في الذكرى 53 على وفاة زعيم الأمة جمال عبد الناصر، يتذكر جيل الأجداد والآباء تفاصيل وذكريات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لذا تجولت «الأسبوع» فى حارة الخرنفش تقاطع خميس عدس، وحارة اليهود بيت ناصر الذى أصبح مول تجارى وبيت موشى ديان وليلى مراد مازالت عليه نجمة داود.. الأسرة التى أشترت المنزل تحكى عن الزمن الجميل وأشهر من عاشوا بجوار معبد موسي بن ميمون

حكاية جنيه عبد الناصر مع أشهر صائغ بالجمالية

ذات يوم دخلت الصغيرة ذات الضفائر المجدولة على أبيها مكتبه وهو مستغرق فى عمله.

كانت لها طلباً صغيراً لكن لم يكن أحد يمكنه أن يطلبه سواها من الأب (كانت تريد فستاناً جديداً إضافياً لتحضر به مناسبة مع صديقاتها )

نظر الأب لها وابتسم ثم أرسل فى طلب سكرتيره الخاص وطلب منه أن يأخذ أولاده (خالد هدى ومنى وعبد الحكيم وعبد الحميد) إلى مكان ظن الصغار أنه محل الملابس الجديدة لتقف السيارة التى تحمل شعار رئاسة الجمهورية أمام المنزل رقم 3 الذى يقع فى آخر حارة اليهود وأول حارة خميس عدس ذلك المنزل القديم الذى تحكى جدرانه الكثير من تفاصيل حياة الزعيم جمال عبد الناصر ليعود الصغار إلى مكتب أبيهم ليقول لهم (هنا عاش أبوكم جمال عبد الناصر فى ذلك البيت الفقير بين أهالي مصر الطيبين )

فى حارة الخرنفش والبرقوقية وبين جنبات ما يقرب من 360 زقاق وحارة ضمها حى كامل اسمه «حارة اليهود»، الذى يمكنك أن تدخله من عدة جهات من الجمالية حيث منطقة الصاغة وشارع المعز أو من الموسكى حيث تكون فى وسط الأزقة والحارات أو من ناحية الخرنفش بالقرب من باب الشعرية.

فى ذكرى رحيل ناصر قررنا أن نزور المكان الذى شهد بعضاً من ذكريات حبيب الشعب الذى كان لحارة اليهود والخرنفش ومسجد العدوى وغيرها من المعالم ذكريات فى حياته.

دخلنا من شارع بورسعيد، حيث الأزقة التى امتلأت عن أخرها بالمحال والورش التى تعج بالبشر ليل نهار حتى وصلنا إلى أول منطقة حارة اليهود عند محل مغلق كان يسمى محل بيسع البقال والذى ما زال الناس يعرفون اسمه، فقد كان أحد أشهر اليهود الذين سكنوا المنطقة لنسأل عن بيت جمال عبد النصر والذى إستاجه والده الذى عمل مأمورا لمكتب بريد الخرنفش عام 1933 عندما انتقل والده من السويس إلى القاهرة.

فى حين عاش معهم الزعيم جمال عبد الناصر بالمنزل خمس سنوات حتى التحق بالكلية الحربية ليظل وإخوته فترة من الزمن داخل الحارة وكذلك والده حتى وفاته.

على باب حارة خميس عدس رأينا أحد البيوت القديمة والذى يحمل رقم 12. الباب مبنى بالحجر القديم وتعلو شبابيكه القديمة نجمة داوود.لنسأل أحد المارة عن منزل عبد الناصر ليرد عم سعيد، هذا ليس البيت الذى سكن فيه الزعيم عبد الناصر، بل المنزل الذى عاش فيه موشى ديان وزير الأركان الإسرائيلي الأسبق، وكان هذا البيت والحى نفسه به عدد كبير من اليهود يعيشون بين المصريين ويمارسون شعائرهم فى المعابد وأشهرها معبد موسى بن ميمون فى درب قرمز الذى يقع فى الحارة الخلفية لحارة خميس عدس.

وصلنا للمكان الذى دلنا عليه أهل المكان، ولكن اختفى المنزل، وتم هدمه منذ فترة قليلة وبناء مول تجارى مازال فى مرحلة التشطيب اشترته عائلة الشربيني أشهر تجار الخردوات بالمنطقة.

وبتحفظ شديد قالوا: اشتريناه من البنك بورق رسمى، فالبيت كان مملوكا لأحد اليهود والبنك باعه وكان البيت مهجورا منذ سنوات طويلة وليس به سكان.

وتتحدث الحاجة أم أحمد التى تجلس فى محل الخرز الذى يملكه زوجها بحارة اليهود والتى بلغت من العمر ما يقرب من الستين والتى تحكى عن أيام عاشها عبد الناصر وحكاها لها والدها عن تلك الأسرة الطيبة التى كان الجميع يحترمها منذ حضورها من السويس إلى المنطقة وعاشت لسنوات طويلة. والبلد كانت أيامها حلوة وفيها بركة.

أم أحمد تقول كان عبد الناصر كما حكى لى والدى فى مدرسة النحاسين، ولكن المدرسة لم تعد موجودة الآن فقد تحولت إلى مكتب سياحى

وتقول أم أحمد زوجى وشريكه اشتروا البيت من البنك وبنيناه حاليا مول تجارى ما زلنا في مرحلة تشطيبه.

هنا كان البيت

هنا كان بيت عبد الناصر الذى يحمل رقم 12، حيث عاش فيه فترة من حياته وعاش فيه والده وإخوته لسنوات كما يقول محمد أحمد حمد الحلاق الذى يبعد محله عن المنزل 50 متراً ليحكي عن والد الزعيم جمال عبد الناصر الذى استأجر منزل المعلم يعقوب شمويل ليسكن فيها الحاج حسين والد الزعيم عبد الناصر هو وأسرته و كان عم حسين صديقاً لوالدي أحمد حمدي الذى كان حلاقه الخاص.

+

يقول محمد كان والدى من عاشقى الزعيم جمال عبد الناصر وكانت كل الخطب التى يذيعها الراديو مفتوحة بصوت عال فى محلنا كما كان يحكى لى والدى.

ويحكى محمد كيف كان والده يحكى عن عبد الناصر عندما كان يحضر مع والده للحلاقة فى المحل الذى يوجد بالمنزل المجاور.

يقول محمد أثناء زلزال 1992، تعرض المنزل للتصدع فأزالت المحافظة منه دورين ليصبح ثلاثة أدوار فقط ثم تمت إزالته كاملاً وبيعه للحج سمير وشريكه.

ويضيف"صحيح البيت الذى سكن فيه الرئيس جمال عبد الناصر تم هدمه ولكن السيرة الطيبة التى حكاها لنا أهالينا عنهم ما زالت حاضرة"

عدة خطوات مشيناها، لنجد طفلا لم يتعد الثماني سنوات ليقول لنا هذا منزل موشى ديان، ولفت نظرنا إلى نجمة داود التى ما زالت موجودة بشبابيك المنزل المتهالك، لكنه ما زال موجوداً ويعيش به سكان مصريين بعد أن رحل عن الحارة أخر ثلاث يهوديات كن يعيشن قبل سنوات، كما يقول إبراهيم أحد السكان منهن يهوديات مثل راشيل التى رحلت عن عمر تعدى التسعين وليلي ومارى والتى تجاوزت كلتاهما الثمانين من عمرهما

ليلى مراد

تجولنا في الحارة التي كانت تضم 13 معبداً منهم ثلاثة، أشهرهم معبد موسى بن ميمون الذى ما زال مقصداً للزيارات اليهودية التى تأتى لتنزل حافية فى أحد سراديبه فى وقت محدد من كل عام كما يقول محمود الذى يسكن بالقرب من منزل قديم بالحارة، وقال لنا إنه المنزل الذي عاشت فيه الفنانة ليلى مراد وأخيها منير مراد ووالدها زكى مراد وما زال المنزل موجودا ولكن تسكنه سيدة مصرية من أهل الحى تعدت التسعين عاما وتعيش معها حفيدتها منار التي قالت للأسف جدتي قبل إصابتها بالزهايمر كانت تحكى لى كثيرا عن ليلى مراد وأسرتها وكيف كانت تعيش مع إخوتها ووالدها قبل أن تدخل في الفن هي وأختها ملك التي هاجرت لأمريكا

حكايات الشارع العتيق

حكايات الشارع العتيق وحواديت حارة اليهود ومشاهيرها لا تنتهى كما تقول الست سنية التى تستأجر مقهى فريد بمنطقة الجمالية التى عاشت كل حياتها هى ووالدها وأجدادها وعرفت الكثير عن حكايات المشاهير والزعماء الذين عاشوا فى الحى ومنهم الزعيم عبد الناصر التى تعشقه مثل كل المصريين وتحكى عن كل الخير والبركة التى كنا نعيشها فى مصر كلها. وتقول كانت حارة اليهود مكان فيه أغلب السكان من اليهود الصنايعية وكانوا يتعلمون فى مدرسة العدوى وكنا نذهب لمدرسة السيوفية ولكن أختفت كل المعالم وبقيت الذكريات كما تقول سنية

هى ذكريات وشخصيات مرت على حارة اليهود وعاشت بها وكان بعضهم صاحب تاريخ كبير أثر فى مصر لعل آخرهم الرئيس السيسى الذى عاش فى حارة البرقوقية بالجمالية كما تقول الحاجة سنية

وفى حارة اليهود أيضا عاش "قطاوى باشا" وزير مالية مصر، ووزير المواصلات وعضو مجلس النواب و "يعقوب صنوع" "أبو نضارة" والذي تم نفيه من البلاد بسبب سخريته من الخديوي إسماعيل وغيرهم من الأسماء الكثيرة

جنيه عبد الناصر

استكملنا المسيرة ونحن نبحث عن التاريخ لنصل إلى ورشة ذهب تعد من أقدم الورش بمنطقة الصاغة القريبة من حارة اليهود، فالحى كله يعج بالورش الصغيرة المتراصة فى كافة المهن وأهمها المشغولات ليكون اللقاء مع الحاج حسين بدر أشهر صائغ بالمنطقة ما زال يعمل بيده فى ورشته التى تتخذ من أحد العمارات القديمة مقراً يعرفه محبو الذهب القديم والمشغولات الأصيلة.

وما أن سألناه عن الزعيم ناصر حتى فاضت عيناه بالدموع وهو يردد (ناصر حبيب الملايين القائد العظيم ) ثم فتح الدرج الذى أمامه وقال (هذا هو جنيه عبد الناصر الذهب) عملة ذهبية عليها صورة الزعيم.

وأضاف لو قلت لكم كم عدد الجنيهات التي أقوم بتجهيزها لتكوين سلسلة عليها صورة الزعيم لن تتخيلوا فما زالت ذكراه الحلوة باقية ولو مرت مئات السنين.

وبحسب التاريخ، فإن جنيه عبد الناصر مر بمراحل مختلفة بعد ثورة يوليو، حيث صدر قانون إنشاء البنك المركزي المصري، ومنحه حق إصدار العملة المصرية عام 1960. ليصدر ناصر بعدها بعامين قرارفك ارتباط الجنيه المصري بالجنيه الإسترليني، وربطه بالدولار عند قيمة 2.3 دولار لكل جنيه مصري واحد.وفى عام 1967 تم إنشاء دار لطباعة النقد محلياً بدلاً عن طباعته في الخارج.

وقامت دار سك العملة بطباعة العملة الوطنية وكذلك طباعة عملات أخرى لبعض البلاد العربية لصالح بنوكها المركزية.

جنيه عبد الناصر الذى واجه مؤامرات أمريكا وبريطانيا وإسرائيل حقق لأول مرة في التاريخ فائضاً في الموازنة العامة بلغ 46.9 مليون جنيه، بقيمة الجنيه وقته.

وحافظ عبد الناصر على معدل تنمية بلغ 8% بالرغم من نكسة يونيو، وبلغ عدد المصانع التي أنشأها عبد الناصر 1200 مصنع. وبلغت قيمة القطاع العام طبقاً لتقديرات البنك الدولي 1400 مليار دولار.

توفي عبد الناصر ولدى مصر طبقاً لتقديرات البنك الدولي أيضاً، فائض من العملة الصعبة بلغ 250 مليون دولار وكان الدين الخارجى ما بين 1.3 مليار دولار إلى 1.7 مليار توزعت ما بين تسليح الجيش، وما بين معونة غذائية أميركية بدأت منذ العام 1967 ولمدة 10 سنوات بفائدة 4%.

مدرسة الفرير

السير فى أزقة حوارى حى اليهود والخرنفش والبرقوقية والسقالبة والجمالية تحكى الكثير من تاريخ مصر.

فمن الخرنفش تلك الحارة التي اتخذت إسمها نسبة لمادة تتحجر مما يوقد على مياه الحمامات القديمة من المخلفات العزيز بالله في بناء القصر الغربي الذي كان يتوج المنطقة.

ومن الخرنفش خرجنا إلى شارع بورسعيد لنمر على مدرسة القديس يوسف (أو «الفرير التى كان يدرس فيها أبناء الفقراء والأغنياء على حد سواء لتبقى المدرسة بساحتها الكبيرة على مدخل حارة الخرنفش شاهدا على تخرج مشاهير منها كان منهم الزعيم سعد زغلول و مصطفى كامل، ومن الفنانين نجيب الريحاني وفريد الأطرش ورشدي أباظة وعبد الفتاح القصري.

فى مواجهة مدرسة الفرير توجد كنيسة مريم العذراء والتى زارتها العائلة المقدسة خلال رحلتها إلى مصر وهى مقصد كان المصريون يزورونها وما زالت حتى الآن تشهد زيارات وحكايات كثيرة.

فى أخر شارع الخرنفش كانت دار كسوة الكعبة والتى للأسف طالتها يد الإهمال وأصبحت أطلالا مغلقة بسبب الروتين فمن هنا كان ناصر يرى الكسوة التى تخرج فى مشهد عظيم في احتفال رسمي بهيج من أمام مسجد القاضي عبد الباسط قاضي القضاة ووزير الخزانة والمشرف على صناعة الكسوة الشريفة التي كانت آياتها القرآنية تحاك بماء الذهب والفضة لتنطلق في زفة من الطبل والاحتفال على المحمل من مصر إلى السعودية.

وأمام الدار ستجد مشغل كسوة الكعبة ولكنه مغلق، حيث تحولت المنطقة إلى ورش للحدادة بعد أن أغلقت دار كسوة الكعبة منذ سنوات.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الزعيم عبد الناصر بيت الزعيم شارع بورسعيد الزعیم جمال عبد الناصر الزعیم عبد الناصر ما زالت فى حارة ما زال

إقرأ أيضاً:

ديجا فو.. حتى الرحيل

كتب الصحفي العجوز روين بن يشاي (82 سنة) في يديعوت أحرونوت الأسبوع الماضي أنه حين تابع التحقيق العسكري بشأن 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، شعر بحالة الـ"ديجا فو" التي أخذته بدورها إلى تحقيقات لجنة "أجرانات" الشهيرة بتحقيقات ما بعد حرب 1973م.. وهو ما جعله يشعر أن ما حدث بعد حرب 1973م من تحقيقات وإظهار الإخفاقات حدث بعينه بعد 51 سنة، وقال إن حالة الـ"ديجا فو" قابلة للحدوث مرة أخرى، وبشكل أكثر خطورة بعد عشرة أو عشرين سنة قادمة.. والـ"ديجا فو" هو شعور الفرد بأنه رأى أو عاش الموقف الحاضر من قبل.

الصحفي العجوز بن يشاي تبدو كتاباته وثيقة الصلة بالحقيقة، أكثر مما هي بالواقع، ونعلم جميعا الفرق بينهما، فالواقع هو كل ما يمكن رصده و"يسهل" تزييفه، أما الحقيقة فقد تكون صعبة الإدراك، لكن "يستحيل" تزييفها، لذلك سيكون عامل "الأصالة" هو الفارق العميق بين الاثنين.. وهنا المحك.

* * *

ومن أهم لوامع الأنوار التي برقت لنا من "طوفان الأقصى" هو اقتراب ما بينهما (الحقيقة والواقع)، على مستوى السردية التي سربها الغرب (اليوروأمريكى) طويلا من بدايات القرن الماضي عن إسرائيل، ووظف فيها كل ما يستطيعه على مستوى السياسة والحرب والإعلام، وشيئا فشيئا أخذت تتراكم سطورها طبقا فوق طبق حتى تحولت إلى ما يشبه الحقيقة، رغم أنها لا علاقة لها بالحقيقة.

من أهم لوامع الأنوار التي برقت لنا من "طوفان الأقصى" هو اقتراب ما بينهما (الحقيقة والواقع)، على مستوى السردية التي سربها الغرب (اليوروأمريكى) طويلا من بدايات القرن الماضي عن إسرائيل، ووظف فيها كل ما يستطيعه على مستوى السياسة والحرب والإعلام، وشيئا فشيئا أخذت تتراكم سطورها طبقا فوق طبق حتى تحولت إلى ما يشبه الحقيقة، رغم أنها لا علاقة لها بالحقيقة
* * *

وكان معروفا للمتصلين بالموضوع وأطرافه، أن العمل على تغيير هذا "الواقع الزائف" الذي اكتسب واقعيته من طول تكراره، وبقائه وإلحاحه في البقاء، لن يكون أمر هينا ولا سهلا، بل سيكون باهظ الثمن على الإنسان والعمران، لكنه ممكن، والأهم أنه حتميا، خاصة في توقيته، ليس فقط لأن مركز صناعة السياسة والأحداث في العالم كله تقريبا، كان قد أحال "المسالة الفلسطينية" إلى مؤخرة الاهتمامات، وهو قرار كان قد اتخذ بالفعل.

فترتيب الاهتمام الدولي بالقضايا والمسائل المهمة، لا يخضع للأهمية التلقائية التي تفرضها أهمية الموضوع ذاته، بل يتلاعب به المتلاعبون بدقة ومهارة لأغراضهم وحساباتهم. وقد شرح لنا الفيلسوف الكبير نعوم تشومسكى هذا التلاعب المقصود في كتابه المعروف "هيمنة الإعلام/ الإنجازات المذهلة للدعاية" ترجمة الأستاذ إبراهيم الشهابي:

".. حيث المهمة كلها يجرى تسهيلها لتوجيه الناس إلى الوجهة التي تريدها السلطة المركزية التي لا يقتصر خداعها بنشر أخبار وترديد تفسيرات واحدة لا تتغير، ومعدة سلفا، بل تخدعهم أكثر، بتجنيب الأمور في أحاديث معينة وحظر تناول موضوعات معينة قد يؤدى الكلام فيها إلى فضح الروايات الرسمية..".

* * *

لكن الأمر لم يقتصر فقط على فكرة "اقتله بالصمت والتجاهل" التي قام بها الغرب (اليوروأمريكي) بإحكام وقصد، بل وذهب أبعد في خطة الإنهاء التام والتصفية النهائية لموضوع "فلسطين وشعب فلسطين ومقدسات الأمة في فلسطين"، إذ بدأت مرحلة التطبيع الكبير للاحتلال، مع عالم العروبة والإسلام، خاصة الخليج والمغرب.

".. وبإغراء الصفقات والخدع النفسية، والوسائل البلاغية، والمعلومات سابقة التحضير، سيتم التأثير على من يقع عليه العمل لينتهي كل ذلك بتحقيق المراد.."، وهو ما كاد يحدث حرفيا.. كما قال لنا الباحث الروسي فيكتور شينوف، المتخصص الخبير في علم النفس الاجتماعي، في كتاب "التحكم الخفي بالإنسان"، ترجمة د. غسان المتني.

* * *

كل ذلك انتهي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأصبحت "المسألة الفلسطينية" في صدارة اهتمامات الدنيا، ورأينا حجم المظاهرات والحشود الجماهيرية، التي خرجت في كبرى العواصم والجامعات والميادين، طوال الـ15 شهرا الماضية، وهي مهمة بالطبع، لكن الأكثر أهمية هو تغيير "القناعات والتصورات" التي رسخت زمنا طويلا، بالإلحاح وتكرار الأكاذيب الزائفة من جانب، والإمعان في طريق التجاهل والتغييب المقصود، من جانب آخر.

أصبحت "المسألة الفلسطينية" في صدارة اهتمامات الدنيا، ورأينا حجم المظاهرات والحشود الجماهيرية، التي خرجت في كبرى العواصم والجامعات والميادين، طوال الـ15 شهرا الماضية، وهي مهمة بالطبع، لكن الأكثر أهمية هو تغيير "القناعات والتصورات" التي رسخت زمنا طويلا،
لكننا سنرى آثار 7 أكتوبر في حديث المحامي البريطاني/ الإسرائيلي دانييل ليفي (56 سنة)، خريج كامبريدج، في كلمة قوية ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي في 26 شباط/ فبراير. ليفي، رئيس مشروع أمريكا والشرق الأوسط، ومفاوض سابق وعمل مع شيمون بيريز (1995م) وإيهود باراك (2001م)، وهو مسموع الكلمة في شؤن الشرق الأوسط وقضيته المركزية (فلسطين)، قال:

الشعب الفلسطيني في حاجة إلى الإنصاف والعدالة وتطبيق القوانين الدولية لحمايته، فالمعاناة الإنسانية يجب ألا تكون انتقائية، لقد عانى إسرائيليون من مقتل وأسر العشرات في 7 أكتوبر، لكن أيضا آلاف الفلسطينيين قتلوا، وجُرحوا، وتضوروا جوعا، ودُمرت المدارس والمستشفيات والمراكز الإيوائية، والأحياء السكنية بأكملها في غزة.

وأضاف بخصوص عائلة بيباس التي سلمت حماس جثثهم مؤخرا: إن الوقوف دقيقة صمت على روحي أرييل وكفير بيباس لأمر مناسب، لكن إذا وقفنا دقيقة صمت على أرواح 18 ألف طفل فلسطيني قُتلوا في القصف الإسرائيلي، فسنحتاج الصمت لأكثر من 300 ساعة متواصلة. نحن جميعا بشر، وجميعا ولدنا متساوون.

* * *

الصحفي العجوز بن يشاي أشار كما قال، إلى احتمال تكرار هذا المشهد بعد عشرة أو عشرين سنة، وهو صحيح، وما يمنعه فقط هو الاعتراف بالحق لأصحاب الحق، والحق مقطعه ثلاثة، كما قال لنا حكيم الشعراء زهير: يمين أو نفار أو "جلاء".

وكان قد أشار من قبل، إلى أن "حماس" ليست مجرد جماعة متطرفة مسلحة، بل هي متغلغلة في مجتمع غزة. وهي إشارة دقيقة تماما، وليست جديدة بطبيعة الحال وكما نعرف، ولكن الجميل فيها هو إشارته المفتوحة تلك إلى الحضور الإسلامي الواسع لأجواء المعركة (عسكريا ومدنيا). والأجمل أن يتم التأكيد يوما بعد يوم، وكل يوم، أن هذا الحضور ليس مفتعلا، ولا تعسفيا، بل هو عين الحقيقة، ليس فقط لأن فلسطين قطعة من قلب عالم الإسلام، ولكن أيضا لأنها تحوي في قلبها، أحد أغلى مقدسات عالم الإسلام، المسجد الأقصى.

x.com/helhamamy

مقالات مشابهة

  • بعد حادثة التمثال.. من يمول الدكتور زاهي حواس وبعثته؟ ولماذا تصمت وزارة السياحة والآثار؟!
  • كتاب في سطور| صوت الراوي وميراث السرد.. رحلة في عالم السرد والحكايات
  • ديجا فو.. حتى الرحيل
  • ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يزورون معرض السيرة النبوية والحضارة الإسلامية بالمدينة المنورة
  • ترند زمان.. أنا ضحية جبروت امرأة .. اعترافات المذيع إيهاب صلاح بقتل زوجته
  • إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي
  • "العتاولة 2" يستعيد نجومية الزعيم.. ورد مفاجئ من محمد إمام
  • الاحتلال يواصل التهجير القسري وحرق المنازل في “الضفة”
  • "رمضان يعنى".. ابتهالات النقشبندي والأذان بصوت محمد رفعت وخواطر الشعراوى
  • في حارة حريك وبرج البراجنة... الريجي تضبط مصنوعات مهرّبة ومزوّرة