيرة والشهامة في الجنوب بعد أن تبين لهم أن الذي يجري في الجنوب ليس إلا احتلالاً جاء إليهم بعباءة عربية , وقد استبانوا الرشد بعد أن أعلنت بريطانيا عن وجودها في المهرة , وها هي أمريكا تعلن عن وجودها في حضرموت وانتشرت وحداتها العسكرية في شوارع المدن تحسباً- كما يقولون- لأي عمليات ارهابية تخل بالأمن , اتضحت الصورة اليوم لكل أهلنا في الجنوب , ولذلك رأينا مبدأ الحرية والاستقلال استيقظ في شبوة , وانتفض الشارع الجنوبي رفضاً للذل والجوع والاستعمار والعبودية وبحثاً عن الحرية والاستقلال ولقمة العيش الكريمة .
الحرية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالرسول الأكرم فهو أول من نادى برفض العبودية للطاغوت وهدى الناس إلى عبودية الله تعالى التي تمثل ذروة الحرية وقال بالحق والعدل والسلام , ولذلك فهو يشكل لنا عنصر توحد ويشكل حالة جامعة تقودنا إلى أن نستعيد كرامتنا المهدورة وحقنا المستلب وكما داس البدوي العربي القديم إيوان كسرى بحوافر خيله بكل عزة وأنفة وكرامة , وقد نستعيد ذلك المجد من خلال حالة التوحد والارتباط مع المشروع المحمدي الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور , ومن العبودية إلى الحرية , ومن الذل إلى الكرامة , ومن شظف العيش إلى سعته ولذلك ارتبط أهل اليمن والعرب بالإسلام ارتباطا وثيقا من حيث العزة والكرامة والحرية والاستقلال , فالاحتلال القديم للعرب من قبل الحضارتين القديمتين الرومانية والفارسية تحوَّل إلى نقيض له , شعوراً بالقيمة والإيمان الذي ملأ النفوس يقينا , ولذلك قال قائلهم : “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام , فإذا ابتغينا العزة بدونه أذلنا الله “ , والعبر في التاريخ العربي تؤيد هذا المبدأ من القول , إذ حين ارتبطنا بهذا الدين وبرسوله الأكرم رفرفت راية الإسلام على بلدان الحضارات الفارسية والرومانية وبمجرد أن تخلينا عن الإسلام وعن رسوله رفرفت رايات الرومان على بلداننا , ومازال المستعمر يعمل على تمزيقنا وفصلنا عن الرسول من خلال ما يقوم به من حركة تشويه للإسلام ولرسوله الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام .
لقد تزامن المولد هذا العام مع تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بقرب التطبيع مع السعودية واعتبر ذلك إنجازا مهما , كما تزامن المولد مع زيارة وفد اسرائيلي للسعودية , وحركة التطبيع كادت أن تعم الجغرافيا العربية , ولم يبق في بال اليهود من يقارع وجودهم سوى أهل اليمن متحدين مع محور المقاومة الإسلامية , تلك هي الصورة التي عليها واقع العرب اليوم.
فاليوم أصبح الواقع مقروءاً, ولم يستطع العدو أن يخفي مطامعه بعد أن كشف الصمود الأسطوري لليمن قناع المستعمر وها هي الأرض تضطرب تحت قدمه , وفي المولد حالة توحد تعيدنا إلى نفسنا الطبيعي إذا ابتغينا العزة والكرامة والحرية والاستقلال .
وأمام كل تموجات اللحظة تبدو الحاجة إلى عودة الحلقة المفقودة إلى مكانها الطبيعي – وفق مسارها التاريخي- من ضرورات اللحظة التاريخية الفاصلة، وتلك الحلقة تحتاج وعياً بها، لا قفزاً على حقيقتها وفق طاقات انفعالية مدمرة، فخط قريش يعود إلى نفس مساره الثقافي والاجتماعي والسياسي التاريخي، فقد تناغم مع اليهود في حركة مقاومتهم ومقارعتهم للإسلام ونتج عنه ما اصطلح الفقهاء على تسميته بالإسرائيليات، وهي منظومة أحاديث مكذوبة أبدعها الخيال اليهودي وتناغم معها الاستبداد السياسي السفياني والأموي وما زال هذا المسار حتى يومنا الذي نشهد فيه التطبيع والخضوع للإرادة الصهيونية .
ولعل أبرز ما يميز الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام في اليمن- وقد سبق التأكيد عليه في مقال سابق- هو الوعي بضرورات الإصلاح , فالإصلاح نسق فكري ثقافي حضاري تقدم عليه الأمم لإنجازه بتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل مع الواقع لا القفز على شروطه الموضوعية وقادرة على فرض طابعها الخاص الذي تتسم به المرحلة أو يتسم به المستوى الحضاري الحديث , فالمولد كان ثورة حقيقية في تاريخ البشرية كلها ولا بد أن يستمر كثورة لإصلاح مسار الناس والأمة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد النبوي: شهر رمضان أفضل الأوقات وأعظم مواسم الطاعات
أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي ،الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان، المسلمين بتقوى الله تعالى في ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، مستشهدًا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
وقال خطيب المسجد النبوي، في خطبة الجمعة اليوم، إن من نعم الله وفضله، ومنحه وعطائه، أن شرع لعباده مواسم للخير والطاعات، وضاعف لهم فيها الثواب والأجر على العبادات، وحثهم على اغتنام الفرص وإعمار الأوقات، والتعرض للنفحات، والمسارعة إلى الطاعات، فاستبقوا الخيرات، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها الأرض والسماوات، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا» رواه الطبراني.
وأضاف: قد أقبل عليكم شهر رمضان، أفضل الأوقات، وأعظم مواسم الطاعات، شهر عبادة وتوبة واستغفار، شهر طاعة وإنابة وانكسار، شهر عزوف عن الدنيا، وإقبال على الآخرة، شهر عزوف عن الشهوات والملذات، وإقبال على العبادة والطاعات، فجددوا العهد مع الله، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين إلى استقبال شهر رمضان المبارك بما يستحقه من التعظيم والتوقير، استقبال الفرحين بفضل الله ونعمته، الراجين لمغفرته ورحمته، لا استقبال العابثين المستهترين المستهزئين بحرمته، مشيرًا إلى أن استقباله يكون بالتوبة، والطاعة، والدعاء، والقرآن، والجود، والرحمة.
وبيّن، أن شهر رمضان فيه تحطّ الرحال، وتعلق الآمال، داعيًا إلى الاجتهاد في الأعمال الصالحة، وتجديد العهد مع الله تعالى، ومحاسبة العبد نفسه، مستشهدًا بقولة تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وتابع قائلًا: إن الشيطان عدو لكم فاتخذوه عدوًا، وإنه ليبذل وسعه في مواسم الخير وفضائل الأوقات ليضل الناس عن الهدى، ويحول بينهم وبين نفحات الرحمة والمغفرة، ويصدهم عن طاعة ربهم، ويفوت عليهم الخير الكثير، فالكيس من دان نفسه وحاسبها، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وأكّد الشيخ البعيجان أن رمضان شهر طاعة وعبادة، شهر توبة وإنابة، يتطلب استقباله تنظيم الوقت، وتهيئة النفس، والاستعداد، والإخلاص والعزم والجهاد، مبينًا أن أهم ما يستعان به على استقبال رمضان، التوبة من الزلات، والاستغفار من الذنوب، والتخلص من الحقوق والتبعات، والابتعاد عن الشبه والشهوات، داعيًا إلى حسن الظن بالله، فإنه تعالى كريم منّان، واسع الفضل والإحسان، ذو الجود والفضل والامتنان.
وختم الخطبة محذرًا من الغفلة فإنها داء عضال، ومقت ووبال، مبينًا أنها تقطع الصلة بين العبد وربه، فلا يشعر بإثمه، ولا يقلع عن وزره، ولا يتوب من ذنبه، تمر به مواسم الخير وفضائل الأوقات وهو في سبات الغفلة، يبصر فلا يعتبر، ويوعظ فلا ينزجر، مستشهدًا بقولة تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين).