عربي21:
2025-02-03@16:00:21 GMT

ماذا بعد كل هذا الخراب؟

تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT

لن نختلف مع أحد في تشخيص الحالة العربية من المغرب إلى المشرق ولن نتجادل مع بشر إلا في تفاصيل وضع كارثي بأتم ما تعنيه الكلمة من معاني وهو وضع يزداد سوءا يوما بعد يوم. انتهى طور الثورات التي صُفّيت بالحديد والنار لكن الحالة التي أعقبت ذلك لم تزد الوضع العام إلا فسادا.

عشر سنوات مرّت على انقلاب مصر وها هو قائد الانقلاب الذي تعهّد بعدم الترشح لولاية ثالثة يستعد لحكم مصر مدى الحياة على نهج من سبقه من عسكر مصر عبر انتخابات هزلية تثير سخرية الناس في الداخل والخارج.

الوضع في بقية البلاد العربية لا يختلف كثيرا عن وضع مصر باستثناءات قليلة في دول الخليج التي تتهددها الأخطار من كل جانب.

فماذا بعد الخراب الكبير؟ وهل قدر المجتمعات العربية أن تعيش في دوامة الموت والعنف والفوضى؟ هل من سبيل إلى الخروج من النفق القاتل؟ وهل من طريق إلى إيقاف النزيف؟

تأصل الفساد والاستبداد

ليست الانقلابات والفوضى التي أعقبت قيام الثورات المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية مجرد ردّ فعل القوى العميقة في الداخل والخارج من أجل استعادة مصالحها وامتيازاتها بل هي كذلك دليل على فشل "النخب الثورية" أو القوى التي تصدرت المشهد بعد سقوط الأنظمة في تحويل الفورة الشعبية العارمة إلى مكسب ثابت لا قدرة للدولة العميقة على إزاحته.

لا يمكن إحداث تغيير حقيقي في البلاد العربية دون تجديد شامل يشمل النخب والأفكار ووسائل العمل الجماعي. لا بد من تجاوز الأيديولوجيات السياسية العقيمة التي لم تورّث المنطقة وشعوبها إلا الموت والانقلابات والفساد وهو الأمر الذي لا يكون ممكنا دون إعداد الأرضية اللازمة لأجيال التغيير القادمة.يبدو هنا أن المسألة لا تتعلق بإزاحة النظام السياسي والحزام الأمني والعسكري المحيط به بل إن المسألة ضاربة بجذورها في عمق الذهنية والثقافة الشعبية التي راكمت عبر عقود كل مظاهر العجز والإحباط والخوف من المبادرة. سرعان ما انقلبت الشعوب على المنجز الثوري وسريعا ما أدارت ظهرها للثورات ولموجات التغيير تحت ضربات القصف الإعلامي المكثف وتحت تأثير رعب الفوضى الذي أحدثته الأزمات الاقتصادية وجماعات العنف المسلح.

صحيح أن ترسيخ قواعد الحرية وتثبيت أركان الديمقراطية يحتاجان عقودا وأجيالا لتتحول من منجز ثوري إلى طبيعة مجتمعية وثقافة شعبية لا يمكن الاستغناء عنها. صحيح أيضا أن التربة العربية لم تكن مؤهلة للمحافظة على الثورات ومنع انزلاقها نحو العنف المسلح كما حدث في ليبيا وسوريا خاصة. لكن كيف يمكن تفسير تساهل الشعوب مع الانقلاب على ما ضحّت من أجله لعقود طويلة؟

 لا شك في أن الشعوب لم تراكم من الوعي والإدراك الجمعي والقدرة على الحركة ما يسمح لها بمنع الاستيلاء على أول أبواب التغيير لذا نجحت الثورات المضادة بسهولة كبيرة في تصفية منجز التغيير.

خيانة النخب

عن قصد وأحيانا قليلة عن غفلة ساذجة ساهمت النخب العربية في إسقاط كل موجات التغيير التي عرفتها المنطقة منذ مطلع القرن السابق بما في ذلك المشاريع التي أعقبت فترة مغادرة المحتل العسكري لبلادها. كان الفشل السياسي ذريعا في تصفية بقايا الاحتلال وفلوله وفي صياغة مشروع نهضة قادر على أن يُلحق بلاد العرب ببقية الأمم الصاعدة.

تمترست النخب الفكرية العربية وراء أيديولوجيات كسيحة عقيمة مستوردة من قومية وشيوعية ولبرالية انتهت جميعها في حضن الأنظمة الاستبدادية الحاكمة وتحولت سريعا إلى حارس من حراسها. انفرد العسكر بأهم الحواضر العربية في مصر والعراق وسوريا وليبيا والجزائر فصاغ أبشع المنظومات الاستبدادية وتفنن في حياكة أبشع الأجهزة القمعية فقتل الحريات وقمع الاختلاف وشيّد صرح الزعيم الواحد الأحد.

كأننا نتحرك داخل دائرة مغلقة وهو ما يؤكد أن طور الاستبداد العربي ذاهب إلى نهايته وأنه لا بد أن يستكمل كامل دورته التاريخية والحضارية. بناء عليه فإن الأمل في قدرة هذا الجيل أو الجيل الذي يليه على صناعة التغيير تبدو ضعيفة جدا لأسباب عديدة يطول سردها.أما الإسلاميون وهم تقريبا الفصيل الأصيل الأبرز الذي نبت داخل الحاضنة العربية فلم يختلفوا كثيرا عن سابقيهم في فشل الإنجاز وغياب روح المبادرة والعجز عن تفادي الاصطدام مع حَمَلة السلاح. نجحت الأنظمة في اختراق أغلب فصائلهم وصنعت لهم نظائر مشابهة مسلّحة بالتطرف والعنف لتبرير قمعهم فتحوّل الصراع من صراع بين الشعب والنظام إلى صراع بين الإسلاميين والنظام.

دفعت المجتمعات ثمنا ثقيلا نتيجة هذا الصراع وهو الصراع الذي هيمن على الحياة السياسية العربية منذ الثمانينات وصولا إلى ثورات الربيع دون إحراز تقدم في طبيعة المواجهة.

تجديد لا بد منه

هل استوعبت النخب الدرس؟ هل فهمت الشعوب حجم المؤامرة وخطورة المنزلق الذي تتجه نحوه؟ كل المؤشرات تدل على أن دار لقمان لا تزال على حالها وأن لا أحد استوعب الدرس. ما الحل إذن؟

كأننا نتحرك داخل دائرة مغلقة وهو ما يؤكد أن طور الاستبداد العربي ذاهب إلى نهايته وأنه لا بد أن يستكمل كامل دورته التاريخية والحضارية. بناء عليه فإن الأمل في قدرة هذا الجيل أو الجيل الذي يليه على صناعة التغيير تبدو ضعيفة جدا لأسباب عديدة يطول سردها.

لا تزال النخب العربية تراوح في نفس الإطار الفكري الذي ينتظر الإصلاح دون العمل عليه فلم نر أي فصيل سياسي أو فكري عربي بما فيهم الإسلاميون قد بادر إلى مراجعات فكرية عميقة بناء على ما حصل من فشل وانكسارات كان هو أحد أهم أسبابها. إن غياب مشاريع التغيير وغياب الآليات القادرة على تفعيل هذه المشاريع اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا هو الذي يدفع الشعوب نحو هذا الهدوء اليائس من التغيير وكأنه ينتظر معجزة لن تأتي أبدا.

لا يمكن إحداث تغيير حقيقي في البلاد العربية دون تجديد شامل يشمل النخب والأفكار ووسائل العمل الجماعي. لا بد من تجاوز الأيديولوجيات السياسية العقيمة التي لم تورّث المنطقة وشعوبها إلا الموت والانقلابات والفساد وهو الأمر الذي لا يكون ممكنا دون إعداد الأرضية اللازمة لأجيال التغيير القادمة.

من الصعب جدا أن تقبل النخب العربية وزعامتها المريضة بعشق السلطة أن تغادر بهدوء وهي تدرك جيدا أنها صارت اليوم جزءا من المشكل لا جزءا من الحلّ. كيف تقنع القيادات الإسلامية والقومية واليسارية واللبرالية أنها انتهت تاريخيا واستُهلكت فكريا وأنه يجب عليها الرحيل؟

إن أم المعارك القادمة لا تتمثل في تحرير الشعوب من الأنظمة الحاكمة بل تتمثل أولا وقبل كل شيء في تحرير المجتمعات والشعوب من نخبها التي هي حزام أحزمة الاستبداد وأول شروط بقائه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العربية سياسة عرب رأي أوضاع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الزعاق: أجواء دول الخليج دائمة التغيير .. فيديو

الرياض

أوضح خبير الأرصاد الدكتور خالد الزعاق أن أجواء دول الخليج دائمة التغيير ي اليوم والشهر والسنة.

وأضاف الزعاق عبر حلقة من برنامج تقويم: “ففي المواسم الانتقالية الربيعية والخريفية نعيش أربعة فصول في اليوم، وعندنا حر لاهب إذا تواني اشتقنا للبرد، وعندنا برد قارس إذا لسعنا اشتقنا للحر”.

وتابع: “إحنا ما عندنا ربيع مستمر إذا ظهر كان تنوعه عجيب، ولا ينزل علينا المطر في شكل مستمر لكن إذا نزل استأنسنا”.

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1738596735672.mp4

اقرأ أيضا:

الزعاق: يسمى هذا الأسبوع بزرة الست لأن جميع المحاصيل فيه تكون ذات جودة عالية .. فيديو

مقالات مشابهة

  • الزعاق: أجواء دول الخليج دائمة التغيير .. فيديو
  • ماذا نعرف عن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" التي يطالب ترامب وماسك بإغلاقها؟
  • ماذا نعرف عن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" التي يطالب ترامب وماسك بإغلاقها.. عاجل
  • التغيير في خصائص منظمات القرن الـ 21
  • بوتين: أوروبا أصيبت بالارتباك بعد انتخاب ترامب رئيسًا لأمريكا
  • بوتين: أوروبا ستخضع أمام أوامر ترامب
  • طيران الشرطة ينقل الإعلاميين لولاية الخرطوم لتوثيق آثار الخراب والدمار لحرب المليشيا المتمردة
  • أمريكا ليست قدراً
  • كيف تابع اليمنيون طوفان عودة الأسر الفلسطينية إلى غزة؟
  • مستر ترامب.. العالم ليس ولاية امريكية