إن هذا المقال ليس للترفيه بل هو الحق بيننا الذي يجب أن نتربى ونُربي عليه أولادنا لأن العزة من الدين كما قال عمر رضي الله عنه أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله وأن كرامة المسلم خاصة والإنسان عامة دين ندين به ألم يقل الله: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” الإسراء 70، لقد كرّم الله الإنسان بالعقل والعلم والرسل والكتب السماوية ورسم لنا طريق الحقوق والواجبات واضحا جليّا وترك تطبيقه لنا!.
نلاحظ التربية الدنيئة والنفوس المريضة بوضوح في سلوك مجتمعاتنا، لقد ربى حكامنا مجتمعاتنا على الدناءة ببساطة لأنهم كانوا عسكريين في مجملهم ومن أصول التدريب العسكري أن يهينوك ويمسحوا بكرامتك الأرض ويسبوك ويهينوك ويضربونك وكل ذلك تقريبا بدون سبب ولكن السبب الخفي لأنهم لا يريدون لجيوشنا الإنتصار ضد أعدائنا لأن الأعداء هم الذين ففكوا الدولة الإسلامية أو الخلافة بغض النظر عن ضعفها وأسباب الإنهيار المتعددة التي لسنا هنا بصددها فقد كنا دولة واحدة من النهر إلى البحر بل تمتد إلى جزء كبير من أسيا وأوروبا ومن عمل على تقسيمنا إلى دويلات هو نفسه من اختار من يحكما ووضع لهم القوانين المدنية والعسكرية وكتب لنا المناهج الدراسية بما يخدم سياسته ومصالحه فكثير مما نقرأ في مدارسنا محرّف حتى ننشأ ونتربى على أفكار محرفة ومشوهة وكذا بالنسبة للتدريب العسكري فكيف بجندي يُسَب هو وأمه وأبيه ويُذل ويهان ويضرب كيف له أن ينتصر على عدو؟.
لقد ربونا على الدناءة ففي أوطاننا لن تنال حقا حتى تدفع المقابل الذي قد يكون مالا، هدية، قضاء حاجة للموظف الذي سيعطيك حقك! وغيرها من وسائل الدناءة، هو حقك ولكن لن تناله لأنك تعامل وكأن ليس لك حقوق وكأنك لست مواطنا أصبحنا كبني إسرائيل الذين بعد إن نجاهم الله مع موسى عليه السلام قالوا له لن نصبر على طعام واحد أي ارجعنا لعبودية فرعون ودعنا نتمتع بالطعام المتنوع حتى ولو كنا عبيدا لفرعون فاختاروا الذل والعبودية على الكرامة والحرية، أليس هذا هو حالنا ومقالنا أيضا أولسنا القائلين: “يا راجل أعطيه وخلاص”، أي ادفع له رشوة أو ما يريد “خليها ماشية”، “أعطيه وخلاص”، “فلان نعرفه”، “خلينا نمشوا نسلّموا عليه/ عليهم”، أنظر إلى السقوط الأخلاقي الإنسان لا يحيّي الآخر كتحية واجبة نابعة من القلب ولكن تحية نيتها لعلنا نستحق أو نريد منه شيئا فأي دناءة هذه فالمهم عندنا هو قضاء الأشياء والحياة أي نوع من الحياة حتى ولو كانت ذليلة ودنيئة ألم يكن ذلك حال بني إسرائيل قبلنا “وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ”، البقرة 96!.
ألسنا مسلمين؟ والإسلام مصنع النفوس الكريمة التي لا تتغير ترى حُسنها في السراء والضراء، أما النفوس الدنيئة التي تملأ الدنيا وتتنكر حتى لنفسها وتنقلب على الناس وعلى ماضيها بمنصب تتقلده أو مال تجمعه، ترى الدناءة في أعمال أصحاب هذه النفوس الدنيئة فلا تُقضى حاجة عندهم إلا بثمن ولا ينال حقٌّ منهم إلا بتودد وتوسل فالدنيء دائما يحوم حول القذرات والدناءات مثل الذباب فلا يأتي من الأعمال إلا بدنيئها هذه هي تعاملاتهم مع الناس. أما النفوس الكريمة لا ترضى بظلم الآخرين ولا التحايل على نهب وأخذ أموال الناس والإنتقاص من حقوقهم فشتّان بينهما، ولكن لا تقلقوا فكلٌّ يعمل على ما تربى عليه وسيجازى بعمله ونيته وسيتعبون كما نتعب يوما ما قال تعالى: “قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ” الإسراء: 84.
أقول إن الإسلام يصنع الرجال المعتزين بكرامتهم رجالٌ لا يعطون الدنية في كرامتهم ولا يصنع الإسلام ولا يريد رجالا أذلاء مثل الذين يحيطون ويريدونهم حكام اليوم بدعوة أو بدعم أو بفتوى مضللة من كثير من الذين يلبسون لباس الدين خدمة لأعداء الدين، آراء تنظر إلى جانب واحد وتُخفي جوانب كثيرة فصاحب الرأي أو الفتوى لابد أن ينظر لعوامل متعددة وليس للحاكم فقط وحقوقه ولكن للناس وأحوالهم وكرامتهم وحقوقهم فلولا الناس ما كان الحاكم، وبمثل هذه الآراء يُستعبد الناس وتضيع كرامتهم ويتغير سلوكهم وتنتشر الدناءة بينهم فما بالك بمن يطأطئ رأسه لعدو كاليهود أو أمريكا أو لحاكم ظالم، بل ما بالك بشيخ يدعوا لهذه الدنية وأنا أكتب كلمة شيخ أشعر أن هؤلآء لا يستحقون أن تطلق عليهم هذه الكلمة لأن لها وقعٌ ومعنىً كبير عندي، الإسلام يربي ويدعوا الناس للكرامة وهم يدعون الناس للذل والدناءة والمهانة!؟.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
10 رمضان عند الأدباء| أمين الخولي.. كيف يحارب شهر رمضان الطغيان ويهذب النفوس؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الأديب أمين الخولي في كتابه «من هدى القرآن في رمضان» أن شهر رمضان ليس مجرد موسم للخيرات والطاعات، بل هو فرصة ذهبية لإحداث تأثير عميق في حياة الأفراد والمجتمع.
فنجاح رمضان، كما يرى الخولي، يعتمد على الوعي الصحيح والتخطيط الدقيق، بحيث تتضافر جهود الأفراد والهيئات الشعبية والرسمية، لتثمر نتائج حقيقية تعود بالنفع على الأمة الإسلامية.
رمضان.. مدرسة لضبط النفس وكبح الغروريصف الخولي رمضان بأنه "رياضة تنبيهية" تهدف إلى كبح جماح الطغيان، وإيقاظ الشعور الإنساني لدى الأفراد. فالصيام، في جوهره، يجعل الإنسان يدرك ضعفه واحتياجه، مما يمنعه من الاستكبار، ويجعله أكثر تواضعًا ورحمة بالآخرين. فالحرمان المؤقت من الطعام والشراب يكشف للفرد معنى الحاجة، ويجعل من رمضان موسمًا لكسر الفوارق الاجتماعية، حيث تتهذب النفوس، وتلين القلوب، وتتحول قسوة الحياة إلى رحمة وسخاء.
الجانب النفسي للصوم.. معركة داخلية ضد الشهواتيشير الخولي إلى أن الأثر النفسي للصيام لا يمكن إنكاره، فهو يوقظ لدى الصائمين إحساسًا فريدًا بحاجتهم للطعام والشراب، ويجعلهم يقدّرون النعم التي اعتادوا عليها. ورغم النية المبيتة للصيام، إلا أن الإنسان قد ينسى في لحظات ويهمّ بتناول الطعام دون قصد، وهو دليل على أن الحرمان يولّد شعورًا أكثر وعيًا بالحاجة. ومن هنا، يأتي الصوم كأداة لتهذيب النفس، وكسر الشهوة، وتشجيع الإنسان على الامتناع عن الإسراف، مما يعزز التقوى ويقوي الإرادة.
الصيام.. محاكاة للصمدية والملائكةويتناول الخولي بُعدًا فلسفيًا للصيام، حيث يعتبره وسيلة للتشبه بأحد أخلاق الله، وهو الصمدية، أي الاستغناء عن الطعام والشراب. فكما أن الصمد هو الذي لا يجوع ولا يعطش، فإن الإنسان، خلال فترة الصيام، يحاول قدر الإمكان التشبه بهذا المعنى، كما يسعى لتقليد الملائكة بالكف عن الشهوات، ليقترب من حالة الصفاء الروحي، ويتغلب على النزعات المادية التي تسيطر عليه في باقي أيام السنة.
رمضان.. موسم الشكر والامتنانيختم الخولي حديثه بالتأكيد على أن الصيام وسيلة لشكر النعمة، فحين يجوع الإنسان يدرك قيمة ما لديه، ويشعر بمعاناة الفقراء، مما يجعله أكثر عطاءً ورحمة. وهكذا، يتحول رمضان إلى مدرسة روحية وإنسانية متكاملة، تعيد تشكيل شخصية الفرد، وتُرسّخ قيم العدل والتواضع، ليخرج الإنسان منه أكثر تقوى ونقاء.