كمن يقرع "جرس الإنذار"، بدا الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي كسر "الصمت" الذي طبع زياراته الثلاث إلى لبنان، بتصريحات صحافية لا تخرج عن "دبلوماسيته" المعهودة، لكنّها تبتعد عن "الرمادية"، ولا سيما بدعوته الصريحة للأفرقاء اللبنانيين إلى تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وإيجاد حل وسط عبر "خيار ثالث" يضع حدًا لأزمة الرئاسة، التي وصفها بأنّها "لا تُطاق".


 
لم يكتفِ لودريان بذلك، بل عبّر عن "سلبيّة شديدة" من تمادي المسؤولين السياسيين في لبنان بعدم تحمّل المسؤولية، حين قال إنّ "الدول الخمس منزعجة للغاية"، بل إنّ "صبرها ينفد"، وذلك في إشارة إلى المجموعة الخماسية المعنية بلبنان، والتي تضمّ ممثلين عن كل من فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية مصر، بل إنّه ألمح إلى أنّ هذه الدول تتساءل عن "جدوى استمرار تمويل لبنان".
 
وفي حين حرص لودريان على تأكيد "وحدة الموقف" بين الدول الخمس، وهو ما فسّره البعض محاولة للتقليل من شأن ما حكي عن تباينات واختلافات في مقاربة هذه الدول للأزمة اللبنانية، فتحت تصريحاته الباب أمام علامات استفهام حول "ترجمتها" على الواقع الرئاسي، وسط ترقّب لزيارته الرابعة، التي لا يتوقَّع أصلاً أن تُحدِق "خرقًا"، خصوصًا بعد "سحب" رئيس مجلس النواب نبيه بري مبادرته الحواريّة من التداول بشكل أو بآخر.
 
كلام لودريان "ليس بجديد"؟
 
بالنسبة إلى العارفين، فإنّ المواقف التي أدلى بها الموفد الرئاسي الفرنسي ليست بجديدة، وهي لم تفاجئ المعنيّين بالشأن الرئاسي، خصوصًا أنّه أبلغها للمسؤولين الذين التقاهم في زيارته الأخيرة إلى بيروت، وقد تمّ تسريبها عبر الإعلام، خصوصًا في ما يتعلق بطيّ صفحة المرشحين السابقين، وضرورة البحث عن "خيار ثالث"، وهو الموقف الذي نقله بعض النواب عنه، في إشارة أرادوها ضمنيّة إلى انتهاء "المبادرة الفرنسية" بصيغتها القديمة.
 
مع ذلك، يرى كثيرون في صدور هذه المواقف علنًا عن الموفد الرئاسي دلالات تتجاوز هذا البُعد، خصوصًا أنّ لودريان "مدّد" قبل أيام فقط "مدّة صلاحية" المسعى الذي يقوده في لبنان، بعدما كان الانطباع السائد أنّ زيارته لبيروت كان يفترض أن تكون "وداعية"، فيما يضعها آخرون في سياق رغبته بعكس "تناغم" الدول الخمس المعنيّة بشأن لبنان، في ضوء الاجتماع الأخير الذي عقدته، والذي أعقبته أجواء "سلبية" في الإعلام.
 
ثمّة من يربط أيضًا بين مواقف لودريان و"سقوط" مبادرة الرئيس بري، ولا سيما أنّ من تابع جولة الموفد الرئاسي الأخيرة، شعر أنّ الرجل "يعوّل" على هذا الحوار، وليس على أيّ شيء آخر، حتى إنه أوحى لمن التقاهم بأنّ رئيس البرلمان سيمضي في مبادرته رغم مقاطعة بعض القوى لها، على طريقة "حوار بمن حضر"، علمًا أنّ هناك من يرى أنّ "تراجع" بري لم يحصل إلا بعدما لمس عدم وجود "ضغوط" على المعرقلين من شأنها "تليين" موقفهم بالحدّ الأدنى.
 
"مسؤولية" القادة اللبنانيين
 
مع ذلك، يشير العارفون إلى بعض النقاط "الجوهرية" في كلام لودريان، لا بدّ من التوقف عندها، خصوصًا بحديثه عن "انزعاج" الدول الخمس، وعن "نفاد صبرها"، وتلويحه ببحث هذه الدول "الاستمرار بتمويل لبنان"، وكلّها عوامل تصبّ في خانة "الضغط" على الأفرقاء اللبنانيين لتحمّل مسؤولياتهم، والكفّ عن المماطلة والتسويف، والعمل جدّيًا على حلّ أزمة الرئاسة، بعيدًا عن منطق "التعنّت والتصلّب" الذي طبع المرحلة السابقة.
 
يُفهَم كلام لودريان هذا من أكثر من زاوية، فهو قد يكون "توطئة" لإعلان الانكفاء والانسحاب، وفق مبدأ أنّه "أدّى قسطه للعلى"، تمامًا كما فعل رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأنّ الأفرقاء الآخرين لم يسهّلوا عمله، وعقّدوا مهمّته، بعدما حاصروها بالشروط والشروط المضادة، كما يمكن أن يُفهَم من باب "الضغط" أنّ عدم التجاوب السريع معه سيضع اللبنانيين في موقف أصعب، ولا سيما بعدما حُكي عن "مهلة" مُنِحت له لإنجاز ما يصبو إليه.
 
صحيح أنّ هناك من يعتقد أنّ الفرنسيّ يستعدّ بذلك لـ"تسليم الراية" إلى الدوحة التي كثّفت مساعيها خلف الكواليس، تمهيدًا لزيارة يقال إنّها قريبة لوزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي إلى بيروت، ولو أنّها "غير مجدولة" بشكل رسمي حتى الآن، ولكن هناك من يدعو إلى عدم "استبعاد" أن يكون على "أجندة" الدول الخمس، إعادة اعتبار لـ"الإجراءات" التي سبق أن لوّحوا بها ضدّ المعطّلين، والتي قد توضَع على الطاولة قريبًا جدًا.
 
بين تصريحات لودريان، التي قد يُستبطَن منها بعض "التشاؤم"، ولو غُلّف بـ"ضغوط" ربع الساعة الأخير، قبل انتهاء "مدّة الصلاحية" المعطاة للمبادرة الفرنسية، وبين "سقوط" مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية، التي كان يفترض أن يكون "المدخَل الوحيد" للحل، أو بالحدّ الأدنى "تجميدها"، يبدو أنّ أبواب "الانفراج" تقفل بدل أن تنفتح، أقلّه بانتظار الحراك القطري، الذي لن ينجح إذا لم يتأمّن له ما يطلبه لودريان أساسًا، أيّ تحمّل اللبنانيين لمسؤولياتهم!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الموفد الرئاسی الدول الخمس خصوص ا

إقرأ أيضاً:

ميقاتي متفائل بحذر حيال وقف النار

كتب محمد شقير في" الشرق الاوسط": قالت مصادر نيابية أن الوضع في الجنوب سيكون الخطوة التالية بعد غزة، في ضوء المساعي الدولية لمنع توسعة الحرب، وآخرها اللقاءات التي عقدها الموفد الرئاسي اموس هوكشتاين في باريس مع الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، ومسؤولين في القصر الرئاسي الفرنسي، وهو تصدر الاجتماع الذي عُقد أول من أمس بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووفد من نواب «اللقاء الديمقراطي» والحزب «التقدمي الاشتراكي» برئاسة تيمور وليد جنبلاط لإطلاعه على حصيلة مروحة اللقاءات التي عقدها مع الكتل النيابية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم بالتوصل إلى تسوية رئاسية بانتخاب رئيس توافقي.
وكشفت المصادر النيابية أن ميقاتي عبّر عن تفاؤله بحذر حيال المنحى الإيجابي الذي بلغته الوساطة العربية الدولية للتوصل إلى وقف للنار في غزة الذي يُفترض أن ينسحب على جنوب لبنان، وخصوصاً أن اللقاءات التي عقدها الوسيط الأميركي في باريس أكدت الربط بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، وقالت إن ألمانيا دخلت على خط التحرك لنزع فتيل التفجير في غزة، وأوفدت نائب مدير المخابرات الذي اجتمع بنائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم.
ولفتت إلى أن نائب مدير المخابرات عرض على قاسم مجموعة من الأفكار لضمان عودة الهدوء إلى الجنوب، وأن الأخير وعد بدرسها من قبل قيادة الحزب، على أن يعاود التواصل معه لإطلاعه على ما لدى الحزب من ملاحظات عليها، خصوصاً لجهة إصراره على التلازم بين وقف النار ووقف العمليات العسكرية.
وقالت إن ميقاتي، وإن كان يبدي ارتياحه لما يدور على الجبهة الغزاوية وصولاً لتحقيق وقف النار، فإنه في المقابل يواكب عن كثب الجهود الدولية الرامية لمنع إسرائيل من توسعة الحرب، مبدياً تفاؤله بحذر بعودة الهدوء إلى الجنوب في حال وصلت المفاوضات على الجبهة الغزاوية إلى خواتيمها الإيجابية، ورأت أنه بمجرد التوصل إلى وقف للنار بين حركة «حماس» وإسرائيل، سيبادر هوكشتاين بالتحرك لمعاودة تفاوضه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري للوصول إلى اتفاق يعيد الهدوء للجنوب.

مقالات مشابهة

  • وفاة أحمد رفعت: نجم كرة القدم الذي غادرنا وراءه تصريحات مؤثرة
  • ماذا بعد غزة جنوبًا؟
  • لبنان يُطالب بالتجديد لـ اليونيفيل من دون أيّ تعديلات والفصل السابع لن يمرّ!
  • ميقاتي متفائل بحذر حيال وقف النار
  • محكمة روسية ترفض استئناف المستشار الفرنسي المحتجز بتهمة التجسس شي وبوتين يدعوان إلى عالم متعدّد الأقطاب .. وأوكرانيا تسحب قواتها من مدينة تشاسيف يار الاستراتيجية
  • الكشف عن هوية القيادي الذي أرسله العليمي سرًا إلى صنعاء للتفاوض مع الحوثيين
  • “الأخطبوط” الروسي مدفيديف يواصل مشواره في ويمبلدون
  • البزري: الاستحقاق الرئاسي كان معقداً قبل الحرب وازداد تعقيداً بعدها
  • ما نحن عليه اليوم هو الأفضل... القطاع العقاري مكبوت ولا أفق للتحسن!
  • فرنسا قلقة من تصاعد التوترات جنوبا.. ميقاتي: العدوان الاسرائيلي تدميري وارهابي