لجريدة عمان:
2025-03-06@03:24:14 GMT

تجليات رحمة الرسول الكريم في تعامله مع الأطفال

تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT

تلهج الألسن والقلوب بالصلاة على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلـم، ونحن نتفيأ ذكرى مولده في الثاني عشر من ربيع الأول، تهبّ علينا نسائم رحمته الزكية التي يفوح شذاها من كتب السنّة النبوية، ويحتفل العمانيون بقراءة كتب «المولد» في مجالسهم العامة، فتجد جماعة المسجد يلتقون في بيت من بيوت الأهالي ويقرأون أحد هذه الكتب، وهي كتب متنوعة ومختلفة ومن أشهرها كتاب الشيخ البرزنجي، ومن الكتب العمانية كتاب «النشأة المحمدية» للعالم الشاعر ناصر بن سالم بن عديم الرواحي المشهور بأبي مسلم البهلاني.

وأنت تستمع إلى ذلك الوصف المسجوع في نظم معيّن، يحكي قصة مولده بتفاصيلها الدقيقة التي تستعرض نسبه الكريم، وزمان ولادته، وعناية الله له، منذ ولادته، ونشأته، وصفاته ووفادته إلى البصرة مع جده، وذهابه إلى بلاد المقدس مع عمه للتجارة، وصدقه وأمانته، وتحكيم قريش له في رفع الحجر الأسود، تتخلله الصلوات على النبي الكريم، مرددين قولهم: «عطّر اللهم قبره الكريم بعرف شذى من صلاة وتسليم، اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه».

فهو الرحمة المهداة للبشرية، فالله تعالى منَّ علينا بهذا الرسول الكريم رحمة بنا فقال تعالى في سورة الأنبياء «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ».

وهذه الرحمة تتجلى في معناها العام المتمثل في تبليغه الرسالة لهداية الناس إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم، وإشفاقا عليهم، وتتمثل في معناها الخاص في كون الرحمة صفة أصيلة جبلية في ذات النبي صلى الله عليه وسلـم، ظاهرة في مواقفه وأقواله وأفعاله التي كانت نموذجا يُحتذى ومثالا يُقتدى، حتى ضرب بمواقفه الجليلة أعظم الأمثلة التي تعد غاية الرحمة وأقصى حدودها البشرية.

ولو تأملنا بعض ملامح رحمته فيما يتعلق بتعامله مع الأطفال، لوجدنا الكثير من المواقف التي يغرس فيها الرسول الكريم رحمته مغلّفة بتوجيه أو تعليم أو تعزيز لسلوك حميد، فمن تلك المواقف التي وردت في صحيحَي البخاري ومسلم وكتب السِّير أن النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل على أمِّ سليمٍ فرأَى أبا عُميرٍ حزينًا فقال يا أمَّ سليمٍ ما بالُ أبي عُميرٍ حزينًا قالت يا رسولَ اللهِ مات نغرُه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا عُميرٍ ما فعل النُّغيرِ».

ففي هذا الموقف الجليل نجد الرسول صلى الله عليه وسلـم على جلالة قدره وعظيم منزلته نجده يواسي هذا الطفل الذي مات عصفوره، فهو يعزز سلوك الرحمة المتمثل في حزن هذا الطفل على موت عصفوره الصغير، كما أنه يشاركه الاهتمام تسلية له ودفعا للحزن عنه، وتضامنا معه، فيقول له يا أبا عمير ما فعل النغير، أي أخبرني خبر هذا العصور وكيف مات، وقبل ذلك كله نجد الرسول الكريم لمح الحزن في وجه هذا الطفل، فسأل عن سبب حزنه وبادر إلى تخفيف ذلك الحزن بمشاركة الاهتمام بالحدث الحاصل، وهذا تواضع عظيم من صاحب النفس الزكية عليه أفضل الصلاة والسلام.

وفي موقف آخر نجد عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما يحكي: كنتُ غلامًا في حجر رسول الله صلـى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلـى الله عليه وسلم: «يا غلام، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»، فما زالت تلك طُعمتي بعد.

فتأمل هذا الموقف الذي يشي بالكثير من المعاني العظيمة؛ فتصوَّر هذا الطفل بأنه كان يأكل وهو يجلس في حضن رسول الله صلى الله عليه وسلـم وهو يجلس القرفصاء، فهذه رحمة من الرسول الكريم لأبناء المسلمين بأن يشاركهم طعامه بل ويُجلسهم في حضنه الكريم ولكن هذه الرحمة مزجها عليه الصلاة والسلام بتعليم لطيف، إذ أمره بأن يذكر اسم الله قبل الطعام، وأن يستعمل يده اليمنى في الأكل، وأن يأكل من أمامه. فهذه نصيحة يأخذ بها كل مسلم في آداب الطعام.

كما أن الرسول الكريم في تعامله مع الأطفال يجعل لهم اعتبارا لشخوصهم فيحفظ لهم حقوقهم في المجلس، ويُجلسهم بقربه، ويستأذنهم في حقوقهم، وإن لم يأذنوا أثبت لهم تلك الحقوق، فمما جاء في الصحيحين «أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بشَرَابٍ، فَشَرِبَ وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقالَ لِلْغُلَامِ: إنْ أذِنْتَ لي أعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ، فَقالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بنَصِيبِي مِنْكَ يا رَسولَ اللَّهِ أحَدًا، فَتَلَّهُ في يَدِهِ». ويقول الرواة بأن الذين كانوا عن يساره منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، ولكن على الرغم من ذلك فقد استأذن الرسول الكريم هذا الغلام، وعندما أبى وذلك لأنه أراد أن يحظى ببركة وشرف الشرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلـم، فأثبت رسول الله له هذا الأمر، ليعطينا دروسا في التربية وأن السنّة في الشرب أن يبدأ باليمين.

ومما يؤكد الرحمة الجبلية التي عند رسول الله صلى الله عليه وسلـم ما روي عن بُريدةَ، قالَ: خطبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فأقبلَ الحسنُ، والحسينُ رضيَ اللَّهُ عنْهما، عليْهما قَميصانِ أحمرانِ يعثُرانِ ويقومانِ، فنزلَ فأخذَهما، فصعِدَ بِهما المنبرَ، ثمَّ قالَ: صدقَ اللهُ: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، رأيتُ هذينِ فلم أصبِرْ، ثمَّ أخذَ في الخطبةِ.

فلنتأمل قوله عليه الصلاة والسلام «فلم أصبر» أي أن طبعه وجبلته في الرحمة لم يستطع مقاومتهما رحمة بهما، على الرغم من صعوده المنبر وتجمّع الناس حوله وهو يخطب بهم.

والأعجب من ذلك ما روته الموسوعة الحديثية من رواية «أبو قَتادةَ الحارِثُ بنُ ربعيٍّ الأنصاريُّ رضِي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَجَ عليهم وكان يَحمِلُ على عاتقِه -وهو الموضعُ ما بيْن الكَتِفِ والعُنُقِ- حَفيدتَه أُمامةَ بنتَ أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ الأُمَويِّ، وأمُّها زَينبُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت صَبِيَّةً صَغيرةَ السِّنِّ، فصلَّى بهم الفريضةَ وهو يحمِلُها على عاتِقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعند أبي داودَ ذَكَر أنَّها كانت صلاةَ الظُّهرِ أو العَصرِ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحمِلُها في قيامِه، فإذا ركَعَ وضَعَها على الأرضِ، ثم يسجُدُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإذا رفَع مِن الرُّكوعِ حمَلها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورفَعها معه، وفي روايةِ أبي داودَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يحمِلُها على عاتِقِه، فإذا ركع وضَعَها على الأرضِ ويركَعُ ويَسجُدُ، ثم يَرفَعُها إذا استوى قائمًا بعد السُّجودِ، ويفعَلُ هذا في كُلِّ ركعةٍ حتى فرغ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن صَلاتِه».

فالإسلام دين يُسر ورحمة فهذا الفعل الذي قام به النبي الكريم هو دلالة واضحة لوجوب الرحمة والرفق مع الأطفال، ومن المعلوم بأن الصلاة موضع خشوع وخضوع وتذلل لله عز وجل ولكن ما فعله الرسول من رحمة الطفلة استجلابا لرحمة الله عز وجل.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُقبِّلُ الحَسَنَ بنَ علِيٍّ، فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ».

فرحمة الضعيف والطفل هو استدرار لرحمة القادر القوي عز وجل، وتقبيل الأطفال والإحسان إليهم يشعرهم بالطمأنينة والأمان، وأثبتت الدراسات الحديثة أن الأطفال محتاجون عاطفيا إلى التقبيل والضم لما ينعكس ذلك عليهم إيجابا في تكوينهم العاطفي والسلوكي.

كما أنه صلى الله عليه وسلـم منع أن يُكذب على الطفل، فقد روى عبدالله بن عامر بن ربيعة أنه عندما كان طفلا: دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟ قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ.

فالرسول يأمر بغرس المعاني الحميدة في قلوب الأطفال مثل الصدق، ويحرّم أن يكذب على الطفل، فلا يجوز للوالدين أو سواهما أن يكذبا على الطفل سواء كان ذلك من باب التخويف، أو من باب الوعد والعطاء؛ فالكذب على الأطفال يجعلهم يعتقدون بأن الكذب والاحتيال جائز ومقبول، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلـم بالإضافة إلى معاني الصدق، فهو يرحم الطفل أن تؤمله أمه بأن تعطيه شيئا ثم لا يجد ما وعدته أمه به.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلـم ى الله علیه وسل الرسول الکریم مع الأطفال هذا الطفل ی الله کما أن

إقرأ أيضاً:

أزهري: الرسول حذر من البخل.. فيديو

أكد الشيخ إبراهيم الدسوقي من علماء الأزهر الشريف، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان كثير العطاء في شهر رمضان.  

«تأثير الصيام على الصحة النفسية».. لقاء توعوي لطلاب الأزهر بمطروحمدير الأروقة بالجامع الأزهر: الصيام عن المعاصي جوهر العبادة في رمضانمدير شئون الأروقة بالجامع الأزهر يوضح هل يمكن أن يفسد الذنب الصيام؟رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير ومراعاة أحوال الناس

وأضاف أحد علماء الأزهر الشريف، خلال حواره ببرنامج " إحنا لبعض" المذاع على قناة صدى البلد، تقديم الإعلامية نهال طايل، أن سيدنا محمد علم الجميع كيف يكون قريبا من الجنة، وكيف يتصدق وكيف يعطي المحتاج.


ولفت إلى أن الرسول الكريم، حذر من البخل وقال إن البخيل بعيد عن الله وعن الناس وبعيد عن الجنة، فالشيطان هو من يعلم الإنسان البخيل بالخوف من الغد، وأن الشخص الكريم يحبه الله، وأن العطاء من الواجبات الإسلامية.   

دعاء اليوم الثالث من رمضان


قال الدكتور على جمعة ، مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: إن دعاء اليوم الثالث من رمضان 2025 م يعتبر من الأدعية المستجابة و العبادات التي لها ميزة خاصة، وقد أرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إلى أن للصائم دعوة لا ترد، ويأتي من بينها دعاء اليوم الثالث من رمضان 2025 م .

وأوضح “ جمعة” عن دعاء اليوم الثالث من رمضان 2025 م  ، أنه ينبغي اغتنام كل أوقات استجابة الدعاء الواردة في الكتاب العزيز والسُنة النبوية الشريفة، منوهًا بأنه أرشدنا النبي –صلى الله ليه وسلم- إلى صيغة الدعاء المستجاب التي تبدأ وتنتهي بالصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-، لما ورد عن أبي سليمان الداراني، قال : «من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويسأل حاجته وليختم بالصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن الله يتقبل الصلاة وهو أكرم من أن يرد ما بينهما».

وأضاف أن الأطفال أحباب الله، وأن دعاء تحصين الأطفال مهم جداً، كما علمنا الرسول - صل الله عليه وسلم، حيث كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، ويقولُ: «إنَّ أباكما كان يعوذُ بها إسماعيلَ وإسحاقَ: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامةِ، من كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ ، ومن كلِّ عينٍ لامَّةٍ».

وأشار إلى أن السخط لحكم الله مهلكة عظيمة فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط}، وكذلك جاء في الحديث القدسي: {من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليعبد ربا سواي}.

وأكد أن من أبرز الأدلة على حدوث السخط هو الحسد، فالحاسد في الحقيقة ساخط على حكم الله وساخط على قسمة الله سبحانه وتعالى بين خلقه، فالحاسد عدو نعم الله تعالى لأنه يطلب زوالها ممن نالها، وهو من إساءة الأدب مع الله سبحانه وتعالى.

مقالات مشابهة

  • شخصيات إسلامية.. أم المؤمنين السيدة حفصة بنت الفاروق
  • نفحاتُ الرحمة
  • صحابيات في عهد النبي| أكرم الناس أصهارا للرسول.. تعرف عليها
  • «تلاوة القرآن».. أفضل الذكر في رمضان
  • لكُل أُمَّـة عَلَمٌ وقائد وأمتنا ابن البدر قائدها
  • عبادات بلا رحمة.. حينما يغيب جوهر الدين عن القلوب
  • من العصر القديم إلى الحديث.. رمضان في الشعر العربي.. تجليات روحية وصور أدبية
  • أزهري: الرسول حذر من البخل.. فيديو
  • الشيخ عمر عبد الكافي: هكذا يكون الفرد من أهل الرحمة في رمضان
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام