ما تزال آراء الخبراء متباينة بشأن قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الخارجية في ظل تزايد المراجعات الدولية السلبية لاقتصادها، وإن كانوا يتفقون على أن خروج القاهرة من أزمتها غير المسبوقة لن يكون إلا بوجود الشفافية وإعادة ترتيب الأولويات.

ففي حين يرى البعض أن لدى مصر من الاحتياطي النقدي الأجنبي ما يمكنها من تحريك عجلة الإنتاج، يذهب آخرون إلى أن جلَّ هذه الاحتياطات ليست مصرية وإنما هي ودائع خليجية يمكن لأصحابها سحبها في أي وقت، وأن حل الأزمة سياسي بامتياز.

وأصبحت معركة سداد الديون الخارجية المصرية التي وصلت مستويات تاريخية تكبل الاقتصاد المصري، وتنعكس سلبا على واقع المواطنين الذين يعانون أزمة غلاء طاحنة.

وقد كشف تقرير للبنك الأوروبي للإعمار والتنمية أن نسبة النمو تراجعت في مصر إلى 4.1%، مؤكدا أن الطريق إلى خفض التضخم شاقة وطويلة، وذلك في إشارة إلى مخاطر اقتصادية متفاقمة وشكوك في قدرة القاهرة على سداد ديونها.

في المقابل قالت الحكومة المصرية إنها اتفقت مع صندوق النقد الدولي على دمج مراجعتين لإصلاحات من بينها تعويم الجنيه.

وفي ظل غياب المعطيات وتحفظ القاهرة على كثير من الأمور المتعلقة بالوضع الاقتصادي وغياب الإنفاق الرشيد للأموال، فإن القاهرة قد لا تكون قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تتزايد يوما بعد يوم، كما يقول الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية مصطفى يوسف.

وخلال مشاركته في حلقة "ما وراء الخبر" (28/9/2023)، قال يوسف إن الاقتصاد المصري يعاني بشدة بسبب غياب مفهوم التنمية والصعود المتزايد للديون الخارجية وفصل موازنة الجيش تحديدا عن موازنة الدولة، وهي أمور لا يمكن لأي اقتصاد أن ينهض في ظلها، حسب قوله.

إلى جانب ذلك، فإن أزمة مصر الشديدة جدا -برأي يوسف- لن تحل بقروض جديدة سواء من الدول أو من صندوق النقد الدولي، وإنما بإعادة إدارة الموارد وإخضاع كافة المؤسسات للرقابة ودمج أموالها في ميزانية الدولة، ووقف المشروعات العملاقة التي تلتهم الأموال دون جدوى والاهتمام بالصناعة والزراعة، وإلا فإن المصريين مقبلون على مزيد من الغلاء.

في المقابل، يقول أستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية عبد النبي عبد المطلب إن ارتفاع معدلات التضخم ليس حكرا على مصر وحدها لأن أوروبا أيضا تعاني الأمر نفسه، ومع ذلك فإن مصر لديها تراجعا في عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

كما بدأت الحكومة المصرية العمل على بعض المخططات التي يمكنها تفكيك مشكلة توفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد أو الوفاء بالتزاماتها، بحسب عبد المطلب الذي أشار إلى أن مصر لديها احتياطات نقدية تغطي ضعف الفترة القانونية المطلوبة أي أكثر من 6 أشهر من الواردات وبالتالي يمكنها استغلال جزء من هذه الاحتياطات لإعادة حركة الإنتاج.

لكن المشكلة من وجهة نظر عبد المطلب هي أن الحكومة المصرية تريد دخول مراجعة صندوق النقد الدولي المقبلة دون مؤشرات سلبية وهو ما يدفعها لعدم اتخاذ إجراءات لتحريك عجلة الإنتاج على حساب مقدار الاحتياطي النقدي الأجنبي.

ويؤكد عبد المطلب قدرة مصر حكومة وشعبا على توفير ما يصل إلى 150 مليون دولار في وقت الحاجة، بدليل أن القاهرة جمعت مبالغ كبيرة من طرح الشهادات الدولارية خلال الفترة الماضية، وهو ما رد عليه يوسف بأنه لم يتم الإفصاح عن قيمة بيع هذه الشهادات، وأن 80% من الاحتياطات المصرية (34.5 مليار دولار) هي ودائع خليجية يمكن لأصحابها استردادها في أي وقت وعندها لن تكون مصر قادرة على استيراد السلع الأساسية لأكثر من شهرين.

وحتى مسألة تراجع عجز الميزان التجاري فإنها تعود بالأساس إلى غياب العملة الأجنبية الذي أدى لتراجع الواردات بشكل كبير، وفق يوسف، الذي أكد أن أزمة مصر الاقتصادية الحالية تعود بالأساس إلى سيطرة الجيش المصري على أكثر من 75% من الاقتصاد، وهو ما أكده كبير الباحثين في مركز كارنيجي يزيد صايغ، حسب قوله.

وخلص يوسف إلى أن وفاء مصر بالتزاماتها لن يكون إلا باستماع القيادة السياية لما يقوله الخبراء الاقتصاديون بشأن خروج المؤسسة العسكرية من الاقتصاد، وأن تكون هناك موازنة واحدة للدولة تخضع للشفافية، مع إعادة ترتيب الأولويات.

ووفقا ليوسف، فإن هذه الاستجابة السياسية تتلخص في تنحي من تسبب في هذه الأزمة عن المشهد السياسي، وبدء عملية تقشف حكومي وبيع مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة والطائرات والقصور الرئاسية وتوجيه عائداتها لدعم المواطنين، لأن هذه الحلول وحدها هي التي ستقنع المستثمرين بالعودة إلى مصر، حسب قوله.

واتفق عبد المطلب مع حديث يوسف عن ضرورة وضع كافة موازنات الدولة أمام سلطة البرلمان وأن تخضع كافة المؤسسات للرقابة والشفافية، لكنه أكد أن الوصول إلى هذه النقطة يتطلب إعادة هيكلة الهيئات والشركات المعنية نفسها، وإخضاعها لقوانين معينة.

وتجاوزت ديون مصر الخارجية حاجز الـ165 مليار دولار مقارنة بـ43 مليارا عام 2013، كما تجاوزت ديونها المحلية 6.5 تريليون جنيه مقابل 1.2 تريليونا في 2013 (الدولار يساوي 31 جنيها).

ووفقا لوكالة بلومبرغ فإن وضع القاهرة على قائمة المراجعة السلبية يعود إلى صعوبات يواجهها بائعو السندات الحكومية في استرداد العملة الأجنبية. ولفتت الوكالة إلى أن صندوق النقد الدولي ينتظر من مصر أن تفي بوعودها وأن تنفذ إصلاحات منها الانتقال إلى نظام الصرف المرن.

واعتبرت الوكالة أن تأخر تلك المراجعة مسألة خطيرة لحكومة قالت إنها عاجزة عن الوصول إلى أسواق رأس المال الخارجية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی عبد المطلب إلى أن

إقرأ أيضاً:

القاهرة للدراسات: تخصيص 78.1 مليار جنيه في مشروع موازنة 2025 /2026 لدعم الإنفاق العام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن المخصصات الاستثنائية في الموازنة العامة الجديدة ستشهد المزيد لدعم القطاعات الإنتاجية، حيث تم تخصيص 78.1 مليار جنيه في مشروع الموازنة العامة لعام 2025 / 2026، للعديد من مسارات الإنفاق العام الواردة في مشروع الموازنة العامة للعام المالي الجديد، بما يتكامل مع جهود الدولة في زيادة تنافسية الاقتصاد المصري من خلال تشجيع الاستثمار و توطين الصناعة وتعميق الإنتاج المحلي. 

وأوضح مدير مركز القاهرة للدراسات، أن الموازنة الجديدة تتضمن تمويلات استثنائية لدعم (التصنيع والصادرات والسياحة والنمو الاقتصادي)، بما يتماشى مع أولويات وأهداف برنامج عمل الحكومة، ويدعم مبادرات التنمية الاقتصادية ذات الأولوية بأهداف محددة ضمن إطار زمني واضح، لدعم المبادرات والبرامج الإنتاجية والتصديرية و يعكس توجه الحكومة نحو تحفيز القطاعات ذات الأولوية وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام. 

وأضاف الدكتور عبد المنعم السيد، أن هناك  توجه من  الدولة لدعم القطاعات المنتجة بدلاً من الاعتماد على الاستهلاك، مما يزيد الإنتاج المحلي وبالتالي التصدير،  كما أن تحفيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة يساعد في تحقيق نمو شامل، فيما تسهم المبادرات البيئية في تقليل الأعباء الاقتصادية والبيئية مستقبلاً.

وكشف السيد، في تصريحات صحفية اليوم، اشتملت الموازنة الجديدة على تخصيص 8.3 مليار جنيه لمبادرة دعم قطاع السياحة، و5 مليارات جنيه للأنشطة الصناعية ذات الأولوية، و3 مليارات جنيه لمبادرة تحويل المركبات للغاز الطبيعي، واعتماد حوافز نقدية تتراوح بين 3 و5 مليارات جنيه للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ومليار جنيه لمبادرة توفير سيارات أجرة تعمل بالغاز الطبيعي وشاحنات ربع طن للشباب.

و لفت إلى أن هذه المخصصات تهدف إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، فمن الملاحظ أن الحكومة ركزت على القطاع السياحي، والصناعة، والطاقة النظيفة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لعدة أسباب  استراتيجية، حيث إن القطاع السياحي يدر عملة أجنبية تجاوزت في عام 2024  حدود 15.7  مليار دولار، ويشغل القطاع ملايين العاملين وتسعي الدوله لزيادة عوائد السياحة إلى 30 مليار دولار خلال الثلاث سنوات القادمة، وسيكون أوجه الصرف المحتملة في (تحسين البنية التحتية للمدن السياحية والمزارات، تطوير المنشآت الفندقية وتقديم حوافز لها، ودعم شركات الطيران لجذب مزيد من السياح، وتعزيز التسويق والترويج السياحي عالميا).

وأضاف مدير مركز  القاهرة للدراسات، انه في قطاع الصناعة وهو القطاع الذي  يخلق قيمة مضافة محلية ويقلل الاعتماد على الاستيراد وتعمل الدولة على توطين التكنولوجيا الصناعية، حيث إن الصناعة هي قاطرة النمو الاقتصادي، وتعزز الإنتاج المحلي.

وفيما يتعلق بشأن القطاعات الصناعية المستهدفة من قبل الدولة لتعزيزها ودعمها، أوضح الدكتور عبد المنعم السيد، أن من أهم هذه القطاعات (الصناعات الهندسية والإلكترونية، الصناعات الغذائية والتعبئة والتغليف، صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، الصناعات الكيماوية والبتروكيماويات)، كما أن الاهتمام بتحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي يساعد على التقليل من استهلاك الوقود الأحفوري ويخفض فاتورة الدعم، وتخفض استهلاك البنزين والسولار،  كما أن الاستثمار في النقل المستدام يعزز التوجه نحو اقتصاد أخضر صديق للبيئة.

وأوضح، أن دعم  المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي تعد قاطرة الاقتصاد وتوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وذلك بهدف رفع معدلات التصدير وتحسين تنافسية المنتج المصري في الأسواق العالمية وجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وأكد مدير مركز القاهرة للدراسات، أنه لا شك أن هذه المخصصات تمثل استثمارًا في القطاعات الإنتاجية وليس مجرد إنفاق حكومي، لأنها ستساعد في زيادة الإنتاج، وتحسين الصادرات، وتقليل الاستيراد،  وتدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة المستدامة، كما أنها  توفر فرص عمل جديدة، خاصة للشباب وأصحاب المشروعات الصغيرة مما يساعد في توظيف العمالة غير الرسمية ودمجها في الاقتصاد الرسمي، وسيساهم هذا التخصيص في زيادة معدلات نمو الاقتصاد المصري علي تحفيز النمو الاقتصادي  وتحسين الميزان التجاري، ودعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد مما يخفف الضغط على العملة الأجنبية.

وأشار إلى أنها تعمل على  تشجيع التصدير بما يعزز إيرادات الدولة ويجذب استثمارات أجنبية جديدة،  وكذلك دعم المشروعات الصغيرة يعزز النشاط الاقتصادي المحلي، خاصة في المحافظات، وتقليل معدلات البطالة وتوفير فرص عمل جديدة في قطاعات (السياحة والصناعة والمشروعات الصغيرة) وهي القطاعات التي  تستوعب نسبة كبيرة من القوى العاملة، لافتًا إلى أن المبادرات الخاصة بالنقل والمركبات توفر وظائف للشباب، مثل سائقي التاكسي وأصحاب سيارات النقل. 

وأكد الدكتور عبد المنعم السيد، على أن هناك جهود حكومية ملحوظة في  تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، و دعم الصناعات ذات الأولوية مما يعزز تنافسية الاقتصاد المصري في الأسواق العالمية وزيادة تدفقات النقد الأجنبي، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • الأرصاد: تحذيرات مهمة للمواطنين من العواصف الرملية هذا اليوم
  • “الفاف” تُنصف الأندية التي سددت ديونها في الآجال المُحددة
  • الدولي للجمباز يطمئن على جاهزية مصر لاستضافة أحداث عالمية في الباركور
  • دعوى طليقة صالح جمعة.. قرار جديد من محكمة الأسرة ضد نجم الأهلى السابق
  • تحذيرات متزايدة.. هل يتم حظر غاز الضحك في ألمانيا؟
  • القاهرة للدراسات: تخصيص 78.1 مليار جنيه في مشروع موازنة 2025 /2026 لدعم الإنفاق العام
  • إسماعيل يوسف يهاجم قرارات رابطة الأندية .. ماذا قال؟
  • لا يجوز التراجع عن شرف القرار الوزاري في التعيينات التي تمت في القاهرة وأديس أبابا
  • عاصفة البيت الأبيض تضرب الاقتصاد العراقي.. تحذيرات من تداعيات قرارات ترامب الجمركية
  • عاصفة البيت الأبيض تضرب الاقتصاد العراقي.. تحذيرات من تداعيات قرارات ترامب الجمركية - عاجل