لفت تقرير لوكالة أسوشيتد برس إلى تغير المزاج العام في ألمانيا تجاه الوافدين الجدد من المهاجرين، ولا سيما طالبي اللجوء.

وفي تفاصيل سرده لمشاكل الاكتظاظ بمراكز التكفل باللاجئين في البلاد، قال التقرير "بينما رحب الألمان بطالبي اللجوء بالزهور والشوكولاتة والألعاب عندما وصلوا لأول مرة في عام 2015، وفتح العديد منهم منازلهم لإيواء الأوكرانيين في عام 2022، فإن المزاج تجاه الوافدين الجدد تغير بشكل عميق منذ ذلك الحين".

وبلغ عدد الوافدين الجدد هذا العام، أكثر من 10 آلاف مهاجر تقدموا بطلبات للحصول على اللجوء في العاصمة الألمانية "في وقت لا يوجد فيه أماكن كافية لاستيعابهم في برلين" يقول التقرير.

وقالت ساشا لانجينباخ، المتحدثة باسم مكتب الدولة لشؤون اللاجئين في برلين، في مقابلة أجريت معها هذا الأسبوع "الوضع ليس جيدا جدا في الوقت الحالي.. هذا أكثر بكثير مما توقعنا العام الماضي".

وفي حي رينكندورف ببرلين، تم تحويل مستشفى الصحة النفسية السابق إلى مركز تسجيل طالبي اللجوء في المدينة في عام 2019، بطاقة استيعاب تصل إلى 1000 مهاجر، وهو الآن مكتظ عن آخره، بسبب تتابع وصول طالبي اللجوء.

وقام المسؤولون بإضافة نحو 80 سريرا إضافيا في الكنيسة التابعة للمبنى حتى يتم التكفل بعدد آخر.

ومثل نحو 100 ملجأ آخر للاجئين في برلين، فاق استقبال هذا المركز طاقة استيعابه بكثير.

لذلك، قالت سلطات برلين إنها ستحول حظيرة طائرات في مطار تمبلهوف السابق لاستقبال الأعداد الإضافية، وستنصب خيمة كبيرة في مركز تسجيل طالبي اللجوء، وتفتح متجرا سابقا للأجهزة، وفنادق ونزلا في المدينة لتوفير مساحة لنحو 5500 شخص آخرين.

وإضافة لقلة أماكن الاستقبال، لا توجد أماكن كافية في رياض الأطفال والمدارس للتكفل بأبناء اللاجئين.

وبالإضافة إلى طالبي اللجوء من بلدان معروفة بعدم الاستقرار منذ سنوات، استقبلت برلين أيضا 11 ألف لاجئ أوكراني آخر هذا العام فقط، فروا من الحرب الروسية.

والافتقار إلى إمكانات استقبال المهاجرين واللاجئين الأوكرانيين لا يقتصر على برلين "إنها مشكلة في جميع أنحاء ألمانيا" وفق التقرير، حيث يطالب المسؤولون المحليون ومسؤولو الولايات بالمزيد من الأموال من الحكومة الفيدرالية دون جدوى.

وتقدم أكثر من 220 ألف شخص بطلب اللجوء في ألمانيا بين يناير  وأغسطس، معظمهم من سوريا وأفغانستان وتركيا ومولدوفا وجورجيا.

وعلى عكس الآخرين، يحصل الأوكرانيون، على الفور، على الإقامة في ألمانيا وحتى دول الاتحاد الأوروبي الـ 26 الأخرى.

وفي عام 2022، تقدم 240 ألف شخص بطلب اللجوء في ألمانيا، "وهذا بعيد كل البعد" وفق تعبير الوكالة عن مليون شخص وصلوا إلى ألمانيا بين 2015-2016 فقط.

وتقول لانجينباخ معلقة على موضوع  الاكتظاظ في مراكز الإيواء "بعد عامين من أزمة فيروس كورونا، ثم حرب أوكرانيا وارتفاع أسعار كل شيء مثل التدفئة والغاز، وكذلك الطعام، من الصعب أحيانا إقناع الناس بأن عليهم مشاركة الأماكن مع الأشخاص الذين وصلوا للتو".

صعود اليمين المتطرف

في غمرة هذا المشهد، نجح حزب "البديل من أجل ألمانيا" (Alternative for Germany) الذي ينتمي لليمين، المتطرف في استغلال مواقف الألمان المتشددة تجاه المهاجرين. 

وتضع استطلاعات الرأي الحزب الآن في المركز الثاني على المستوى الوطني بنسبة 21%، وهي أعلى بكثير من نسبة 10.3% التي فاز بها خلال الانتخابات الفيدرالية الأخيرة في عام 2021.

وكانت خطابات زعماء الحزب المناهضة للمهاجرين، بما في ذلك الدعوات لإغلاق حدود ألمانيا لمنعهم من الدخول، سببا في فرض ضغوط على الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات والأحزاب الرئيسية الأخرى لتشديد نهجها تجاه المهاجرين.

وأعلن وزير الداخلية الألماني،  الأربعاء، أن البلاد ستشدد الرقابة على الحدود على طول "طرق التهريب" مع بولندا وجمهورية التشيك لمنع المهاجرين غير الشرعيين من الدخول.

وفي يونيو، دافع المستشار الألماني، أولاف شولتز، عن خطط لمنع المهاجرين من دخول الاتحاد الأوروبي حتى تتم مراجعة فرصهم في الحصول على اللجوء، بحجة أن الترتيبات الحالية للكتلة الأوروبية بشأن تقاسم عبء طالبي اللجوء بينها "مختلة تماما". 

وتستقبل ألمانيا مهاجرين أكثر من معظم الدول الأوروبية، لكن دولا أخرى مثل تركيا ولبنان، التي تؤوي ملايين المهاجرين من سوريا، استقبلت عددا أكبر من اللاجئين بالنسبة لسكانها.

امتنان

على الرغم من تغير المشاعر تجاه المهاجرين في ألمانيا، فإن أولئك الذين ينجحون ويتقدمون بطلب اللجوء يشعرون بالامتنان عموما لوجودهم هنا.

عبد الله الشويطي، من مدينة حمص السورية، وصل مؤخرا إلى برلين وكان ينتظر نتائج فحصه الطبي في مركز استقبال اللاجئين. 

قال في حديث للوكالة إنه يشعر بالارتياح لوجوده "في مكان آمن".

وقال الشاب البالغ من العمر 29 عاما إنه هرب من بلده لأن منزل عائلته تعرض للقصف في الحرب وإنه لم يكن يريد الانضمام لصفوف الجيش النظامي. 

وكشف أنه دفع نحو 3180 دولار للمهربين الذين ساعدوه على العبور من لبنان إلى أوروبا. 

وسلك هذا الشاب طريق البلقان، وقام بالرحلة رفقة شبان سوريين آخرين شمالا عبر غابات بلغاريا. 

وقال ميربيكان جورهان، وهو شاب كردي من بينغول في شرق تركيا، إنه فر من قمع سلطات بلاده، وإنه دفع نحو 6360 دولار للمهربين لترتيب رحلته من أنقرة إلى بلغراد في صربيا، ثم إلى ألمانيا.

وتابع هذا الشاب البالغ من العمر 24 عاما "آمل أن أحصل على مستقبل أفضل هنا، والعثور على عمل"، بينما كان عمه، الذي تقدم بطلب اللجوء في برلين قبل أربع سنوات، يقف بجانبه ويترجم.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: طالبی اللجوء فی ألمانیا اللجوء فی فی برلین فی عام

إقرأ أيضاً:

هل تغلق أوروبا باب اللجوء أمام الأتراك؟

أنقرة- في خطوة جديدة ضمن مساعيها لإصلاح سياسة اللجوء، طرحت المفوضية الأوروبية مقترحا لإقرار قائمة موحدة للدول الأصلية الآمنة التي يفترض أن مواطنيها لا يواجهون خطرا جديا يبرر منحهم حق اللجوء.

ويهدف هذا التوجه إلى تسريع البت في الطلبات، وترحيل من تُرفض ملفاتهم بسرعة، في محاولة لتخفيف الضغط المتزايد على أنظمة اللجوء في دول الاتحاد التي تواجه تكدسا في الملفات وتناميا في الطلبات المصنفة على أنها "غير مستحقة".

وتتضمن القائمة الأولية 7 دول هي كوسوفو، ومصر، وتونس، والمغرب، والهند، وبنغلاديش، وكولومبيا. ويُفترض أن يتم التعامل مع طلبات مواطنيها عبر إجراءات معجّلة، وبافتراض مبدئي بعدم وجود حاجة للحماية، ما لم يُثبت مقدم الطلب العكس.

تركيا مرشحة

في خضم هذا النقاش، حجزت تركيا لنفسها مكانا مركزيا في الجدل باعتبارها دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ سنوات.

ووفقا لما أعلنته المفوضية، فإن الدول المرشحة تُعتبر من حيث المبدأ بلدانا آمنة لكونها ملزمة باحترام معايير الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان ضمن إطار مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد.

ورغم أن القائمة الأولية التي اقترحتها لم تذكر تركيا صراحة، فإن الوثيقة أوضحت أن استبعاد دولة مرشحة قد يتم فقط في حالات استثنائية، مثل وجود نزاع مسلح على أراضيها، أو خضوعها لعقوبات أوروبية، أو تجاوز نسبة قبول طلبات لجوء مواطنيها في الاتحاد عتبة الـ20%، وهي جميعها شروط لا تنطبق على أنقرة في الوقت الحالي.

إعلان

من جهتها، لم تُصدر تركيا أي اعتراض رسمي على المقترح الأوروبي الأخير، بل تظهر مؤشرات على ترحيب ضمني بإدراجها كبلد آمن، كونه يعزز موقعها السياسي في سياق مساعي الانضمام إلى الاتحاد. وتشدد على أنها تكفل الحماية القانونية لمواطنيها، وترفض ما تصفه بـ"التسييس الأوروبي" لملف اللجوء.

وقد دأبت السلطات التركية على انتقاد منح بعض دول الاتحاد اللجوء لمواطنين أتراك تعتبرهم مطلوبين لديها، حيث وصفت وزارة الخارجية التركية قرار اليونان منح اللجوء لعسكريين أتراك متورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 بأنه قرار ذو دوافع سياسية، واتهمت أثينا بـ"حماية الانقلابيين".

طلبات مرتفعة

تعكس البيانات الرسمية الصادرة عن وكالة اللجوء الأوروبية والمكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي مسارا متصاعدا في عدد طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد خلال السنوات الأخيرة، تخلله تراجع طفيف في عام 2024.

ففي عام 2019، سُجلت قرابة 25 ألفا و885 طلب لجوء من مواطنين أتراك، ما وضع أنقرة حينها في المرتبة السادسة بين أكبر الجنسيات المقدمة للجوء في أوروبا. ومع تفشي جائحة كورونا في العام التالي، انخفض العدد إلى نحو 15 ألفا و834 طلبا، متأثرا بقيود السفر وإغلاق الحدود.

لكن المنحنى عاد إلى الصعود اعتبارا من 2021، إذ سُجل نحو 23 ألفا و764 طلبا، ليتضاعف الرقم تقريبا في 2022 ويبلغ 55 ألفا و446 طلبا، مسجلا أعلى مستوى منذ سنوات.

وفي 2023، وصلت طلبات اللجوء من تركيا إلى ذروتها، حيث بلغت قرابة 101 ألف طلب، بزيادة تفوق 82% عن العام السابق، ما جعلها في الرتبة الثالثة ضمن أكبر الدول المصنفة مصدرا لطالبي اللجوء بعد سوريا وأفغانستان.

في المقابل، شهد عام 2024 تراجعا حادا في الطلبات، إذ بلغ عددها نحو 56 ألفا فقط، أي ما يقارب نصف ما سُجل في 2023، بحسب أحدث بيانات وكالة اللجوء الأوروبية. وقد أعادت هذه الانخفاضات أنقرة إلى المرتبة الرابعة بين الدول الأكثر تصديرا لطالبي اللجوء في أوروبا.

إعلان

إلى جانب تزايد الطلبات، تشير الإحصاءات إلى مسار عكسي في معدلات القبول، فبينما كانت نسبة الاعتراف بطلبات اللجوء التركية عام 2019 تقارب 54%، بدأت هذه المعدلات بالانخفاض عاما بعد آخر. ففي 2020، بلغ معدل القبول 45%، ثم 41% في 2021، وانخفض إلى 37% فقط في 2022.

وفي 2023، وصلت نسبة القبول إلى أدنى مستوياتها، حيث لم تمنح صفة لاجئ إلا لحوالي 23% من المتقدمين، بينما حصل 1% فقط على حماية فرعية، وتم رفض نحو 75% من الطلبات المقدّمة. أما في النصف الأول من 2024، فقد تراجع معدل القبول مجددا إلى 17% فقط، بحسب وكالة اللجوء الأوروبية، ما يعكس استمرار تشدد العواصم الأوروبية في التعامل مع الطلبات التركية.

أسباب متعددة

أوضح الباحث في دراسات الهجرة حيدر هالوك جيلان، للجزيرة نت، أن طلبات اللجوء تُقبل أو تُرفض بناء على معايير دقيقة نصت عليها اتفاقية جنيف لعام 1951 وبروتوكولها الإضافي عام 1967، والتي تشترط:

أن يكون مقدم الطلب خارج بلده الأصلي. أن يُثبت وجود خطر حقيقي يُهدد حياته بسبب انتمائه العرقي أو الديني أو السياسي أو الاجتماعي.

وأضاف أن هذه الشروط لا تقيّم بحسب الدولة فقط، بل تُدرس وفقا لكل حالة على حدة. ويرى أن بعض التحولات السياسية التي شهدتها تركيا، مثل احتجاجات "غزي بارك"، ومحاولة انقلاب 2016، والجدل حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، دفعت شريحة من المواطنين إلى التفكير في مغادرتها.

لكنه استدرك بالقول إن مسألة اعتبار تركيا "دولة منشأ آمنة" لا تُحسم جماعيا، بل تقيّم على مستوى كل طلب فردي، مستشهدا بحالات "الدولدونغ" في ألمانيا، وهو وضع قانوني مؤقت يُمنح لمن رُفضت طلباتهم ولكن لم ينفذ ترحيلهم، والذي يستخدم على نطاق واسع بين المتقدمين الأتراك.

وأشار جيلان إلى أن دوافع التقدم بطلبات اللجوء لم تقتصر على الأسباب السياسية، بل شملت أيضا عوامل اقتصادية لا سيما في ظل موجات "هجرة العقول" من تركيا، وهو ما ينعكس في الطلبات التي ترفض غالبا لأن الدوافع الاقتصادية لا تعد مبررا قانونيا للحماية الدولية.

إعلان

وحول الجدل بشأن احتمال إدراج أنقرة رسميا ضمن قائمة الدول الآمنة، قال الباحث إن هذا الاحتمال وارد في ضوء تفعيل مقترح المفوضية الأوروبية الأخير، خاصة مع تصاعد النزعات الشعبوية واليمينية في عدد من الدول الأوروبية، والتي باتت تضغط باتجاه مزيد من السياسات التقييدية على المهاجرين.

من جانبه، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن إثارة مسألة تصنيف تركيا كدولة آمنة لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الأوسع الذي يحكم العلاقات بينها وبروكسل، معتبرا أن الملف يتجاوز البعد القانوني ويتصل مباشرة بموازين التفاوض بين الطرفين.

وقال للجزيرة نت إن الاتحاد الأوروبي يبقي هذا التصنيف في مستوى الغموض المتعمد، لا سيما أن استخدامه كورقة ضغط قابل للتفعيل في ملفات شائكة مثل اتفاقية الاتحاد الجمركي أو ترتيبات إعادة اللاجئين، مضيفا أن هذا التوظيف السياسي يظهر كيف أصبحت قضايا الهجرة مرتبطة مباشرة بتوازنات المصالح لا بالمبادئ فقط.

مقالات مشابهة

  • كيف ينظر الأوروبيون إلى حقوق المهاجرين غير النظاميين؟
  • الإجرام الإسرائيلي يتواصل.. الاحتلال يستهدف مدارس الإيواء والمستشفيات في غزة
  • ترامب: من حقي ترحيل المهاجرين دون محاكمة
  • صرخة في وجه الصمت.. غزة تنزف واليمن يُقصف والأمة في سبات عميق
  • هل تغلق أوروبا باب اللجوء أمام الأتراك؟
  • زلزال عميق يضرب إندونيسيا بقوّة 6.2 درجات
  • غالانت يكشف كذب إسرائيل: لم يكن هناك نفق بمحور فيلادلفيا بل قناة بعمق متر واحد وتم تسويقها على أنها نفق عميق
  • الكاثوليك الألمان يترقبون البابا القادم.. دعوات لاستمرار الانفتاح وتحذيرات من العودة إلى الوراء
  • "الجارديان": تصاعد الهجمات ضد اللاجئين في برلين وسط تنامي جرائم اليمين المتطرف
  • "الجارديان": برلين تسجل ارتفاعا في الهجمات ضد اللاجئين وسط تصاعد الجرائم اليمينية المتطرفة