بعد يوم واحد من إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر (حكومية) الاثنين الماضي، عن توقيتات إقامة رئاسيات أكبر دولة عربية من حيث السكان، ظهرت مؤشرات كارثية تؤكد إصرار رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، على الإطاحة بأي منافس، ومنع فرصه بالحصول على توكيلات رسمية أو تأييد شعبي.

الانتخابات، التي من المفترض أن تحدد اسم رئيس مصر القادم لمدة 6 سنوات قادمة وحتى العام 2030، يبدأ تلقي طلبات الترشح لها من 5 إلى 14 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بمقر هيئة الانتخابات بشارع "قصر العيني" وسط العاصمة القاهرة.



وتجرى الانتخابات أيام (1 و 2 و 3) من كانون الأول/ ديسمبر المقبل خارج مصر، وأيام (10 و 11 و 12) من ذات الشهر بالداخل في 10 آلاف و85 لجنة فرعية، وسط مخاوف المعارضة من عدم توفير الضمانات وغياب الشفافية وعدم وقوف الجهات الرسمية والأمنية على مسافة واحدة من المرشحين.

"حشد الموظفين والبسطاء"
ورغم أن السيسي، لم يعلن بعد عن ترشحه للانتخابات التي سيبدأ المرشحون التقدم بأوراقهم لخوض غمارها في 5 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إلا أن دولة السيسي، قامت بحشد البسطاء موظفي الدولة وأعضاء حزب "مستقبل وطن" لعمل آلاف التوكيلات للسيسي، مع الاستعانة بالبلطجية لمنع تسجيل توكيلات للمرشح أحمد طنطاوي، المنافس للسيسي.

يحتاج السيسي، 25 ألف توكيل من 15 محافظة مصرية، يمكنه الحصول عليها بسهوله، فيما يمكنه الحصول على 20 استمارة تزكية من أعضاء بالبرلمان، وخاصة عبر حزب "مستقبل وطن" صاحب الأغلبية بـ315 نائبا بمجلس النواب، وهو الأمر غير المتوفر لباقي المرشحين خاصة وأن المعارضة المصرية فشلت في التوافق على مرشح رئاسي واحد منافس للسيسي.

رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، ورئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، والرئيس السابق لحزب الكرامة، أحمد الطنطاوي، أعلن ثلاثتهم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية.

وفي حديثهن لـ"عربي21"، أجمعت 3 موظفات، إحداهن في مجلس إحدى المدن بشرق الدلتا، والثانية في إحدى إدارات المرور التابعة لوزارة الداخلية، والثالثة تعمل بشركة تابعة للقابضة لتوزيع الكهرباء، على دفع الأمن داخل إداراتهم للموظفين لعمل توكيلات للسيسي.


وأكدن أن اختيار الأمن لشخصيات بعينها من الموظفين، بأن "لهم أدوار سابقة بالانتخابات الماضية، أو لأنهم يتطوعون من أنفسهم"، لافتات إلى أنه "لا مجال لإجبار أحد، فالكل ينفذ التعليمات دون اعتراض"، وفق قولهن.

واكتظت جميع مقرات الشهر العقاري في مصر بآلاف المؤيدين للسيسي، لعمل توكيلات، كما تم حشد آلاف البسطاء في مؤتمرات حاشدة بالعديد من المحافظات دعما له.

وأعلن حزب "مستقبل وطن"، بـ"فيسبوك"، أنه عقب الإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية، قام الآلاف من أعضائه بتوثيق توكيلات تأييد ترشيح السيسي بجميع المحافظات.

وهو المشهد الذي بدا فيه احتشاد مئات المؤيدين للسيسي، وسط الأغاني الوطنية التي تبثها بعض السيارات التي تحمل صور السيسي، وعلم مصر.



وعرض الإعلامي المؤيد للنظام أحمد موسى، عبر فضائية "صدى البلد"، مقاطع فيديو مصورة لعدد من نواب البرلمان المصري يوقعون استمارات تأييد للسيسي من مجلس النواب، وبينهم وكيل المجلس النائب محمد أبوالعنين.

"زغرودة وكرتونة"
توزيع قمصان وكابات عليها صور السيسي، وحزب مستقبل وطن، وأعلام بلون علم مصر، إلى جانب العصائر والوجبات المعلبة، وكراتين المواد الغذائية، حالة عامة رصدتها "عربي21"، في العديد من المؤتمرات الحاشدة لحزب "مستقبل وطن"، وأكدها عدد من البسطاء الذين حضروا تلك المؤتمرات.

أحدهم وهو عامل زراعي باليومية، ويقوم بعمل إضافي بتقديم المشروبات للمعازيم والمعزين في الأفراح والمآتم، قال لـ"عربي21": "تم حشدنا من عدة قرى إلى عاصمة المحافظة، عبر أتوبيس مدفوع الأجر، وتم توزيع وجبات ومشروبات علينا، مع بعض الأعلام وصور السيسي، وتي شيرت مستقبل وطن".

وأضاف: "كل المطلوب هو التصفيق والصياح وترديد الأغاني، مقابل 200 جنيه عند العودة في نفس الأتوبيس".

وفي مقطع فيديو مثير للتندر ويكشف عن حجم استغلال "مستقبل وطن" حاجة البسطاء، ظهرت سيدة مصرية داخل شادر ضخم للحزب وسط مئات النساء تردد الأغاني الوطنية وتطلق الزغاريد، ويبدو عليها الضيق والملل من الانتظار، حتى طالبت من يقوم بتصويرها بإعطائها كراتين المواد الغذائية حتى تعود لبيتها.


"الاستعانة بالبلطجية"
وفي المقابل، اشتكى عشرات الناشطين من حملة المرشح المحتمل أحمد طنطاوي من منع موظفي الشهر العقاري لهم من عمل التوكيلات ومحاصرتهم بالبلطجية وتهديدهم بالضرب.

والثلاثاء، أعلن الكاتب الصحفي المعارض سيد صابر، عن منعه وعشرات من الموكلين الراغبين في توثيق توكيلات للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، واصفا الأمر بأنه "غير طبيعي ولم يحدث بأي دولة في العالم".

وأكد في حديثه لـ"عربي21" أنه "فشل في عمل توكيل في مقر الشهر العقاري بمدينة العبور (شرق القاهرة)"، مشيرا إلى "تعلل مدير المكتب بوجود مئات المواطنين تارة وبتوقف سيستم العمل الإلكتروني بالشهر العقاري تارة أخرى".


ولفت صابر، إلى واقعتين، "الأولى: وجود عدد كبير من المواطنين البسطاء بدعوى عمل توكيلات للسيسي، ويجري توزيع صاندويتشات عليهم ومواد غذائية ومشروبات بادرة، والثانية تواجد عدد كبير من البلطجية الذين حاوطوه في محاولة لإرهابه ما دفعه للانسحاب قبل البطش به"، وفق قوله.

وفي تعليقه، على منع جميع الموكلين لأحمد الطنطاوي من توثيق توكيلاتهم في جميع أنحاء البلاد، قال الكاتب المصري، أراها "محاولة غير أمينة للضغط علي المرشح وموكليه"، مستدركا بقوله: "مع أن المشهد يوحي أن الساحة تتسع للجميع للعمل في السياسة".

ويعتقد أن رسالة النظام هنا واضحة بأن مرشحكم لن يمر وأن محاولاتكم بائسة، مؤكدا أنها "محاولة تيئيس، وكسر عنق السياسة، وإغلاق المنافذ أمام أي بصيص ضوء".

وعن خطواتهم القادم كداعمين ومؤيدين للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، وهل  سيكملون محاولة عمل التوكيلات أم يتوقفون حتى وجود ضمانات، قال صابر: "نحن في هدنة 48 ساعة لاتضاح الصورة والمشهد، كما أعلن الطنطاوي ليل أمس".

وأوضح أن الضمانات التي يطالبون بها، هي ما أعلنه الطنطاوي، الثلاثاء، عبر مطالبته "بمنافذ خاصة للشهر العقاري، عبارة عن سيارات متنقلة، يتم استئجارها على حساب الحملة الشخصي، مع ضمانات أخرى منها عدم التعدي على أعضاء الحملة أو إرهاب الموكلين".

وفي رؤيته للبدائل أمام حملة الطنطاوي للحصول على لقب مرشح، حال استمر تعنت النظام مع موكليه، أكد صابر، أنه "لكل حادث حديث"، مشيرا لأهمية الدعم الإعلامي والكشف عما يتعرضون له من انتهاكات، مضيفا: "ننشر ما حدث بشكل شخصي من هول المرارة التي شعرنا بها".

في نهاية حديثه، تساءل الناشط المصري ذو التوجه اليساري، عن أسباب تهديده وجميع من توجهوا للشهر العقاري لتوثيق توكيلات لطنطاوي؟، معربا عن تعجبه من لجوء النظام للبلطجية ولهذه الأساليب المخالفة لقواعد الديمقراطية ولمواد الدستور والقانون، رغم ما لديه من سلطات وأجهزة.

"ضرب 3 موكلين"
وفي السياق، أعلن الناشط كريم الشاعر، والناشطة رانيا الشيخ، تعرضهم والناشطة عزة فريد حسين، للضرب أمس الثلاثاء، من قبل بلطجية بمكتب الشهر العقاري بمنطقة روض الفرج بالقاهرة.

الشاعر والشيخ، وعبر بث مباشر بـ"فيسبوك"، قالا إنهما ذهبا لأكثر من شهر عقاري وفشلا في عمل التوكيل حتى ذهبا لشهر عقاري روض الفرج، موضحين أنهما وجدا "أفرادا بملابس حزب (مستقبل وطن)، ويبدو عليهم أنهم بلطجية".

وبينا أن "أكثر من 75 منهم حاصروهم بالشهر العقاري واعتدوا على ثلاثتهم بالضرب الذي لم يتوقف إلا بإعلانهم الانسحاب وعدم توثيق توكيل، ليجدوا بطاقة الرقم القومي الخاصة بهم  مع كبير البلطجية في الخارج رغم تسليمها لمدير المكتب"، في إشارة لسيطرة البلطجية على المقر الحكومي.


وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أعلن الكاتب الصحفي المصري أنور الهواري، أن المواطن جمال زيدان المقيم بمدينة السويس، ذهب لتوثيق توكيل للطنطاوي، "فتم تلفيق تهمة له، واحتجازه 6 ساعات"، ساخرا بقوله: "أزهى عصور الحرية".

من جانبها، أعلنت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، الثلاثاء، أن الهجمة الأمنية التي يقودها قطاع الأمن الوطني بمباركة نيابة أمن الدولة العليا ضد المتطوعين في حملة الطنطاوي طالت 73 شخصا.


وإزاء ذلك التضييق قرر الطنطاوي الذي أعلن في 22 آذار/ مارس الماضي نيته للترشح لانتخابات الرئاسة القادمة؛ تعلق أعمال حملته لمدة 48 ساعة.


والثلاثاء، طالب حزب "التحالف الشعبي" الهيئة الوطنية للانتخابات بالتحقيق في تعرض مواطنين لاعتداء مجموعات أمام الشهر العقاري، داعيا لتوفير إشراف قضائي على الشهر العقاري، ومشددا على ضرورة حياد جميع المؤسسات.

"أزمة مؤقتة"
ولكن وبرغم ذلك التضييق، توقع أحد المعارضين المصريين من الخارج أن أزمة توكيلات أحمد طنطاوي، مرحلية وستنتهي.

وقال لـ"عربي21"، إن "النظام سوف يمررها لاحقا"، متوقعا أنه "بالفعل سيدخل السباق لأن النظام يحتاج وجوده ليُظهر أن بالانتخابات منافسة حقيقية"، مؤكدا أنه "بالقطع لن ينجح في تلك الانتخابات".


"زهران.. وجميلة"
وفي السياق، قالت النائبة البرلمانية مها عبدالناصر، للإعلامي عمرو أديب مساء الاثنين، عبر فضائية "إم بي سي مصر"، إن الحزب "المصري الديمقراطي" يمتلك 7 نواب بالبرلمان سيدعمون ترشح رئيس الحزب فريد زهران، إلى جانب نواب آخرين بينهم 2 لحزب "العدل".

ونشرت المرشحة الرئاسية المحتملة رئيس حزب "الدستور" جميلة إسماعيل، صورة لأول توكيل رسمي تم تحريره لأجلها من المواطنة رشا علي عبدالرحمن.

أول توكيل شعبي لتأييد #جميلة_اسماعيل_لرئاسة_الجمهورية #Vote4Gameela #Egypt #Election2024 #جميلة_اسماعيل #gameelaIsmail pic.twitter.com/dA6V86EodB — Gameela Ismail (@GameelaIsmail) September 26, 2023
"نخنوخ وفالكون.. ومهام خطرة"
حشد البلطجية في مقرات الشهر العقاري ومنع الموكلين لأحمد الطنطاوي يتزامن مع أنباء غير مؤكدة بنقل ملكية شركة "فالكون للحراسات" والقائمة على حراسة جامعات مصر وعدد كبير من المنشآت، والتي كانت لها أياد بارزة في انتخابات السيسي السابقة، لأشهر بلطجية مصر صبري نخنوخ، الذي جرى الإفراج عنه بعفو رئاسي من السيسي، أيار/ مايو 2018.

ورغم تناول العديد من المواقع لخبر شراء نخنوخ، للشركة مقابل 3 ملايين جنيه مع تحمل مديونياتها البالغة 120 مليون جنيه، بحسب موقع "ذات مصر"، إلا أن موقع "القاهرة 24" المقرب من جهات سيادية نفي صحة الخبر.

ولكن في جميع الأحوال فإن ظهور نخنوع في هذا التوقيت يعود بذاكرة المصريين إلى أدواره السابقة في دعم نظام حسني مبارك والسيسي، وكذلك أدوار شركة فالكون وخاصة في السيطرة على تظاهرات طلاب الجامعات إثر الانقلاب العسكري منتصف 2013، ما يعني بحسب مراقبين مشاركتهم بنفس الأدوار في الانتخابات القادمة.

وهو الدور الذي توقعه البرلماني طلعت خليل، قائلا عبر "فيسبوك": مع بيع فالكون للمعلم صبري نخنوخ، "انتظروا معلمين كثيرين يدخلون مجال الأمن والحراسة، لأداء مهام في منتهى الخطورة الفترة القادمة".


وفي رؤيته، انتقد السياسي المصري مجدي حمدان موسى، دفع حزب الأغلبية في البرلمان للمواطنين لعمل توكيلات لصالح السيسي، لافتا إلى أن "أحزاب الموالاة تدفعهم لعمل توكيلات مقابل مبالغ مالية أو هدايا".

عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين، وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "هدف النظام من ذلك الحشد تحرير أكبر عدد من توكيلات مواطنين حتى يقال إن الرئيس حائز على أغلبية مطلقة وشعبية واسعة".

وأعرب موسى، عن تعجبه من "لجوء حزب الأغلبية لهذا الأمر، خاصة وأن هناك أكثر من 300 نائبا يتبعونه في البرلمان ويمكنهم دعم الرئيس السيسي"، مستدركا: ولكن يبدو أن الهدف إظهار الشعبية المطلقة للرئيس وأن ترشحه بطلب جماهيري".

وانتقد السياسي المصري، تعرض حملة الطنطاوي للمنع من عمل التوكيلات، مشيرا إلى أن "الهيئة الوطنية للانتخابات قالت إن الجميع على قدم المساواة وأن هذا لم يحدث"، مؤكدا أن "حملة الطنطاوي رغم وصولها لنحو 20 ألف متطوع بأنحاء الجمهورية لم تتمكن إلا من تحرير توكيلين فقط".

وختم بالقول: إن "منع حملة الطنطاوي من تحرير توكيلات والاعتداء عليهم فعل خطير ويبعث برسالة أن تلك الانتخابات لن تكون شفافة وستكون غير عادلة، وتفقدنا الأمل في مشهد انتخابات حرة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر السيسي التوكيلات مصر السيسي الرئاسيات التوكيلات سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أحمد الطنطاوی الشهر العقاری حملة الطنطاوی لعمل توکیلات مستقبل وطن

إقرأ أيضاً:

البنك الدولي يعدل معايير الفقر.. مصريون لـ عربي21: وصلنا لـ التسول

تتزايد شكاوى المصريين من تدهور أوضاعهم الاقتصادية وتردي مستوى معيشتهم، حيث يعانون من الفقر وضيق ذات اليد وضعف قدرتهم الشرائية، ما انعكس سلبًا على جميع جوانب حياتهم اليومية، بدءًا من الطعام والملبس، مرورًا بالرعاية الصحية وتوفير الأدوية، وصولًا إلى التعليم وتكاليف الزواج ومستقبل أبنائهم.

في ظل هذه الأوضاع المأساوية، تتجه أصابع الاتهام إلى سياسات رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذي يحمّله المواطنون مسؤولية ما آلت إليه أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، ويأتي ذلك وسط حالة من التكتم الحكومي بشأن النسب الحقيقية للفقر، في بلد تجاوز عدد سكانه بالداخل 106 ملايين نسمة."

"وصلنا حد التسول"
سامية، (59 عاما) تقف في طابور ممتد في صفوف النساء وبجوارها صف أطول من الرجال، أمام شباك مكتب التأمينات الاجتماعية بإحدى مدن الدلتا، تقول لـ"عربي21": "لم يعد أمامي إلا أن أشحت".

وتضيف: "توفي زوجي (61 عاما) قبل شهرين، وأقيم في منزل صغير غير مكتمل البناء تركه لي والدي المتوفي، منذ عامين، وبينما كان زوجي يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص مدة 7 سنوات بمدينة العبور الصناعية بالقاهرة، فوجئت بعد وفاته أنه ليس له معاش، لأن الشركة لم تؤمن عليه إلا 3 شهور فقط قبل بلوغه سن 60 عاما".

وتوضح: "لا أجد سبيلا كي أعيش، وحاولت العمل في ذات الشركة ولم يفلح المسعى الذي حاول فيه بعض زملائه، لكن نصحني البعض في السعي للحصول على معاش والدي المتوفي، ومطلوب مني أوراق كثيرة جدا ومبالغ مالية كبيرة على تلك الأوراق لكي احصل في النهاية على معاش نحو 1500 جنيه، لا يغنيني عن سؤال الناس، خاصة وأنني مريضة سكر وضغط وليس لي علاج من التأمين الصحي".




"حلم الفينو بالنوتيلا"
وفي أحد الأسوق الأسبوعية، تقف سيدة ثلاثينية، تبدو على ملامحها علامات الجمال الريفي الكامن خلف ملابس محتشمة، أمام بائع "مناخل" الدقيق و"غرابيل" القمح والأرز، الدائرية المصنوعة من الخشب وتتنوع بين السلك الواسع والحرير الضيق.

تقول لـ"عربي21": "جئت أبحث عن المناخل والغرابيل، التي اختفت باعتماد الناس على شراء الخبز الجاهز وترك صناعة الخبز البلدي بالأفران الريفية، لكي أخبز للناس مقابل أجر يبلغ 300 جنيه لعمود العيش، وذلك قبل أن أنخل الدقيق بالمنخل الحرير، وذلك قبل أن أنقي القمح والذرة والحلبة مواد صناعة الخبز بالمنخل السلك".

وتواصل: "لم يعد أمامي إلا مساعدة زوجي، لتربية أبنائي، فعمله في مجال المعمار لم يعد يكفي، ولأنه كلما تجمع لدينا مبلغ من المال ضاع مع محاولاته السفر للخارج، ولا نملك مع هذا الغلاء فرصة شراء أية احتياجات لبناتنا الثلاثة بالمرحلة الابتدائية والإعدادية، الذين يحلمون كل صباح برغيف عيش فينو به جبن أو لانشون أو بيض أو نوتيلا مثل زملائهم، بل إننا لا نملك أن نعطي كل واحدة منهن 10 جنيهات لتشتري 2 صاندويتش طعمية أو فول".

"لا بروتين سوى البساريا"
وبينما يخرج محمود (أربعيني)، كل صباح للعمل مرتادا توكتوك نصف عمر يتعطل أغلب الأيام، تخرج زوجته، للعمل في الحقول لجني البرتقال في الشتاء لقاء 30 جنيها تعود بهما إلى السوق لشراء خضروات أو كيلو سمك من البساريا الأقل سعرا (30 جنيه) والذي يمثل لهم مصدر البروتين الوحيد، لتعود سريعا إلى بيتهما قبل عودة أبنائهما الأربعة من المدرسة، حسبما تقول الزوجة لـ"عربي21".


وتضيف: "عندما أعود في سيارة أجرة إلى بيتي تتأف النساء ويتأفف الرجال من رائحة السمك المنتنة، ولكني لا حيلة لي سوى الصبر والعمل مع زوجي، حتى نستطيع أن نكفي أبناءنا عيش حاف، ونكفيهم أجر الدروس الخصوصية، حيث نحرص على تعليمهم ولكن لن نستطيع إدخالهم المدرسة الثانوية وسنكتفي بلا شك بتعليمهم في المدارس المتوسطة الصناعية أو التجارية".

وألمحت إلى أن "الغلاء أتعبنا، ولم يعد هناك مصدر دعم حكومي لنا سوى رغيف الخبز الرديئ الذي يرفضون أكله أحيانا، مع تراجع التموين الذي لا يكفي الزيت والسكر منه الشهر ونضطر لشرائه بأسعار لا نتحملها".




"عقاب حكومي"
تتزامن تلك الأوضاع مع توجه حكومي لاستبدال الدعم العيني أو التموين الحالي الذي يحصل عليه الفقراء والمكون من زيت وسكر ومكرونة وأرز، بالدعم النقدي، وهو ما يتخوف منه المصريون من أن يكون نهاية للدعم، كما يؤكد خبراء أنه إحدى توجيهات صندوق النقد الدولي، بجانب رفع الدعم عن الكهرباء والوقود، ورفع أسعار جميع السلع والخدمات.

وعاود مجلس النواب المصري الاجتماع الاثنين، بعد عطلة امتدت لأسبوعين، ليناقش مشروع قانون "الضمان الاجتماعي والدعم النقدي"، الذي أقر نوابه بالفعل 22 مادة من أصل 44 مادة، وسط رفض خبراء اقتصاد وسياسيين معارضين، بحسب نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية.


"البنك الدولي وحد الفقر"
ويؤكد خبراء اقتصاد مصريين أن الحكومة المصرية لا تعترف بمعدلات الفقر الحقيقية في مصر، وتصر على إخفاء النسب الحقيقية لنتائج بحث الدخل والإنفاق، وتصدر فقط نسبا قديمة لا تتسق مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار والغلاء الذي وصلت إليه البلاد بالأعوام الأخيرة.

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أشار الباحث إلهامي الميرغني، إلى أن البنك الدولي عدل حساب حد الفقر العالمي، موضحا أن "البنك كان في السنوات الماضية يحسب خط الفقر بحوالي 2.15 دولار يوميا، أي 107.5 جنيه يوميا، على أساس سعر الدولار 50 جنيه، وبذلك يكون الدخل الشهري 3.225، وكل ما يقل دخله الشهري عن هذا الرقم يعد من الفقراء".

وبين أن "البنك الدولي قام بعمل حسابات جديدة، احتسب فيها خط الفقر بنحو 6.85 دولار يوميا أي 342.5 جنيه يوميا، وبذلك فإن كل من يقل دخله الشهري عن 10.275 جنيه شهريا فهو فقير، بمعدلات حساب البنك الدولي".

وتابع متسائلا: "فما بالنا بالأجراء الذين لا تزيد أجورهم الشهرية عن 3 آلاف جنيه، وأصحاب المعاشات الذين تقل معاشاتهم الشهرية عن 2000 جنيه، أي 19.4 بالمئة فقط من حد الدخل الذي حدده البنك الدولي"، مبينا أن "هذا للفرد، ما يعني أنه لو هناك أسرة من 4 أفراد يصبح 41.100 جنيه، ولو 5 أفراد يصبح 51.375".

وأكد أنه "منذ العام 2019، لم تنشر مصر نتائج بحث الدخل والانفاق؛ بل وتدخلت جهات أمنية لعدم نشر نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام (2021/2022) والذي كان سينشر عام 2023 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، أي الجهاز الحكومي للدولة".

وفي إجابته على سؤال "عربي21"، هل معدل الفقر الجديد الذي اعتمده البنك الدولي ينطبق على حالة مصر؟، قال إن "البنك الدولي كان يستخدم مقياسا للفقر والفقر المدقع منذ عام 1990، ثم استحدث مقياسا بالعام 2015، ثم استحدث مقياسا جديدا بالمقارنة مع الدول ذات الدخل المتوسط، ومنذ سنوات صرح بأن 65 بالمئة من الشعب المصري يقع تحت خط الفقر".

وأكد الميرغني، أن "البنك الدولي هو أحد أسباب أزمة مصر الاقتصادية وإغراقها في الديون"، ملمحا إلى أن "رفع نسبة الفقر يعني اغراقنا في مزيد من الديون".

وبحسب صفحة مدونات البنك الدولي، فإن "خط الفقر البالغ 6.85 دولارات هو خط فقر مطلق، يجسد هذا التعريف الموسع للفقر، ويساعد على تقديم صورة أكثر صلة بالفقر في المزيد من المناطق".

وأضاف البنك أن "التركيز الجديد على خط الفقر البالغ 6.85 دولارات يمثل عددا هائلاً من السكان، وحاجة أكثر إلحاحا لمكافحة الفقر العالمي وبناء القدرة على الصمود في عالم أكثر عرضة للمخاطر المناخية والاقتصادية مما كان عليه قبل بضع سنوات".

وأكد أن "توسع تعريف الاحتياجات الأساسية إلى ما هو أبعد من الغذاء والملبس والمأوى، وأصبح يشمل الآن أيضا النظام الغذائي الصحي، والخدمات الصحية جيدة المستوى، والاتصال بالإنترنت، والحصول على الكهرباء، والتعليم، على سبيل المثال لا الحصر".




"60 بالمئة يصارعون"
وفي تعليقه على أوضاع المصريين المذرية مع الفقر، وما يكشفه سقف خط الفقر الجديد الذي أقره البنك الدولي عن فشل الحكومة المصرية وغياب الشفافية وعدم الإفصاح وتراجع تداول المعلومات، تحدث المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، لـ"عربي21".

وقال: "لابد لنا أن نعرف أن أحد أكبر مشاكل الحكومات المتتابعة في مصر هي قصور الشفافية أو انعدامها؛ ولذلك يصعب التخطيط للمستقبل بدون دراسة الماضي أو التعلم من أخطائه".

الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، أضاف: "وحقيقة الأمر أن التحديد الجديد لسقف الفقر عن طريق البنك الدولي، يتماشى مع متطلبات المرحلة الجديدة وزيادة نسبة التضخم، ومع أهداف الحكومات المتحضرة بتحقيق حياة كريمة لمواطنيها حتى هؤلاء الذين يحصلون على حد أدنى للدخل".

ولفت إلى قول المستشار الألماني أولاف شولتس، الاثنين لحزبه " الديمقراطي الاجتماعي"، إنه "طالما يذهبون للعمل فواجب على ألمانيا أن توفر لهم حياة كريمة فألمانيا ليست فقط الأغنياء".

وعن مصر قال الشاذلي: "أما في مصر فأكثر من 60 بالمئة من الشعب يصارعون الحياة بسبب فحش غلاء الأسعار والتضخم الذي ليس له نهاية، وبات غالبية المصريين يبحثون عن وظيفة ثالثة، بعد أن انخفضت مؤشرات جودة الحياة بصورة مرعبة وصار الناس يعدلون من نمط حياتهم الغذائي بتقليل أكل اللحوم أو الكف عنها مما يعكس أي نوع من الحياة يعيشون".


وأوضح أنه "حسب تقرير صحيفة (الغارديان) الأخير، فإن نسبة الفقر في مصر تعدت 30 بالمئة حسب آخر الإحصائيات الرسمية مع 60 بالمئة من الفئات المعرضة أن تنضم حسب نفس التقرير، والتي هي أرقام أقل من الواقع بكثير، ولكنها تؤكد على ضياع جودة الحياة في خضم زيادة الأسعار".

ومضى يقول: "ويبقي السؤال، هل المنهج الاقتصادي المصري يلبي متطلبات الحالة الاقتصادية المصرية مع كون مصر ثاني أكبر دولة مستدينة من صندوق النقد الدولي، بإجمالي 13.5 مليار دولار؟".

وختم حديثه مؤكدا أن "الإجابة هي: (لا)، حيث أن الكارثة الاقتصادية المصرية مرتبطة بحل سياسي شامل، وإصلاحات اقتصادية جوهرية تركز على بناء اقتصاد حر، وتركز على صناعات الإنتاج والتكنولوجية الرقمية، وتتحرر من قيود صندوق النقد الدولي، وتشارك في تحالفات اقتصادية مثمرة، وغير مستغلة، وبدون ذلك فلن يكون هناك حلول مجدية".

"ينطبق على مصر"
وقال الباحث المصري في الملف الاقتصادي حسن بربري: "يظهر بتوقيت إصدار تقرير البنك الدولي حول معدلات الفقر والفقر المدقع قانون الضمان الاجتماعي والتحول للدعم النقدي الذي تطرحه الحكومة المصرية".

القيادي في حزب "التحالف الشعبي"،أضاف لـ"عربي21"، أن "القانون الجديد عرف خط الفقر القومي وخط الفقر المدقع؛ وبناء عليه قامت فلسفته التي تحاول بشكل أساسي تحويل الدعم السلعي الذي يعتمد عليه جزء كبير جدا من الشعب لدعم نقدي غير محدد".

 وأوضح الناشط العمالي، أن "تقرير البنك الدولي، أشار إلى أن الدول متوسطة الدخل، ومنها مصر المصنفة وفقا للبنك كدولة متوسطة الدخل، يشير هنا لأزمة على مستوى الاقتصاد، كون هذا التصنيف جعل مصر دولة غير منخفضة الدخل، وبالتالي لا يمكننا اللجوء لفكرة إسقاط ديون خارجية".

وبين أن "تصنيف مصر كدولة متوسطة الدخل أقصى ما يمكننا الحصول عليه هو التوسع في الاقتراض، وهو ما أصبح صعبا مع تقرير لجنة داخلية للبنك الدولي أكد أن مصر اقترضت بأكبر من حصتها بـ4 أضعاف المقرر لها وفقا لقواعد الاقتراض من صندوق النقد".

ولفت إلى أن "ذلك يتزامن مع قانون الضمان الاجتماعي الذي تحاول الحكومة تمريره على أنه قانون الرحمة والشافية الذي يقضي على الفساد بعملية الدعم السلعي، في حين أن الحقيقة أنه يتخلص من عبئ الدعم على حساب دفع فوائد وأقساط الديون من موازنة الدولة، وأن ضمن شروط صندوق النقد التخلص من دعم الفئات الفقيرة والمهمشة".

وأشار إلى أنه "في القانون تم وضع تعريف لخط الفقر القومي، وفقا لحسبة معينة، وفي معادلة تقترب من حسبة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التي نشرت آخر معلوماتها في هذا الإطار عن عامي (2019/2020)، وتوقفت منذ ذلك الحين، كما ذُكر ببعض الأوساط أنه تم إخفاء المعلومات منذ ذلك الحين وحتى (2023/2024)، عمدا".

وأكد بربري، أن "خط الفقر في مصر مختلف عن خط فقر الدول الفقيرة أو منخفضة الدخل"، مشيرا إلى "اعترافات محلية عن خطوط الفقر لدينا من رئيس الجمهورية الذي صرح في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بأن الأسرة المكونة من 4 أفراد يكفيها حاجاتها الأساسية 10 آلاف جنيه، لكنه في شباط/ فبراير 2024، أقر حد أدنى للأجور بـ6 آلاف جنيه، ولدينا أصلا مشاكل في تطبيقه".

وأشار الباحث المصري إلى أن "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أقر عام 2020، أن الحد الأدني لدخل المواطن لأسرة من 4 أفراد 10.375 جنيه، وهو رقم أعلى من خط الفقر الذي تعمل عليه الحكومة".

وخلص للقول: "وهذا يؤكد تغاضي حكومي عن رفع مستوى معيشة المواطنين، وسط أزمة اقتصادية طاحنة تدور بدائرة مفرغة دون حلول، ورغم وعود متكررة حول أزمة تنتهي وانفراجة قادمة؛ لكن الأوضاع تشير لمزيد من الاقتراض والفقر والتغول على حقوق العمال والفلاحين وزيادة أسعار السلع والخدمات دون ضابط".

مقالات مشابهة

  • بين الشّتات والأمل: عربي21 تتابع رحلة المعاناة للمغاربة العالقين في سوريا
  • عربي21 ترصد عودة السوريين إلى بلداتهم عبر الحدود الأردنية (شاهد)
  • واشنطن ترصد 4 طائرات عسكرية روسية في منطقة ألاسكا
  • عربي21 تنشر نص الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة في ليبيا
  • كارثية للصقيع في اليمن.. ما تأثيراته على السكان والزراعة؟
  • مستقبل وطن يكشف أهمية لقاء الرئيس السيسي بوزير الثقافة السعودي للبلدين
  • البنك الدولي يعدل معايير الفقر.. مصريون لـ عربي21: وصلنا لـ التسول
  • الصقيع يجتاح اليمن: معاناة السكان وخسائر زراعية كارثية!
  • عاجل.. تأييد حبس حبس أحمد الطنطاوي «سنة» في قضية التوكيلات
  • مؤشرات إيجابية ترصد طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الحكومة السورية الجديدة