البديل من الطائف يقود إلى الفوضى
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
ما يُمكن ملاحظته من خلال مجريات الأحداث على الساحة اللبنانية هو "تعويد" اللبنانيين على "هضم" فكرة الفراغ في رئاسة الجمهورية، وما يستتبعها من فراغات متوالدة على مستوى السلطات الأخرى، تشريعية وقضائية، وإلى حدّ ما على مستوى السلطة التنفيذية بفعل مقاطعة وزراء "التيار الوطني الحر" لجلسات الضرورة القصوى، التي تعقدها الحكومة، وبالأخص في ما يتعلق بالقضايا المصيرية كمسألة النزوح السوري، القديم منه والمتجدّد، وما يترتب عنه من مضاعفات خطيرة سبق أن حذّر من خطورتها الرئيس نجيب ميقاتي في كلمته من على منبر الأمم المتحدة، وكذلك القادة الأمنيون، الذين في حوزتهم تقارير تؤكد ما يمكن أن يتعرض له لبنان من خضّات على المستوى البنيوي لكيانه الديموغرافي والاجتماعي.
وقد يكون أخطر ما في هذا الاعتياد محاولة فرض معادلة جديدة في مفهوم الحياة الوطنية والسياسية من أنماط تناقض فرضية التوازنات القائمة في البلاد، والتي أرساها اتفاق الطائف حفاظًا على الصيغة الفريدة لتنظيم العيش المشترك بين اللبنانيين. وهي صيغة ارتضاها اللبنانيون بطيبة خاطر ومن دون املاءات خارجية، على رغم ما اعترضها من خضّات موسمية طارئة لم تؤثّر على هذه النمطية في تدبير شؤون الدولة بما يؤّمن حقوق الجميع تحت سقف الدستور والقوانين المرعية الإجراء، مع اقتناع الجميع بضرورة تطوير ما يجب تطويره أو تعديله في وثيقة الوفاق الوطني بعد تطبيقه نصًّا وروحًا، ومن دون الإفساح في المجال أمام محاولات الانقلاب على هذه الوثيقة، كما يحاول البعض الإيحاء بهذا الأمر.
فما قاله مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في ذكرى المولد النبوي الشريف مؤشر إلى أن الوعي لدى القيادات الروحية وبعض المسؤولين يعَّول عليه لتخطّي المرحلة الصعبة، تمهيدًا لاستعادة لبنان وضعه شبه الطبيعي. فالمفتي قال عن الوضع العام وعن الأزمة الرئاسية: إن "الحراك الداخلي هو الأساس في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والحراك الخارجي هو عامل مساعد وداعم، وهذا يعني أن على القوى السياسية والكتل النيابية، أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية أمام الله والوطن والناس، وينبغي على اللبنانيين التقاط الفرص التي تقدم لهم. فالفرصة لا تعوض إذا لم نحسن التعامل معها، على أساس مصلحة الوطن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، والاستحقاق الرئاسي سيحصل، مهما اشتدت العواصف، كي نضع حدا لآلام اللبنانيين، وكي يعود الدور الفاعل إلى الدولة ومؤسساتها، فإنه لا تغيير في النظام اللبناني، وسيبقى اتفاق الطائف الضامن للشراكة الإسلامية - المسيحية، والعيش المشترك، ولا مكان للطروحات التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين في وطنهم لبنان، بلد الوحدة والتنوع.
فبمثل هذا الكلام يمكن الابتعاد عمّا يحاول البعض تمريره في غفلة من الزمن، وفي الوقت الذي يعتقد هذا البعض أن اللبنانيين غافلون عمّا يدور في الكواليس، وأن محاولات الهائهم بتأمين حاجياتهم اليومية بصعوبة سيجعلهم يغضّون الطرف عن تصرفات قد تكون غريبة عن عاداتهم وعن أصالتهم وعن تمسكّهم بما يجمع بينهم، وهو أكثر بكثير مما يفرّقهم ويباعد بين بعضهم البعض. والدليل أن ما مرّ عليهم من ظروف قاسية لم تستطع أن تغيّر ما في طباعهم شيئًا، وأن تبدّل قناعتهم بالعيش معًا تحت سماء واحدة، وعلى أسس واضحة وسليمة.
فهذه القناعة الجماعية لدى أغلبية اللبنانيين هي التي ستقودهم حتمًا إلى اختيار رئيس لجمهوريتهم يؤمن بوحدة الشعب والمؤسسات، ويعمل على صهر هذه الوحدة في قالب دستوري جامع، كمقدمة لازمة وحتمية لإعادة بناء ما زعزعه انعدام الثقة بين اللبنانيين في مرحلة من المراحل، واستعادة ثقتهم بدولتهم الجامعة والموحَدة والموحِدة، تمهيدًا لعودة حياتهم إلى طبيعتها، ولو تدريجيًا. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
البابا فرنسيس: لنطلب لعائلاتنا عطيّة الإصغاء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس.
وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها نحتفل اليوم بعيد عائلة الناصرة المقدسة يخبرنا الإنجيل عن يسوع، ابن الاثني عشر عامًا، الذي أضاعه يوسف ومريم في نهاية الحج السنوي إلى أورشليم، ووجداه في الهيكل بين المعلمين، يستمع إليهم ويسألهم. يكشف الإنجيلي لوقا عن حالة مريم النفسيّة التي تسأل يسوع: "يا بني، لم صنعت بنا ذلك؟ فأنا وأبوك نبحث عنك متلهفين". فأجابها يسوع: "ولم بحثتما عني؟ ألم تعلما أنه يجب عليَّ أن أكون عند أبي؟".
تابع البابا فرنسيس يقول إنها خبرة، سأقول شبه اعتيادية، لعائلة تتناوب بين اللحظات الهادئة واللحظات المأساويّة. يبدو الأمر وكأنه قصة أزمة عائلية في عصرنا، مع مراهق صعب ووالدين يجدان صعوبة في فهمه. لنتوقف وننظر إلى هذه العائلة. هل تعرفون لماذا تعتبر عائلة الناصرة المقدسة مثالاً يحتذى به؟ لأنها عائلة تتحاور، وتصغي وتتحدث مع بعضها البعض الحوار هو عنصر مهم للعائلة! والعائلة التي لا تتحاور لا يمكنها أن تكون عائلة سعيدة.
أضاف الأب الأقدس، أنه من الجميل أن تبدأ الأم حديثها بسؤال بدلاً من التوبيخ فمريم لا تتهم أو تحكم بل تحاول أن تفهم كيف تقبل هذا الابن المختلف من خلال الإصغاء على الرغم من هذا الجهد، يقول الإنجيل إن مريم ويوسف "لم يفهما ما قاله لهما"، وهذا يُثبتُ أن الإصغاء في العائلة هو أهم من الفهم. إنَّ الإصغاء يعني أن نعطي أهمية للآخر، ونعترف بحقه في الوجود والتفكير بطريقة مُستقلّة. والأبناء يحتاجون إلى ذلك.
تابع الحبر الأعظم يقول إن الوقت المميز للحوار والاصغاء في العائلة هو وقت تناول الطعام. من الجميل أن نجتمع حول المائدة ونتحدث. يمكن لهذا الأمر أن يحل العديد من المشاكل، ولاسيما أن يوحد بين الأجيال: الأبناء يتحدثون مع الآباء، والأحفاد مع الأجداد لا تبقوا منغلقين على أنفسكم أو، الأسوأ من ذلك، أن تكونوا منشغلين في هاتفكم المحمول. تكلّموا، أصغوا إلى بعضكم البعض، هذا هو الحوار الذي يفيد والذي يجعلكم تنمون!
أضاف الأب الأقدس، إنَّ عائلة يسوع ومريم ويوسف هي عائلة مقدّسة. ومع ذلك، رأينا أن والدي يسوع لم يفهمانه دائمًا لذلك، لا نتعجبنَّ إذا حدث أحيانًا في عائلاتنا ألا نفهم بعضنا البعض. وعندما يحدث ذلك، لنسأل أنفسنا: هل أصغينا إلى بعضنا البعض؟ هل نتعامل مع المشاكل بالإصغاء إلى بعضنا البعض أم ننغلق على أنفسنا في صمت واستياء وكبرياء؟ هل نخصص بعض الوقت للحوار؟ ما يمكننا أن نتعلمه اليوم من العائلة المقدسة هو الإصغاء المتبادل. وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول لنوكل أنفسنا إلى العذراء مريم العذراء ولنطلب لعائلاتنا عطيّة الإصغاء.