يهدف المشرعان الأمريكيان الجمهوريان: ماركو روبيو وجيمس ريش، إلى مواجهة التطبيع مع حكومة بشار الأسد بتشريعات جديدة شاملة، مع استمرار الترحيب بعودة سوريا إلى المسرح العالمي.

وقدم روبيو وريش، يوم الأربعاء، مشروع قانون مكافحة التطبيع لنظام الأسد لعام 2023، بعد أقل من أسبوع من قيام الأسد بزيارته الأولى للصين منذ اندلاع الحرب الأهلية في بلاده قبل 12 عاما، وفقا لما أورده موقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد".

ومن شأن مشروع القانون، وهو نسخة مقدمة لمجلس الشيوخ الأمريكي من مشروع تم تقديمه إلى مجلس النواب في وقت سابق من العام الجاري، أن يمدد العقوبات الحالية على سوريا، والمعروفة باسم "عقوبات قيصر"، حتى عام 2032 ويمنع الحكومة الأمريكية من تطبيع العلاقات مع الأسد.

وقبلت جامعة الدول العربية عودة عضوية الأسد إليها في شهر مايو/أيار، بعدما قررت السعودية والإمارات، اللتان دعمتا الجماعات المعارضة للنظام السوري لسنوات، التعامل مع رئيس النظام، فيما تواصلت الأردن ولبنان مع دمشق لمعالجة أزمة اللاجئين وتجارة المخدرات.

ووضع ذوبان الجليد في العلاقات بعضا من أقرب شركاء واشنطن العرب على طرف نقيض من الإجماع بين الحزبين في الكونجرس على إبقاء الأسد معزولا بسبب دوره في الحرب الأهلية التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وبسبب قربه من روسيا وإيران.

وفي السياق، قال ريش: "رغم تزايد الأدلة ضد الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كانت هناك موجة مثيرة للقلق من الجهود لإعادة تأهيل وتبييض النظام (السوري) وجرائمه"، مضيفا: "هذا التشريع يفرض سياسة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام الأسد".

ويدعو مشروع القانون إلى "وصف الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة لردع الاعتراف" بالأسد من قبل الحكومات الأخرى بما في ذلك "العقوبات الاقتصادية".

ومع عدم قدرتهم حتى الآن على منع قرع طبول التطبيع المستمر، يريد روبيو وريش رؤية المزيد حول ما يفعله شركاؤهم الإقليميون.

ويتضمن مشروع القانون الذي قدمه روبيو وريش بنداً يدعو وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى تزويد الكونجرس بقائمة لجميع الاجتماعات الدبلوماسية، على مستوى السفراء وما فوقهم، بين سوريا وجيرانها، بما في ذلك قطر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا.

كما ينص المشروع على مراجعة جميع المعاملات، بما في ذلك التبرعات التي تزيد عن 50 ألف دولار في المناطق السورية التي تسيطر عليها حكومة الأسد والتي قدمها أي شخص في تلك البلدان.

خالي الوفاض

ويقول الأسد إن عقوبات قيصر جرى التغلب عليها، لكنه في الواقع خرج خالي الوفاض من دول الخليج وبكين ولم يتمكن من بدء تمويل إعادة إعمار سوريا، والتي تقدر الأمم المتحدة أنها ستكلف حوالي 250 مليار دولار.

وفي عام 2020، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سوريا بموجب قانون قيصر، الذي سمي على اسم مصور عسكري سوري قام بتهريب عشرات الآلاف من الصور المروعة خارج البلاد والتي وثقت أدلة على جرائم حرب.

وفي السياق، قال آرون لوند، وهو زميل في شركة "سنشري إنترناشيونال": "كنا سنشهد المزيد من استثمارات دول الخليج الآن لو لم تكن العقوبات موجودة".

ويوسع مشروع القانون المحدث نطاق العقوبات ليشمل أعضاء البرلمان السوري وكبار المسؤولين في حزب البعث السوري والمتهمين بتحويل المساعدات الإنسانية.

اقرأ أيضاً

كاتب أمريكي: التطبيع العربي مع الأسد "شر لا بد منه".. وعلى واشنطن استغلاله بهذه الطريقة

واتهم منتقدون إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بعدم تطبيق العقوبات المفروضة على دمشق بشكل صارم، وهو ما علق عليه لوند بقوله: "الإدارة كانت مقيدة إلى حد ما" في تطبيق عقوبات قيصر، على الرغم من قلق دول الخليج بشأن الاستثمار.

وأضاف: "هناك تيار فكري في الإدارة (الأمريكية) يقول إن سوريا لا تحتاج إلى مزيد من الضغط الاقتصادي في الوقت الحالي. إنهم يريدون التأثير على الأسد، لكنهم لا يريدون انهيار البلاد وتفاقم الأزمة الإنسانية".

وفي مقابلة أجريت معه في أغسطس/آب الماضي، سعى الأسد إلى التقليل من شأن قانون قيصر، قائلاً: "لقد تمكنا بعدة طرق من تجاوز هذا القانون"، مضيفاً أن "العقبة الأكبر (أمام إعادة الإعمار) هي صورة الحرب، التي تمنع أي استثمار في الاقتصاد السوري".

دمشق إلى أثينا

وكان توسيع الرحلات الجوية من وإلى دمشق أحد أكثر العلامات الملموسة على أن سوريا تعيد التواصل ببطء مع العالم، وإزاء ذلك فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكبر شركتين للطيران في سوريا: أجنحة الشام والخطوط الجوية العربية السورية، لكن المشرعين الأمريكيين يدعون إدارة بايدن إلى فرض عقوبات أخرى "على مقدمي خدمات المطارات خارج سوريا".

وأجنحة الشام لديها رحلات مباشرة إلى عمان والإمارات والكويت ورحلات غير مباشرة إلى السعودية، وفي العام الماضي رفع الاتحاد الأوروبي العقوبات عنها.

وبدأت شركة البحر الأبيض المتوسط، وهي شركة طيران يونانية لها رحلات إلى الشام، رحلات مباشرة بين أثينا ودمشق في وقت سابق من العام الجاري.

ويركز مشروع روبيو وريش على أسماء الأسد، زوجة بشار، والمصرفية السابقة في بنك جيه بي مورجان، والتي يقول المحللون إن لها تأثيرًا هائلاً على الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب.

ويطالب روبيو وريش بتحديد ما إذا كانت مؤسسة أسماء الخيرية، والأمانة السورية للتنمية، تفي بمعايير العقوبات بموجب قانون قيصر من عدمه.

التلاعب بالعملة

وفي حين أن سوريا معزولة فعلياً عن التعامل مع الغرب، إلا أن المساعدات استمرت في التدفق إلى البلاد، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

ولطالما اتُهمت دمشق بسرقة أموال المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة، والتي يأتي الجزء الأكبر منها من الغرب.

ويسيطر الأسد على نحو ثلثي الأراضي السورية بدعم من موسكو وطهران، وحاول استخدام المساعدات لفرض سيطرته على أجزاء من سوريا التي لا تزال تحت سيطرة قوات المعارضة. وأفاد "ميدل إيست آي" بأن حكومة الأسد عرقلت جهود الإنقاذ في شمال غرب البلاد الذي يسيطر عليه المتمردون بعد زلزال مدمر في فبراير/شباط الماضي.

وذكر تقرير للموقع البريطاني العام الماضي أن الفساد "المنهجي" يعاني منه المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة لسوريا.

فبين عامي 2019 و2020، ذهب ما يقرب من 47% من تمويل مشتريات الأمم المتحدة في سوريا إلى شركات مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها حكومة الأسد.

ويقول الخبراء إن أحد أكثر المخططات ربحية بالنسبة لدمشق هو استغلال سعر صرف العملة السورية مع المانحين الدوليين.

وانهارت العملة السورية منذ الحرب، حيث تراجعت إلى نحو 13 ألف ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد، ولذا يطالب روبيو وريش وزير الخارجية الأمريكي بتقديم تقييم لتلاعب دمشق بسعر الصرف.

اقرأ أيضاً

رغم التطبيع العربي مع الأسد.. لماذا يستمر تدهور الاقتصاد السوري؟

المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: سوريا بشار الأسد الولايات المتحدة الولایات المتحدة مشروع القانون الأمم المتحدة بما فی ذلک

إقرأ أيضاً:

أسماء الأسد.. إيما التي لم تكن تهتم بالشرق الأوسط

زوجة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ولدت عام 1975 في لندن، وأصبحت السيدة الأولى لسوريا بين عامي 2000 و2024، وتم الترويج لها على مدار سنوات، لا سيما في الصحافة الغربية، على أنها الوجه المتحضر لسوريا، لكن تلك الصورة لم تتمكن من الصمود بعد موقفها الداعم لزوجها وللنظام في قمع الثورة السورية التي اندلعت عام 2011.

كان لها دور رئيسي في بناء شبكة من المتاحف والمؤسسات الثقافية التي خدمت سياسات النظام، كما أظهرت اهتماما بالغا بتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، عبر إنشاء العديد من المؤسسات الخيرية غير الحكومية التي سيطرت على المعونات الدولية، ووجهتها نحو الفئات الداعمة للنظام، واستغلت الأعمال الخيرية في الهيمنة على قطاع الاقتصاد في البلاد.

أصيبت بسرطان الدم عام 2024، واضطرت إلى الانتقال إلى روسيا لتلقي العلاج قُبيل سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وأكدت تقارير صحفية دخولها في وضع صحي حرج.

المولد والنشأة

ولدت أسماء فواز الأخرس يوم 11 أغسطس/آب 1975 في العاصمة البريطانية لندن، لعائلة سورية من مدينة حمص، وكان والداها قد استقرا في لندن مع بداية سبعينيات القرن العشرين، وعمل والدها فواز طبيبا استشاريا في أمراض القلب، بينما كانت والدتها سحر عطري دبلوماسية في السفارة السورية بالعاصمة البريطانية.

ترعرعت أسماء في حي أكتون غربي لندن، بالقرب من المناطق الراقية، وعاشت في أسرة عُرفت بأنها عائلة مسلمة سنية محافظة، فقد كان والدها يتردد على المسجد، وكانت والدتها ترتدي الحجاب.

حملت أسماء الجنسية البريطانية، ونشأت نشأة غربية، إذ درست في مدارس إنجليزية، ولم تتميز عن غيرها من أقرانها، واشتهرت في المدرسة باسم "إيما"، ولم تُعرف بهويتها العربية أو الإسلامية، ولم تكن تُظهر ارتباطا بموطنها الأصلي سوريا أو اهتماما بالشرق الأوسط وقضاياه.

أسماء الأسد معروف عنها هوسها بالموضة والتسوق من المتاجر الفاخرة (رويترز) الدراسة والتكوين العلمي

تلقت تعليمها الأساسي في لندن، وتخرجت في مدرسة تويفورد الثانوية التابعة لكنيسة إنجلترا، ثم انتقلت إلى كلية كوينز التابعة لجامعة كامبردج في ماريلبون بلندن، وتخرجت فيها.

إعلان

التحقت بعدها بكلية كينغز التابعة لجامعة لندن، ونالت شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في علوم الكمبيوتر والأدب الفرنسي عام 1996، ولاحقا حصلت على دكتوراه فخرية في علم الآثار من جامعة لاسابينزا في روما، تقديرا لدورها في الحفاظ على التراث الثقافي السوري.

تجيد أسماء الأسد إلى جانب اللغة العربية 3 لغات أخرى، هي: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.

المسار المهني

في أعقاب تخرجها في الجامعة، خرجت في رحلة على مدى 6 أشهر، قضتها بين الشرق الأقصى وأوروبا، بعدها بدأت مسيرة مهنية ناجحة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، وعملت في مصارف دولية بارزة.

فقد حصلت عام 1997 على وظيفة محللة لصناديق التحوط في مصرف دويتشه بمدينة نيويورك، وفي العام التالي انتقلت للعمل في قسم الاستثمار في مصرف جي بي مورغان وعملت محللة نظم حتى عام 2000، ثم قدمت استقالتها منهية بذلك مسيرتها المهنية القصيرة.

الزواج ببشار الأسد

كان لقاؤها الأول ببشار الأسد عام 1992، حين سافر إلى لندن بغرض دراسة طب العيون، وقد كان على صلة بوالدها فعرفه إليها، وعلى إثر وفاة شقيقه باسل عام 1994 قفل بشار عائدا إلى دمشق تاركا الطب إلى الأبد ليبدأ مساره السياسي تمهيدا لتوليه السلطة.

تولى بشار الرئاسة عام 2000 خلفا لوالده، وحينئذ استقالت أسماء من عملها، وكانت قد خططت لإكمال الماجستير في جامعة هارفارد، إذ تمكنت من الحصول على مقعد لها في كلية إدارة الأعمال، لكنها فضلت أن تترك كل شيء وراءها، وتنتقل إلى سوريا حيث لم تلبث أن تزوجت ببشار في 18 ديسمبر/كانون الأول 2000، بعد أشهر قليلة من توليه السلطة.

وفي بداية زواجها لم يكن مرحبا بها من قبل عائلة زوجها، لا سيما والدته أنيسة مخلوف التي لم توافق على زواجهما، ويعزو البعض ذلك إلى انتماء أسماء للطائفة السنية، في حين أن عائلة الأسد من الطائفة العلوية، فضلا عن عدم قدرتها على الاندماج في المجتمع الشرقي، خصوصا أن لغتها العربية في تلك الأيام لم تكن جيدة بما فيه الكفاية، كما ضاعف المشكلة عدم معرفتها باللهجة العلوية المتداولة في البيئة حولها.

إعلان

وفي السنوات الأولى من زواجها، أنجبت 3 أولاد: الابن البكر حافظ المولود عام 2001، والابنة الوسطى زين المولودة عام 2003، والأصغر كريم الذي كان مولده في عام 2004.

أسماء الأخرس ولدت في لندن وتزوجت ببشار الأسد عام 2000 (الفرنسية) سيدة سوريا الأولى

أصبحت أسماء سيدة سوريا الأولى، وعملت على تغيير الصورة النمطية للعائلة، بإظهارها بمظهر أكثر تواضعا وعصرية، إذ انتقل الزوجان من القصر الذي كان يساوي مليار دولار، وعاشا في بيت مكون من 3 طوابق، في أحد أحياء دمشق.

وفي الوقت نفسه، انخرطت في الحياة العامة وسجلت حضورا قويا في المناسبات الرسمية، وأطلقت مبادرات لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وكان لها دور محوري في بناء شبكة من المتاحف والمؤسسات الثقافية التي كانت تخدم سياسات النظام.

فقد بدأت مشروعا وصفته بأنه يمثل "النهضة الثقافية"، يهدف إلى بناء معارض فنية ومتنزهات ثقافية وإنشاء شبكة مواصلات تربط دمشق مع المدن التاريخية في شمال شرقي البلاد، واستعانت على تنفيذ ذلك المشروع بمسؤولين سابقين في الأمم المتحدة وأعضاء في شركات أجنبية وخبراء في متاحف أوروبية وسوريين متأثرين بالثقافة الغربية.

ونجحت جهودها في تحسين صورة النظام، فاستقبلت وفودا برلمانية أجنبية ونجوما من هوليود، وتعاطف معها الفرنسيون بعد زيارتها إلى باريس، ولفت نشاطها الثقافي والاجتماعي نظر الأميركيين، فحظيت البلاد بزيارة مسؤولين أميركيين، خاصة بعد انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة عام 2008.

نالت أسماء الأسد تكريمات عدة منها: جائزة السيدة العربية الأولى المقدمة من مؤسسة المرأة العربية بالتعاون مع جامعة الدول العربية عام 2008، وميدالية رئاسة الجمهورية الإيطالية الذهبية في العام نفسه، اعترافا بجهودها في المجال الإنساني.

وعمل الإعلام المحلي والدولي على إبرازها حتى باتت تعرف بأنها "الوجه العصري للنظام السوري"، وقدمتها الصحافة الغربية على أنها امرأة متطورة وأنيقة، فضلا عن كونها ذكية وواثقة بنفسها، وتبذل جهودا كبيرة في تعزيز الانفتاح السوري على العالم عبر الفن والعمل الخيري.

إعلان

وأثناء زيارتها الرسمية للمملكة المتحدة عام 2002، أطلقت عليها الصحافة البريطانية "ديانا الشرق"، بينما وصفتها مجلة "باري ماتش" الفرنسية بأنها "مصدر ضوء في بلد ممتلئ بالمناطق المظلمة".

وروّجت لها مجلة فوغ الأميركية عام 2011، حين نعتتها بأنها "وردة في الصحراء"، ولكن المقال برمته حذف لاحقا من الموقع، بعد قمع النظام السوري للاحتجاج الشعبي السلمي في سوريا الذي انطلق بعد مدة وجيزة من نشر المقال.

أسماء الأسد أثناء زيارة لطلاب بدمشق في فترة الامتحانات (الفرنسية) العمل الخيري والنفوذ الاقتصادي

ولجت أسماء الأسد منذ السنوات الأولى من زواجها مجال العمل الخيري، واستغلته لتوسيع نفوذها في البلاد، لا سيما الاقتصادي، وكانت المبادرة الأولى لها هي الصندوق السوري للتنمية الذي أسسته عام 2001.

وفي عام 2007 وسعت نشاطاتها، حين أنشأت مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية"، وهي عبارة عن مشروع خيري غير حكومي ضخم، ترأست السيدة الأولى مجلس أمنائه منذ تأسيسه حتى سقط نظام الأسد عام 2024.

وامتدت سيطرة الأمانة حتى شملت 15 مركزا مجتمعيا في العديد من المحافظات السورية، واندرجت تحتها مجموعة من المشاريع والمؤسسات الخيرية غير الحكومية، مثل: الصندوق السوري للتنمية الريفية (فردوس) ومشروع "مسار" الداعم للطفولة، ومؤسسة "مورد" التي اعتنت بتقديم قروض للنساء، في إطار تفعيل دور المرأة في الاقتصاد.

وكانت الأمانة هي المنظمة غير الحكومية الوحيدة التي تعمل في ظل نظام الأسد، ولم يكن مسموحا بذلك لأي منظمة أخرى غير حكومية، وهو ما جعلها تحتكر الأعمال الخيرية.

وبحسب الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط جان بيير فيليو، فقد كانت الأمانة وسيطا إلزاميا للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأجبرا على التعاون معها للحفاظ على نشاطهما الخيري في سوريا.

وكانت المؤسسة الخيرية تتلقى أغلب التمويلات الواردة من الخارج إلى سوريا، فقد قُدمت للمانحين الدوليين بصفتها شريكا رئيسيا في إعادة إعمار دولة دمرها الصراع، وبذلك هيمنت على المساعدات الدولية.

إعلان

وفضلا عن تلك الممولة دوليا، اندرجت تحت الأمانة مشاريع أخرى محلية، مثل المؤسسة الوطنية للمشاريع الصغيرة التي حققت أرباحا لا تقل عما تحققه بنوك التمويل المتوسطة.

وانتُقدت الأمانة لارتباطها الوثيق بنظام بشار وتواطئها في انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، واتُهمت بمنع المساعدات عن المناطق المتضررة من الحرب، وتحويلها نحو الفئات الموالية للنظام، واستخدام المعونات في دعم المليشيات الموالية للرئيس المخلوع.

وعلى مدار سنوات نفوذها، استغلت أسماء الأسد الأعمال الخيرية لبناء شبكة محسوبيات واسعة. ووفق تقرير نشره موقع "تقرير سوريا"، فقد استغلت هي وزوجها ظروف الصراع التي أدت إلى سقوط نخبة رجال الأعمال التقليدية، وصعود طبقة تجار الحرب، ليصبحا اللاعبين الاقتصاديين الرئيسيين في البلاد، مما سمح لهما ببسط نفوذهما على قطاعات عدة منها الاتصالات والخدمات المصرفية والعقارات والموانئ.

عقوبات دولية

مع استمرار الثورة الشعبية التي اندلعت في مارس/آذار 2011، أعلنت أسماء الأسد دعمها لزوجها، وأدت دورا محوريا في تنفيذ سياسات النظام، منها التلاعب في توزيع المساعدات بما يعزز أعمال القمع وجرائم الحرب في البلاد، وهو ما أدى إلى انهيار "الصورة المشرقة" التي حاولت رسمها على مدار السنوات التي سبقت الثورة.

وتراجعت تبعا لذلك الحفاوة الدولية التي حظيت بها، وتوقفت بعض مشاريع الأمانة نتيجة للعقوبات المفروضة على النظام السوري، وأبقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على الدعم الموجه لمؤسسات النظام غير الحكومية، إذ اعتبرت الأمانة السورية للتنمية هي الممثل المعتمد لديها لصون التراث الثقافي اللامادي في الشرق الأوسط.

وفي مارس/آذار 2012، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أسماء، في إطار العقوبات المفروضة على نظام الأسد، وتمثل ذلك في حظر سفرها وتجميد أصولها. ورغم خروج بريطانيا من الاتحاد، وحمل أسماء للجنسية البريطانية، التزمت لندن بالعقوبات المفروضة، فلم تلق زوجة الأسد ترحيبا في البلاد لكونها داعمة للنظام، وطالب كثيرون في المملكة المتحدة بسحب جنسيتها البريطانية.

إعلان

وفي عام 2020 فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات، باعتبارها من أكبر المستفيدين من الحرب في سوريا، واتهمتها بالتكسب غير المشروع على حساب الشعب السوري، واستخدام المنظمات الخيرية لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي.

ورفعت شركة "جيرنيكا 37″، وهي شركة محاماة متخصصة في العدالة الدولية تركز على النزاعات، قضية ضد أسماء الأسد عام 2021، وعلى إثرها فتحت شرطة لندن تحقيقا في اتهامات بالتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، والمشاركة في جرائم حرب في سوريا.

الموضة والحياة الباذخة

اشتهرت بولعها بالحياة الباذخة، وحبها للموضة والأزياء الفاخرة التي تُجلب من أرقى دور الأزياء الأجنبية، والتي تحمل توقيع كبار المصممين العالميين، وبفضل ذلك أعطتها مجلة "أبل" الفرنسية المتخصصة في عالم الأزياء لقب "سيدة الأناقة الأولى" عام 2008.

ورغم اندلاع صراع دموي لقي فيه الآلاف حتفهم، صاحبه تدهور كبير لاقتصاد البلاد، وظروف معيشية قاسية عانت منها معظم طبقات الشعب، استمرت السيدة الأولى بالتسوق من المتاجر والمحلات الفاخرة، وانغمست في عيش مترف، وزينت بيتها بالتحف واللوحات الفنية التي تكلف الواحدة منها عشرات الملايين من الدولارات، وبدت غير مهتمة بالوضع المزري الذي يواجهه السوريون.

فقد كشفت رسائل بريد إلكتروني مسربة من حسابات خاصة بأسماء الأسد وزوجها، نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية عام 2012، أنها أنفقت عشرات آلاف الدولارات على الملابس والمجوهرات والأثاث واللوحات الباهظة الثمن.

كما نشرت زوجتا السفيرين البريطاني والألماني لدى الأمم المتحدة فيديو موجها لأسماء الأسد، يعرض المفارقة بين الحياة الفاخرة التي تعيشها أسرتها وما يعانيه ضحايا الحرب في سوريا.

صراع مع المرض

أصيبت أسماء بسرطان الثدي عام 2018، وخضعت للعلاج في أحد المستشفيات العسكرية في دمشق، وبعد عام من العلاج شفيت لأن المرض كان في مراحله المبكرة.

وفي مايو/أيار 2024، كشفت الرئاسة السورية عن إصابتها بسرطان الدم (اللوكيميا)، وبدأت بروتوكول علاج خاص يتطلب عزلا صحيا كاملا، وتم الإعلان عن توقفها عن المشاركة في الأحداث والمناسبات العامة.

إعلان

وقبل أسابيع من سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، انتقلت أسماء إلى موسكو للحصول على رعاية طبية متقدمة، وأفادت تقارير صحفية بأنها تعيش وضعا صحيا حرجا، وأنها تخضع للعزل الصحي التام.

مقالات مشابهة

  • الشيباني: على الآخرين دعم سوريا الجديدة وإقناع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بإزالة العقوبات التي فُرضت بسبب النظام البائد
  • السيد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في حوار مع الإعلامي في جريدة القبس الكويتية عمار تقي ضمن القمة العالمية للحكومات المقامة في دبي: في سوريا تخلصنا من التحدي الأكبر الذي كان يصادر كرامة وحرية الشعب السوري وهو النظام السابق
  • مبعوث روسيا الخاص يؤكد دعم موسكو للرفع الفوري للعقوبات عن سوريا
  • أسماء الأسد.. إيما التي لم تكن تهتم بالشرق الأوسط
  • 34,690 سوريا غادروا الأردن منذ سقوط نظام الأسد
  • إلغاء مسيرة قافلة عسكرية روسية في سوريا بعد تدخل وزارة الدفاع
  • الشرع: آلاف المتطوعين ينضمون إلى الجيش السوري الجديد بعد الإطاحة بـ"نظام الأسد"
  • بزشكيان يشكك في نوايا الولايات المتحدة: إذا كانت المفاوضات جادة فلماذا العقوبات؟
  • هل تورطت دول المنطقة أم وُرِّطَت؟
  • مدبّر مجزرة التضامن.. "صقر" نظام الأسد يثير الغضب في سوريا