مقدّمات نشرات الأخبار المسائية اليوم.. إليكم ما جاء فيها
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
مقدمة نشرة اخبار "ان بي ان"
غيبوبة سياسية. هذا هو التوصيف الأدق على الأرجح للوضع الراهن في لبنان بعد إقفال طرق الحلول الممكنة المؤدية إلى انتخاب رئيس للجمهورية. نهج تعطيل الحوار الذي تعتمده بعض القوى السياسية دفع الرئيس نبيه بري إلى إطفاء محركاته حتى إشعار آخر. رئيس المجلس قال في آخر موقف له بهذا الشأن: لم يعد لدي شيء جديد، المشكلة الرئاسية لدى الموارنة وفي ما بينهم.
مقدمة نشرة اخبار "ام تي في"
مبروك للبنان، مبروك للبنانيين. فالكاتب اللبناني امين معلوف حقق انجازا وطنيا جديدا لبلد الارز. مؤلف "صخرة طانيوس" والمؤلفات الكثيرة الاخرى باللغة الفرنسية انتخب امينا عاما للاكاديمية الفرنسية. ودور الامين العام في الاكاديمية مهم واساسي، في مؤسسة تعتبر من اعرق وارقى المؤسسات الثقافية في العالم، وتهتم بالدفاع عن اللغة الفرنسية وتطويرها. و يشكل انتخاب معلوف للمنصب اعترافا بدور لبنان في الثقافة الفرنكوفونية ، كما يعتبر انتصارا لبنانيا بكل معنى الكلمة. انه دليل آخر على نجاح اللبنانيين في الخارج، وخصوصا ان الكاتب اللبناني فاز على منافسه الفرنسي جان كريستوف روفان لأن رواياته التاريخية مستلهمة من الشرق، وبالتالي فان هدفها تحقيق التقارب بين الحضارات. هكذا يجسد معلوف في انتصاره الدور اللبناني المفقود كصلة وصل بين الشرق والغرب. وهو دور فقده الوطن الصغير بسبب سياسات فاشلة، مدمرة، ومسؤولين صغار لم يكن همهم الا الصفقات والسرقات وابشع انواع الممارسات. سياسيا، الملف الرئاسي في دائرة الاتصالات المستمرة. فغداة اجتماع الرياض الذي انعقد أمس بين وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان والمبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، استكمل السفير القطري جولاته، فزار معراب حيث عرض مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الملف الرئاسي. الواضح من تتبع الحركة الرئاسية ان الجميع في مرحلة مشاورات ومباحثات، وان اي طرح نهائي لم يقدم بانتظار وصول وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد الخليفي. في الاثناء، قضية النازحين تتفاعل على كل الصعد. وقد تفاعلت اليوم امنيا عبر تصدي الجيش لمحاولة دخول سوريين خلسة الى الاراضي اللبنانية، واقدام سائق الالية التي تقل السوريين على صدم احد عناصر الجيش محاولا دهسه للفرار من المكان. انها صورة واقعية معبرة عما آلت اليه الاوضاع مع النازحين السوريين. فمتى يستفيق المسؤولون اللبنانيون من نومهم العميق، ويتخذون قرارات جريئة تمنع الوطن الصغير من التحلل النهائي والانهيار؟
مقدمة نشرة اخبار تلفزيون المنار
من الجمعيات الصغيرة الى الجمعية الكبيرة – اي الامم المتحدة تتكشف المؤامرة يوما بعد يوم، ويدفع اللبنانيون الثمن في المعركة الوجودية التي يخوضها العالم ضد لبنان بسلاح النازحين، فيما بعض السياسيين التائهين على حقدهم وغيهم وتواطئهم وتورطهم بالجريمة، حتى بعض البكائين اليوم كانوا ولا يزالون جزءا من هذه المؤامرة.
فبعد الفيلم الترويجي لمفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة والتي تشطب فيه فكرة عودة النازحين الى بلادهم وتبحث لبعضهم عن اعادة التوطين في بلد ثالث، اعلن الامن العام اللبناني عن تكاثر الجمعيات غير المرخصة التي تعنى بملف النازحين، وهي جمعيات مشبوهة الدور معروفة الهدف الذي يصب بتحريض هؤلاء وحثهم على عدم العودة، بل تشجع السوريين المقيمين في بلدهم على النزوح الى لبنان..
وفي لبنان، مسؤولون نازحون عن مهامهم وادوارهم الوطنية، مستمعون مطيعون للدول الغربية والمنظمات الدولية، وان استمر الامر على هذه الحال فاننا – كما يقول المعنيون – امام ازمة وجودية..
في الازمة السياسية لا وجود لحلول قريبة وان كثرت المساعي الصامتة منها والصاخبة، حتى اللقاءات خارج الحدود لم تخرج عن الشكليات التي لا تسمن ولا تغني من جوع..
اما الجوع المتفرع من الازمة الاقتصادية والمالية فالحلول له موجودة ان عملنا يدا بيد كما قال حاكم المصرف المركزي بالانابة وسيم منصوري الذي أكد ان لا تمويل للدولة من المصرف المركزي وان ما يقوم به هو تجميد للحالة المالية والنقدية الى حين وجود حلول حقيقية، واعدا الموظفين بتامين رواتبهم بالدولار الاميركي، والعمل شهرا بشهر..
شاهرا اسلحة بلاده العلمية رفع السيد ابراهيم رئيسي اسمى آيات التهنئة للايرانيين لنجاح صناعة وتجربة اطلاق قمر نور ثلاثة الى الفضاء، ما ضيق على قادة الصهاينة عنترياتهم، وجعل خبراءهم يقرأون بكثير من الحذر حجم تطور القوة الجوية والصاروخية الايرانية..
مقدمة نشرة اخبار "او تي في"
جعجعة رئاسية من دون طحين، اقله حتى الآن. هكذا يمكن اختصار الحراك الاقليمي والدولي حول لبنان في الايام الاخيرة على خطين:
الاول، قطري-لبناني، من خلال جولة اللقاءات القطرية مع المسؤولين اللبنانيين، والتي يقال ان التداول فيها يتطرق الى الاسماء.
والثاني، سعودي-فرنسي، عبر عنه بوضوح امس اللقاء بين وزير الخارجية السعودية والموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، بحضور المستشار نزار العلولا والسفير وليد البخاري، والذي اتى في اليوم التالي لدعوة لودريان اللبنانيين الى البحث عن مرشح ثالث. وفي غضون ذلك، تواصل الطبقة السياسية اللبنانية حياتها كأن شيئا لم يكن، فتؤجل الاصلاح وتغرق في السجالات… والانكى ان بعض اركانها يهاجم هذا الخارج او ذاك، محملا اياه مسؤولية اطالة امد الازمة.
مقدمة نشرة اخبار "ال بي سي"
في زمن الرسائل المشفرة والغامضة، المتطايرة فوق رؤوس اللبنانيين، لاحت رسالتان مشرقتان من لبنان إلى العالم. رسالة من أمين معلوف ورسالة من فرقة مياس... أمين معلوف تربع على رأس الأكاديمية الفرنسية، مدى الحياة، الرئيس الثالث والثلاثون للأكاديمية، المؤتمن على إرثها الذي عمره قرابة الأربعة قرون، معاهدا بإنجاز القاموس التاسع للأكاديمية.
من القرية الوادعة "عين القبو" إلى العاصمة الصاخبة، باريس، أمين معلوف عكس هذه التناقضات في كتاباته، من صخرة طانيوس إلى الهويات القاتلة إلى التائهون. اليوم يتربع على رأس أكبر مؤسسة فرنكوفونية عالمية، ليقول للعالم: دعوا لبنان يصل إلى العالمية.
وتكاد الرسالة ذاتها تحملها فرقة مياس التي تواصل إبهار العالم، وفي أحدث إبهاراتها لوحة الشهادة والقيامة من لوس أنجلس.
أمين معلوف أحدث بصمة في فرنسا وفي الفرنكوفونية تحديدا. و"مياس" أحدثت بصمة في المجتمع الاميركي وفي الثقافة الفنية الاميركية، وهي القوة الناعمة للبنانيين في الخارج، في كل دول العالم.
من أمين معلوف إلى فرقة مياس، اللبناني قادر على رفع رأسه، ويفتخر بما يحققه مواطنوه في البلدان حيث هم، اللبناني هو المعجزة وهو الذي يصنع المعجزة.
مقدمة نشرة اخبار تلفزيون الجديد
إبن صخرة طانيوس الذي خاض حروبا صليبية كما رآها العرب، وزين ورقه بلاط سمرقند ورباعيات عمر الخيام، جلس اليوم على مجمع الخالدين. امين معلوف سكرتيرا دائما للأكاديمية الفرنسية، وهو ارفع المناصب الأدبية في اوروبا.
الرجل الذي ترصعت به جائزة غونكور Goncourt قبل عشرين عاما، هجر "الهويات القاتلة" في لبنان فقدرته فرنسا ورفعته على رأس اكاديمية الحروف و"سلالم الغرب" وهو الذي كتب عن شرقها. وتصفق القلوب عندما تلتمس التفوق اللبناني في الخارج، من امين معلوف الذي رصد "إختلال العالم" الى فرقة مياس التي هزت أجسادها شبكات العيون، واخترق ضوؤها تمثال الشهداء من اميركا الى وسط بيروت.
ولكن التصفيق يعود أدراجه لدى ارتطامه بالواقع اللبناني الخاسر.. الذي يتلقف الفوز كمن يمسك بالهواء. فلا قدنا عاد مياسا، ولا صخرتنا من مجد طانيوس، وليس لدينا سوى حروب صليبية على رئيس ابتلع اول عام من الفراغ.
وكما فخر لبنان الفني والادبي صنع في الخارج، فالرئاسة ايضا تختمر في الخارج على ايدي خماسية تظللها دولة من الحاسة السادسة. موفد مقيم بحقائب موزونة.. موفد سيأتي.. مرشح سقط اسمه فأسقط نقيضه.. وثالث على الطريق.. حوار ذوب بثاني اسيد القوات والكتائب.. ورئيس مجلس حلف اليمين الدستورية بألا جلسات مفتوحة قبل الحوار. ولم يترك للخماسية الدولية العربية سوى ان تفرض الدعوة الجبرية الى جلسات الانتخاب تحت اشرافها وبمراقبتها، وان تضبط الحضور الإلزامي لكل من تثبت عليه شبهة التعطيل.
فطوفان الازمات المتراكمة ما عاد يحتمل المتاريس السياسية من كل الاطراف وسيول النازحين باتت تهدد باغراق البلد،
ولعل ابلغ تهديد هو ما وجهه وزير العدل هنري خوري الى من يعنيهم الامر من الاوربيين، وقال لنظيره الايطالي في روما إن "الأمر سينعكس سلبا على أوروبا لأنها الهدف الحقيقي والمبطن للنازحين السوريين،
وأما لبنان فهو محطة بالنسبة اليهم. وكانت تلك ضربة كلمة عدل من وزير لبناني شحن الأزمة الى حيث مصدر المنشأ والقرار، لاسيما قبيل قرار ستتخذه محكمة العدل الدولية يومي 10 و11 تشرين الأول، وستصدر امرا لسوريا بوقف جميع أعمال التعذيب والاحتجاز التعسفي، ضمن قضية تتهم دمشق بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وهذا القرار سيمكن المنظمات التي تدعي الانسانية من توفير الغطاء الشرعي لعدم العودة بحجة التعذيب.
ولكن من يتعذب هم اللبنانيون ومثال واحد في البقاع حيث كشف محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر أن عدد النازحين السوريين في هذه المنطقة بلغ 315 ألف سوري، وهو أكثر بكثير من عدد اللبنانيين القاطنين في المحافظة والذي يبلغ حوالي 250 ألفا".
وهذا الاجتياح تغذيه منظمات وجمعيات عاملة من دون ترخيص تسترزق على حساب الوافدين،
وقد كشف جهاز الامن العام اليوم عن تزايد اعداد المنظمات والجمعيات التي تعنى بأوضاع النازحين، لا سيما أن عددا منها لم يستحصل على إجازة او ترخيص أو علم وخبر تخولها ممارسة أي نشاط. ووسط جمهورية نازحة اثبت مصرف لبنان بسياسة حاكمه بالانابة وسيم منصوري انه القطعة الوحيدة الجالسة في دولة متزحلقة، فهو اكد اليوم ثوابت لم يحد عنها: لن يتم طبع ليرة لتمويل الدولة ولا استكتاب سندات خزينة تمويل الدولة بالدولار أمر غير وارد والدولة لن تستطيع إعادة أموال المودعين قبل إعادة هيكلة المصارف. مواقف مستقرة كاستقرار سعر الصرف وان كان باللون الاسود. واتشاحا بهذا اللون.. من قلبنا سلام غدا لابنة بيروت التي تودع نجاح سلام .
هي من جرح صوتها القلب وتعاقدت معنا لعقود على "برهوم حاكيني" وميل يا غزيل وحول يا غنام. نجاح سلام تحفة العاصمة التي شدت مصر في عدوانها الثلاثي وصارت علما في الجزائر وظل صوتها دمشقيا يرتفع كالنشيد في سوريا يا حبيبتي .
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: أمین معلوف فی الخارج فی لبنان
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني