وائل محجوب

• وقف الحرب وقطع الطريق على السباق، الذي يتم أمام أعيننا نحو بعث سلطة إستبدادية حالكة الظلمة تفرض سيطرتها على البلاد، ليس بالمهمة السهلة التي يمكن أن تقوم بها مجموعة من القوى المدنية والسياسية المنفردة، بالغ ما بلغت وإن رغبت.

• إن ما نواجهه اليوم يتخطى بكثير ذلك الواقع الذي نهض الناس لمواجهته في ديسمبر ٢٠١٩م، فقد واجه المتظاهرون السلميون الإنقاذ، في ظل وجود الدولة، وما تقود اليه هذه الحرب هي تفكيك للدولة سيفضي لإنهيارها حال إستمرارها، فما يجري اليوم هو تناحر تغذيه أسباب داخلية، وتقف من ورائه قوى أقليمية، ومطامع دولية، تريد أن ترسم للبلاد مسارا يصب في خدمة مصالحها سلما أو حربا، ولا مانع لديها إذا إنقسم السودان لأربع أو خمس دويلات، طالما ستحقق أهدافها في نهاية المطاف، ويعلم الجميع أن تيارا من بقايا الحزب البائد ظل يروج لتقسيم السودان بخلفيات قبلية وعرقية.

• لقد عرضنا من قبل للسيناريوهات المحتملة إذا إستمرت الحرب، كما عرضنا للسيناريوهات المحتملة في حالة إنتصار أحد أطرافها، في ظل تسلق التيار الإسلامي، من مؤتمر وطني وحركة إسلامية وتيارات داعمة لها، وخروج ذلك التيار للعلن في هذا الصراع، عبر أذرعه العسكرية في قتالها مع الجيش، وتغلغل كوادره المغاضبة والمصطفة على أساس قبلي مع الدعم السريع.

• لقد إستقر رأي غالبية المبادرات المطروحة أقليميا، والمسنودة دوليا، على وقف دائم وطويل الأجل لإطلاق النار، وترتيبات أمنية لفصل القوات، وحماية المعسكرات والمرافق الإستراتيجية للدولة، وخروج الجيش من السلطة، وتسليم الحكم لحكومة مدنية، وإصلاح الجيش وتخليصه من الإنحيازات السياسية، وإنهاء وجود الدعم السريع، وإنجاز مشاريع للعدالة، والتعويضات، وإعادة الأعمار.

• وكل هذه القضايا هي مبادئ تم إقرارها، وتحتاج لرؤية متكاملة لإنفاذها، ومع تقديرنا للتحركات التي تقوم بها قوى الحرية والتغيير، سوأ عبر إتصالاتها الخارجية، أو من خلال مساعيها لبناء جبهة مدنية، وتصوراتها التي تقوم بطرحها، والمبادرات المختلفة التي تطرحها مجموعات من قوى المجتمع المدني، فإن كل ذلك الجهد يظل منقوصا، ما لم يحدث إختراقا لمعالجة الإنقسام الرئيسي، الذي تعيشه الحركة السياسية وقاد لتشظ، إمتد من تجمع المهنيين، مرورا بالمجتمع المدني، وإنتهاء بلجان المقاومة، وبما يفضي لإجماع ووحدة سودانية، وتوحيد المطالب المتعلقة بوقف الحرب، وما بعدها برؤية متماسكة.

• إن أي جهد في ظل هذا الإنقسام لن يفضي للنتائج المرجوة، وسيفتح الباب لفرض وجود المؤتمر الوطني في التفاوض، وفي المعادلات السياسية لما بعد الحرب والسيناريوهات القادمة، وهو ما يشكل خطرا داهما لا يتهدد مستقبل البلاد فحسب، وإنما كل القوى المنقسمة حاليا.

• فلتغلب القوى المختلفة المصلحة الوطنية العليا للبلاد، والتي تعلو على كل الخلافات، فالأولوية الأن التي ينتظرها ملايين السودانيين، في الخرطوم وولايات السودان المختلفة التي نزحوا اليها، بعدما فقدوا كل يملكون، وغيب الموت اقربائهم وأهلهم ممن فقدوا أرواحهم منذ بدء الحرب، وملايين اللاجئين الموزعين بين دول الأقليم، الأولوية هي وقف الحرب، وإنهاء حقبة التسلط وعهد المليشيات الحزبية والقبلية، الذي حطم البلاد، وهي مهمة ضخمة، لا تستطيع جهة منفردة بالغت ما بلغت أن تقوم بها، إنما تحتاج لعزائم لا تلين حتى تتحقق، وتوحد سوداني يفرض إرادته على كل المبادرات المطروحة في الساحة، ويعيد ضبط معادلاتها على ما يريده الشعب بصدق وحق، لا ما يريده اصحاب المصالح ودوائرهم.

• ومبدأ وأساس ذلك هو إستعادة كاملة لأهداف وشعارات ومطالب ثورة ديسمبر، فما يجري الأن بهذه الحرب، هو محاولة أخيرة لتصفيتها بشكل كامل ونهائي، بعدما اصطدمت كل المحاولات السابقة، من فض اعتصامات الولايات، وخلق الأزمات وصولا لإنقلاب ٢٥ اكتوبر، بعقبة الشارع، وكان ذلك هو هدف قادة الحرب اليوم توحدوا من أجله، وإصطرعوا لتحقيقه كل بمفرده، إختطافا للبلاد وتكريسا لمصالح داعميهم.

• الحرب هي أعلى مراحل السياسة، وهي تعيد تشكيل المعادلات السياسية، حتى في الدول ذات الديمقراطيات الراسخة، ناهيك عن بلد نام لا زال يرسف في أغلال الجهوية والقبلية والعنصرية، ويكفي فقط رصد التحولات التي طرأت بعد الحرب على طيف واسع من أهل السودان، وبعضهم من المنتمين سياسيا، وللتيار الثوري، الذين يساندون إستمرار الحرب، ويدعمون طرفا من إطرافها، لفهم كيف يتم إستغلال حالة الغضب بسبب الفقد والخسران والإحساس بالظلم، لإعادة صياغة العقول، وشحن النفوس بشعارات شوفينية، وحقنها بشعارات العنصرية والجهوية، والثأر للكرامة والإقتصاص من العدو، فينسون في غمرة الحماس وإنعدام التوازن والغضب، جلادهم الذي بطش بهم من قبل، ويغضون الطرف عن ألد اعدائهم وكل جرائمهم وموبقاتهم، ليتحالفوا ويصطفوا معهم، وما من بيان أسطع من هذا عما تفعله الحرب بالناس والشعوب.

• كلمة أخيرة؛
يا أهل السودان، أدركوا بلادكم، إنما أهلك الأمم من قبلكم، أنهم ظلوا في شغل شاغل بخلافاتهم وصراعاتهم، حتى تسلل الأعداء لمخادعهم، فلننهض جميعا لإنقاذ الوطن ولجم الخراب والدمار والموت، وقطع الطريق على سدنة الطغيان وأنصارهم، من بقايا الإنقاذ في جانبي الحرب، ولنراجع حينما نسترد الوطن، كل ما تم منذ إندلاع الثورة، مرورا بالإنقلاب، وإنتهاء بإندلاع الحرب، فلنعد ترتيب سلم الأولويات، فالوطن أولا.

الوسوموائل محجوب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار

دعت دولة الإمارات العربية المتحدة كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الموافقة على وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية.
وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في السودان، وإنما فقط حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني.

وأوضح البيان إلى أنه: «مع دخول حرب السودان المدمرة عامها الثالث، تصدر الإمارات العربية المتحدة دعوة عاجلة للسلام. إن الكارثة الإنسانية التي تتكشف في السودان هي من بين أشد الكوارث في العالم: أكثر من 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة عاجلة، والمجاعة تنتشر، والمساعدات يتم حظرها عمداً».
وأضاف البيان: «وما زالت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ترتكب الفظائع. إن الهجمات المستمرة للقوات المسلحة السودانية - التي تميزت بتكتيكات التجويع، والقصف العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان، والأعمال الانتقامية ضد المدنيين، بما في ذلك عمال غرف الاستجابة للطوارئ، والاستخدام المبلغ عنه للأسلحة الكيميائية - ألحقت معاناة لا يمكن تصورها بالسكان المدنيين الذين هم بالفعل على شفا الانهيار. تدين الإمارات هذه الفظائع بشكل لا لبس فيه وتدعو إلى المساءلة. كما تدين الإمارات بشدة الهجمات الأخيرة على المدنيين في دارفور، بما في ذلك الاعتداءات الوحشية على مخيمي زمزم وأبو شوك بالقرب من الفاشر، والتي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى. يجب على جميع أطراف النزاع وقف الاستهداف المتعمد للعاملين في المجال الإنساني والقصف العشوائي للمدارس والأسواق والمستشفيات».

وتابع البيان: في هذه اللحظة من المعاناة الهائلة، تدعو الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ إجراءات فورية على ثلاث جبهات:

1. وقف إطلاق النار والعملية السياسية


يجب أن تصمت البنادق. وتحث الإمارات كلا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الموافقة على وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية. لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري - فقط حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني.

2. وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق


وعرقلة المعونة أمر غير معقول، كما أن تسليح المعونة الإنسانية والإمدادات الغذائية عمل مدان. يجب على كلا الطرفين السماح بالوصول الفوري والآمن والعاجل للمنظمات الإنسانية للوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليها في جميع أنحاء السودان. وتدعو الإمارات الأمم المتحدة إلى منع الأطراف المتحاربة من استخدام المساعدات الإنسانية لأغراض عسكرية أو سياسية. حياة الملايين من المدنيين تعتمد على ذلك.

3. الضغط الدولي


ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل على وجه السرعة لتيسير عملية سياسية، وزيادة المساعدة الإنسانية، وممارسة ضغط منسق على جميع الجهات الفاعلة التي تغذي الصراع. وندعو إلى الانتقال إلى حكومة مستقلة يقودها مدنيون—وهي الشكل الوحيد للقيادة التي يمكن أن تمثل شعب السودان تمثيلا شرعيا وتضع الأساس لسلام دائم. لا يمكن للعالم أن يسمح للسودان بالتحول إلى مزيد من الفوضى والتطرف والتشرذم.
منذ اندلاع النزاع، قدمت الإمارات العربية المتحدة أكثر من 600 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية للسودان والدول المجاورة—بما في ذلك من خلال وكالات الأمم المتحدة، بنزاهة، على أساس الحاجة ودون تمييز. ولا نزال ملتزمين بدعم الشعب السوداني والعمل مع الشركاء الدوليين للتخفيف من المعاناة والضغط من أجل السلام.
لقد حان وقت العمل الآن. يجب أن يتوقف القتل. يجب أن يبنى مستقبل السودان على السلام والعدالة والقيادة المدنية المستقلة عن السيطرة العسكرية-وليس على طموحات أولئك الذين يسعون إلى إطالة أمد الحرب على حساب شعبهم.

مقالات مشابهة

  • محمود ديكو.. الإمام الذي يخيف الانقلابيين في مالي
  • صحيفة عبرية: السلطة الفلسطينية تستعد لمرحلة ما بعد الحرب بطلب فرنسي
  • ناشد بالتصدي لخطاب الكراهية .. حمدوك: حرب السودان صراع على السلطة
  • بيان دولة الإمارات بشأن مرور سنتين على اندلاع الصراع في السودان .. تصريحات معالي لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية
  • الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • محافظ سوهاج يصدر قرارًا بحجز السيارات التي تقوم بتحصيل أجرة زائدة أو التحميل من خارج المواقف
  • سفير الاتحاد الأوروبي: ناقشت مع المنفي العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة
  • هنادي بت الفاشر الطبيبة التي قتلت وهي تدافع عن أهالها بمخيم زمزم
  • زيلينسكي يدعو ترامب إلى زيارة أوكرانيا لرؤية حجم الدمار الذي خلفته الحرب