في خضم السجال السياسي الذي يرافق محاولة اليمين الإسباني تشكيل حكومة ائتلافية بعد تكليف من الملك فيليبي السادس لرئيس الحزب الشعبي ألبيرتو نونييس فايخو للقيام بهذه المهمة، طفى على السطح نزاع الصحراء كواحد من الملفات الساخنة التي من المنتظر أن تكون حاضرة بقوة خلال الولاية التشريعية الحالية والتي ستكون بمثابة سيف داموقليس مسلط على رقبة زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز بسبب دعمه لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية.

ألبيرتو نونييس فايخو والذي تصدر حزبه الانتخابات التشريعية ليوم 23 يوليوز الماضي وخلال خطابه أمام البرلمان، يوم الثلاثاء 26 شتنبر لتقديم نفسه كمرشح لرئاسة الحكومة الإسبانية المقبلة، طرح عدة ملفات شائكة بينها نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر، لخلط الأوراق وإحراج خصمه زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز، بعد تيقنه من استحالة حصوله على الأغلبية المطلقة – 176 صواتا من أصل 350 نائبا في الغرفة السفلى للبرلمان – التي تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية.

نونييس فايخو حول خطاب الترشح لرئاسة الحكومة إلى خطاب لحجب الثقة عن الحكومة اليسارية التي لم تتشكل بعد، وذلك لأنه يعلم علم اليقين أن الأحزاب السياسية التي قبلت بدعمه في إطار ائتلاف حزبي لتشكيل تحالف يميني داخل البرلمان، لن تتمكن من الوصول إلى الأغلبية المطلقة وعدد نوابها مجتمعين ثابت لا يتغير وهو 172 نائبا: 137 نائبا للحزب الشعبي، 33 نائبا لحزب فوكس اليميني المتطرف ونائب واحد لكل من اتحاد شعب نافارا وتكتل كانارياس وهما حزبان جهويان، الأول في منطقة نافارا شمال البلاد والثاني في جزر الكناري.

وكما كان متوقعا فقد صوت الكونغرس الإسباني بأغلبية مطلقة ضد ترشح زعيم الحزب الشعبي لرئاسة الحكومة ب178 صوتا مقابل 172 صوتا خلال جلسة يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023 ومن المتوقع أن يفشل نونييس فايخو في الحصول على الأغلبية النسبية خلال جلسة التصويت الثانية والتي من المنتظر عقدها يوم الجمعة 29 شتنبر 2023.

بعد الفشل المتوقع لزعيم الحزب الشعبي سيكون الطريق مفتوحا أمام غريمه السياسي ورئيس الحكومة المنتهية ولايته بيدرو سانشيز لتقديم ترشحه لرئاسة الحكومة المقبلة، خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر المقبل، بعد تكليف من العاهل الإسباني. سيكون الطريق مفتوحا لكنه طريق محفوف بالمخاطر والمطبات السياسية بسبب المقابل الباهظ التي تطالب به الأحزاب الانفصالية بمنطقة كاتلونيا مقابل دعمها للحزب الاشتراكي وتمكينه من تشكيل حكومة ائتلافية يدعمها خليط من الأحزاب اليسارية والقومية والانفصالية.

فالحزب الاشتراكي لا يتوفر سوى على 121 مقعدا وحليفه في الحكومة الائتلافية السابقة حزب بوديموس اليساري الراديكالي والذي غير اسمه إلى “حزب سومار” يتوفر فقط على 31 مقعدا. ولتشكيل حكومة يسارية يحتاج الحزبان إلى دعم عدد من الأحزاب القومية والانفصالية وهي الحزب الجمهوري الكتلاني )7 مقاعد( وحزب “جميعا من أجل كتالونيا” الانفصالي )7 مقاعد( وحزب “بيلدو” المقرب من منظمة “إيتا” الباسكية الانفصالية )6 مقاعد( والحزب القومي الباسكي )5 مقاعد( وتكتل إقليم غاليسيا )مقعد واحد(.

بيدرو سانشيز لا زال يفاوض الأحزاب الانفصالية والقومية من أجل الحصول على دعمها والتمكن من تشكيل حكومة يسارية مع حزب “سومار” الراديكالي ولكن الأحزاب الانفصالية الكتلانية أفصحت عن المقابل التي تطلبه كثمن لأصواتها داخل البرلمان: عفو شامل عن كل القادة الانفصاليين بما فيهم الرئيس الأسبق للحكومة المحلية بإقليم كتالونيا، كارلس بويجدومون الفار إلى بلجيكا بعد متابعته من قبل القضاء الاسباني لتنظيمه استفتاء غير قانوني لاستقلال الإقليم سنة 2017. وفي إطار المزايدات السياسية والتنافس المحتدم بين الأحزاب الانفصالية، رفع الحزب الجمهوري الكتلاني سقف شروطه ليطالب سانشيز بالموافقة على تنظيم استفتاء لاستقلال إقليم كتالونيا.

لجنة تقصي حقائق برلمانية حول تغيير الموقف الإسباني من نزاع الصحراء؟

زعيم الحزب الشعبي على يقين من أن سانشيز لن يكون أمامه خيار سوى الرضوخ لمطالب الأحزاب الانفصالية الكتلانية ولهذا فهو يضغط على الحزب الاشتراكي ويحذره من أن العفو الشامل على قادة مسلسل استقلال كتالونيا سيكون بمثابة خرق للدستور الإسباني الذي لا ينص على مثل هذا النوع من العفو. أما تنظيم استفتاء من أجل استقلال إقليم كتالونيا فهذا خط أحمر قد يستدعي تدخل مؤسسات أخرى في الدولة مثل القصر الملكي والجيش والجهاز القضائي لتفادي تفككك إسبانيا وانشطارها إلى دويلات، في ظل وجود مشاريع انفصالية مماثلة في بلاد الباسك وإقليم غاليسيا وجزر الكناري.

وأمام استحالة حصوله على أغلبية برلمانية لتشكيل حكومة يمينية، سيسعى زعيم الحزب الشعبي إلى استعمال كل الملفات الساخنة لإضعاف حكومة سانشيز المقبلة. فبالإضافة إلى ملف كتالونيا، أعلن نونييس فايخو نيته استعمال ملف الصحراء لخلق تصدعات داخل الائتلاف الحكومي المقبل وإجبار سانشيز على التراجع عن موقفه الداعم لمقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط كحل لهذا النزاع حول السيادة على الصحراء بين المملكة المغربية من جهة، وجبهة البوليساريو المدفوعة من الجزائر، من جهة أخرى.

فخلال خطابه أمام البرلمان يوم الثلاثاء الماضي، اقترح نونييس فايخو تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لمعرفة الأسباب التي دفعت حكومة بيدرو سانشيز المنتهية ولايتها إلى تغيير موقف إسبانيا بشأن نزاع الصحراء، حيث غير سانشيز في شهر أبريل من سنة 2022 موقف بلاده، ليتحول من الحياد السلبي إلى الدعم الإيجابي لحل سياسي على أساس مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية والذي تطرحه الرباط على طاولة النقاش منذ سنة 2007.

موقف سانشيز الذي اعتبر آنذاك مقترح الحكم الذاتي “أكثر الأسس جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع الذي يراوح مكانه منذ أزيد من نصف قرن، لقي معارضة قوية من طرف كل الأحزاب السياسية الإسبانية بما فيها حليفه في الحكومة “بوديموس”، الذي انتقد بشدة القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة.

وفي مناورة سياسية ماكرة ترمي إلى إحداث شرخ داخل الائتلاف الحكومي المرتقب، قال نونييس فايخو إنه “على يقين أن البرلمان سيكشف الأسباب الكامنة وراء تغيير الموقف من الصحراء الغربية من خلال لجنة تحقيق”، مردفا أن حزب “سومار” )بوديموس سابقا(، حليف بيدرو سانشيز، سيصوت لصالح هذا المقترح. فهل سيصمد سانشيز أمام ضغوط اليمين من جهة واليسار الراديكالي والأحزاب الانفصالية من جهة أخرى أم أنه سيثبت على موقفه الجديد الداعم لمقترح الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء؟

المؤكد هو أن نونييس فايخو أثار ملف الصحراء لتحقيق مزيد من الضغط على زعيم الحزب الاشتراكي، ذلك أن الموقف من نزاع الصحراء لم يكن ضمن البرنامج الانتخابي للحزب الشعبي، عكس حزب “سومار” الذي وعد ناخبيه بالتراجع عن دعم الموقف المغربي وأي اصطفاف للأحزاب الانفصالية الكتلانية إلى جانب حزب “سومار” سيضعف من موقف سانشيز الذي قد يرضخ للضغوط الداخلية والخارجية للتراجع عن دعم الموقف المغربي.

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: زعیم الحزب الشعبی الحزب الاشتراکی لرئاسة الحکومة الحکم الذاتی نزاع الصحراء بیدرو سانشیز تشکیل حکومة من جهة

إقرأ أيضاً:

تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف: تهديد لليهود

رفعت إسرائيل مؤخراً الحظر الذي كانت تفرضه على ثلاثة أحزاب سياسية يمينية متطرفة في أوروبا، وهي التجمع الوطني في فرنسا، وحزب الديمقراطيين في السويد وحزب فوكس في إسبانيا. يعتبر هذا تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية الإسرائيلية، يتجلى في التواصل والتعامل مع أحزاب كان يتم النأي عنها من قبل بسبب مخاوف من توجهاتها وعقائدها المتطرفة المعادية للسامية.

ينسجم هذا التغير في السياسة مع استراتيجية إسرائيل الأوسع والتي تقضي بإبرام تحالفات مع الحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا، والتي قام كثيرون منها بإعادة تعريف أنفسهم باعتبارهم مناصرين لإسرائيل بينما يبقون على مواقفهم الكارهة للأجانب والمعادية للمسلمين.
عادة ما تقوم هذه التحالفات على أرضية مشتركة من معارضة الإسلام والهجرة، بما يعكس حالة من تلاقي المصالح من شأنها أن تثير إشكالات أخلاقية واستراتيجية.

أمواج التاريخ لا ترحم، ومع ذلك يبحر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبرها باسترسال أرعن. فقد قام بإبرام تحالف مخادع في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة مع أولئك الذي كانوا، حتى زمن ليس بالبعيد، يقفون في نفس خندق ألد أعداء الشعب اليهودي عبر التاريخ.

انطلاقاً من حاجته الماسة إلى الدعم الدبلوماسي، اختار نتنياهو التحالف مع حركات تقوم على كراهية الأجانب ومعاداة المسلمين، كما تقوم – على الرغم من خطابها المنمق المناصر لإسرائيل – على نفس معاداة السامية، تلك الظاهرة التي طالما طاردت يهود أوروبا على مدى قرون. إنه احتضان يعكس خيانات الماضي، ويذكر بشكل مرعب بأن المواءمة السياسية عادة ما تتفوق على الوضوح الأخلاقي.

يمتد هذا الغزل السياسي في أرجاء القارة. ففي إسبانيا يوجد حزب فوكس اليميني المتطرف، الذي كثيراً ما مثل مسؤولوه أمام المحاكم بسبب خطابهم المعادي للمسلمين، وها هو الآن يستقبل بالترحاب في إسرائيل، حيث عقد اجتماعاً في ديسمبر 2023 مع وزراء من حكومة الليكود لمناقشة التهديد الذي يشكله "الإسلام الراديكالي" واستراتيجية الدفاع عن "القيم الأوروبية".

ليست هذه لغة من يبتغون السلامة لليهود، وإنما لغة القوميين العرقيين الذين يرون اليهود مفيدين في هذا الوقت ولكن يمكن الاستغناء عنهم على المدى البعيد.

رؤية إقصائية
ثم عاد زعيم فوكس واسمه سانتياغو أباسكال إلى إسرائيل العام الماضي ليدين اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية، وليقف بجوار نتنياهو في تحد سافر لليسار الإسباني. هذا الشخص الذي تحمل عقيدته بصمات الفكر العنصري الفوقي بات يجد نفسه في بيته داخل ردهات السلطة في تل أبيب.
وفي هولندا قاد زعيم اليمين المتطرف غيرت فيلدرز حزبه، حزب الحرية، إلى داخل الحكومة واعداً بالنظر في نقل السفارة الهولندية إلى القدس وتكريس تعليم المحرقة – ليس انطلاقاً من قلق أصيل بشأن التاريخ اليهودي، وإنما من باب تعزيز الرؤية الإقصائية للهوية الهولندية.
يعطي نتنياهو الأولوية لتحالفه مع الصهاينة المسيحيين على العلاقات القديمة مع زعماء اليهود الأمريكيين. لا يرى هؤلاء الصهاينة المسيحيون إسرائيل وطناً يهودياً، وإنما كأداة نبوئية لأحلامهم التوراتية.
غيرت ويلدرز، الذي يحترف معاداة المسلمين، تعيين وزير يتهم بالارتباط بالموساد – وهي الخطوة التي تم اعتراضها بعد ورود تحذير من المخابرات الهولندية. أن تكون حكومة نتنياهو على علاقة وطيدة برجل يرتزق من العنصرية هو في حد ذاته إدانة دامغة لمثل هذه التحالفات.

ولكن لا يوجد بلد يمثل السياسة الواقعية الانتهازية  التي يتبناها نتنياهو أكثر من المجر، حيث احتضن رئيس الوزراء فيكتور أوربان رغم ما يصدر عن حكومته من عبارات مجازية معادية للسامية ضمن الحملة التي تشنها الدولة ضد الممول اليهودي جورج سوروس. وعلى الرغم من المجتمع اليهودي المجري حذر من تصاعد معاداة السامية إلا أن نتنياهو التزم الصمت، وحرص على أن يسحب سفير إسرائيل في المجر تصريحاً نادراً ينتقد فيه توجهات الحكومة.

والسبب واضح، ألا وهو أن أوربان، وعلى الرغم من قوميته الغالية، يوالي إسرائيل ويدافع عنها في المحافل الأوروبية. وبذلك يكون نتنياهو قد باع السلامة اليهودية بمكسب سياسي، وهو ما لا يكف عن فعله المرة تلو الأخرى.

المنطق الذي تُبرر به هذه التحالفات بسيط للغاية. أولاً، ترك نتنياهو المجال أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة لتعرف إسرائيل باعتبارها رأس حربة للحضارة اليهودية المسيحية، وتوصيفها على أنها خط المواجهة الأول للغرب ضد الإسلام. وفعلاً، وصف ويلدرز إسرائيل بأنها "خط المواجهة الأول للغرب". هذا ليس دعماً، وإنما استيلاء واستباحة. هذه القوى لا تحب إسرائيل لما هي عليه وإنما لما تبرره داخل بلدانهم.

ثانياً، تمنح هذه العلاقة اليمين المتطرف باباً للهروب من ماضيه المعادي للسامية. بإمكان الأحزاب المشوبة بالحنين إلى النازية، وإنكار المحرقة ونظريات المؤامرة المعادية لليهود أن تطهر نفسها من خلال إبرام تحالف مع إسرائيل. لم يعد أوربان ولا فيلدرز ولا أباسكال بحاجة لأن يُساءلوا عن جذورهم الأيديولوجية. لقد منحهم نتنياهو درعاً واقياً إلى الأبد.

ثالثاً، مقابل هذا الإبراء، تمنح هذه الحركات إسرائيل مساندة سياسية في المحافل الدولية مثل الاتحاد الأوروبي، بهدف نقل السياسة الأوروبية نحو دعم غير مشروط لأفعال إسرائيل، مهما كانت خلافية. ولقد تفاخر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون سعار مؤخراً بأن توجه أوروبا نحو اليمين المتطرف يفيد إسرائيل.

أحلام توراتية
تتكرر نفس الحكاية في الولايات المتحدة، حيث يعطي نتنياهو الأولوية لتحالفه مع الصهاينة المسيحيين على العلاقات القديمة مع زعماء اليهود الأمريكيين. لا يرى هؤلاء الصهاينة المسيحيون إسرائيل وطناً يهودياً، وإنما كأداة نبوئية لأحلامهم التوراتية.

شخصيات مثل جون هاغي، مؤسس "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" يحتضنون إسرائيل بينما يروجون في نفس الوقت لعقائد معادية للسامية – مثل أن هتلر كان مرسلاً من قبل الرب حتى يدفع اليهود باتجاه إسرائيل. ولكن نتنياهو لا يكترث لذلك، ولذا جعل من هذا التحالف أولوية له، مفضلاً أثناء زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة قضاء الوقت مع الملياردير إيلون ماسك وزعماء الصهاينة المسيحيين على أن يمضيه مع عائلات الرهان اليهود الأمريكيين.

ثم هناك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن نفسه أكبر حلفاء إسرائيل، والذي صرح في عام 2019 أن اليهود الذين صوتوا للديمقراطيين كانوا إما جهلة أو خونة. ثم كرر نفس هذه المزاعم في عام 2022 في خضم التداعيات الناتجة عن العشاء الذي تناوله مع القومي الأبيض ومنكر المحرقة نيك فوينتس. ثم كررها مؤخراً قبل الانتخابات التي جرت العام الماضي، حينما أعرب بأسى عن أنه من غير المقبول أن يصوت له فقط أربعون بالمائة من اليهود، وأن الستين بالمائة الباقين صوتوا لشخص يكره إسرائيل.

في الواقع، وبحسب تحليل أجرته كل من وكالة أسوشييتد بريس وقناة فوكس لاستطلاع تم عبر الإنترنيت، فإن نسبة اليهود الذين صوتوا للمرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس كانت 66 بالمائة مقابل 32 بالمائة لصالح ترامب. مغزى ذلك الاختبار من الولاء لترامب جلي، ألا وهو أن ثلثي اليهود الأمريكيين الذين لا يتوافقون مع سياسات ترامب يعتبرون خائنين لشعبهم. وهذه هي نفس اللغة التي سعرت جنون معاداة السامية لأجيال متعاقبة.

مهندس الأيديولوجيا التي يتبناها ترامب، ستيف بانون، ذهب أبعد من ذلك. بانون، العقل المدبر من وراء أجندة ترامب القومية، بات يستخدم الشعارات الفاشية. ففي مؤتمر الفعل السياسي المحافظ، وقف أمام الجمهور المهلل له، وفي لحظة التقطتها الكاميرات، رفع يده وحيا الحضور بتحية تذكر بالمهرجانات النازية. ما كان لعين أن تخطئ تلك الحركة ذات الرمزية المروعة.

تكشف تصريحات بانون الأخيرة عن المسار الخطير الذي تتخذه هذه الحركة، حيث أكد في مقابلة أثناء مؤتمر الفعل السياسي المحافظ أن "أكبر عدو" لإسرائيل ليس الإسلاميين ولا إيران وإنما يهود أمريكا التقدميين.

هدف ذلك التصريح كان لدق إسفين بين المجتمعات اليهودية، يقسمها إلى "يهود طيبين" و "ويهود خبيثين" – أولئك الذين يدعمون رؤية اليمين المتطرف لإسرائيل وأولئك الذين يقفون ضدها.

تآكل الدعم
ليست هذه هي المرة الأولى التي يعتقد فيها قادة الصهاينة أن بإمكانهم إبرام صفقات مع القوى المعادية للسامية. كتب تيودور هيرتزل ذات مرة، وهو مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة، يقول: "سوف يصبح المعادون للسامية أكثر من نعتمد عليهم من أصدقائنا، وتصبح البلدان المعادية للسامية حلفاءنا".

بل كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون أكثر وضوحاً حين صرح قائلاً: "حتى لو كانت مشاعري اليهودية تحضني على الذهاب إلى فرنسا، لن أفعل .... إن الصهيونية هي أعمق شيء في اليهودية، وأعتقد أن علينا أن نتصرف بناء على الاعتبارات الصهيونية وليس مجرد الاعتبارات اليهودية".

وصل هذا المنطق إلى أبشع أشكاله في اتفاق هافارا لعام 1933، حينما أبرمت الحركة الصهيونية، بما في ذلك الوكالة اليهودية، صفقة مع ألمانيا النازية لتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين عبر ترتيبات مالية خاصة. استفاد النازيون بأن تجنبوا المقاطعات الدولية، ونجم عن الاتفاق نقل 53 ألف يهودي إلى فلسطين على مدى ست سنين وصولاً إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.

في هذه الأثناء، أقام المراجعون الصهاينة، وهم الأسلاف العقائديون لحزب ليكود الذي يقوده نتنياهو، علاقات مع نظام موسوليني الفاشي في ثلاثينيات القرن العشرين، واستفادوا من ذلك في تدريب شبابهم في إيطاليا إلى أن غدا التحالف غير ممكن بسبب قوانين الفصل العنصري.

والآن يساهم تحالف نتنياهو الأرعن مع اليمين المتطرف في تآكل غير مسبوق فيما تحظى به إسرائيل من دعم في الغرب. فقد كشف استطلاع غالوب السنوي للشؤون العالمية عن أن 33 بالمائة من الديمقراطيين ينظرون إلى إسرائيل بإيجابية – وهذا نصف النسبة التي دونت في عام 2020 وبلغت 67 بالمائة. لأول مرة ينظر أغلبية الديمقراطيين (ستون بالمائة منهم) إلى إسرائيل بشكل غير إيجابي.

لا يعتبر احتضان نتنياهو لليمين المتطرف خروجاً عن مسار التاريخ، بل هو استمرار منطقي له. إلا أن التداعيات بدأت تتجلى بوضوح. من ذلك أن السيناتور تشاك شومر، أشد المدافعين عن إسرائيل في واشنطن، أصدر بياناً في العام الماضي يتضمن تحذيراً صارماً قال فيه إن نتنياهو "ضل الطريق" وأن إسرائيل "لا يمكنها أن تنجو فيما لو غدت دولة منبوذة".

ولكن نتنياهو لا يسمع. بل يعتقد أنه يمارس لعبة ذكية، تضمن له الحصول على دعم قصير المدى من أولئك الذي بيدهم السلطة اليوم. ولا يرى الهوة التي تنفتح تحت قدميه.

إن اليمين المتطرف لا يتغير، وكراهيتهم لا تتلاشى، وإنما تغير من اتجاهها بشكل مؤقت. وعندما تعود نظرتهم العنصرية القومية إلى الجذور، ويشرعون في استهداف اليهود ثانية على المكشوف، وتغدو إسرائيل نتنياهو بلا فائدة لهم، فمن سيكون قادراً على ردعهم؟

مقالات مشابهة

  • تحالف الأحزاب يرحب بالتراجع الأمريكي عن تهجير الفلسطينيين من غزة.. ويثني على الموقف المصري
  • تحالف الأحزاب يرحب بالتراجع الأمريكي عن تهجير الفلسطينيين.. ويثني على الموقف المصري
  • ننشر حيثيات الحكم في نزاع شقة الفنان وائل نور
  • قسطنطين تاسولاس يؤدي اليمين الدستورية رئيساً جديداً لليونان
  • الحرب الإثيوبية الإريترية نزاع حدودي أنهاه اتفاق في الجزائر
  • طموحات اليمين الإسرائيلي تُخيّم على سياسات ترامب بشأن غزة
  • تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف: تهديد لليهود
  • نحن نريد السلام فقط.. مجتمع مسالم وسط نزاع الأمهرة بإثيوبيا
  • "فوكس" المتطرف يضغط على حكومة سانشيز في البرلمان بهدف إدانة لجنة "تحرير سبتة ومليلية"
  • البيتكوين تتراجع مع عزوف المستثمرين