اشتباه بجريمة حوثية تجاه أطفال مرضى في صنعاء
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
بالتزامن مع إصدار محكمة حوثية في العاصمة اليمنية، صنعاء، حكماً مخففاً في جريمة «الدواء الملوث» الذي أودى بحياة 11 طفلاً من مرضى سرطان الدم، وإصابة 10 آخرين بأعراض خطيرة، كشفت مصادر طبية في صنعاء ووثائق رسمية، عن جريمة جديدة وقعت بحق عدد من الأطفال في المستشفى نفسه.
المصادر كشفت إصابة 9 من الأطفال المصابين بالسرطان بالأعراض نفسها، التي أُصيب بها الأطفال المتوفون منذ أقل من عام، فيما عُرف بـ«جرعة الموت»، وعانى الأطفال التسعة من أعراض جانبية، منها التحسس، وارتفاع درجات الحرارة، واحمرار الجسد بشكل غير معتاد، حيث تم حقنهم بـ«الميثوتركسات»، وهو الدواء نفسه الملوث الذي تسبب بوفاة الأطفال العام الماضي.
وتفيد الوثيقة الصادرة عن المركز الوطني لعلاج الأورام في العاصمة صنعاء، بأنه جرى تشكيل لجنة للاطلاع على ما حدث، إلا أنه لم يتم الإفصاح عن نتائج تحقيقات اللجنة.
ويعود تشكيل لجنة التحقيق في الواقعة، بحسب الوثيقة، إلى مطلع أغسطس (آب) الماضي، حيث طالب عدد من الأطباء بالتحقيق في الواقعة، ورفع تقرير عن عمل وحدة «لوكيميا الأطفال» بمستشفى الكويت الجامعي، وإعداد تقرير فني عنها. في حين كشف حساب باسم «صيدلاني يمني» على «فيسبوك» عن أن قطاع الصحة الذي يديره الحوثيون تعمّد إخفاء الجريمة.
وحديثاً، أصدرت محكمة يديرها الانقلابيون الحوثيون حكماً بمعاقبة المتهمين الرئيسيين في حادثة وفاة 11 طفلاً، وإصابة آخرين، إثر حقنهم بدواء مهرب يحمل المواصفات نفسها للدواء المستخدم في وحدة «لوكيميا الأطفال» في مستشفى الكويت، بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، ودفع ديات القتل الخطأ، وإدانة الهيئة العليا للأدوية التي يديرها الحوثيون بتقديم مساعدة للمدانين الثلاثة.
وألزمت المحكمة المتهمين بدفع ديات القتل الخطأ لأولياء دم الأطفال الـ11 المتوفين، ودفع 20 مليون ريال يمني (نحو 40 ألف دولار) تُسلم لأولياء أمور الأطفال الـ10 المصابين، ومعاقبة الهيئة العليا للأدوية بدفع غرامة مبلغ 10 ملايين ريال يمني لصالح وحدة «اللوكيميا»، وإلزام الهيئة بدفع مبلغ 10 ملايين لأسرة كل طفل متوفى، و5 ملايين ريال لكل طفل مصاب (الدولار يساوي 525 ريالاً).
مزاعم علاج السرطان
سخرت مصادر طبية يمنية من إعلان جماعة الحوثي افتتاح القيادي مهدي المشاط، رئيس ما يعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» (مجلس حكم الجماعة) مستشفيين لعلاج السرطان بتكلفة 6 ملايين و300 ألف دولار في ذكرى الانقلاب.
وعدّت المصادر هذين المستشفيين مجرد دعاية حوثية لمشروع الجماعة، التي دمّرت القطاع الصحي، وحولته إلى مصدر للجبايات والإتاوات والإثراء.
وأشارت المصادر إلى ما لحق بغالبية المنشآت الصحية من إهمال متعمد أدى إلى سوء خدماتها وتهالك مرافقها، إلى جانب تحويل سوق الدواء إلى مجال للمضاربة والمتاجرة بصحة اليمنيين، بحسب وصفها.
وذكرت المصادر أن القطاع الصحي في اليمن يفتقر إلى الإمكانات البشرية والتقنية لعلاج السرطان بعد 9 أعوام من الأضرار التي لحقت به، ونتجت عنها هجرة الخبرات الطبية، وسوء الخدمات، واستثمارها لصالح إثراء قادة حوثيين.
واستغربت ممن قالت إنهم «يحاربون اللقاحات» ضد الأمراض، خصوصاً أمراض الأطفال، وتسببوا في عودة انتشار أمراض أعلنت الدولة اليمنية قبل عقود الخلاص منها؛ مثل الحصبة والجدري، في حين يزعمون تدشين أول وحدة علاج إشعاعي في البلاد، أو مشروع لجراحة الأورام.
مضاعفات سوء التغذية
حذّرت دراسة يمنية حديثة من أن سوء التغذية يؤدي إلى تفاقم المضاعفات ذات الصلة بأمراض السرطان، وتقليل فاعلية العلاج.
وأوضحت الدراسة، التي أجراها 3 من أطباء الأورام السرطانية في المركز الوطني للأورام في صنعاء، أن مرض السرطان يؤثر بشكل كبير في الحالة التغذوية للمرضى، وأن سوء التغذية من المضاعفات الشائعة بين مرضى السرطان، خصوصاً بين كبار السن.
وطبقاً للدراسة؛ فإن محدودية الموارد التشخيصية والسريرية، وسوء نوعية السجلات الطبية، والحرب المستمرة منذ 9 أعوام؛ حدّت من إمكانية معرفة معدل الإصابة بالسرطان في اليمن، وأدت إلى غموض عبء المرض على المستوى الوطني.
وجمعت الدراسة المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية للمصابين والمصابات، مثل العمر، والجنس، والأصل، والحالة الاجتماعية، والمهنة، والتعليم، والدخل الشهري للأسرة، والمتغيرات السلوكية، مثل التدخين ومضغ نبتة «القات»، والمتغيرات الغذائية، بما في ذلك أعراض التأثير الغذائي، والوزن الحالي، والوزن المعتاد، والطول، ونسبة فقدان الوزن، ومؤشر كتلة الجسم السابق، ومحيط منتصف الذراع، والمتغيرات السريرية، مثل نوع السرطان، ووجود ورم خبيث، وحالة الأداء، وتم أيضاً جمع المتغيرات العلاجية، مثل العلاج السابق ونوع العلاج المضاد للسرطان.
ودعا الباحثون إلى إجراء دراسات كافية حول تفشي سوء التغذية في أوساط المصابين بالسرطان في اليمن، وإجراء دراسات تشمل فترات أطول من حياة المصابين وتحسين النظام التغذوي لهم.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
التجويع كسلاح… كيف تحوّلت بطون أطفال غزة إلى ساحة حرب؟
بعدما اجتاح سوء التغذية ونقص أساسيات الحياة غزة بات أطفالها يموتون ببطىء أمام أنظار العالم، حيث أضحى النقص الكبير في الطعام المغذي والمياه النظيفة والخدمات الطبية نتيجة مباشرة للعوائق التي تحول دون وصول المساعدات والمخاطر المتعددة التي تواجه العمليات الإنسانية للأمم المتحدة، الأمر الذي يؤثر على الأطفال ويعيق قدرة الأمهات على إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية.
في هذا السياق، يتأثر نحو 60 ألف طفل، غالبيتهم من الرضع، بالظروف القاسية الصعبة التي يعيشها جميع سكان قطاع غزة، مع توقف إمدادات الغذاء والدواء، وتفاقم الظروف البيئية التي تزيد من مخاطر الواقع الصحي.
من جانبها أشارت منسقة الأمم المتحدةالخاصة لعملية السلام في الشرق الأوسط ومنسقة الشؤون الإنسانية و إعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ إلى أن العاملين في المجال الإنساني يواجهون نقصًا في المعدات اللازمة لتنفيذ عملياتهم، كما أن الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات قد نفد، وهو ما أدى إلى تعطل توزيع المساعدات الإنسانية.
وأضافت: “نعلم أن أكثر من 60 ألف طفل في غزة دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية، كل رقم في هذه الإحصاءات يمثّل إنسانًا وحياةً، وكفاحًا من أجل البقاء”.
في مشهد يعكس قسوة تفوق حدود الحصار العسكري، يستخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاحًا صامتًا ومدمّرًا ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة: التجويع الممنهج، فمع دخول الحرب على غزة شهرها السابع، لم تعد الغارات والقنابل وحدها تفتك بالحياة، بل بات سوء التغذية الحاد، وخاصة بين الأطفال، عنوانًا لمرحلة جديدة من المعاناة الجماعية.
حسب تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة في أبريل 2025، فإن أكثر من 60 ألف طفل في قطاع غزة يعانون من سوء التغذية، منهم الآلاف في حالة خطر شديد قد تؤدي إلى الوفاة في حال عدم التدخل السريع.
سياسة التجويع: من الحصار إلى منع المساعدات
منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023، فرضت “إسرائيل” حصارًا خانقًا على قطاع غزة، لم يقتصر على تقييد حركة الأفراد والبضائع، بل شمل منع إدخال المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب والمساعدات الإنسانية، وعلى مدار أشهر، منعت سلطات الاحتلال قوافل الإغاثة، وقيّدت عمل منظمات دولية، وقصفت مخازن الغذاء والمخابز ومرافق المياه.
وحتى عندما سُمح لبعض المساعدات بالدخول، تمّ ذلك بشكل متقطّع ومحدود للغاية، لا يلبّي أدنى الاحتياجات الغذائية لأكثر من مليوني إنسان يعيشون في القطاع، نصفهم من الأطفال.
التجويع كوسيلة عسكرية: جرائم لا تسقط بالتقادم
استخدام التجويع كوسيلة لإخضاع السكان المدنيين محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تحظر بشكل صريح استهداف وسائل العيش الأساسية للسكان، كالغذاء والمياه والزراعة، ومع ذلك، فإن “إسرائيل” لم تكتفِ بتجويع المدنيين، بل قامت بتدمير منظم للبنية التحتية الغذائية، من مزارع ودفيئات إلى مخابز ومستودعات الأغذية.
تقول منظمة “أنقذوا الطفولة” (Save the Children) : إن الأطفال في شمال غزة يقتاتون على أوراق الأشجار وماء البحر المغلي، وإن كثيرًا من الأمهات يتنازلن عن وجباتهن ليتمكن أطفالهن من البقاء على قيد الحياة، في المستشفيات، ينتشر ما يُعرف بـ”الهزال الحاد”، وهو أخطر مراحل سوء التغذية التي تؤدي إلى فشل الأعضاء، وغالبًا الموت.
كارثة إنسانية صامتة: أرقام مفزعة
أكثر من 60 ألف طفل يعانون من سوء التغذية في قطاع غزة، حسب الأمم المتحدة (أبريل 2025).
تقارير طبية تؤكد وفاة عشرات الأطفال نتيجة الجوع، معظمهم في شمال القطاع.
منظمة الصحة العالمية تحذر من أن النظام الغذائي لمعظم سكان غزة لا يوفّر سوى 400-600 سعرة حرارية يوميًا – أي أقل من ربع الحاجة اليومية للإنسان.
تفشي أمراض خطيرة بين الأطفال مثل فقر الدم، ونقص الفيتامينات، وضعف المناعة، ما يجعلهم فريسة سهلة للأمراض المعدية.
وحسب منظمة أوكسفام، فإن طفلاً من كل ثلاثة أطفال في غزة يعاني من التقزّم بسبب سوء التغذية المزمن، وهي نسبة مقلقة ترتبط مباشرة بعوامل الحصار الطويل المدى.
سجل حافل
سجل كيان الاحتلال الإسرائيلي في تجويع أطفال فلسطين هو سجل موثق ومرعب، يُظهر كيف تحوّل الجوع من نتيجة عرضية للحصار إلى أداة ممنهجة للعقاب الجماعي، استراتيجية التجويع في الفكر الإسرائيلي ليست ظاهرة طارئة على حرب غزة الأخيرة، بل هي سياسة ممنهجة تمتد لعقود، حيث استخدمت القيود على الغذاء والدواء كسلاح للضغط الجماعي على السكان الفلسطينيين، وتحديدًا الأطفال الذين يُعدّون الفئة الأكثر هشاشة وتأثّرًا بالحصار.
الأطفال، بضعفهم وبحاجتهم للنمو الجسدي والعقلي، كانوا ولا يزالون الضحايا الأكثر تأثرًا لهذه السياسات، هذا السجل يتطلب مساءلة قانونية وأخلاقية من المجتمع الدولي، قبل أن يُكتب المزيد من هذا التاريخ بالدم والجوع.
حيث إنه ومنذ أوائل الألفية الثانية، بدأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بفرض قيود صارمة على إدخال المواد الأساسية إلى قطاع غزة، وتصاعدت هذه السياسة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات عام 2006 وفرض الحصار الكامل عام 2007، في تلك الفترة، كشفت وثائق إسرائيلية حصلت عليها منظمات حقوقية مثل “غيشاه – مسلك” أن الحكومة الإسرائيلية وضعت معايير حسابية لكمية السعرات الحرارية التي يحتاجها سكان غزة للبقاء أحياء – لا أكثر – في محاولة لتبرير تقنين دخول المواد الغذائية.
التواطؤ الدولي وصمت المؤسسات
في ظل العجز الدولي عن ردع النازية الصهيونية تغلق قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية شهر مارس (آذار) الماضي معابر القطاع، وتمنع إدخال أي مواد سواء غذائية أو طبية، وذلك قبل أن تستأنف حربها في الثامن عشر من الشهر نفسه.
وحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن إغلاق المعابر أمام الإمدادات الغذائية والدوائية قد يُفاقم أعداد المصابين بسوء التغذية بين الأطفال، مشيرةً إلى أن انعدام مصادر التغذية السليمة ومياه الشرب “سيضاعف من التحديات الصحية مع استمرار منع التطعيمات الوبائية للأطفال، وخاصة تطعيمات شلل الأطفال”، رغم التحذيرات المتكررة من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، فإن المجتمع الدولي لم يتخذ أي خطوات فعلية لإيقاف هذه الكارثة، بل إن بعض الدول واصلت تزويد كيان الاحتلال الاسرائيلي بالسلاح والدعم السياسي، ما يفسّره البعض كتواطؤ ضمني في جريمة استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين.
تقول المفوضية السامية لحقوق الإنسان: إن ما يحدث في غزة قد يرقى إلى جريمة حرب، بل جريمة ضد الإنسانية، بسبب النطاق الواسع والانتهاك المتعمد للحقوق الأساسية للأطفال.
دعوة عاجلة للتحرك
لا يمكن اعتبار الجوع الذي يعاني منه أطفال غزة “أثرًا جانبيًا” للحرب، بل هو سلاح متعمّد يُستخدم لإركاع مجتمع بأكمله، إن استمرار الصمت الدولي أمام هذه الجريمة هو إدانة بحد ذاته، ويستدعي تحركًا فوريًا من الدول، والمؤسسات الحقوقية، ومؤسسات الإعلام، لكسر الحصار، وإجبار “إسرائيل” على فتح المعابر، وضمان وصول المساعدات بشكل كامل وفوري.
فإنقاذ أطفال غزة لا يتطلّب خطابات ولا لجانًا، بل يتطلب كسر الصمت، ومحاسبة المجرمين، وتحركًا دوليًا لا يُقايض أرواح الأطفال بحسابات السياسة.