وقف الحرب وقطع الطريق على السلطة الاستبدادية
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
وائل محجوب
• وقف الحرب وقطع الطريق على السباق، الذي يتم أمام أعيننا نحو بعث سلطة إستبدادية حالكة الظلمة تفرض سيطرتها على البلاد، ليس بالمهمة السهلة التي يمكن أن تقوم بها مجموعة من القوى المدنية والسياسية المنفردة، بالغ ما بلغت وإن رغبت.
• إن ما نواجهه اليوم يتخطى بكثير ذلك الواقع الذي نهض الناس لمواجهته في ديسمبر ٢٠١٩م، فقد واجه المتظاهرون السلميون الإنقاذ، في ظل وجود الدولة، وما تقود اليه هذه الحرب هي تفكيك للدولة سيفضي لإنهيارها حال إستمرارها، فما يجري اليوم هو تناحر تغذيه أسباب داخلية، وتقف من ورائه قوى أقليمية، ومطامع دولية، تريد أن ترسم للبلاد مسارا يصب في خدمة مصالحها سلما أو حربا، ولا مانع لديها إذا إنقسم السودان لأربع أو خمس دويلات، طالما ستحقق أهدافها في نهاية المطاف، ويعلم الجميع أن تيارا من بقايا الحزب البائد ظل يروج لتقسيم السودان بخلفيات قبلية وعرقية.
• لقد عرضنا من قبل للسيناريوهات المحتملة إذا إستمرت الحرب، كما عرضنا للسيناريوهات المحتملة في حالة إنتصار أحد أطرافها، في ظل تسلق التيار الإسلامي، من مؤتمر وطني وحركة إسلامية وتيارات داعمة لها، وخروج ذلك التيار للعلن في هذا الصراع، عبر أذرعه العسكرية في قتالها مع الجيش، وتغلغل كوادره المغاضبة والمصطفة على أساس قبلي مع الدعم السريع.
• لقد إستقر رأي غالبية المبادرات المطروحة أقليميا، والمسنودة دوليا، على وقف دائم وطويل الأجل لإطلاق النار، وترتيبات أمنية لفصل القوات، وحماية المعسكرات والمرافق الإستراتيجية للدولة، وخروج الجيش من السلطة، وتسليم الحكم لحكومة مدنية، وإصلاح الجيش وتخليصه من الإنحيازات السياسية، وإنهاء وجود الدعم السريع، وإنجاز مشاريع للعدالة، والتعويضات، وإعادة الأعمار.
• وكل هذه القضايا هي مبادئ تم إقرارها، وتحتاج لرؤية متكاملة لإنفاذها، ومع تقديرنا للتحركات التي تقوم بها قوى الحرية والتغيير، سوأ عبر إتصالاتها الخارجية، أو من خلال مساعيها لبناء جبهة مدنية، وتصوراتها التي تقوم بطرحها، والمبادرات المختلفة التي تطرحها مجموعات من قوى المجتمع المدني، فإن كل ذلك الجهد يظل منقوصا، ما لم يحدث إختراقا لمعالجة الإنقسام الرئيسي، الذي تعيشه الحركة السياسية وقاد لتشظ، إمتد من تجمع المهنيين، مرورا بالمجتمع المدني، وإنتهاء بلجان المقاومة، وبما يفضي لإجماع ووحدة سودانية، وتوحيد المطالب المتعلقة بوقف الحرب، وما بعدها برؤية متماسكة.
• إن أي جهد في ظل هذا الإنقسام لن يفضي للنتائج المرجوة، وسيفتح الباب لفرض وجود المؤتمر الوطني في التفاوض، وفي المعادلات السياسية لما بعد الحرب والسيناريوهات القادمة، وهو ما يشكل خطرا داهما لا يتهدد مستقبل البلاد فحسب، وإنما كل القوى المنقسمة حاليا.
• فلتغلب القوى المختلفة المصلحة الوطنية العليا للبلاد، والتي تعلو على كل الخلافات، فالأولوية الأن التي ينتظرها ملايين السودانيين، في الخرطوم وولايات السودان المختلفة التي نزحوا اليها، بعدما فقدوا كل يملكون، وغيب الموت اقربائهم وأهلهم ممن فقدوا أرواحهم منذ بدء الحرب، وملايين اللاجئين الموزعين بين دول الأقليم، الأولوية هي وقف الحرب، وإنهاء حقبة التسلط وعهد المليشيات الحزبية والقبلية، الذي حطم البلاد، وهي مهمة ضخمة، لا تستطيع جهة منفردة بالغت ما بلغت أن تقوم بها، إنما تحتاج لعزائم لا تلين حتى تتحقق، وتوحد سوداني يفرض إرادته على كل المبادرات المطروحة في الساحة، ويعيد ضبط معادلاتها على ما يريده الشعب بصدق وحق، لا ما يريده اصحاب المصالح ودوائرهم.
• ومبدأ وأساس ذلك هو إستعادة كاملة لأهداف وشعارات ومطالب ثورة ديسمبر، فما يجري الأن بهذه الحرب، هو محاولة أخيرة لتصفيتها بشكل كامل ونهائي، بعدما اصطدمت كل المحاولات السابقة، من فض اعتصامات الولايات، وخلق الأزمات وصولا لإنقلاب ٢٥ اكتوبر، بعقبة الشارع، وكان ذلك هو هدف قادة الحرب اليوم توحدوا من أجله، وإصطرعوا لتحقيقه كل بمفرده، إختطافا للبلاد وتكريسا لمصالح داعميهم.
• الحرب هي أعلى مراحل السياسة، وهي تعيد تشكيل المعادلات السياسية، حتى في الدول ذات الديمقراطيات الراسخة، ناهيك عن بلد نام لا زال يرسف في أغلال الجهوية والقبلية والعنصرية، ويكفي فقط رصد التحولات التي طرأت بعد الحرب على طيف واسع من أهل السودان، وبعضهم من المنتمين سياسيا، وللتيار الثوري، الذين يساندون إستمرار الحرب، ويدعمون طرفا من إطرافها، لفهم كيف يتم إستغلال حالة الغضب بسبب الفقد والخسران والإحساس بالظلم، لإعادة صياغة العقول، وشحن النفوس بشعارات شوفينية، وحقنها بشعارات العنصرية والجهوية، والثأر للكرامة والإقتصاص من العدو، فينسون في غمرة الحماس وإنعدام التوازن والغضب، جلادهم الذي بطش بهم من قبل، ويغضون الطرف عن ألد اعدائهم وكل جرائمهم وموبقاتهم، ليتحالفوا ويصطفوا معهم، وما من بيان أسطع من هذا عما تفعله الحرب بالناس والشعوب.
• كلمة أخيرة؛
يا أهل السودان، أدركوا بلادكم، إنما أهلك الأمم من قبلكم، أنهم ظلوا في شغل شاغل بخلافاتهم وصراعاتهم، حتى تسلل الأعداء لمخادعهم، فلننهض جميعا لإنقاذ الوطن ولجم الخراب والدمار والموت، وقطع الطريق على سدنة الطغيان وأنصارهم، من بقايا الإنقاذ في جانبي الحرب، ولنراجع حينما نسترد الوطن، كل ما تم منذ إندلاع الثورة، مرورا بالإنقلاب، وإنتهاء بإندلاع الحرب، فلنعد ترتيب سلم الأولويات، فالوطن أولا.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”
امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”
فتحي محمد عبده
وضعنا البيان الصادر عن لجنة المعلمين السودانيين يوم أمس الأول أمام حقائق مهمة ومؤسفة في الوقت نفسه، فيما يتعلق بامتحانات الشهادة السودانية التي قررت حكومة بورتسودان إقامتها بنهاية ديسمبر الجاري. ففي خضم الحرب المستمرة في مناطق واسعة من البلاد لما يقارب العامين، التي أنهكت البلاد وأثقلت كاهل الشعب، تأتي قرارات حكومة بورتسودان بإقامة امتحانات الشهادة الثانوية لعام 2023 في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة فقط، كخطوة غريبة، وهي امتحانات “أُجِّلت” بسبب الحرب وتوسع رقعتها. ومما لا شك فيه أن هذه القرارات تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على وحدة البلاد ومستقبلها. هذه القرارات، التي تبدو في ظاهرها تنظيمية، تحمل أبعادًا سياسية واجتماعية تهدد بالانقسام وتعزيز الإقصاء، وهو ما يمهد الطريق لتقسيم السودان بشكل أعمق وأكثر تعقيدًا.
منذ اندلاع الحرب، أصبح التعليم واحدًا من أكثر القطاعات تضررًا، حيث توقفت المدارس في العديد من المناطق، خاصة المناطق التي وصلتها نيران المتحاربين، وفُقدت فرص التعلم لمئات الآلاف من الطلاب بسبب الظروف الأمنية. ورغم هذه الأزمة، أصرت حكومة بورتسودان على إجراء الامتحانات في 28 ديسمبر 2024، متجاهلة الظروف الأمنية والمعيشية التي تعصف بالبلاد. وفوق هذا كله، قررت عدم إجرائها في ثماني ولايات كاملة وأجزاء واسعة من ست ولايات أخرى، بمعنى أن من أصل ثماني عشرة ولاية سودانية، سيجلس طلاب أربع ولايات فقط للامتحانات بشكل كامل.
وفقًا لبيان لجنة المعلمين السودانيين، فإن أكثر من 60% من الطلاب المؤهلين للجلوس للامتحانات سيُحرمون منها، خصوصًا في ولايات دارفور وكردفان الكبرى، وأجزاء من الخرطوم، والجزيرة، ومناطق أخرى تعاني من انعدام الأمن أو غياب الخدمات الأساسية. هذه النسبة الصادمة تعكس واقعًا مريرًا يتمثل في استبعاد شريحة كبيرة من الطلاب، وتحويل حقهم في التعليم إلى امتياز يُمنح فقط لمن يعيشون في مناطق محددة يتحكم فيها الإسلاميون ومليشياتهم.
الإصرار على إجراء الامتحانات في هذه الظروف، دون ضمان العدالة والشمول لكل الطلاب المؤهلين، ودون توفير بيئة آمنة لهم، يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الطلاب. فالتعليم، الذي يُفترض أن يكون أداة محايدة تُفعّل من أجل الوحدة والسلام، يُستخدم الآن، لقصر نظر هؤلاء، كوسيلة لزرع الفتن، وتكريس الفوارق، وإقصاء فئات واسعة من المجتمع السوداني عن حقوقهم.
بالطبع، فإن قرار إجراء الامتحانات على النحو الذي أقرته حكومة بورتسودان ليس قرارًا إداريًا بريئًا، بل يعكس استراتيجية تتبناها هذه السلطة، التي يسيطر عليها عناصر من النظام السابق، لاستغلال التعليم كأداة لتعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي في مناطق محددة، والتحكم بمصير سكانها بزريعة دولتهم المزعومة، أو “دولة البحر والنهر” كما يحلو لهم الاسم والعنوان.
وبالتالي، إقصاء وحرمان طلاب الشهادة الثانوية في المناطق خارج سيطرة القوات المسلحة وحلفائها من عناصر النظام العنصري البائد من الامتحانات، سيعمق بالتأكيد الشعور بالظلم، ويزرع بذور الانفصال وتقرير المصير في نفوس سكان هذه المناطق. لأن استثناء ولايات بعينها من العملية التعليمية، يُراد له أن يُرسّخ فكرة أن السودان ليس دولة واحدة متماسكة، وأن يُواصل ما انقطع من مشروع ما يسمى “بثورة الإنقاذ” الذي عمل على تحويل الدولة السودانية إلى مجموعة من الكيانات المنفصلة، تعاني بعضها دون الأخرى من انعدام العدالة وتفاوت الفرص والحرمان من الحقوق الأساسية والدستورية. وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لوحدة السودان ومستقبل أجياله.
الوسومالشهادة السودانية حرب السودان دارفور لجنة المعلمين السودانيين