أجراس فكريَّة: فِي ذِكْرَى المَوْلِدِ النَّبَوِّيِّ الشَّرِيْف .. التُّرابِي وتأْصِيلُ الإبْرَاهِيمِيَّةِ السِّيَاسِيَّة! .. بقلم/ كمال الجزولي
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
بينما كانت تسعينات القرن المنصرم تنزلق نحو أواسطها، راح القلق يستبدُّ بالحركة الاسلامويَّة في السُّودان، بسبب أزمة نظامها الذي أسَّسته على انقلاب يونيو 1989م، والمتمثِّلة في تفاقم عزلته الخارجيَّة عن العالم "الغرب بالذَّات"، دع تزايد الضُّغوط عليه من قِبَل "تجمُّع" المعارضة الدَّاخليَّة، بقيادة الميرغني آنذاك، وحصوله على منصَّةٍ لوجستيَّةٍ لدى مصر مبارك التي غيَّرت موقفها الأوَّل من ذلك النِّظام الاسلاموي.
لم تكن لتغيب عن تقديرات التُّرابي صنوف المعيقات التي قد تعترض مسار أيَِّة خطة بذلك الاتِّجاه. فشرع يفكِّر في إبتداع آليَّة تحقِّق، أوَّلاً، التَّقارب المفقود مع الغرب، وتحصر، ثانياً، مبلغ همِّ مصر في ضرورة إبعاد نار التَّجمُّع الذي كان ناشطاً من القاهرة عن جلباب النِّظام الذي كان يرأسه البشير في الخرطوم. فكان منطقيَّاً أن يبلغ ذلك التَّفكير، تحت ضغط تلك الظروف، أنجع وأسرع الآليَّات: استرضاء رعاة إسرائيل الغربيِّين، من جهة، وتخويف مصر بإمكانيَّة التَّقارب مع غريمتها الرَّئيسة، من جهة أخرى!
هكذا انطلق التُّرابي يبذل أقصى جهده على الجَّبهتين الفكريَّة والعمليَّة، يسافر، ويحاضر، ويحاور، ويداور، ويناور، هنا وهناك، مقترباً، حيناً، مِن موضوعه الأساسي، ومبتعداً، أحياناً، عنه، ولكن بخطوات محسوبة في كلِّ الأحوال. فجاءت، في السِّياق، أبرز زياراته، وخطاباته، وحواراته، من الفاتيكان، إلى واشنطـن، إلى أوتاوا، إلى مدريد، إلى باريس، وغيرهـا.
كان مضمون تلك الخطة عدم الاقتصار على تقديم الأطروحة الجَّديدة في مستوى "السِّياسة العمليَّة"، فحسب، وإنَّما تجاوز ذلك، بالضَّرورة، إلى دلق "مدلولات دينيَّة" قويَّة التَّأثير على سطحها! لكن نقطتي ضعف جدِّيَّتين احتوشتا تلك الخطة من جهتين:
فمن الجِّهة الأولى هدفت الخطة إلى تقديم الإسلام إلى الذِّهنيَّتين الغربيَّتين، المسيحيَّة واليهوديَّة، بما ينفي عنه التَّشدُّد في معاداة "الآخر الدِّيني"، تركيزاً على تصديقه لما أنزل على عيسى وموسى. غير أن المشكلة الأساسيَّة هي أن هاتين الدِّيانتين لا تعترفان بالإسلام، أصلاً، فلا فائدة مِن أن يقال لجُمهورَيْهما إنه يعترف بموسى وعيسى!
أمَّا من الجِّهة الأخرى فإن من شأن تلك الخطة، إنْ لم تجر جراحة تنفيذها بحذر كبير، أن تفضي إلى وضع في غاية الخطورة، مؤدَّاه الاصطدام، داخليَّاً، بنعرة الاستعلاء الدِّيني التي تحتاج، حتماً، إلى معجزة، كيما تتجرَّع مثل تلك الجُّرعة!
إزاء ذلك جرى "الانقلاب الأكبر"، على ظهر مغامرة "فقهوفكريَّة" غير مسبوقة بكلِّ المعايير، وبلا مثيل في أدبيَّات الإسلام السِّياسي في كلِّ المنطقة (!) إذ لم يجد التُّرابي ما يواجه به ذلك التَّحدِّي، سوى خطة مفادها أنه، طالما أن المسلمين يعترفون بجميع الأنبياء، في تسلسل رجوعيٍّ إلى أبيهم إبراهيم، فلماذا يصرُّون على الانتساب "الضَّيِّق" إلى محمَّد، لا الانتساب "الواسع" إلى إبراهيم، ما أسميناه "الإبراهيميَّة السِّياسيَّة"؟!
في الإطار نشر التُّرابي على أتباعه، بالأساس، مقالة توجيهيَّة من جزئين، بعنوان "مرتكزات الحوار مع الغرب"، بمجلة "دراسات أفريقيَّة" المُحكِّمة، الصادرة عن "مركز البحوث والتَّرجمة بجامعة أفريقيا العالميَّة". وفي ما يلي نورد هذا المقتطف المطوَّل مِن "الجزء الثَّاني" منها، والذي يختزل، برأينا، مجمل الخطَّة، على النَّحو الآتي:
"إن غالب الأوربيِّين، وقد غفلوا عن دينهم، قد يستفزُّهم المسلم إذا خاطبهم من خلال المشترك الفكري للأديان الكتابيَّة، لأنهم، أصلاً، لا يعترفون بالإسلام، ولهذا نرى أن يكون الخطاب مدرجاً في سياق المقارنة من خلال الحدث الإبراهيمي، لأنه هو الأصل المشترك للأديان جميعاً، ويمكن للمسلم ألا ينسب نفسه إلى محمد النَّبي، بل يمكن أن يقول، تلطُّفاً، إنه لا يريد أن يُسمَّى (محمَّديَّاً)، ليخاطبهم كأنه يريد التَّحدُّث عن هذا التَّقليد الدِّيني الواحد في السِّلسلة النَّبويَّة منذ إبراهيم، وأن تتابع الأنبياء جميعاً ليس إلا تجديداً في تنزيل ذات القيم والمعاني خطاباً لأقوام مختلفين، وفي ظروف وابتلاءات مختلفة. هذا هو منهج القرآن في الحوار بين المسلمين والكتابيِّين في (سورة البقرة)، إذ بعد أن بيَّن العلل التي طرأت على الدِّيانة الكتابيَّة بعد الرِّسالة، ردَّهم كافَّة إلى أصول الدِّين الإبراهيمي، وهو الإسلام. ومن هذا الأساس ندعو إلى أن يتحوَّل الخطاب الإسلامي إلى هذا المشترك الرِّسالي الذي تبدأ به السِّلسلة النَّبويَّة، وكيف أنه لم يقتصر على المحليَّة الجُّغرافيَّة، ولا على الجُّغرافيَّة الزَّمانيَّة، وإنَّما تحرَّك برسالته في كلِّ الشَّرق الأوسط، من العراق إلى فلسطين، فهناك زرع أبناءه وخلافته التي حملت سنَّته، ومن ثمَّ إلى أطراف مصر، ثمَّ إلى مكَّة حيث ترك هناك تراثه وخلافته أيضاً، وبعد ذلك كان إبراهيم عليه السَّلام أوَّل من بدأ يوسِّع دعوة الدِّين السَّماوي الكتابي، لا لقومه خاصَّة مثل الأنبياء من قبله، ولكنه أوَّل نبي وسَّع امتداد الجُّغرافيا على سياق خطابه العالمي، ففتح آفاقاً عالميَّة لرسالته. إننا بمثل هذا السِّياق العلمي في الطرح نستطيع أن ندخل على الغرب الذي يتأثَّر بالعالميَّة" (ع/12، يناير 1995م، ص 18 ـــ 19).
***
kgizouli@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
شيخ العقل في ذكرى كمال جنبلاط: لتكن مناسبة لإحياء الروح الوطنية
اعتبر شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز سامي ابي المنى، في بيان، أن "الذكرى الثامنة والأربعون لاستشهاد كمال جنبلاط على يد نظام الحقد والإجرام لها معانٍ عميقة، فهي الذكرى الأولى بعد سقوط القاتل، وبعد إلقاء القبض على الضابط المسؤول عن الاغتيال، ومن منّا لا يتذكّر تلك الصاعقة المدوّية التي ضربت الوطن والأمة في السادس عشر من آذار 1977. لذا يحقُّ لنا، وواجبٌ علينا أن نكون في المختارة إلى جانب العائلة الجنبلاطية العريقة، وإلى جانب رفاق القائد الشهيد المنتصرين لانتصار دمِ معلّمهم ومثلهم الأعلى، والمؤمنين بعدالة السماء وبغلبة الحق وإزهاق الباطل ولو بعد حين. وإلى جانب جميع الوطنيين الملتزمين بتحقيق برنامج كمال جنبلاط الإصلاحي لقيام الدولة الوطنية العادلة والحاضنة لجميع اللبنانيين".
أضاف: "لقد حاولوا اغتيالَ الحلم والأمل وإرادةِ الشعب بتصفية القائد الملهم، لكنَّه كان أقوى من سيف المجرم ورصاصة الغدر، إذ هو فكرٌ ورمزٌ ونهجُ حياةٍ ونضال، وهو المتجذِّر في العقول والقلوب، كما الأرزُ والسنديانُ في جبال الشوف، فبقي نابضاً في قلب المختارة الأبيَّة، شامخاً شموخَ بني معروف الموحِّدين، حيَّاً في مسيرة التقدميين الوطنيين، خالداً خلود لبنان المتطلّع دوماً إلى المستقبل بعين الأمل والإرادة".
وختم: "فلتكنْ المناسبة محطةً لإحياء الروح الوطنية في الشعب اللبنانيِّ المُعاني، ولنكنْ أهلاً لاستلهام ما كان يصبو إليه الشهيد، متطلعين معاً إلى شراكة روحية وطنية جامعة، ومجدِّدين الأملَ بالعمل مع قيامٍ عهدٍ واعدٍ وبدء مرحلةٍ جديدة من حياة الوطن والمنطقة. رحم الله الشهداء الأبرار وأبقى الوطن سالماً معافى واحداً موحَّدا". مواضيع ذات صلة باسيل في ذكرى استشهاد الحريري: تعالوا نجعل من الذكرى العشرين مناسبة وطنية للتفاهم حول مستقبل لبنان Lebanon 24 باسيل في ذكرى استشهاد الحريري: تعالوا نجعل من الذكرى العشرين مناسبة وطنية للتفاهم حول مستقبل لبنان 15/03/2025 17:18:37 15/03/2025 17:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 شيخ العقل: الشراكة الروحية والوطنية مظلّة أوسع لبناء لبنان ومواكبة المرحلة الجديدة Lebanon 24 شيخ العقل: الشراكة الروحية والوطنية مظلّة أوسع لبناء لبنان ومواكبة المرحلة الجديدة
15/03/2025 17:18:37 15/03/2025 17:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 شيخ العقل استقبل تيمور جنبلاط ونواب "اللقاء الديموقراطي" Lebanon 24 شيخ العقل استقبل تيمور جنبلاط ونواب "اللقاء الديموقراطي"
15/03/2025 17:18:37 15/03/2025 17:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس عون في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري: نفتقد قامة وطنية كبيرة ورجل دولة بامتياز Lebanon 24 الرئيس عون في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري: نفتقد قامة وطنية كبيرة ورجل دولة بامتياز
15/03/2025 17:18:37 15/03/2025 17:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً
سلام التقى بري في عين التينة.. وهذه الملفات تمّ بحثها
Lebanon 24 سلام التقى بري في عين التينة.. وهذه الملفات تمّ بحثها
11:01 | 2025-03-15 15/03/2025 11:01:43 Lebanon 24 Lebanon 24 "تقليص دور الحكومة"…أزمةُ مخفيّة على الطريق
Lebanon 24 "تقليص دور الحكومة"…أزمةُ مخفيّة على الطريق
11:00 | 2025-03-15 15/03/2025 11:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 يحيى زار مركز صندوق الزكاة في عكار: هذه المؤسسة باتت ملجأً للناس
Lebanon 24 يحيى زار مركز صندوق الزكاة في عكار: هذه المؤسسة باتت ملجأً للناس
10:55 | 2025-03-15 15/03/2025 10:55:30 Lebanon 24 Lebanon 24 بشأن ارتداء البزّة والتقيّد بالقيافة العسكرية.. تعميم من المدير العام لأمن الدولة
Lebanon 24 بشأن ارتداء البزّة والتقيّد بالقيافة العسكرية.. تعميم من المدير العام لأمن الدولة
10:46 | 2025-03-15 15/03/2025 10:46:36 Lebanon 24 Lebanon 24 عودة الامال بالدخول الى نادي الدول النفطية ووزير الطاقة يحاور "توتال"
Lebanon 24 عودة الامال بالدخول الى نادي الدول النفطية ووزير الطاقة يحاور "توتال"
10:30 | 2025-03-15 15/03/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة
آخر خبر.. هذا ما ستشهده الكهرباء قريباً
Lebanon 24 آخر خبر.. هذا ما ستشهده الكهرباء قريباً
15:15 | 2025-03-14 14/03/2025 03:15:40 Lebanon 24 Lebanon 24 يوم "البيجر".. المخابرات السوريّة أرسلت برقيّة "عاجلة وسريّة" هذا كان مضمونها
Lebanon 24 يوم "البيجر".. المخابرات السوريّة أرسلت برقيّة "عاجلة وسريّة" هذا كان مضمونها
04:30 | 2025-03-15 15/03/2025 04:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أمر عقاري لافت في محيط الضاحية
Lebanon 24 أمر عقاري لافت في محيط الضاحية
03:15 | 2025-03-15 15/03/2025 03:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا ما طلبه ترامب بشأن لبنان.. تقريرٌ إسرائيليّ يكشف
Lebanon 24 هذا ما طلبه ترامب بشأن لبنان.. تقريرٌ إسرائيليّ يكشف
15:50 | 2025-03-14 14/03/2025 03:50:53 Lebanon 24 Lebanon 24 "جيروزاليم بوست": كواليس جديدة عن "تفجيرات البيجر".. مفاجأة في إتصال
Lebanon 24 "جيروزاليم بوست": كواليس جديدة عن "تفجيرات البيجر".. مفاجأة في إتصال
16:46 | 2025-03-14 14/03/2025 04:46:06 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان
11:01 | 2025-03-15 سلام التقى بري في عين التينة.. وهذه الملفات تمّ بحثها 11:00 | 2025-03-15 "تقليص دور الحكومة"…أزمةُ مخفيّة على الطريق 10:55 | 2025-03-15 يحيى زار مركز صندوق الزكاة في عكار: هذه المؤسسة باتت ملجأً للناس 10:46 | 2025-03-15 بشأن ارتداء البزّة والتقيّد بالقيافة العسكرية.. تعميم من المدير العام لأمن الدولة 10:30 | 2025-03-15 عودة الامال بالدخول الى نادي الدول النفطية ووزير الطاقة يحاور "توتال" 10:22 | 2025-03-15 الكشف عن هوية المستهدف بغارة برج الملوك... هذه صورته فيديو حذر من اغتيال ترامب: "نوستراداموس الجديد" يلفت انتباه العالم بعد تحقق توقعاته المُرعبة خلال أسبوع (فيديو)
Lebanon 24 حذر من اغتيال ترامب: "نوستراداموس الجديد" يلفت انتباه العالم بعد تحقق توقعاته المُرعبة خلال أسبوع (فيديو)
02:00 | 2025-03-15 15/03/2025 17:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر
Lebanon 24 بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر
04:22 | 2025-03-14 15/03/2025 17:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو)
Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو)
02:26 | 2025-03-14 15/03/2025 17:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24
Download our application
مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات
Download our application
Follow Us
Download our application
بريد إلكتروني غير صالح Softimpact
Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24