ديننا دين الرحمة, ونبينا (صلى الله عليه وسلم) نبى الرحمة وسيد الرحماء وإمامهم, أرسله ربه (عز وجل) رحمة للعالمين, فقال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء : 107)، ويقول سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران:159).
وقد شملت رحمة نبينا (صلى الله عليه وسلم) الإنس والجن, البشر والحجر, الحيوان والجماد, من ذلك ما كان منه (صلى الله عليه وسلم) عندما رأى (صلى الله عليه وسلم) حُمَّرة وهى: (طائر صغير يشبه العصفور)، نزع عنها فراخها، فقال (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ فجعَ هذهِ بولدِها؟ ردوا ولدَها إليها», ومنها قصـة ذلك الجمــل الـذى رأى النبى (صلى الله عليه وسلم) فحَنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلم) فمسح ذِفْـراه فسكتَ، فقال (صلَّى الله عليه وسلم) : «من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟»، فجاء فتى من الأنصارِ، فقال: لى يا رسول الله، قال : «أفلا تتقى اللهَ فى هذه البهيمةِ التى مَلَّككَ اللهُ إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئبه» (سنن أبى داود).
ومنها حنين الجذع, الذى كان (صلى الله عليه وسلم) يخطب عليه، فلما صنعوا له منبرًا وصعد النبى (صلى الله عليه وسلم) عليه حنَّ الجِذْعُ إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وفى رواية «فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ» (صحيح البخاري).
ولم تقف رحمة النبى (صلى الله عليه وسلم) عند حدود الإنسان أو الحيوان، بل تعدت ذلك إلى الجماد، فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إِنِّى لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّى لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» (صحيح مسلم).
وتتجسد رحمته (صلى الله عليه وسلم) فى أسمى معانيها عندما ذهب إلى الطائف فعندما سلط عليه أهل الطائف عبيدهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين، وأرسل الله (عز وجل) إليه ملك الجبال يناديه: يا محمد لو شئت لأُطْبقَنَّ عليهم الأخشبين، فقال النبى (صلى الله عليه وسلم): لا، ولكنى أقول: اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون، إنى لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يقول: «لا إله إلا الله»، وهنا قال له جبريل (عليه السلام): صدق من سماك الرءوف الرحيم. ومن رحمته ما كان منه (صلى الله عليه وسلم) يوم فتح مكة، حيث قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
على أن ما يجب أن نتعلمه من رحمته (صلى الله عليه وسلم) هو الدرس العملى فى التخلق بخلق الرحمة فيما بيننا, فمن لا يَرْحَم لا يُرحمْ, والراحمون هم من يرحمهم الله، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ» (صحيح مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا تنزع الرَّحْمَة إلَّا من شقيٍّ» (سنن الترمذي), ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىءٍ إِلاَّ شَانَهُ»(صحيح مسلم)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ» (سنن الترمذى).
وزير الأوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وزير الأوقاف محمد مختار جمعة صلى الله علیه وسلم ى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
الشيخ عمر عبد الكافي: هكذا يكون الفرد من أهل الرحمة في رمضان
وتناولت حلقة (2025/3/3) من برنامج "حكم وحكمة" التي تبث على منصة "الجزيرة 360" ويقدمها الشيخ عمر عبد الكافي، موضوع رحمة الله سبحانه وتعالى، وكيفية تحصيلها خلال شهر رمضان المبارك، حيث أجاب الشيخ على أسئلة الحاضرين حول طرق الفوز برحمة الله وما يحجبها عن العبد.
واستهل الشيخ الحلقة بالتأكيد أن الله سبحانه وتعالى جعل الأيام التي نعيشها خلال شهر رمضان أبوابا "نلج إليها لنقف على باب الرحمان الرحيم الذي يرعانا في صغير الأمر وكبيره"، مشيرا إلى أن رحمة الله لها آلاف الأبواب.
وأوضح أن "منهم من يقف على باب الصدقة، ومنهم من يقف على باب القيام، ومنهم من يقف على باب القرآن، ومنهم من يُفطر صائما، ومنهم من يفك رقبة أو يسد دين إنسان مدين، أو يفك كرب إنسان مكروب"، مؤكدا أن الشقاء الحقيقي هو أن "يخرج المسلم من رمضان خالي الوفاض، لم يقف على باب من هذه الأبواب أو غيرها".
واستشهد الشيخ عبد الكافي بالحديث النبوي الشريف الذي يبين سعة رحمة الله قائلا "الله خلق الرحمة مئة جزء، أنزل إلى أرضنا جزءا واحدا يتراحم به الخلائق، حتى إن الدابة لترفع حافرها خشية أن تطأ وليدها، وحجز عنده 99 جزءا يرحم بها الخلائق يوم القيامة".
إعلانوشرح أن مظاهر الرحمة الموجودة في الدنيا، مثل الأم التي تصبر تسعة أشهر على جنينها، والأب الذي يكد ويتعب لينفق على أطفاله، إنما هي من جزء واحد من مئة جزء من رحمة الله.
شروط الرحمة
وردا على سؤال أحد الحاضرين عما إذا كانت رحمة الله تشترط الأعمال الكبيرة، أكد الشيخ أن "الله عز وجل لا ينظر إلى الكم الذي أتيت به من عمل أو مال أو جهد.. قد يقبل منك كلمة، قد يقبل منك دمعة تطفئ بحورا من نار".
واستشهد بقصة رجل في عام مجاعة لم يجد ما يتصدق به، فمر وسط الجبال وقال "وعزتك وجلالك لو كانت هذه الجبال طعاما لوزعتها على عبادك"، فقال الله لموسى عليه الصلاة والسلام "أخبر عبدنا أننا قبلنا منه صدقته".
وحول سؤال عن الأعمال التي تحجب رحمة الله عن العبد، أوضح الشيخ أن "أسوأ الأعمال التي تحجب الثواب والبركة هو الرياء في العمل، لأن اليسير من الرياء شرك"، مشددا على أهمية الإخلاص في العمل.
وقال "الله يقول: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فمن أشرك في عمل معي غيري، تركت نصيبي لشريكي"، ونصح المستمعين بضرورة تجديد النية في كل عمل وإخلاصه لله.
وعن كيفية الفوز برحمة الله في شهر رمضان، أكد الشيخ عمر أن أهم شرط هو "القلب السليم"، موضحا أن "آفات القلب تربو على عشرة، منها: الغل، والحقد، والحسد، وتمني الشر للناس، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، والكبر، والرياء".
وشدد على أن هذه الآفات "تمحق البركة من أرض القلب، فلا يصلح هذا القلب لأن تهبط على أرضه رحمة إلهية"، داعيا الجميع إلى تطهير القلوب قبل التوجه إلى الأعمال الصالحة.
3/3/2025