مدينة إسماعيل الأوكرانية.. حصن تاريخي إستراتيجي للدولة العثمانية
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
مدينة إسماعيل مدينة أوكرانية وميناء تجاري مهم على نهر الدانوب، تقع في أقصى جنوب غربي أوكرانيا بمنطقة بيسارابيا التاريخية قرب الحدود مع مولدوفا ورومانيا.
تأسست المدينة عام 1589 بمرسوم من السلطان مراد الثالث، وقام على إنشائها الحبشي محمد آغا وعمل على ازدهار المنطقة، وأضحت تشهد نشاطا زراعيا وتجاريا كثيفا، وتم تخصيص بعض عائدات تجارتها وضرائبها لأوقاف القدس والحرمين.
بدأت أهمية مدينة إسماعيل العسكرية تظهر في القرن الـ18، وتزايدت تدريجيا مع بداية الحروب العثمانية الروسية، وأصبحت قاعدة للقوة البحرية الروسية في منطقة الدانوب، ثم إحدى القواعد العسكرية الرئيسية للجيش العثماني ضد الروس، وبقيت موضع نزاع روسي مع أطراف عدة من تركيا ثم رومانيا، وأخيرا أوكرانيا.
الأهميةتتمتع مدينة إسماعيل بموقع جغرافي مميز يمثل ملتقى بين مصبات نهر الدانوب ودنيستر والبحر الأسود، لذلك تعد المدينة حلقة وصل للمنطقة بأكملها.
كما تمتلك المدينة شبكة مواصلات واسعة: برية وبحرية وسكك حديدية، ومن المثير للاهتمام أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى أوديسا والمدن الأخرى في أوكرانيا من إسماعيل عبر الطرق البرية هي المرور عبر مولدوفا.
وتقع مدينة إسماعيل على طريق تجاري رئيسي، مما جعلها مركزا تجاريا مهما منذ تأسيسها، وقد غدت المدينة في العهد الروسي ميناء تجاريا مهما بين الاتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الشرقية، ثم تطورت وتحولت بعد ذلك إلى ميناء حديث يعد أكبر مراكز الملاحة في نهر الدانوب.
وأقيمت منشآت صناعية عديدة فيها، منها ورش لتصليح السفن والمحركات ومصنع للمنتجات الخرسانية ومصانع للورق والمنتجات الغذائية المتطورة ومصنع للأسماك.
كما ساعد موقعها على اتخاذها قاعدة عسكرية مهمة، فكانت إحدى القواعد العسكرية الرئيسية للجيش العثماني وقاعدة بحرية روسية مهمة.
وتعد المدينة كذلك موقعا مثاليا لقضاء العطلات لامتداد شواطئها، كما تتمتع البلدة الصغيرة الهادئة بجمال خلاب وتمتلك عددا من المعالم التاريخية.
مدينة إسماعيل تعد ميناء تجاريا مهما على الضفة اليسرى للفرع الشمالي من دلتا نهر الدانوب (شترستوك) الموقع والجغرافياتقع مدينة إسماعيل في أقصى جنوب غربي أوكرانيا في منطقة بيسارابيا التاريخية بالقرب من الحدود مع مولدوفا ورومانيا في منطقة دلتا الدانوب السفلي، وتعد المركز الإداري لمنطقة إسماعيل التابعة لمقاطعة أوديسا.
وهي ميناء تجاري مهم على الضفة اليسرى للفرع الشمالي من دلتا نهر الدانوب على بعد نحو 80 كيلومترا من البحر الأسود.
وتبلغ مساحة المدينة نحو 53 كيلومترا مربعا، وتمتد مسافة 13 كيلومترا على طول نهر الدانوب، وتحيط بها بحيرات عدة، وتحدها جمهورية مولدوفا من الشمال والشمال الغربي، ويمر نهر دنيستر من شمالها الشرقي وتحد سواحل البحر الأسود جنوب شرقي المدينة.
وتقع المدينة في منطقة سهلية، وأعلى نقطة فيها تقع في الجهة الشمالية الشرقية، ويبلغ ارتفاعها 233 مترا عن سطح البحر، ويقل ارتفاعها في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية ويتراوح في بعض المناطق بين 50 و90 مترا، وينخفض بالقرب من البحر الأسود من 30 إلى 16 مترا.
المناختتميز مدينة إسماعيل بمناخ شبه استوائي رطب، ويكون فصل الصيف دافئا في الأغلب، أما الشتاء فهو بارد جدا وعاصف وغائم جزئيا مع تساقط للثلوج، ويستمر هطول المطر طوال العام، وتشهد المنطقة أعلى نسبة تساقط في يونيو/حزيران.
وتتقلب درجات الحرارة بشكل كبير عبر الأشهر المختلفة، وأبرد شهور السنة يناير/كانون الثاني وأشدها حرارة هو يوليو/تموز.
وتبلغ درجات الحرارة المنخفضة تقريبا سالب 4.8 درجات مئوية في يناير/كانون الثاني، في حين تصل إلى نحو 28.5 درجة مئوية في يوليو/تموز، ونادرا ما تكون أقل من سالب 11 درجة مئوية أو أعلى من 34 درجة مئوية.
نصب تذكاري لبحارة نهر الدانوب في مدينة إسماعيل بأوكرانيا (شترستوك) السكانيبلغ عدد سكان مدينة إسماعيل 69 ألفا و932 نسمة، وفق تقديرات دائرة الإحصاء الحكومية في أوكرانيا لعام 2022.
وتتميز المدينة بتعدد الأعراق فيها، ولا توجد فيها أغلبية عرقية واضحة، ويشكل الروس أكبر مجموعة منفردة بنحو 43.7% من مجموع السكان، ويليهم الأوكرانيون بنسبة نحو 38%، فيما يمثل البلغار نسبة 10% والمولدوفيون 4.3%، إضافة إلى أقليات صغيرة جدا من البيلاروسيين والقوقازيين والغجر واليهود، وفق المؤشرات الرسمية لعام 2001.
التسميةيطلق على المدينة في اللغة الروسية "إيزمائيل" وفي اللغة المولدوفية "سمريل" أو "سميل" وهي مشتقة من كلمة "زمي" السلافية وتعني الحية أو الثعبان، وهذه الكلمة تعد لقبا كان يطلق على بعض الأمراء والنبلاء المولدوفيين.
ويرى المؤرخون الأتراك أن المدينة سميت باسم أحد قادة الدولة العثمانية، ووفقا لكتابات أوليا جلبي فإن المدينة سميت "إسماعيل" نسبة إلى القائد التركي القبطان إسماعيل الذي فتح المنطقة في عهد السلطان بايزيد الثاني.
وسميت المدينة عند تأسيسها باسم "محمد آباد" نسبة إلى الحبشي محمد آغا الذي قام على إنشائها، ثم بدأ يشار إليها باسم "إسماعيل" في المصادر منذ منتصف القرن الـ17، وكانت موقعا استيطانيا مهما للإمبراطورية العثمانية على حدودها الشمالية.
القصر القديم في شارع سوفوروف بمدينة إسماعيل (شترستوك) التاريخكانت المنطقة موطنا للعديد من المستوطنات باستمرار، منها السلافية والليتوانية والمولدوفية، ودخلت تحت سيطرة حكومة كييف الروسية في القرنين التاسع والعاشر، ثم خضعت من منتصف القرن الـ12 للإمارات الجاليكية وجاليسيا فولين.
وفي نهاية القرن الـ14 كانت المدينة عبارة عن قرية تسمى "سميل"، وكانت جزءا من الإمارة المولدوفية، ثم استولى عليها الأتراك عام 1484 ميلادي.
أما تاريخ تأسيس المدينة فيعود إلى نوفمبر/تشرين الثاني 1589، حيث أصدر السلطان مراد الثالث مرسوما بتحويل الأرض المحيطة بمعبر الدانوب إلى مدينة وبناء حصن عسكري صغير هنا لضمان الأمن، حيث كانت المنطقة مكانا خطيرا للغاية، وكانت دائما تحت تهديد قطاع الطرق.
ومن جانب آخر، كان تأسيس المدينة ينطوي على اهتمام الإمبراطورية العثمانية بدلتا الدانوب وعلى رغبتهم بالسيطرة على ممر النهر.
وسرعان ما تحولت مدينة إسماعيل إلى نموذج لمشروع ناجح للإمبراطورية العثمانية في ضواحيها الشمالية، وأضحت تشهد نشاطا زراعيا وتجاريا كثيفا، وأصبحت تتمتع بوضع مركز منطقة.
وتم تخصيص بعض عائدات التجارة والضرائب التي يتم الحصول عليها وقفا لاحتياجات فقراء القدس والحرمين، كما تم تخصيص بعضها للمباني، مثل المساجد والمدارس ودور الحديث في القدس.
وقد هاجم القوزاق المدينة مرارا بين عامي 1603 و1630 ونهبوها عام 1632، وسرعان ما استولى الأتراك عليها مرة أخرى وبذلوا جهودا كبيرة لتحصين المنطقة.
مسجد إسماعيل آخر المعالم المتبقية من الوجود العثماني في المنطقة (شترستوك) الصراع العثماني الروسيبدأت أهمية مدينة إسماعيل العسكرية تظهر في القرن الـ18، وتزايدت تدريجيا مع بداية الحروب العثمانية الروسية، وخلال الحرب الروسية التركية في الفترة بين العامين 1768 و1774 كانت المدينة قلعة عثمانية على حدود الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية.
وفي عام 1770 استولت القوات الروسية تحت قيادة نيكولاي ريبنين على مدينة إسماعيل، وأصبحت قاعدة للقوة البحرية الروسية في منطقة الدانوب.
لكن بعد انتهاء الحرب عام 1774، وبموجب شروط معاهدة السلام "كيتشوك كاينارجي" أعيدت "إسماعيل" إلى الإمبراطورية العثمانية، وتوقعا لمزيد من الصراع أولى الأتراك اهتماما كبيرا بها ووسعوها وحدثوها.
وبدءا من عام 1780 حصّنت مدينة إسماعيل بقوة، وبنيت قلعة كبيرة فيها عام 1784، وبذلك أصبحت إحدى القواعد العسكرية الرئيسية للجيش العثماني ضد الروس، وفي عام 1789 حاول ريبنين الاستيلاء على المدينة مرة أخرى، لكن الهجوم انتهى بالفشل.
وخلال الحرب الروسية التركية في الفترة بين العامين 1787 و1791 اقتحم الجنرال الروسي ألكسندر سوفوروف في 11 ديسمبر/كانون الأول 1790 قلعة إسماعيل وذبح الروس المدنيين والجنود داخلها، وتكبد الأتراك خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
لكن بموجب معاهدة "جاسي" عام 1791 عادت المدينة مرة أخرى إلى الإمبراطورية العثمانية، وتم تعزيز القلعة وتوسيعها وتحصينها بأسلوب جديد عام 1794.
وفي الفترة بين عامي 1806 و1812 اندلعت حرب جديدة بين روسيا وتركيا، وبالقرب من قلعة إسماعيل قامت اشتباكات مسلحة بين الفريقين عام 1807، ونتيجة للصراع هُزم الجانب العثماني، ومع ذلك لم يدخل الروس القلعة، وتم إنشاء معسكر حصار عسكري في جزيرة كاتال الواقعة على الشاطئ الجنوبي لمضيق كيلي المتفرع من نهر الدانوب أسفل المدينة.
لكن القوات الروسية استولت على قلعة إسماعيل للمرة الثالثة عام 1809، واضطرت الحامية التركية للانسحاب، وبموجب شروط معاهدة بوخارست عام 1812 انتقلت القلعة إلى الأراضي الروسية، وانتهى الحكم العثماني بحكم الواقع والقانون.
الدولة العثمانية اهتمت بتحصين مدينة إسماعيل لرغبتها بالسيطرة على ممر نهر الدانوب (شترستوك) الصراع الروسي الرومانيتم إنشاء ميناء بحري ونهري روسي في المدينة، وأصبحت أكبر الموانئ على نهر الدانوب، ونما عدد سكانها بسبب المهاجرين من الأتراك والبلغار والمولدوفيين واليونانيين، ودمر الروس جميع مساجد البلدة ووطنوا مهاجرين جددا.
وفي أواخر عشرينيات القرن الـ19 استقر في المدينة عدد من القوزاق الذين جاؤوا من وراء نهر الدانوب، وفي عام 1813 أصبحت "إسماعيل" المركز الإقليمي لمنطقة بيسارابيا.
وبعد هزيمة روسيا في حرب القرم بين العامين 1853 و1856، وبموجب معاهدة باريس للسلام عام 1856 أصبحت المدينة إلى جانب المناطق المحيطة بها جزءا من إمارة مولدوفا التي أعلنت حكما ذاتيا داخل الإمبراطورية العثمانية.
وبأمر من الحكومة القيصرية فُجرت قلعة إسماعيل بالكامل، وأصبح المسجد القديم -الذي يعود تاريخه إلى القرن الـ16- هو الجزء الوحيد المتبقي من القلعة.
ونتيجة للحرب الروسية التركية -التي وقعت خلال عامي 1877 و1878- عادت المدينة لتنضم إلى روسيا، فوفقا لمعاهدة سان ستيفان عام 1878 تم تخصيص المنطقة للإمبراطورية الروسية.
وتم تسجيل ذلك مرة أخرى في نتائج مؤتمر برلين، وبموجبه رجع جنوب بيسارابيا مرة أخرى إلى الإمبراطورية الروسية وأصبح جزءا من المقاطعة التي تحمل الاسم نفسه، وأصبحت إسماعيل مركزا للمقاطعة، وبقيت المدينة تابعة لها حتى عام 1918.
وبين الحربين العالميتين الأولى والثانية في الفترة الواقعة بين عامي 1918 و1940 ضمت "إسماعيل" وبقية بيسارابيا إلى رومانيا، وكانت المدينة جزءا من طريق جالاتي-فيلكوفو للممرات المائية الداخلية في رومانيا، وكانت هناك خطوط طيران (مناطيد) في بوخارست وجالاتي وإسماعيل وأكرمان وتشيسيناو.
وأنشأ المجمع المقدس للكنائس الأرثوذكسية في رومانيا عام 1922 أبرشيتين جديدتين: خوتين وأكرمان إسماعيل اللتين كانتا موجودتين حتى عام 1944.
وفي 1940 أعيدت "إسماعيل" إلى حكومة الاتحاد السوفياتي على إثر الاتفاق مع الحكومة الألمانية، وتم إنشاء منطقة أكرمان (إسماعيل لاحقا) التابعة لجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، وأصبحت مدينة إسماعيل المركز الإداري للمنطقة عام 1940.
وفي يونيو/حزيران 1941 خضعت "إسماعيل" مرة أخرى لسيطرة الجيش الروماني ضمن جزء من محافظة بيسارابيا، وأصبحت عاصمة للإقليم، وفي عام 1944 عاد الجيش الروسي واستولى عليها.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 أصبحت المدينة تابعة لجمهورية أوكرانيا المستقلة، وضمت إلى مقاطعة أوديسا.
وأثناء الحرب الروسية الأوكرانية -التي اندلعت في مطلع عام 2022- استهدفت الضربات الروسية البنية التحتية لميناء إسماعيل، ومنها مرافق تخزين الحبوب.
نصب تذكاري لألكسندر سوفوروف وهو قائد عام سابق في الإمبراطورية الروسية لم يخسر معركة في حياته (شترستوك) أبرز المعالمتعتبر مدينة إسماعيل من المدن الأوكرانية التاريخية، وتضم عددا من المعالم البارزة، ومن أشهرها:
قلعة إسماعيل: وهي القلعة التي بناها العثمانيون عام 1784، ودمرها الروس بالكامل، ولم يبق من أطلالها إلا أجزاء من الأسوار الترابية بمساحة 1.55 كيلومتر مربع وخندق دفاعي يصل عمقه إلى 11 مترا.
مسجد إسماعيل: وهو المبنى الوحيد المتبقي من القلعة، وكذلك هو المسجد العثماني الوحيد الباقي على الأراضي الأوكرانية، ويعد أقدم نصب معماري في إسماعيل، بني عام 1590 على الطراز العثماني الكلاسيكي بقبة واحدة على يد المعماري داود آغا تلميذ المعماري سنان.
ويوجد داخل المسجد متحف فيه "ديوراما" (اقتحام قلعة إسماعيل)، وهي لوحة كبيرة تصور الهجوم الروسي على القلعة عام 1789.
كاتدرائية الشفاعة: وهي الكنيسة الرئيسية في "إسماعيل"، بنيت بين عامي 1820 و1831 على الطراز الكلاسيكي، وتم بناء الأعمدة البيضاوية للكاتدرائية عام 1937، ويبلغ ارتفاع برج الجرس المكون من 3 طبقات 65 مترا، وصُبت الأجراس من معدن البنادق التركية التي تم الاستيلاء عليها.
نصب سوفوروف التذكاري: وهو نصب تذكاري للفروسية للقائد الشهير ألكسندر سوفوروف، تم تركيبه على شارع إسماعيل المركزي "شارع سوفوروف" بالقرب من كاتدرائية الشفاعة.
متحف إسماعيل التاريخي: يقع في قصر يعود تاريخه إلى القرن الـ19، وتضم مجموعة المتحف أكثر من 30 ألف معروض: لافتات وأزياء عسكرية ومعدات من القرنين الـ17 والـ20 ومجموعة من الأسلحة وأسلحة نارية ولوحات عن موضوع الحروب الروسية التركية وعلم الآثار وعناصر الحياة اليومية والعملات.
معرض إسماعيل للفنون: يضم مجموعة من الفن الأوكراني والروسي الحديث ومعرضا للفنون الزخرفية والتطبيقية وأقساما للفن الأوكراني والروسي والغربي في القرنين الـ16 والـ19 وأعمال رسم الأيقونات وفن شعوب الشرق.
متحف تاريخ شركة الدانوب الأوكرانية للشحن: يقع المتحف في قاعة فسيحة بأعلى مبنى في مدينة إسماعيل تضم إدارة شركة الشحن.
تقدم المواد الأثرية مع المصادر الوثائقية فكرة عن فترات الملاحة اليونانية والرومانية والبيزنطية والسلافية والتركية والروسية على نهر الدانوب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الروسیة الترکیة مدینة إسماعیل البحر الأسود نهر الدانوب المدینة فی فی الفترة فی منطقة فی القرن بین عامی مرة أخرى جزءا من وفی عام
إقرأ أيضاً:
استعادة الجيش قاعدة الزُرق بدارفور تحول إستراتيجي بالحرب
الخرطوم- انتزع الجيش السوداني والقوات المشتركة المتحالفة معه قاعدة "الزُرق" العسكرية، والزُرق منطقة نائية في ولاية شمال دارفور تقع في المثلث الذي يربط الحدود بين السودان وتشاد وليبيا.
واتخذت قوات الدعم السريع الزُرق منذ العام 2017 قاعدة أنشأت فيها بنى تحتية ضخمة شملت مدارس ومستشفيات ومعسكرات تدريب ومستودعات وقود وذخائر وعتادا عسكريا ضخما، فضلا عن مطار حربي ظل يستقبل دفعات الإمداد وينقلها إلى مهابط ترابية عديدة في مناطق أم بادر وحمرة الشيخ بولاية شمال كردفان.
وبعد اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023 كانت "الزُرق" واحدة من القواعد الرئيسية التي تستقبل إمدادات الدعم السريع عبر تشاد وليبيا.
خريطة السودان -قاعدة الزُرق بدارفور (الجزيرة)
وقصف الطيران الحربي للجيش السوداني قاعدة الزُرق أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، في محاولة لتدمير إمدادات الدعم السريع.
وقال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في تصريح لـ"سودان تربيون" إن "معارك شرسة خاضتها القوة المشتركة في شمال دارفور استمرت 5 ساعات انتهت بإزالة كافة الارتكازات التي نصبتها الدعم السريع لحماية قاعدة الزُرق".
وأضاف "الآن فقدت الدعم السريع خط إمداد رئيسي يربطها بدولة ليبيا".
إعلان معارك شرسةوأظهرت مقاطع فيديو عناصر من القوة المشتركة يستعرضون سيارة مصفحة، وتشير الأنباء إلى استيلاء القوة المشتركة على كميات كبيرة من العتاد الحربي، بالإضافة إلى 90 سيارة مقاتلة، منها 30 مصفحة، مما يدل على وجود عدد من القادة، إذ تخصص السيارات المصفحة للقادة.
وشارك الطيران الحربي التابع للجيش في المعارك الشرسة، إذ قصف أهدافا لقوات الدعم السريع بالبراميل المتفجرة، وفقا لمصادر عسكرية.
وتأتي المواجهات في صحراء شمال دارفور امتدادا للمعارك الضارية التي تدور في مدينة الفاشر منذ مايو/أيار الماضي بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة من جهة والدعم السريع من جهة الأخرى.
وفشلت محاولات الدعم السريع في استعادة قاعدة الزُرق إثر تحشيد كبير من مناطق عديدة تحيط بالقاعدة، من كتم ومليط وكبكابية وسرف عمرة وجبل عامر والقبة.
وعلى الرغم من إعلان قوات الدعم السريع في بيان في اليوم التالي استعادتها المنطقة فإن الأنباء اللاحقة بينت غير ذلك.
تحول إستراتيجيويعتبر كثيرون من مراقبي الحرب في السودان استرداد الجيش السوداني قاعدة الزُرق العسكرية تحولا إستراتيجيا في مسار الحرب يقود إلى تداعيات تزعزع القيادة والسيطرة في قوات الدعم السريع، مما قد يقرب نهاية الحرب.
وتعد الزُرق القاعدة الرئيسية للإمداد القادم من ليبيا وتشاد للسيطرة على ولاية شمال دارفور، مما يعتبر ضربة موجعة لقوات الدعم السريع لوجستيا ومعنويا.
وفضلا عن أهميتها الإستراتيجية فهي مقر آل دقلو الاجتماعي، وتعد حاضنة اجتماعية لهم ولممتلكاتهم، وفيها سلطتهم الأهلية التي يمثلها العمدة جمعة دقلو شقيق والد محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ومن المتوقع أن تزداد محاولات الدعم السريع لاسترجاعها، فقد ضجت مجموعات مناصري الدعم السريع في مواقع التواصل الاجتماعي بالتعبئة والاستنفار لاستعادة الزُرق، ويقود الفشل في ذلك إلى تداعي الانهيارات في مواقع كثيرة، فهي حجر الدومينو الذي بسقوطه يتوالى السقوط.
إعلانوسيدفع سقوط الزُرق الجيش والقوات المشتركة المتحالفة معه إلى التقدم نحو استعادة عواصم ولايات دارفور، مدن الجنينة وزالنجي ونيالا والضعين، خاصة إن نجحت الجهود الأميركية في كبح تدفق الإمداد لقوات الدعم السريع من الدول الداعمة لها.
كما أنه يخفف الضغط عن مدينة الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ مايو/أيار الماضي، إذ كانت الزُرق أهم مصادر الدعم اللوجستي والبشري الدعم السريع المحاصِرة للفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي الوحيدة من عواصم ولايات الإقليم الخمس خارج سيطرة الدعم السريع.
وربما يقود سقوط قاعدة الزُرق إلى انسحاب قوات الدعم السريع من مواقع مختلفة في شمال كردفان والجزيرة والنيل الأبيض، في محاولة لتكثيف عملية استعادة القاعدة، مما يعجل بسيطرة الجيش على المناطق المنسحب منها، خاصة منطقة الجزيرة وعاصمتها مدني التي أحكم الجيش حلقات حصارها.