فيصل الباقر

مدار أوّل:
“ومن ظنّ مِمّن يُلاقي الحُروب … بأن لا يُصاب.. فقد ظنّ عجزا” ((الخنساء – تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد))

-1-
أكتب اليوم صباح الأربعاء 27 سبتمبر 2023، ومازالت الحرب الكارثية “المليجيشية” بين الدعم السريع والجيش تتواصل وبشراسةٍ غير مسبوقة، فى الخرطوم، كما فى دارفور، وتمضي نحو المزيد من الإقتتال والإحتراب العبثي وبصورة جنونية بين قوات طرفي الإقتتال، دون أدني اكتراث لحياة المدنيين، وكافة الأعيان المدنية، وهو التزام يفرضه القانون الدولي الإنساني، وللأسف مازال الطرفان عاجزان – تماماً – عن الإيفاء به، إذ تستمر المواجهات الشرسة، وسط الأحياء السكنية، وتتصاعد موجات الاشتباك والقصف المتبادل بين طرفي القتال، وتزداد حِدّةً الاقتتال بصورة مروعة كل صباحٍ جديد، وتزداد المخاطر على المدنيين، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين مطرقة قصف طيران الجيش، وسندان مسيّرات وآلة موت الدعم السريع!.

-2-
مع كل ذلك العنف والعنف المُضاد، تسيطر (البروباقاندا) الحربية على المشهد الإعلامي، ويجري ويتم الإستقطاب للحرب نهاراً جهاراً، وتتعالى أصوات الدعوة لمواصلتها، لتحرق نيرانها الأبرياء والمنشآت الخاصة والعامة، بما فى ذلك دور العِلم والمستشفيات وكافة المؤسسات الخدمية، لتصبح هذه الحرب اللعينة، حرب استنزاف لقدرات وطاقات الوطن، ولا – ولن – ينتج عنها سوى الإهدار الكامل لموارد يصعب إعادة تأهيلها فى القريب العاجل أو الغد البعيد !.

-3-
فى مناخ الحرب الكارثية هذه، يخرج علينا وزير الثقافة والإعلام “المكلّف” الدكتور جراهام عبد القادر – للأسف – فى تصريحات صحفية باهتة المبني والمعني، ليحدثنا – والبلاد والعباد فى حالة حرب وشقاء – بكلامٍ “خارم بارم”، يقول فيه أنّه إلتقى رئيس مجلس السيادة البرهان، وحدّثه و”نوّره” عن الجهود التي قامت بها وزارة الإعلام فى تبني الدعاية الحربية، بدلاً عن تنوير الناس بمخاطر حمي الضنك، وضرورة أخذ الحيطة والحذر اللازمين قبل انتشار وباء الكوليرا التي ظهرت منها حالات مثبتة معملياً، وفق معلومات موثوقة، لنقابة الأطباء السودانيين.. للأسف، يتحدث السيد الوزير حديثاً مُبهماً عن انجازات وزارته، بعيداً عن أيّ أرقام أو إحصائيات، تدعم ادعائه العجيب، ليكون تصريحه الصحفي “كلام ساكت” أو “كلام فاضي” !.

-4-
لنقرأ معاً، التصريح الصحفي الأخير للسيد الوزير، وهو بتاريخ (25 سبتمبر 2023) ونحكم بعد ذلك، للسيد الوزير، أو عليه، بما جرّه عليه لسانه من فارغ القول.. قال الدكتور جراهام: “أنّه أطلع رئيس مجلس السيادة على أداء وزارة الإعلام خلال المرحلة الماضية والملامح العامة لخطط وبرامج الوزارة” وأضاف أنه “قدم (تنويراً) لرئيس المجلس حول الجهود التي قامت بها أجهزة الإعلام الرسمية فى التصدي لـ(مليشيا) الدعم السريع (المتمردة) وتبصير الرأى المحلي والعالمي بالانتهاكات التى قامت بها المليشيا (الإرهابية) ضد المواطنين”، لافتاً إلى أنّ رئيس مجلس السيادة “ثمّن” الدور الكبير الذي ظلت تقوم به الوزارة وتصديها للـمليشيا الإرهابية على الدولة وقيامها بانتهاكات واسعة فى حق المدنيين والمرافق العامة” …إنتهي التصريح الصحفي !.

-5-
هنا لا نملك سوى أن نقول سبحان الله مغير الأحوال من حالٍ إلى حال، سبحانه الذى غيّر لغة الخطاب الرسمي، تجاه الدعم السريع، أصدقاء الأمس، أعداء اليوم، فأصبح البرهان يدعو إلى تصنيفهم “مجموعة إرهابية”، بعد أن كانوا – بالأمس القريب – أحباب “يشكلون جزءاً مهماً من القوات المسلحة السودانية”، و”لهم دور فى حفظ الأمن داخل البلاد”….إلخ، وهذا ما قاله السيد البرهان حرفياً فى كلمةٍ له فى أم درمان، أمام “قوات درع الصحراء” التابعة للدعم السريع، فى احتفال مشهود بمنطقة أم درمان العسكرية فى مارس 2021 !.

-6-
تصريح وزير الإعلام، يذكرنا ويُعيد إلى أذهاننا ومسامعنا أحاديث السيد جوزيف غوبلز(وزير الدعاية الحربية الألماني فى زمن حكم هتلر)، الذى تعود إليه نظرية “السيطرة على العقول” أو “التأطير”، والتي يمكن تلخيصها فى “ابراز جوانب من القصة الخبرية، والتركيز عليها، وإخفاء جوانب أُخري عمداً، بهدف تضليل المتلقي”، ولن نتردد هنا فى تذكير القراء والقارءات بقليل من كثير من الأقوال المحفوظة للسيد غوبلز: “الدعاية الناجحة يجب أن تحتوي على نقاط قليلة وتعتمد التكرار”، و”كلما كبرت الكذبة، سهُل تصديقها”، و”أكذب ثم أكذب ثمّ أكذب، حتى يصدقك الآخرون” !. وهذا الأسلوب هو عين ما يجري حالياً من إعلام طرفي الحرب فى السودان، حيث تصبح الدعاية للحرب، هي الهدف الرئيس من الرسائل الإعلامية التي يطلقها – ليل، نهار – قادة إعلام الحرب المليجيشية الخاسرة!.

-7-
أليس غريباً ومُعيباً ومُخيّباً للآمال أن لا يفكّر وزير الثقافة والإعلام فى أن يحدثنا عن الأسباب الحقيقية وراء توقف مفاوضات جدة، أو عن الدمار الكبير الذي أحدثته المعارك القتالية والاشتباكات العنيفة بين الطرفين فى البنية الثقافية المهترئة، أو عن توقف الإذاعات عن البث المباشر، أو عن غياب الصُحف عن منافذ التوزيع، أو عن تحويل مباني المسارح – على قلّتها – إلى ثكنات عسكرية، أو عن “حجب” أخبار مُطالبة المواطنين البسطاء بوقف الحرب والإقتتال بين الطرفين، أوعن دور ومجهودات وزارته وأجهزتها الإعلامية فى مناهضة خطاب الكراهية، الذى استشري بصورة كبيرة منذ اندلاع الحرب فى 15 أبريل 2023، أو أن يحدثنا عن دور وزارته فى حماية وسلامة الصحفيين والصحفيات، أو عن أوضاعهم/ن التي تسوء يوماً بعد يوم، وقد أكدت التقارير المنشورة ما يتعرض له الصحفيون والصحفيات فى السودان من عنف واستهداف ممنهج، من قوات الطرفين، بهدف ازاحتهم/ن عن المشهد الإعلامي، لتكريس حالة ((الإظلام الإعلامي)) التي تتسع رقعتها يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر !.

-8-
الواجب يُحتّم علينا فى (مهنة البحث عن الحقيقة)، مواصلة رفع الصوت ضد الحرب وضد مُشعليها وضد المروجين و”المطبلين” لها، ولنواصل بصبرٍ ونكران ذات مهمة تجميع وتكثيف الجهود لمواجهة صحافة وإعلام الحرب، بإعلامٍ بديل، يبشّر بالسلام واحترام وتعزيز حقوق الإنسان، مهما كانت التحديات..فلنرفع أصواتنا عالية ضد الحرب وضد صحافة وإعلام الحرب، وفى هذا فليتسابق المتسابقون !.

جرس أخير:
“والحربُ يبعثُها القويُّ تجبُّرا .. وينوءُ تحت بلائِها الضُعفاءُ” ((أحمد شوقي))

الوسومفيصل الباقر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع

وضع الجيش السوداني الأربعاء شروطا لأي تفاوض مع قوات الدعم السريع يفضي إلى نهاية الحرب، وقال إن استعادة السيطرة على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار جنوب شرقي البلاد مسألة أيام فقط.

وقال ياسر عطا مساعد القائد العام للجيش إن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي يسعى إلى تغيير التركيبة الديمغرافية في السودان.

ونفى وجود أي خطط للقاء بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وحميدتي، وذلك ردا على تقارير تحدثت عن عقد لقاء بينهما قريبا في أوغندا.

وأشار إلى أن أي تفاوض مع قوات الدعم السريع يفضي إلى نهاية الحرب يجب أن تسبقه الاستجابة لعدد من الشروط.

وردا على سؤال للجزيرة نت، أوضح العطا أن شروط الجيش للتفاوض مع الدعم السريع هي:

-استسلام قوات الدعم السريع، "وقد تم تحديد 5 معسكرات لنقل قواتهم إليها مع تعهد بعدم التعرض لهم أو استهدافهم ما داموا في تلك المواقع".

-الانسحاب من كافة المناطق السكنية وإخلاء المباني التي سيطروا عليها خلال الأشهر الماضية.

-تسليم الأسلحة والمعدات القتالية، وإعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، وتسليم المتابعين قضائيا بتهم تتعلق بالانتهاكات التي حدثت خلال الفترة الماضية "والتي شملت أعمال النهب وجرائم الاغتصاب والتعدي على حقوق المواطنين".

وقال إنه لن يكون هناك وجود سياسي أو عسكري لقوات الدعم مستقبلا في القوات المسلحة.

وتعهد مساعد قائد الجيش بجبر الضرر وتقديم التعويضات المناسبة "لكل من استهدفتهم جرائم قوات الدعم خلال الفترة الماضية"، وقال إن الجيش سيعين حكومة مستقلة تشرف على تسيير الأمور اليومية، على أن يواصل تولي السلطة إلى غاية تنظيم انتخابات.

وتحدث عطا لوفد من الإعلاميين في منطقة واد سيدنا العسكرية بأم درمان عن تفاصيل الحرب التي تشهدها السودان منذ نحو 15 شهرا.

الخطة والتمويل

وأكد أن قوات الدعم السريع كانت تخطط من خلال حربها وسعيها للاستيلاء على السلطة لتهميش أكثر من 500 قبيلة في السودان وحصر السلطة في فئة قليلة من المجتمع السوداني.

وأشار إلى أن خطط الدعم تلاقت مع خطط دول أخرى باستهداف لم شمل عرب الشتات في السودان على حساب قبائل السودان الأصلية ذات الأصول الأفريقية.

واتهم عطا الإمارات بالوقوف خلف قوات الدعم السريع بتوفير مختلف أشكال المساندة عبر تدفق الأموال والأسلحة والمرتزقة الذين يتم تجنيدهم من مناطق مختلفة، على حد قوله.

ونقل عطا اعترافا لأحد رؤساء الدول المجاورة للسودان أكد فيه أنه سمح بمرور أسلحة لصالح قوات الدعم مقابل وعود بمليارات الدولارات ولم يتلق منها سوى 750 مليونا، مع وعد بمنح باقي المبلغ على أقساط.

وبخصوص آخر تطورات الحرب التي اقتربت من شهرها الـ15، قال إن قوات الدعم السريع احتلت جبل موية ومدينة سنجة.

وأكد أن العمل جار لتجهيز قوات دعم من جبهات مختلفة ستصل إلى المنطقة تباعا من أجل مواجهة مسلحي قوات الدعم.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: الحرب تشرد 136 ألفاً من جنوب شرق السودان
  • وفيات جراء غرق سودانيين في أثناء هربهم من الحرب.. بينها عائلات كاملة
  • وفيات جراء غرق سودانيين أثناء هربهم من الحرب.. بينها عائلات كاملة
  • السودان.. نزوح أكثر من 136 ألف شخص بسبب معارك سنار
  • 25 نازحا سودانيا فروا من الحرب فغرقوا في النيل الأزرق
  • الهروب من الحرب إلى الموت.. مصرع 25 شخصا غرقا بالنيل الأزرق بشرق السودان
  • الكلام ده اكبر من البرهان واكبر من حميدتي … لكن الله اكبر
  • الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • البرهان يحدد شروطا للتفاوض مع الدعم السريع.. وتوسع في خطة مساعدة السودان