في رحلة خارج أبعاد الحداثة والتطور.. بعيدًا عن مشتقات الحاضر مزدحم التفاصيل.. تعزف حارة النحاسين سيمفونية بنوتة التاريخ الذي يمتد عمره لألف عام داخل معرض الفنون، فمن باب خشبي صغير تنطلق إلى رحلة غنية بالإبداع الفني.

سيد إمام.. 60 عامًا من إحياء فن الشفتشي بحارة النحاسين كلام في النحاس.. عم مسعد آخر صنايعة مهنة تصارع الموت: أرفض توريث العمل لأبنائي (فيديو)

تبدأ حكاية المعرض في عام 2013 عندما قرر دكتور إبراهيم أن ينشأ قلعته الخاصة داخل حارة النحاسين، ليضم عدد من أمهر "صناعية" الحارة ممن يعملون بالنحاس والخشب وحتى الجلود والسجاد اليدوي، ويبدأ حلمه القائم على احتواء الفن دون النظر للربح الضائع في عالم لا يقدر الصناعات اليدوية حق قدرها.

عم مسعد..أخر صنايعة النحاس بحارة النحاسين 

بجلسته المعهودة مفرود الظهر يجلس على كرسيه ليعزف سيمفونيته الخاصة.. يُداوي جراح مهنة تصارع الموت، بينه وبين المطرقة وقطعة النحاس قصة طال أمدها لخمسين عام ..تغيرت ملامحها عبر السنين ولكنها لم تفقد من شغف روحه شيئًا تجاه مهنته الأثيرة.

بترحاب دافئ النظرات.. استقبل عم مسعد محرري الوفد خلال جولتنا بحارة النحاسين، كآخر "صناعية" تبييض النحاس وتطعيم داخل الشارع بعد ان أغلق الكثيرين من عمال المهنة ورشهم الخاصة بسبب ضعف الإقبال على شراء تحف النحاس لغلاء أثمانها وضيق ذات اليد عن تغطية يوميات العاملين فضلًا عن أسعار المواد الخام.

يروي عم مسعد رحلته مع النحاس قائلًا "بدأت رحلتي للعمل بتبيض وتطعيم النحاس منذ أن كنت طفلًا في سبيعنات القرن الماضي، تعلمتها من أخوتي، لديّ ٥ أشقاء احترفوا العمل بالنحاس، منهم من يزوالها إلى اليوم، ومنهم من لاقى ربه، كما امتلكت ورشتي الخاصة بحارة النحاسين ولكني اضطررت إلى إغلاقها بسبب سوء الحال وعدم قدرتي على استيفاء احتياجاتي من المواد الخام والمتمثلة في النحاس الذي تضاعف اثمانه عبر السنين من ٤٠ جنيه وحتى ٧٠٠ جنيه للكيلو".

ويستطرد "عندما عرض عليّ دكتور إبراهيم العمل داخل معرض الفنون الخاص به في حارة النحاسين لم أتردد.. ووافقت على الفور، لإنقاذ ما تبقى لي من العمر داخل جدران المعرض، فصممت الكثير من القطع وعلمت مهنتي لنفر أو اثنين من الشباب الراغب في احتراف المهنة لكون المقبلين على تعلمها القليلين لقلة مكاسبها وضعف العائد".

ويستكمل "لديّ 3 أولاد، لم أرغب في توريثهم مهنتي أو حتى تعليمهم لأني أعلم مشاقها جيدًا، واحترفوا مهن يدوية أخرى،  ولكن هذا لا يمنع سعادتي بإنهاء التحف النحاسية المختلفة التي تتطلب في بعض الأحيان للعمل 3 أشهر وأكثر لإنهائها".

سيد إمام.. 60 عامًا من إحياء فن الشفتشي بحارة النحاسين

بأنامل محترفة وخيوط نحاسية يحيك أسطورته الخاصة ويغزل منسوجته النحاسية بدقة كما احترفها منذ ٦٠ عامًا.. كعامل بفن الشفتشي لتقطيع ولحام سلوك النحاس ووصلها لتخرج كقطعة فنية فريدة تبهر أعين الناظرين.

يدعى سيد إمام، من "أسطوات" حارة النحاسين، يعمل بفن الشفتشي وهي كلمة تركية مقتبسة من كلمة "شفت إشى" بمعنى يشف ما خلفه ، حيث إن الأشكال التى تصنع منه تكون مفرغة، ويعد فن الرسم بالأسلاك النحاس تظهر فيه بشكل زخارف كرسوم الدانتيل.

فيما اقترن هذا الفن بمشغولات الإكسسوار الحريمي وأساس هذا الفن هو تقطيع السلك المعدنى لقطع صغيرة بأشكال وأحجام محددة حسب التصميم المختار ثم إعادة صياغة هذه القطع عن طريق اللحام لتكون شكلا متماسكا كما يحتاج إلي الدقة البالغة للحصول على نتائج مبهرة جد ومتميزة.

ويروي العم سيد حكايته مع الشفتشي قائلًا " تعلمت المهنة على ايدي صناعية حارة اليهود، حيث كنت انزل من الصباح الباكر هناك لأرى واتعلم، ثم أحاول تقليدهم، فأضع السلك على الآخر محاولًا تنفيذ الرسومات الموجودة، ثم أصبحت قادرًا على إخراج الشكل النهائي باحترافية نالت إعجاب الجميع".

ويستطرد" كان رواج فن الشفتشي قديمًا أكثر من الآن.. فالصنعة كان يقدرها زبونها والذي غالبًا ما يكون من السائحين الإجانب الذين يقدرون الصناعات اليدوية ويقدرون ساعات العمل الطويلة بمقابل مادي، ولكن الآن لم يعد الحال كما هو عليه، حتى أن عدد الصناعية أصبح لا يتجاوز اصابع اليد على نطاق الجمهورية".

ويطالب إمام المسئولين بتدريس فن الشفتشي داخل المدارس الصناعية حتى لا يندثر ويصبح طب النسيان مع مرور السنين وإغفال قيمته التراثية التي استطاعت تحدي الزمن وإثبات جدارتها مع الصناعات المختلفة.

بين المطرقة وقطعة النحاس.. عم مجدي ينسج حكايته بمعرض الفنون بالنحاسين

بعيدًا عن صخب المادة وتكالب المصالح بالواقع الخارجي، يجلس العم مجدي على طاولته بمعرض الفنون لينسج حكاياته الخاصة.. فبينه وبين كل قطعة نحاس حكاية سطرها بالأيام والجهد  والمطرقة التي حفرت خطوطها البراقة لتخطف أعين الناظرين.

من التاسعة صباحًا حتى الرابعة عصرًا لخمسون عامًا مضت .. اعتاد الاخير ان يمارس عمله المحبب إلى قلبه والذي تعلمه من أخوته بين أروقة حارة النحاسين.. فمن صبي متدرب حتى عامل حتى صاحب ورشة له أسمه ووزنة ومنحوتاته بالسوق التي يقبل عليها زبائنه خصيصًا.

ومع ضيق ذات الحال وقلة الرزق وضعف الإقبال على مشغولات النحاس، يروي صنايعي تطعيم النحاس " منذ أعوام اضطررت لإغلاق ورشتي لعدم قدرتي على تلبية احتياجات الصنعة في ظل موجات ارتفاع الأسعار، حتى سمعت بمعرض الفنون وحلم دكتور إبراهيم في صنع شيء مختلف من صناعية حارة النحاسين، فانضممت للعمل في عام ٢٠١٣ وعلمت بناتي فن تطعيم النحاس وحفره والخروج بعمل متفن يتم الترويج له عالميًا كصناعة مصرية".

ويضيف الأسطى مجدي "لي ولد واحد  رفضت تعليمه فن تبييض النحاس حتى لا يرث ما خضته من مشاق وفضل هو العمل بالرخام، رغم كوني اتمني ان تنهض تلك الصناعة من جديد بتدخل المسئولين وتوفير المواد الخام بأثمان أقل حتي يعود الحال إلى سابق عهده وتعمر البيوت من جديد بخيرات العائد من النحاس كما مضى ونأمل أن يعود من جديد".

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حارة النحاسين معرض الفنون

إقرأ أيضاً:

رحيل أسطورة العراق ببناء الأجسام علي الگيار

رحيل أسطورة العراق ببناء الأجسام علي الگيار

مقالات مشابهة

  • محافظ شمال سيناء يتفقد المخازن اللوجستية للهلال الأحمر في العريش
  • تراجع عقود النحاس بسبب انخفاض الطلب في الصين
  • نجـاة بحـارة من حادث انقلاب قاربهم بعرض البحـر في نواحي تزنيت
  • رئيس الفنون التشكيلية يعلن لـ«الوطن» موعد معرض «في صحبة محمود سعيد»
  • وزير الثقافة أحمد هنو لـ الفجر الفني:" مصر كانت ولازالت منبع الثقافة والفنون وسنضع كل جهدنا من أجل تطوير هذا الجانب
  • نقص الإمدادات العالمية للمعادن الضرورية يشكل تحدٍ للتحول نحو الطاقة المتجددة
  • بأيادٍ سعودية محترفة .. وبخيوط من الحرير والذهب والفضة تُصنع كسوة الكعبة المشرفة
  • كارثة وبائية جديدة تهدد مخيمات النزوح وسط غزة
  • رحيل أسطورة العراق ببناء الأجسام علي الگيار
  • الإعدام لعامل خطف واغتصب طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة بأكتوبر