لجريدة عمان:
2025-02-03@10:30:12 GMT

تجليات رحمة الرسول الكريم في تعامله مع الأطفال

تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT

تلهج الألسن والقلوب بالصلاة على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلـم، ونحن نتفيأ ذكرى مولده في الثاني عشر من ربيع الأول، تهبّ علينا نسائم رحمته الزكية التي يفوح شذاها من كتب السنّة النبوية، ويحتفل العمانيون بقراءة كتب «المولد» في مجالسهم العامة، فتجد جماعة المسجد يلتقون في بيت من بيوت الأهالي ويقرأون أحد هذه الكتب، وهي كتب متنوعة ومختلفة ومن أشهرها كتاب الشيخ البرزنجي، ومن الكتب العمانية كتاب «النشأة المحمدية» للعالم الشاعر ناصر بن سالم بن عديم الرواحي المشهور بأبي مسلم البهلاني.

وأنت تستمع إلى ذلك الوصف المسجوع في نظم معيّن، يحكي قصة مولده بتفاصيلها الدقيقة التي تستعرض نسبه الكريم، وزمان ولادته، وعناية الله له، منذ ولادته، ونشأته، وصفاته ووفادته إلى البصرة مع جده، وذهابه إلى بلاد المقدس مع عمه للتجارة، وصدقه وأمانته، وتحكيم قريش له في رفع الحجر الأسود، تتخلله الصلوات على النبي الكريم، مرددين قولهم: «عطّر اللهم قبره الكريم بعرف شذى من صلاة وتسليم، اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه».

فهو الرحمة المهداة للبشرية، فالله تعالى منَّ علينا بهذا الرسول الكريم رحمة بنا فقال تعالى في سورة الأنبياء «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ».

وهذه الرحمة تتجلى في معناها العام المتمثل في تبليغه الرسالة لهداية الناس إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم، وإشفاقا عليهم، وتتمثل في معناها الخاص في كون الرحمة صفة أصيلة جبلية في ذات النبي صلى الله عليه وسلـم، ظاهرة في مواقفه وأقواله وأفعاله التي كانت نموذجا يُحتذى ومثالا يُقتدى، حتى ضرب بمواقفه الجليلة أعظم الأمثلة التي تعد غاية الرحمة وأقصى حدودها البشرية.

ولو تأملنا بعض ملامح رحمته فيما يتعلق بتعامله مع الأطفال، لوجدنا الكثير من المواقف التي يغرس فيها الرسول الكريم رحمته مغلّفة بتوجيه أو تعليم أو تعزيز لسلوك حميد، فمن تلك المواقف التي وردت في صحيحَي البخاري ومسلم وكتب السِّير أن النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل على أمِّ سليمٍ فرأَى أبا عُميرٍ حزينًا فقال يا أمَّ سليمٍ ما بالُ أبي عُميرٍ حزينًا قالت يا رسولَ اللهِ مات نغرُه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا عُميرٍ ما فعل النُّغيرِ».

ففي هذا الموقف الجليل نجد الرسول صلى الله عليه وسلـم على جلالة قدره وعظيم منزلته نجده يواسي هذا الطفل الذي مات عصفوره، فهو يعزز سلوك الرحمة المتمثل في حزن هذا الطفل على موت عصفوره الصغير، كما أنه يشاركه الاهتمام تسلية له ودفعا للحزن عنه، وتضامنا معه، فيقول له يا أبا عمير ما فعل النغير، أي أخبرني خبر هذا العصور وكيف مات، وقبل ذلك كله نجد الرسول الكريم لمح الحزن في وجه هذا الطفل، فسأل عن سبب حزنه وبادر إلى تخفيف ذلك الحزن بمشاركة الاهتمام بالحدث الحاصل، وهذا تواضع عظيم من صاحب النفس الزكية عليه أفضل الصلاة والسلام.

وفي موقف آخر نجد عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما يحكي: كنتُ غلامًا في حجر رسول الله صلـى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلـى الله عليه وسلم: «يا غلام، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»، فما زالت تلك طُعمتي بعد.

فتأمل هذا الموقف الذي يشي بالكثير من المعاني العظيمة؛ فتصوَّر هذا الطفل بأنه كان يأكل وهو يجلس في حضن رسول الله صلى الله عليه وسلـم وهو يجلس القرفصاء، فهذه رحمة من الرسول الكريم لأبناء المسلمين بأن يشاركهم طعامه بل ويُجلسهم في حضنه الكريم ولكن هذه الرحمة مزجها عليه الصلاة والسلام بتعليم لطيف، إذ أمره بأن يذكر اسم الله قبل الطعام، وأن يستعمل يده اليمنى في الأكل، وأن يأكل من أمامه. فهذه نصيحة يأخذ بها كل مسلم في آداب الطعام.

كما أن الرسول الكريم في تعامله مع الأطفال يجعل لهم اعتبارا لشخوصهم فيحفظ لهم حقوقهم في المجلس، ويُجلسهم بقربه، ويستأذنهم في حقوقهم، وإن لم يأذنوا أثبت لهم تلك الحقوق، فمما جاء في الصحيحين «أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بشَرَابٍ، فَشَرِبَ وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقالَ لِلْغُلَامِ: إنْ أذِنْتَ لي أعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ، فَقالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بنَصِيبِي مِنْكَ يا رَسولَ اللَّهِ أحَدًا، فَتَلَّهُ في يَدِهِ». ويقول الرواة بأن الذين كانوا عن يساره منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، ولكن على الرغم من ذلك فقد استأذن الرسول الكريم هذا الغلام، وعندما أبى وذلك لأنه أراد أن يحظى ببركة وشرف الشرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلـم، فأثبت رسول الله له هذا الأمر، ليعطينا دروسا في التربية وأن السنّة في الشرب أن يبدأ باليمين.

ومما يؤكد الرحمة الجبلية التي عند رسول الله صلى الله عليه وسلـم ما روي عن بُريدةَ، قالَ: خطبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فأقبلَ الحسنُ، والحسينُ رضيَ اللَّهُ عنْهما، عليْهما قَميصانِ أحمرانِ يعثُرانِ ويقومانِ، فنزلَ فأخذَهما، فصعِدَ بِهما المنبرَ، ثمَّ قالَ: صدقَ اللهُ: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، رأيتُ هذينِ فلم أصبِرْ، ثمَّ أخذَ في الخطبةِ.

فلنتأمل قوله عليه الصلاة والسلام «فلم أصبر» أي أن طبعه وجبلته في الرحمة لم يستطع مقاومتهما رحمة بهما، على الرغم من صعوده المنبر وتجمّع الناس حوله وهو يخطب بهم.

والأعجب من ذلك ما روته الموسوعة الحديثية من رواية «أبو قَتادةَ الحارِثُ بنُ ربعيٍّ الأنصاريُّ رضِي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَجَ عليهم وكان يَحمِلُ على عاتقِه -وهو الموضعُ ما بيْن الكَتِفِ والعُنُقِ- حَفيدتَه أُمامةَ بنتَ أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ الأُمَويِّ، وأمُّها زَينبُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت صَبِيَّةً صَغيرةَ السِّنِّ، فصلَّى بهم الفريضةَ وهو يحمِلُها على عاتِقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعند أبي داودَ ذَكَر أنَّها كانت صلاةَ الظُّهرِ أو العَصرِ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحمِلُها في قيامِه، فإذا ركَعَ وضَعَها على الأرضِ، ثم يسجُدُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإذا رفَع مِن الرُّكوعِ حمَلها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورفَعها معه، وفي روايةِ أبي داودَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يحمِلُها على عاتِقِه، فإذا ركع وضَعَها على الأرضِ ويركَعُ ويَسجُدُ، ثم يَرفَعُها إذا استوى قائمًا بعد السُّجودِ، ويفعَلُ هذا في كُلِّ ركعةٍ حتى فرغ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن صَلاتِه».

فالإسلام دين يُسر ورحمة فهذا الفعل الذي قام به النبي الكريم هو دلالة واضحة لوجوب الرحمة والرفق مع الأطفال، ومن المعلوم بأن الصلاة موضع خشوع وخضوع وتذلل لله عز وجل ولكن ما فعله الرسول من رحمة الطفلة استجلابا لرحمة الله عز وجل.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُقبِّلُ الحَسَنَ بنَ علِيٍّ، فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ».

فرحمة الضعيف والطفل هو استدرار لرحمة القادر القوي عز وجل، وتقبيل الأطفال والإحسان إليهم يشعرهم بالطمأنينة والأمان، وأثبتت الدراسات الحديثة أن الأطفال محتاجون عاطفيا إلى التقبيل والضم لما ينعكس ذلك عليهم إيجابا في تكوينهم العاطفي والسلوكي.

كما أنه صلى الله عليه وسلـم منع أن يُكذب على الطفل، فقد روى عبدالله بن عامر بن ربيعة أنه عندما كان طفلا: دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟ قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ.

فالرسول يأمر بغرس المعاني الحميدة في قلوب الأطفال مثل الصدق، ويحرّم أن يكذب على الطفل، فلا يجوز للوالدين أو سواهما أن يكذبا على الطفل سواء كان ذلك من باب التخويف، أو من باب الوعد والعطاء؛ فالكذب على الأطفال يجعلهم يعتقدون بأن الكذب والاحتيال جائز ومقبول، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلـم بالإضافة إلى معاني الصدق، فهو يرحم الطفل أن تؤمله أمه بأن تعطيه شيئا ثم لا يجد ما وعدته أمه به.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلـم ى الله علیه وسل الرسول الکریم مع الأطفال هذا الطفل ی الله کما أن

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: حب الله ورسوله وأهل بيته من أركان الإيمان

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل يقول فى كتابه الكريم :{ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } وهذه هي التي لا يسامح فيها رسول الله  ﷺ ، فحب الله وحب رسوله وحب أهل بيته من أركان الإيمان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ : (أَحِبّوا الله لما يَغْذوكم بِهِ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبّوني لِحبّ الله وَأَحِبّوا أَهْلَ بَيْتي لِحُبّي) ، وقال ﷺ فيما أخرجه الترمذى وليس فى الستة سِوَاه يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي)  ، ولم يقل {وسنتى} فالموجود فى الكتب الستة {وعترة أهل بيتى}، أما لفظ {وسنتى} أخرجه الحاكم بلفظ: (تَرَكْتُ فِيكُم شيئين لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِهما كِتَابَ الله وَسُنَّتِى) لكن {وعترتى} فى الترمذى. والترمذى مقدم على أحمد لأنه من الكتب الستة المعتمدة.

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن سيدنا رسول الله ﷺ أمرنا بحب آل بيته والتمسك بهم، ووصانا بهم - عليهم السلام أجمعين - قال ﷺ: « أما بعد : ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين؛ أولهما : كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ». فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال : «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي». فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال : ومن هم ؟ قال  : هم آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم». (مسلم) 

فنحن نحب الله حبًا كبيرًا، وبحبنا لله أحببنا رسوله ﷺ الذي كان نافذة الخير التي رحم الله العالمين بها، وبحبنا لرسوله ﷺ أحببنا آل بيته الكرام الذين أوصى بهم ﷺ وعظمت فضائلهم وزادت محاسنهم. 

وموقع محبة أهل بيت رسـول الله ﷺ من كل أعماق قلب المسلم، وهو مظهر حب رسول الله ﷺ فبحبه أحببتهم، كما أن محبة النبي ﷺ هي مظهر محبة الله، فبحب الله أحببت كل خير، فالكل في جهة واحدة وسائل توصل للمقصود والله يُفهمنا مراده.

وكلما زاد حب المسلم لأهل البيت ارتقى بهذا الحب في درجات الصالحين؛ لأن حب أهل البيت الكرام علامة على حب رسول الله ﷺ ، وحب رسول الله ﷺ علامة على حب الله عز وجل.

يقول الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأرضاه :
يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُمُ * فَرضٌ مِنَ اللَهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ
يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ * مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ

مقالات مشابهة

  • أيهما أفضل في شهر شعبان الصدقة أم الإطعام ؟.. دار الإفتاء تجيب
  • مولد الإمام الحسين.. حفيد الرسول وسيد شباب أهل الجنة
  • ختام دورة تفسير القرآن الكريم بولاية بطاقة
  • باقي كام يوم؟.. موعد شهر رمضان 2025
  • علي جمعة: حب الله ورسوله وأهل بيته من أركان الإيمان
  • الرسول اهتم بشهر شعبان لهذا السبب.. علي جمعة يوضحه
  • ياسمين عز: توازن الرحمة والحزم أساس في التربية
  • محافظ الإسماعيلية ورئيس هيئة قناة السويس يفتتحان مسجد "الكريم" بمساكن القرش بالإسماعيلية
  • "ربيع وجلال ومندور" افتتحوا مسجد "الكريم" بمساكن القرش بالإسماعيلية
  • فضل شهر شعبان وأهم عباداته.. ترفع فيه الأعمال