هل ترسل تركيا قواتها إلى السودان انحيازا “للبرهان”؟
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
يبدو أن الزيارات الخارجية التي قام بها مؤخرا، الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، لعدد من الدول، التي استهدف من خلالها الحصول على تأييد قادتها ودعمهم لخطته الرامية إلى الانفراد بالسلطة قد آتت اُكُلهَا سريعا، وهو ما بدا واضحا في تكثيف الجيش السوداني لعملياته العسكرية ضد نقاط تمركز قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في كل من أم درمان والعاصمة السودانية الخرطوم خلال الأيام القليلة الماضية، والذي تزامن مع دعوة البرهان المجتمع الدولي من على منبر الأمم المتحدة لتصنيف الدعم السريع تنظيما إرهابيا.
الدعم والتأييد الذي حصل عليه البرهان من مصر، وقطر، وجنوب السودان، وإريتريا، لم يؤخذ بقلق أو حساسية بالغة من جانب أي طرف، كونه جاء من دول عربية وأفريقية تربطها بالسودان علاقات أخوية، وتاريخية، وحدود جغرافية.
إلا أن ما أثار القلق على كافة المستويات العربية، والأفريقية، والدولية، كان استجابة تركيا السريعة لجميع مطالب البرهان، سواء المرتبط منها بالتدخل كوسيط محايد بين الطرفين، أو بتأييد رغبته في تشكيل حكومة تصريف أعمال في بورتسودان مقر إقامته الجديد، وانتهاء بتزويد الجيش السوداني بطائرات مسيرة تمكنه من فرض سيطرته، وإحراز تقدم قد يُفضي إلى إنهاء المعارك الدائرة منذ قرابة الـ6 أشهر.
الموقف التركي الذي بدا داعما بصورة مطلقة لقائد الجيش السوداني في صراعه مع قوات الدعم السريع أعاد إلى الأذهان تدخل أنقرة في الملف الليبي، وتأثير ما قدمته من دعم عسكري ولوجيستي لصالح حكومة الوفاق الوطني ضد قوات خليفة حفتر، الأمر الذي أعاق تقدمه، وحال دون انفراده بالسلطة هناك، وعمل على إعادة التوازن على الأرض بين الطرفين، وهو ما أدى إلى توتر في علاقاتها مع أطراف عربية ودولية متعددة.
وفي سياق ذلك أعلنت تركيا رسميا عدم وجود نوايا لديها للتدخل عسكريا في هذه الأزمة، وأنها تنأى بنفسها عن السقوط في المستنقع السوداني، مؤكدة سعيها لإنهاء الحرب الدائرة التي تضُر بمصالح الشعب السوداني عبر الطرق الدبلوماسية والسياسية، وتوظف نفوذها لدى الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق هذا الهدف، آخذة في الحسبان عدة إعتبارات منها:
أن دعمها لقائد الجيش السوداني يأتي باعتباره الممثل الشرعي للحكومة السودانية، والمتحدث الرسمي باسمها، ويجب أن يتم التعاطي معه وفق هذه الرؤية، خصوصا وأن القوى الإقليمية والدولية تتعامل مع ما يحدث في السودان على أنه صراع بين طرفين، الجيش السوداني الذي يمثل الحكومة السودانية، وقوات الدعم السريع، دون الخوض في تحديد الطرف الذي يمتلك الشرعية في البلاد، وهو الأمر الذي يربك حسابات البرهان ويمنعه من المضي قدما في طريق إعادة الأمن والاستقرار للبلاد بوصفه ممثلا للشرعية بها والمخول بحمايتها.
أن مساندتها العسكرية للجيش السوداني، ودعمه بالمسيرات التي تنتجها مصانعها، ستمكنه من التفوق، وتحقيق نصر سريع لمنع تفاقم الأمور، وتحولها إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس، وتدفع المزيد من السودانيين إلى الخروج من دولتهم بحثا عن مأوى آمن.
أن تأمين حزمة أكبر من المساعدات الإنسانية للشعب السوداني الذي أصبح في أمس الحاجة إليها مع تزايد أعداد النازحين عن مدنهم وقراهم نتيجة القصف المستمر الذي يستهدفهم ويهدد أرواحهم، ستُقدم من خلال الجيش السوداني بصفته ممثل الشرعية في البلاد.
أن العمل كوسيط حيادي يتمتع بعلاقات جيدة مع طرفي النزاع، يستلزم الحصول على ثقة الطرف الشرعي في البلاد حتى يمْكنَ القيام بدور فاعل، يتيح الفرصة مجددا أمام العودة إلى طاولة المفاوضات بهدف التوصل لاتفاق ينهي الصراع، ويضع حدا للتناحر العسكري الحالي.
إلا أن هذا الإعلان لم يبدد المخاوف عموما من إمكانية تكرارها للسيناريو الليبي في السودان في أي مرحلة من المراحل، خصوصا إذا فشلت محاولات التوسط بين الطرفين، وظل الأمر بينهما يراوح مكانه، بل هناك من رأى في التحرك التركي مقدمة تؤكد وجود نوايا خفية لدى أنقرة للتدخل عسكريا في السودان.
صحيح أن لتركيا مصالح إستراتيجية في السودان لن تقبل التضحية بها بأي حال من الأحوال، سواء تلك المرتبطة بالسودان نفسه، أو بتواجدها في القارة الأفريقية، الذي تسعى لتوسيعه جغرافيا، وزيادة حجمه سياسيا واقتصاديا، فهي ومنذ البداية كان لها هدف أساسي من تطويرعلاقاتها مع السودان، وهو أن تكون هي بوابة السودان تجاه أوروبا، على أن تكون السودان بوابتها الرئيسة في أفريقيا.
أما بالنسبة لمكاسبها من السودان نفسه، فإن التوافق مع البرهان يعيد إليها القدرة على ترسيخ أقدامها مرة أخرى هناك، والمضي قدما في تنفيذ الاتفاقات التي سبق وأن تم التوصل إليها، خصوصا تلك المرتبطة بجزيرة سواكن التاريخية، حيث لدى تركيا رغبة في ترميم الآثار العثمانية الموجودة بها، وتأهيلها لإعادتها مجددا كميناء ملاحي تاريخي عسكري وتجاري، وتحويلها إلى منطقة سياحية حيوية تجذب إليها الزائرين.
إلى جانب ترجيح احتمالية عودة طرح فكرة إقامة قاعدة عسكرية تركية في سواكن لتعزيز الوجود التركي على البحر الأحمر في ظل اهتمام أنقرة بتطوير قدرات أسطولها البحري وصناعاتها الدفاعية البحرية، خاصة وأن هناك اتفاقا على تنشيط عمل اللجنة العليا للتعاون الثنائي، واللجان الوزارية المنبثقة عنها، لإعداد جدول زمني لتفعيل اتفاقيات ومذكرات التفاهم التي سبق توقيعها بين البلدين منتصف عام 2018، خلال فترة حكم عمر البشير، والتي توقف العمل بها نتيجة للتطورات التي شهدها السودان، وهي الاتفاقيات التي تشمل التعاون في مجالات الطاقة، والأمن، والتدريب العسكري، والتصنيع الحربي.
تأثير التدخل في السودان على علاقات أنقرة بالقاهرة
أما على الصعيد الاقتصادي الذي توليه تركيا اهتماما بالغا نظرا للأزمة الطاحنة التي تعانيها، فإن أنقرة تضع نصب أعيُنِها رفع حجم التبادل التجاري مع السودان، وزيادة حجم التعاون في مجال تطوير قطاع الزراعة، خصوصا وأنه سبق للحكومة السودانية الموافقة على تخصيص 100 مليار هكتار من أراضيها الزراعية لاستثمارها من جانب شركات تركية.
إلا أنها في الوقت ذاته تدرك جيدا أن دخولها على خط الأزمة السودانية عسكريا من شأنه أن يؤدي إلى عودة التوتر في علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من الأطراف الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها القاهرة، مما يعيد علاقتهما إلى المربع الأول، وهو الأمر الذي لا تريده أنقرة، ولن تسعى إليه في هذه المرحلة على الأقل، خاصة وأن تحسين علاقاتها مع القاهرة يصب في صالح تقوية موقفها في أزمة شرق المتوسط، ويعيد إليها حصتها من ثروات المنطقة، التي فقدتها نتيجة تعنت كل من اليونان وقبرص بدعم من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، إلى جانب عدم رغبتها في خسارة المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها من وراء تحسين هذه العلاقات.
صالحة علام – الجزيرة نت
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
تصعيد ميداني بين الجيش و الدعم السريع و تحشيد كبير حول الفاشر ومدني
في تطور ميداني، رفع طرفا النزاع في السودان من وتيرة التحشيد العسكري حول مدينتي الفاشر ومدني، فيما تواصل القوات التابعة للجيش والقوات الموالية للدعم السريع تعزيز مواقعها في تلك المناطق الاستراتيجية.
التغيير ــ وكالات
وتأتي هذه التحركات في وقت حساس، حيث مر عام كامل منذ أن سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة مدني، التي تعد مركزاً اقتصادياً مهماً في البلاد.
و مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني، يزداد التصعيد العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق حيوية من البلاد، حيث تركزت الأنظار في الأيام الأخيرة على مدينتي الفاشر في دارفور و”مدني” في ولاية الجزيرة، في وقت تزايدت فيه الاشتباكات والضربات الجوية بشكل مكثف.
وفي الفاشر، آخر معاقل الجيش بإقليم دارفور، أفادت مصادر ميدانية بتقدم جديد لقوات الدعم السريع داخل المدينة، مما يعزز من وضعها في الإقليم الحيوي الذي يشكل نقطة وصل بين السودان وكل من تشاد، أفريقيا الوسطى، وليبيا.
ويثير هذا التطور مخاوف من تزايد النفوذ العسكري لقوات الدعم السريع في المنطقة.
قتلى ودمار جراء الضربات الجويةفي الأثناء، واصلت الغارات الجوية التي ينفذها طيران الجيش السوداني قصف مناطق متعددة في دارفور، ما أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص خلال الأيام الأربعة الماضية، وفقاً لتقارير من منظمات حقوقية.
ومن أبرز الهجمات، الهجوم الجوي على سوق مزدحم في بلدة “كبكابية” شمال دارفور، والذي أوقع عدداً كبيراً من القتلى في صفوف المدنيين.
ووصفت منظمة العفو الدولية هذا الهجوم بـ “جريمة حرب”، مؤكدة أن قصف السوق المزدحم بالمدنيين لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، حتى في حال وجود جنود من الطرفين المتنازعين في المنطقة. وصرح تيغيري تشاغوتا، المدير الإقليمي للمنظمة، قائلاً: “استخدام المدنيين كدروع بشرية أو استهدافهم بشكل متعمد يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني”.
الوضع الإنساني المأساويتفاقم الوضع الإنساني في السودان، حيث قدرت بيانات كلية لندن للصحة العامة أن أكثر من 60 ألف شخص قد لقوا مصرعهم منذ بداية الحرب في أبريل 2023، كما أُجبر نحو 14 مليون شخص على النزوح من ديارهم.
وتعاني البلاد من أزمة غذائية حادة، حيث يواجه أكثر من نصف السكان، الذين يقدر عددهم بحوالي 48 مليون نسمة، تهديدات جسيمة تتعلق بالجوع.
مواقف دولية ودعوات للتفاوض
في هذا السياق الميداني والإنساني المأساوي، كررت الولايات المتحدة وبريطانيا دعوتهما إلى العودة إلى طاولة المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ومع استمرار التصعيد العسكري وغياب أي حل سياسي يلوح في الأفق، تزداد المخاوف من أن يؤدي هذا الصراع المستمر إلى المزيد من التدهور في الوضع الأمني والإنساني في السودان.
في وقت يواجه فيه الشعب السوداني معاناة شديدة من القصف والدمار والتهجير، ويبدو أن فرص الوصول إلى اتفاق سلام أو هدنة تتضاءل بشكل كبير.
الوسومالجيش الدعم السريع الفاشر تصعيد ود مدني