لماذا يعد المشروع الإسرائيلي في القدس بلا مستقبل؟
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
قد يستغرب البعض أن تكون النتيجة مقدمةً للحديث في مستقبل المشروع الإسرائيلي في القدس، فيبدأ الكلام هنا من نقطة الحكم على هذا المشروع بالفشل الحتمي. ولكن الحقيقة التي ينبغي استيعابها في مقدمة الحديث في هذا السياق هي أن المؤرخين يجمعون على أن قوانين التاريخ لا تتبدل، وما دام هناك مشروع مصادم لقوانين التاريخ فإنه لا يمكن أن يستمر أو يتطور، ولا بد أن يطرأ عليه تغيير جذري يتمثل إما في سقوطه أو تغيير هويته، وكلتا الحالتين تعنيان نهاية المشروع فعليا، وهذه هي الحال في المشروع الإسرائيلي في القدس.
ونركز هنا على القدس بوصفها بؤرةً أساسيةً لها خصوصيتها وطبيعتها التي تختلف عن نواح أخرى في المشروع الذي بدأ في نهايات القرن 19 ليتوج بتأسيس إسرائيل عام 1948، ويتطور بعد ذلك إلى أن وصل ذروة قوته في ثمانينيات القرن الماضي، حين كانت الدبابات الإسرائيلية تدخل العاصمة اللبنانية بيروت بكل سهولة؛ ليبدأ بعدها مواجهة التحديات الوجودية التي أوصلته إلى الأزمة التي يعيشها اليوم.
القدس في قلب المشروع الإسرائيليبدايةً، ينبغي توضيح أن القدس تعد في المشروع الإسرائيلي من الناحية النظرية حجر الرحى الذي تدور حوله فكرة الوطن القومي ليهود العالم؛ فالحركة الصهيونية التي أنشأت إسرائيل ابتداء أخذت اسمها من اسم جبل صهيون في القدس، والنشيد الوطني لإسرائيل -الذي كتب عام 1878 قبل إنشائها بـ70 عامًا- يختتم بكلمة "القدس". لا غرابة بالتالي من أن تكون القدس محل إجماع لدى مختلف أطياف المجتمع الإسرائيلي، سواء من الناحية الدينية لدى التيارات المتدينة، أو من الناحية الوطنية التاريخية لدى التيارات العلمانية.
القدس لم تكن يوما خاليةً من السكان الأصليين، وحتى عندما كانت تتعرض للغزو كانت تبقى في مجملها ضمن المجموعات البشرية نفسها التي سكنتها دائمًا
لكن وجود القدس في قلب المشروع الإسرائيلي لا يعني بالضرورة نجاح إسرائيل في ترجمة مركزيتها عمليًا على الأرض أو في تغيير طبيعتها؛ ذلك أن مشروع الحركة الصهيونية في أساسه قام على تصور غير صحيح مفاده أن تلك الأرض (فلسطين) فارغة أصلا من السكان، وهو ما تبين عدم صحته عندما بدأ الرواد الأوائل لهذا المشروع استكشاف أرض فلسطين وفهم طبيعتها وإمكانات إقامة وطن قومي يهودي فيها؛ ليتبين لهم لاحقا أنها مسكونة بتاريخٍ وحضارةٍ عريقةٍ وضاربةٍ في العمق، وذلك ما أدى بجابوتنسكي في الرواية التاريخية الشهيرة أواخر القرن 19 إلى إرسال برقيةٍ لقادته في الحركة الصهيونية تصف فلسطين بالقول "العروس جميلة لكنها متزوجة من رجل آخر".
الأمر نفسه ينطبق وبشكل أكبر وأكثر وضوحا على مدينة القدس؛ فالقدس لم تكن يوما خاليةً من السكان الأصليين، وحتى عندما كانت تتعرض للغزو كانت تبقى في مجملها ضمن المجموعات البشرية نفسها التي سكنتها دائمًا، وبقيت صبغتها العربية ثابتة عبر التاريخ.
فشل التطهير العرقيمن الناحية التاريخية، لم يكن بإمكان إسرائيل أن تقوم كما تخيلها رواد المشروع الصهيوني الأوائل إلا بأسلوب واحد، وهو الإبادة الجماعية والتامة للفلسطينيين. وفي الحقيقة، لا توجد تجربة ناجحة نسبيًا في التاريخ الإنساني بهذا المفهوم إلا تجربة الاستعمار الأوروبي لأميركا الشمالية وأستراليا، حيث لا يمكن لشعب أن يزيح شعبا كاملا من الأرض إلا بمحوه حرفيًا كما فعل الأوروبيون مع السكان الأصليين في أميركا الشمالية وفي أستراليا بين القرنين 16 و18، وهذا الأمر لم يعد ممكنًا فعليًا خلال القرنين 19 و20 مع التغيرات الاجتماعية والمفاهيمية التي مرت بها الإنسانية مع الثورة الصناعية.
بمعنى آخر، يمكن القول إن إسرائيل بالمفهوم الذي تخيله رواد الحركة الصهيونية قامت في الزمن الخطأ، لأنها أرادت أن تقوم في القرن 20 بمفاهيم القرن 16، وهذا غير منطقي. ولذلك، فإن حركة التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية في فلسطين خلال النكبة لم تكن كافيةً لتفريغ الأرض تمامًا من السكان، وأثبتت هذه العملية فشلها في تفريغ كامل الأراضي الفلسطينية من السكان الأصليين؛ فبقي المواطنون الفلسطينيون المعروفون اليوم باسم "عرب الداخل" أو "فلسطينيي الداخل" ليشكلوا 20% من مجموع السكان في إسرائيل، وفشلت إسرائيل في تغيير هويتهم بالكامل، وتحولوا مع الزمن إلى صداع مزمن لإسرائيل، وتبين ذلك في أحداث عام 2021 في مناطق الخط الأخضر، التي انخرط فيها الفلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية في مواجهةٍ عنيفةٍ مع حكومة الاحتلال ومستوطنيها.
على صعيد آخر، عندما قامت إسرائيل كانت تحتاج القدس لتحصل على الشرعية الدينية والوطنية لدى المجتمعات اليهودية حول العالم، وتتمكن بذلك من إقناعهم بالهجرة إليها، لكنها فشلت غداة إنشائها عام 1948 في الحصول على القدس كاملة، فاكتفت بالقسم الغربي من المدينة، الذي لم يكن يحتوي على أي موقع من المواقع الدينية المقدسة، ولكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة آنذاك حرصت على إعلان أن عاصمتها القدس رغم تفوق تل أبيب عليها من الناحية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية، خاصة أن القدس تقع في قلب منطقة الصراع وعلى حدود خط الهدنة مباشرةً. وحين حانت الفرصة لإسرائيل لاحتلال شرقي القدس وضم كافة المناطق ذات الأهمية الدينية لم تنتظر لحظةً واحدةً، وتمكن جيشها يوم السابع من يونيو/حزيران 1967 من اقتحام شرقي القدس واحتلال كافة الأماكن المقدسة وإحكام السيطرة على المدينة بالكامل.
إسرائيل لجأت إلى التمييز في الخدمات بشكل واضح بين شرق المدينة وغربها، وتناست أن شرقي القدس مرتبط بشكل عضوي بالمحيط الفلسطيني في الضفة الغربية ولا يمكن قطعها عنه
التظاهر بعدم وجود الفلسطينيينورغم أن حلم "أرض بلا شعب" كان منتهيًا بالفعل، فإن إسرائيل أصرت على التعامل مع شرقي القدس بالمنطق نفسه، فأعلنت ضم الأرض من دون السكان، واعتبرت السكان مجرد مقيمين أجانب في المدينة؛ وذلك لأنها باختصار لم تكن قادرةً في ذلك الوقت على تنفيذ حلم الإبادة الجماعية مثل أميركا وأستراليا في القرن 16، ولا حتى كانت قادرة على تنفيذ عملية التطهير العرقي نفسها التي حدثت في نكبة عام 1948؛ فاضطرت للجوء لأسلوب إهمال وجود السكان الفلسطينيين في القدس، محاولة تخيل واقع غير موجود، في تصرف مشابه لتصرف الطفل الذي يغمض عينيه عند الخوف ظانا بذلك أن ما يخشاه غير موجود.
ولتطبيق هذه الرؤية، لجأت إسرائيل إلى الضغط على المقدسيين بإجراءات سحب الهويات ومنع التوسع العمراني وغيرها من الإجراءات التي هدفت إلى دفعهم لمغادرة المدينة طوعًا في النهاية باعتبار ذلك الحل الوحيد لمعضلة وجودهم في القدس. والغريب أنها تصرفت مع القدس على أساس أنها نجحت في طرد الفلسطينيين منها بالفعل! ولذلك فإنها منذ اللحظة الأولى لاحتلال شرقي القدس جمعت قسمي المدينة معا في كافة إحصاءاتها لتقنع نفسها بأن عدد السكان اليهود في بلدية القدس 3 أضعاف السكان الفلسطينيين، بما يوحي بأن القدس مدينة يهودية، وتناست أن الإحصاءات المتعلقة بشرقي القدس لا زالت حتى اليوم تعطي الأفضلية العددية بشكل واضح للفلسطينيين الذين لا زالوا يشكلون الأغلبية الساحقة فيها، لا سيما في البلدة القديمة وحول المسجد الأقصى المبارك، أي في قلب المدينة التاريخية التي تعد قلب المشروع الإسرائيلي من النواحي الدينية والقومية والتاريخية.
في الوقت نفسه، لجأت إسرائيل إلى التمييز في الخدمات بشكل واضح بين شرق المدينة وغربها، وتناست أن شرقي القدس مرتبط بشكل عضوي بالمحيط الفلسطيني في الضفة الغربية ولا يمكن قطعها عنه؛ فأدت هذه السياسة إلى تثبيت واقع أن القدس في الحقيقة مدينتان اثنتان وإن ادعت إسرائيل أنها مدينة واحدة، وتحولت منطقة شرقي القدس في الحقيقة إلى خاصرة هشة وضعيفة جدًّا لإسرائيل، فأغلب عمليات التسلل التي أدت إلى عمليات مسلحةٍ في قلب مناطق الخط الأخضر مرت بالقدس.
فشل فصل القدس عن محيطهاعندما حاولت إسرائيل وقف ذلك ببناء الجدار العازل عام 2003، انتقلت الأحداث إلى مرحلةٍ جديدةٍ انطلقت فيها العمليات من القدس نفسها ومن المقدسيين أنفسهم، وذلك ببساطة لأن التجربة أثبتت أنه لا يمكن فصل المدينة عن محيطها وواقعها، كما لا يمكن إهمال أن المقدسيين الفلسطينيين الذين ليس لديهم أي انتماء قانوني لهذه الدولة لا زالوا الأغلبية في القسم الشرقي من القدس، بل إن نسبتهم تكاد تصل إلى 40% من مجموع السكان في شطري المدينة كلها. وهو ما يشير بوضوح إلى فشل مشروع ضم الأرض من دون ضم السكان الذي تم عام 1967. كما أن كل ما مر به الفلسطينيون في القدس على مدار 5 عقود لم يكن يؤدي في النهاية إلا إلى انفجار المجتمع المقدسي برمته كما حصل في انتفاضة الأقصى عام 2000، وهبة القدس عام 2015، وكل ما لحقها من أحداث في 2017، و2019، و2021.
والمحصلة، أن المشروع الإسرائيلي في القدس لا يملك أي أفق، ولا يمكن أن ينجح، بل إن دعوات اليمين المتطرف في إسرائيل لتكرار أحداث النكبة لن تصلح في هذا الوقت وليست أكثر من أوهام، فما كان يمكن أن يصلح بالأمس لا يمكن أن يصلح اليوم، ومن يعش في حلم طويل فلا بد من أن يأتي يوم يستيقظ فيه على واقع يختلف تماما عما كان يحلم به، وعند ذلك لن تجد إسرائيل بدًّا من أن تفعل في القدس ما فعلته سابقا في غزة؛ فلا تجد أمامها إلا الانسحاب من شرقي القدس على الأقل بأي شكل لإنقاذ وجودها نفسه.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السکان الأصلیین شرقی القدس من الناحیة من السکان القدس فی أن القدس یمکن أن لا یمکن فی قلب لم تکن
إقرأ أيضاً:
بين 1982 و2025: المشروع الإسرائيلي التقسيمي يتجدد فكيف نواجهه؟
في شهر حزيران/ يونيو من العام 1982 وبعد أسابيع قليلة من بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان نشرت مجلة المنطلق اللبنانية، التي كان يصدرها الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، دراسة موسعة للكاتب اللبناني وليد نويهض (وهو من أبرز الصحافيين اللبنانيين وعمل في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية والإسلامية)، وتركزت الدراسة حول المشروع الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية والإسلامية إلى دويلات طائفية ومذهبية.
وتستند الدراسة إلى دراسة لكاتب صهيوني هو أوديد يئنون كان قد نشرها في شباط/ فبراير 1982 في مجلة كيفتين التي يصدرها جهاز الاستعلامات في المنظمة الصهيونية العالمية، وتتضمن الدراسة الصهيونية تفاصيل المشروع الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية والإسلامية إلى دويلات طائفية ومذهبية، ومنها تقسيم لبنان إلى خمس دويلات وسوريا إلى خمس دويلات ومصر إلى دولتين (قبطية وإسلامية) وانهاء اتفاقية كامب ديفيد، والعراق إلى عدة دويلات، إضافة إلى تهجير فلسطينيي غزة والضفة الغربية إلى الأردن وإقامة دويلة فلسطينية في الأردن تحت إشراف إسرائيلي، وتقسيم السعودية إلى عدة دويلات.
شكلت الحرب الأمريكية على العراق فرصة لتطبيقه ولكن لم تنجح الخطة بالكامل، لكن الرهان على تقسيم العراق لا يزال قائما، في حين نجحت الخطة في السودان والذي تم تقسيمه إلى دولتين في الجنوب والشمال، واليوم نشهد صراعات في الشمال والجنوب السوداني، كما وصل التقسيم إلى ليبيا، وشهدنا الصراعات الأهلية في اليمن وسوريا، حيث يواجه البلدان تحديات كبيرة، وها هو خيار التقسيم والتهجير يعود مرة أخرى إلى غزة والضفة الغربية وقد يمتد إلى الأردن ومصر والسعودية وسوريا ولبنان والعراق
وتتضمن الدراسة الصهيونية وكذلك الدراسة التي أعدها الأستاذ وليد نويهض؛ تفاصيل كثيرة حول أهداف المشروع الصهيوني والرؤية الاستراتيجية الصهيونية، التي تسعى لتحويل الدول العربية والإسلامية إلى دويلات طائفية ومذهبية من أجل ضمان السيطرة الإسرائيلية وعدم وجود قوة عربية أو إسلامية قادرة على مواجهة المشروع الصهيوني أو تهديد الأمن الإسرائيلي.
والجدير ذكره أن هذا المشروع التقسيمي والتفتيتي بدأ الكيان الصهيوني تنفيذه في حزيران/ يونيو 1982 من خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وكان من المقرر استكمال هذا المشروع خلال السنوات التي تلت هذا الاجتياح، لكن نشوء المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان والتي فرضت على العدو الإسرائيلي الانسحاب من بيروت أولا ومن ثم من مختلف المناطق اللبنانية وأسقطت اتفاقية 17 أيار، ومن ثم انطلاقة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في العام 1987 وبروز قوى إسلامية مقاومة جديدة (حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي)، وتصاعد الصحوة الإسلامية في كل العالم العربي والإسلامي.. أفشل المشروع الصهيوني التفتيتي آنذاك ودفعه للعودة إلى خيارات أخرى؛ ومنها العودة إلى التفاوض مع العرب من خلال مؤتمر مدريد بعد حرب الخليج الثانية في العام 1990 بدعم أمريكي، ومن ثم الذهاب إلى اتفاقية وادي عربة مع الأردن، والتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية وعقد اتفاقية أوسلو، والابقاء على اتفاقية كامب ديفيد. وتطور المشروع الأمريكي التطبيعي مع العرب طيلة السنوات الماضية وصولا لإطلاق صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية.
لكن المشروع الصهيوني لتقسيم العالم العربي والإسلامي لم ينته، وبقي في أدراج المنظمات الصهيونية المتطرفة التي تحظى بدعم قوى أمريكية فاعلة وخصوصا التيارات الصهيونية المسيحية. وكان المستشرق الأمريكي برنارد لويس أحد أبرز الذين تبنوا خيار تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات مذهبية وطائفية، وبدأت العديد من المؤسسات الأمريكية الفاعلة بتبني هذا المشروع. وشكلت الحرب الأمريكية على العراق فرصة لتطبيقه ولكن لم تنجح الخطة بالكامل، لكن الرهان على تقسيم العراق لا يزال قائما، في حين نجحت الخطة في السودان والذي تم تقسيمه إلى دولتين في الجنوب والشمال، واليوم نشهد صراعات في الشمال والجنوب السوداني، كما وصل التقسيم إلى ليبيا، وشهدنا الصراعات الأهلية في اليمن وسوريا، حيث يواجه البلدان تحديات كبيرة، وها هو خيار التقسيم والتهجير يعود مرة أخرى إلى غزة والضفة الغربية وقد يمتد إلى الأردن ومصر والسعودية وسوريا ولبنان والعراق.
نحن أمام مرحلة خطيرة جدا والمعركة قاسية، وللأسف فإن بعض الدول العربية والإسلامية لا تشعر بخطورة ما يجري وهي تدخل في صراعات جديدة مع الحركات الإسلامية وقوى المقاومة وتعتبرها أنها المسؤولة عما جرى، وبعض هذه الدولة تستهين بالخطر الإسرائيلي وتحاول الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع العدو لأسباب عديدة
فكيف يمكن مواجهة هذا المشروع الصهيوني التقسيمي والتفتيتي والتهجيري؟ وهل سينجح هذا المشروع في العام 2025 بعد أن فشل في العام 1982؟
من خلال العودة لكل المرحلة الممتدة من العام 1982 إلى اليوم، نلحظ أن خيار المقاومة والانتفاضات الشعبية هو الخيار الوحيد الذي أفشل المشروع الصهيوني، وإضافة إلى المشروع المقاوم فإن الجهود التي بذلت من التيارات الإسلامية والقومية والوحدوية لمنع التقسيم ومن أجل العودة لخيارات الوحدة والتعاون والتكامل العربي والإسلامي؛ كانت هي الخيار المضاد، وتجلت بالعديد من المبادرات الوحدوي الشعبية في ظل فشل التجارب الوحدوية الرسمية والمؤسسات الرسمية.
لكن ذلك لا يعني أن كل التجارب العربية والإسلامية كانت ناجحة في مواجهة المشروع الصهيوني أو خطط التقسيم والتهجير، فقد تكون بعض القوى القومية والإسلامية قد ارتكبت بعض الأخطاء في إداراتها للدول أو في كيفية التصدي للمشروع الإسرائيلي- الأمريكي، مما ساهم في تقسيم بعض الدول وتحقيق الصهاينة بعض الإنجازات السياسية والعسكرية.
واليوم يعتبر رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو أن الوقت مناسب لتغيير الشرق الأوسط وبسط السيطرة الصهيونية على العديد من الدول وتهجير الفلسطينيين، وهو يحظى بدعم أمريكي واضح، وكل ذلك يتطلب من قوى المقاومة وكل الحركات الإسلامية والقومية واليسارية التي تريد مواجهة هذا المشروع وضع رؤية جديدة للمواجهة على ضوء الدروس المستفادة من المرحلة الماضية، مع الاعتراف بحصول العديد من الأخطاء والثغرات، لكن قوى المقاومة لا تزال قوية وقادرة على إعادة ترتيب أوضاعها ومواجهة المشروع الإسرائيلي التفتيتي والتهجيري.
نحن أمام مرحلة خطيرة جدا والمعركة قاسية، وللأسف فإن بعض الدول العربية والإسلامية لا تشعر بخطورة ما يجري وهي تدخل في صراعات جديدة مع الحركات الإسلامية وقوى المقاومة وتعتبرها أنها المسؤولة عما جرى، وبعض هذه الدولة تستهين بالخطر الإسرائيلي وتحاول الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع العدو لأسباب عديدة.
هذا الصراع لن ينتهي، وإذا كان العدو الإسرائيلي حقق بعض الإنجازات العسكرية والأمنية فإنه يواجه تحديات عديدة، ولدى القوى العربية والإسلامية بمختلف اتجاهاتها نقاط قوة كبيرة، والمهم أن لا نسقط أمام هذا المشروع الإسرائيلي- الأمريكي، وأن نعيد ترتيب أوضاعنا من أجل أسقاط هذا المشروع، والخيار الأهم هو التكامل والتعاون بين الدول العربية والإسلامية ورفض كل أشكال التقسيم والتهجير.
x.com/kassirkassem