من بدأ الحرب في السودان؟
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
في أوائل السبعينيات سأل هنري كيسنجر رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي عن رايه في الثورة الفرنسية. وكان رد تشو إن لاي بدري شديد ياخي “من السابق لأوانه القول”. كان الاعتقاد ان السؤال عن ثورة 1789 (كميونة باريس). ولكن لاحقا جادل البعض ان السؤال كان عن ثورة الشباب الفرنسي في عام 1968. المهم, حتى لو كان الافتراض الأخير صحيح فان أربعة سنوات لم تكن كافية للزعيم الصيني لتحديد مدي نجاح أو فشل الثورة الفرنسية.
قارن بين صبر تشو إن لاي بجماعتنا هنا في السودان. بعد اندلاع الحرب بأقل من ساعات جماعتنا كانو متأكدين مليون في المية انو الحرب السودانية بدوها الفلول ونشرو الزعم ده في قنوات الخبر العالمية. روايتهم الأولي كانت انو بدأها الفلول وليس الجنجويد ولا البرهان والجيش ثم بعد ذلك تحورت الرواية رويدا رويدا.
ديل ناس ما بتهمهم الحقيقة ومستعدين يلوو عنقها كسر رقبة لخدمة سرديتهم السياسية كمقدمة لمصالحهم ومصالح القوي المتحالفة معهم.
فحتى الان لا يوجد دليل قاطع يثبت من بدأ الحرب. لكن الحيثيات الظرفية بترجح انو بدأها الجنجويد الاتوجهو لاحتلال مطار مروي قبل أيام من اندلاع الحرب واحضروا ارتالا من الجنود للخرطوم بدون رضا الجيش. ورغم انو الملابسات بتشير لي انو الحرب بداها الجنجويد الا ان هذه تظل فرضية غير مثبتة ماديا لذلك من يحترم الحقيقة لا يجزم بمن بدأها.
أضف الي ذلك ان القضية الجوهرية تتعدى سؤال من بدأ الحرب الي الموقف من وجود ميلشيا عابرة للحدود تشرف علي حكم الشعب السوداني مقابل مؤسسات علي عيوبها تظل ملكا لشعب قادر علي استعادتها وتحريرها ممن اختطفها.
معتصم أقرع
معتصم اقرع
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
فيتو روسي.. شرارة الحرب الساخنة؟
كتب الدكتور عزيز سليمان – أستاذ السياسة والسياسات العامة
لم يكن العالم بحاجة إلى دليل إضافي على هشاشة النظام الدولي الحالي، إلا أن الفيتو الروسي الأخير ضد قرار بريطاني-سيراليوني حول السودان جاء كالقشة التي قد تقصم ظهر ما تبقى من السلم العالمي. القرار، الذي استند إلى سيادة السودان وتناول الأوضاع المتدهورة فيه، أثار موجة من الجدل، حيث بدت مواقف الدول الكبرى وكأنها تُترجم صراعًا خفيًا بين أقطاب الحرب الباردة المستجدة، لتتحول هذه الحرب شبه الباردة إلى مواجهة ساخنة قد تطيح باستقرار العالم بأسره.
الفيتو الروسي.. دوافع وتداعيات
من منظور موسكو، يعد الفيتو رسالة مزدوجة: الأولى، تأكيد على استعادة نفوذها في المعادلات الدولية، والثانية، مواجهة ما تعتبره تدخلًا غربيًا في شؤون الدول ذات السيادة. أما الغرب، الذي يدعم القرار بحجة حقوق الإنسان، فيبدو عالقًا بين إداناته العلنية للفيتو وعجزه عن تجاوزه، في مشهد يعكس تناقض سياساته الخارجية.
لكن الفيتو الروسي ليس مجرد تعبير عن سياسة القوة؛ بل هو أيضًا انعكاس لتحول في العلاقات الدولية نحو مزيد من الاستقطاب. في حين تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تطويق النفوذ الروسي والصيني، تستغل روسيا نقاط التوتر العالمية لفرض أجندتها، مما يجعل السودان ساحة جديدة لصراع المصالح الدولية.
السودان.. أزمة إنسانية في مرمى النيران
في خضم هذا التنافس الجيوسياسي، تبقى أوضاع السودانيين الملحة خارج أولويات الأطراف المتنازعة. من النزوح القسري إلى تفاقم المجاعة، تتوالى معاناة الشعب السوداني وسط صمت دولي يُثير الريبة. ومع تصاعد دور ميليشيا الجنجويد، التي تتلقى الدعم العسكري من الإمارات، أصبحت الكارثة الإنسانية في السودان أكثر تعقيدًا.
إذا أراد المجتمع الدولي للسودان خيرًا، فإنه مطالب بوقف إمداد الأسلحة للجنجويد. هذا الدعم لا يُساهم فقط في تأجيج الصراع، بل يفتح الباب أمام المزيد من الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين. كما أن تطبيق مبدأ "مسؤولية الحماية" (R2P) بات ضرورة أخلاقية قبل أن يكون التزامًا دوليًا.
مسؤولية الحماية.. المبدأ المنسي
لماذا تتجاهل الأمم المتحدة ومجلس الأمن هذا المبدأ الأصيل في فقه حماية المدنيين؟ هل أصبحت المصالح السياسية أهم من أرواح البشر؟ أم أن ازدواجية المعايير هي القاعدة الجديدة في السياسة الدولية؟
في ظل هذا التواطؤ الدولي، تبدو الدعوات لتفعيل "مسؤولية الحماية" مجرد كلمات جوفاء. ومع ذلك، يظل الأمل في أن تعيد القوى العالمية النظر في سياساتها، وأن تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة لإنقاذ شعب باتت حياته رهينة لصراعات الآخرين.
ختامًا
لن يكون السودان أول ولا آخر دولة تُسحق تحت عجلة المصالح الدولية، لكن الفارق هنا هو أن أزمة السودان تكشف عورة النظام العالمي بأسره. إذا أراد العالم مستقبلًا أكثر استقرارًا، فعليه أن يبدأ من هنا، من السودان، حيث تختبر المبادئ وتُصقل القيم. أما إذا استمر الصمت، فإن فيتو اليوم سيكون مجرد الشرارة الأولى لحرب لا يعرف أحد كيف ومتى ستنتهي.
quincysjones@hotmail.com