بعد يوم واحد من إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر (حكومية) الاثنين الماضي، عن توقيتات إقامة رئاسيات أكبر دولة عربية من حيث السكان، ظهرت مؤشرات كارثية تؤكد إصرار رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، على الإطاحة بأي منافس، ومنع فرصه بالحصول على توكيلات رسمية أو تأييد شعبي.

الانتخابات، التي من المفترض أن تحدد اسم رئيس مصر القادم لمدة 6 سنوات قادمة وحتى العام 2030، يبدأ تلقي طلبات الترشح لها من 5 إلى 14 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بمقر هيئة الانتخابات بشارع "قصر العيني" وسط العاصمة القاهرة.



وتجرى الانتخابات أيام (1 و 2 و 3) من كانون الأول/ ديسمبر المقبل خارج مصر، وأيام (10 و 11 و 12) من ذات الشهر بالداخل في 10 آلاف و85 لجنة فرعية، وسط مخاوف المعارضة من عدم توفير الضمانات وغياب الشفافية وعدم وقوف الجهات الرسمية والأمنية على مسافة واحدة من المرشحين.

"حشد الموظفين والبسطاء"
ورغم أن السيسي، لم يعلن بعد عن ترشحه للانتخابات التي سيبدأ المرشحون التقدم بأوراقهم لخوض غمارها في 5 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إلا أن دولة السيسي، قامت بحشد البسطاء موظفي الدولة وأعضاء حزب "مستقبل وطن" لعمل آلاف التوكيلات للسيسي، مع الاستعانة بالبلطجية لمنع تسجيل توكيلات للمرشح أحمد طنطاوي، المنافس للسيسي.

يحتاج السيسي، 25 ألف توكيل من 15 محافظة مصرية، يمكنه الحصول عليها بسهوله، فيما يمكنه الحصول على 20 استمارة تزكية من أعضاء بالبرلمان، وخاصة عبر حزب "مستقبل وطن" صاحب الأغلبية بـ315 نائبا بمجلس النواب، وهو الأمر غير المتوفر لباقي المرشحين خاصة وأن المعارضة المصرية فشلت في التوافق على مرشح رئاسي واحد منافس للسيسي.

رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، ورئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، والرئيس السابق لحزب الكرامة، أحمد الطنطاوي، أعلن ثلاثتهم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية.

وفي حديثهن لـ"عربي21"، أجمعت 3 موظفات، إحداهن في مجلس إحدى المدن بشرق الدلتا، والثانية في إحدى إدارات المرور التابعة لوزارة الداخلية، والثالثة تعمل بشركة تابعة للقابضة لتوزيع الكهرباء، على دفع الأمن داخل إداراتهم للموظفين لعمل توكيلات للسيسي.


وأكدن أن اختيار الأمن لشخصيات بعينها من الموظفين، بأن "لهم أدوار سابقة بالانتخابات الماضية، أو لأنهم يتطوعون من أنفسهم"، لافتات إلى أنه "لا مجال لإجبار أحد، فالكل ينفذ التعليمات دون اعتراض"، وفق قولهن.

واكتظت جميع مقرات الشهر العقاري في مصر بآلاف المؤيدين للسيسي، لعمل توكيلات، كما تم حشد آلاف البسطاء في مؤتمرات حاشدة بالعديد من المحافظات دعما له.

وأعلن حزب "مستقبل وطن"، بـ"فيسبوك"، أنه عقب الإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية، قام الآلاف من أعضائه بتوثيق توكيلات تأييد ترشيح السيسي بجميع المحافظات.

وهو المشهد الذي بدا فيه احتشاد مئات المؤيدين للسيسي، وسط الأغاني الوطنية التي تبثها بعض السيارات التي تحمل صور السيسي، وعلم مصر.



وعرض الإعلامي المؤيد للنظام أحمد موسى، عبر فضائية "صدى البلد"، مقاطع فيديو مصورة لعدد من نواب البرلمان المصري يوقعون استمارات تأييد للسيسي من مجلس النواب، وبينهم وكيل المجلس النائب محمد أبوالعنين.

"زغرودة وكرتونة"
توزيع قمصان وكابات عليها صور السيسي، وحزب مستقبل وطن، وأعلام بلون علم مصر، إلى جانب العصائر والوجبات المعلبة، وكراتين المواد الغذائية، حالة عامة رصدتها "عربي21"، في العديد من المؤتمرات الحاشدة لحزب "مستقبل وطن"، وأكدها عدد من البسطاء الذين حضروا تلك المؤتمرات.

أحدهم وهو عامل زراعي باليومية، ويقوم بعمل إضافي بتقديم المشروبات للمعازيم والمعزين في الأفراح والمآتم، قال لـ"عربي21": "تم حشدنا من عدة قرى إلى عاصمة المحافظة، عبر أتوبيس مدفوع الأجر، وتم توزيع وجبات ومشروبات علينا، مع بعض الأعلام وصور السيسي، وتي شيرت مستقبل وطن".

وأضاف: "كل المطلوب هو التصفيق والصياح وترديد الأغاني، مقابل 200 جنيه عند العودة في نفس الأتوبيس".

وفي مقطع فيديو مثير للتندر ويكشف عن حجم استغلال "مستقبل وطن" حاجة البسطاء، ظهرت سيدة مصرية داخل شادر ضخم للحزب وسط مئات النساء تردد الأغاني الوطنية وتطلق الزغاريد، ويبدو عليها الضيق والملل من الانتظار، حتى طالبت من يقوم بتصويرها بإعطائها كراتين المواد الغذائية حتى تعود لبيتها.


"الاستعانة بالبلطجية"
وفي المقابل، اشتكى عشرات الناشطين من حملة المرشح المحتمل أحمد طنطاوي من منع موظفي الشهر العقاري لهم من عمل التوكيلات ومحاصرتهم بالبلطجية وتهديدهم بالضرب.

والثلاثاء، أعلن الكاتب الصحفي المعارض سيد صابر، عن منعه وعشرات من الموكلين الراغبين في توثيق توكيلات للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، واصفا الأمر بأنه "غير طبيعي ولم يحدث بأي دولة في العالم".

وأكد في حديثه لـ"عربي21" أنه "فشل في عمل توكيل في مقر الشهر العقاري بمدينة العبور (شرق القاهرة)"، مشيرا إلى "تعلل مدير المكتب بوجود مئات المواطنين تارة وبتوقف سيستم العمل الإلكتروني بالشهر العقاري تارة أخرى".


ولفت صابر، إلى واقعتين، "الأولى: وجود عدد كبير من المواطنين البسطاء بدعوى عمل توكيلات للسيسي، ويجري توزيع صاندويتشات عليهم ومواد غذائية ومشروبات بادرة، والثانية تواجد عدد كبير من البلطجية الذين حاوطوه في محاولة لإرهابه ما دفعه للانسحاب قبل البطش به"، وفق قوله.

وفي تعليقه، على منع جميع الموكلين لأحمد الطنطاوي من توثيق توكيلاتهم في جميع أنحاء البلاد، قال الكاتب المصري، أراها "محاولة غير أمينة للضغط علي المرشح وموكليه"، مستدركا بقوله: "مع أن المشهد يوحي أن الساحة تتسع للجميع للعمل في السياسة".

ويعتقد أن رسالة النظام هنا واضحة بأن مرشحكم لن يمر وأن محاولاتكم بائسة، مؤكدا أنها "محاولة تيئيس، وكسر عنق السياسة، وإغلاق المنافذ أمام أي بصيص ضوء".

وعن خطواتهم القادم كداعمين ومؤيدين للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، وهل  سيكملون محاولة عمل التوكيلات أم يتوقفون حتى وجود ضمانات، قال صابر: "نحن في هدنة 48 ساعة لاتضاح الصورة والمشهد، كما أعلن الطنطاوي ليل أمس".

وأوضح أن الضمانات التي يطالبون بها، هي ما أعلنه الطنطاوي، الثلاثاء، عبر مطالبته "بمنافذ خاصة للشهر العقاري، عبارة عن سيارات متنقلة، يتم استئجارها على حساب الحملة الشخصي، مع ضمانات أخرى منها عدم التعدي على أعضاء الحملة أو إرهاب الموكلين".

وفي رؤيته للبدائل أمام حملة الطنطاوي للحصول على لقب مرشح، حال استمر تعنت النظام مع موكليه، أكد صابر، أنه "لكل حادث حديث"، مشيرا لأهمية الدعم الإعلامي والكشف عما يتعرضون له من انتهاكات، مضيفا: "ننشر ما حدث بشكل شخصي من هول المرارة التي شعرنا بها".

في نهاية حديثه، تساءل الناشط المصري ذو التوجه اليساري، عن أسباب تهديده وجميع من توجهوا للشهر العقاري لتوثيق توكيلات لطنطاوي؟، معربا عن تعجبه من لجوء النظام للبلطجية ولهذه الأساليب المخالفة لقواعد الديمقراطية ولمواد الدستور والقانون، رغم ما لديه من سلطات وأجهزة.

"ضرب 3 موكلين"
وفي السياق، أعلن الناشط كريم الشاعر، والناشطة رانيا الشيخ، تعرضهم والناشطة عزة فريد حسين، للضرب أمس الثلاثاء، من قبل بلطجية بمكتب الشهر العقاري بمنطقة روض الفرج بالقاهرة.

الشاعر والشيخ، وعبر بث مباشر بـ"فيسبوك"، قالا إنهما ذهبا لأكثر من شهر عقاري وفشلا في عمل التوكيل حتى ذهبا لشهر عقاري روض الفرج، موضحين أنهما وجدا "أفرادا بملابس حزب (مستقبل وطن)، ويبدو عليهم أنهم بلطجية".

وبينا أن "أكثر من 75 منهم حاصروهم بالشهر العقاري واعتدوا على ثلاثتهم بالضرب الذي لم يتوقف إلا بإعلانهم الانسحاب وعدم توثيق توكيل، ليجدوا بطاقة الرقم القومي الخاصة بهم  مع كبير البلطجية في الخارج رغم تسليمها لمدير المكتب"، في إشارة لسيطرة البلطجية على المقر الحكومي.


وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أعلن الكاتب الصحفي المصري أنور الهواري، أن المواطن جمال زيدان المقيم بمدينة السويس، ذهب لتوثيق توكيل للطنطاوي، "فتم تلفيق تهمة له، واحتجازه 6 ساعات"، ساخرا بقوله: "أزهى عصور الحرية".

من جانبها، أعلنت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، الثلاثاء، أن الهجمة الأمنية التي يقودها قطاع الأمن الوطني بمباركة نيابة أمن الدولة العليا ضد المتطوعين في حملة الطنطاوي طالت 73 شخصا.


وإزاء ذلك التضييق قرر الطنطاوي الذي أعلن في 22 آذار/ مارس الماضي نيته للترشح لانتخابات الرئاسة القادمة؛ تعلق أعمال حملته لمدة 48 ساعة.


والثلاثاء، طالب حزب "التحالف الشعبي" الهيئة الوطنية للانتخابات بالتحقيق في تعرض مواطنين لاعتداء مجموعات أمام الشهر العقاري، داعيا لتوفير إشراف قضائي على الشهر العقاري، ومشددا على ضرورة حياد جميع المؤسسات.

"أزمة مؤقتة"
ولكن وبرغم ذلك التضييق، توقع أحد المعارضين المصريين من الخارج أن أزمة توكيلات أحمد طنطاوي، مرحلية وستنتهي.

وقال لـ"عربي21"، إن "النظام سوف يمررها لاحقا"، متوقعا أنه "بالفعل سيدخل السباق لأن النظام يحتاج وجوده ليُظهر أن بالانتخابات منافسة حقيقية"، مؤكدا أنه "بالقطع لن ينجح في تلك الانتخابات".


"زهران.. وجميلة"
وفي السياق، قالت النائبة البرلمانية مها عبدالناصر، للإعلامي عمرو أديب مساء الاثنين، عبر فضائية "إم بي سي مصر"، إن الحزب "المصري الديمقراطي" يمتلك 7 نواب بالبرلمان سيدعمون ترشح رئيس الحزب فريد زهران، إلى جانب نواب آخرين بينهم 2 لحزب "العدل".

ونشرت المرشحة الرئاسية المحتملة رئيس حزب "الدستور" جميلة إسماعيل، صورة لأول توكيل رسمي تم تحريره لأجلها من المواطنة رشا علي عبدالرحمن.

أول توكيل شعبي لتأييد #جميلة_اسماعيل_لرئاسة_الجمهورية #Vote4Gameela #Egypt #Election2024 #جميلة_اسماعيل #gameelaIsmail pic.twitter.com/dA6V86EodB — Gameela Ismail (@GameelaIsmail) September 26, 2023
"نخنوخ وفالكون.. ومهام خطرة"
حشد البلطجية في مقرات الشهر العقاري ومنع الموكلين لأحمد الطنطاوي يتزامن مع أنباء غير مؤكدة بنقل ملكية شركة "فالكون للحراسات" والقائمة على حراسة جامعات مصر وعدد كبير من المنشآت، والتي كانت لها أياد بارزة في انتخابات السيسي السابقة، لأشهر بلطجية مصر صبري نخنوخ، الذي جرى الإفراج عنه بعفو رئاسي من السيسي، أيار/ مايو 2018.

ورغم تناول العديد من المواقع لخبر شراء نخنوخ، للشركة مقابل 3 ملايين جنيه مع تحمل مديونياتها البالغة 120 مليون جنيه، بحسب موقع "ذات مصر"، إلا أن موقع "القاهرة 24" المقرب من جهات سيادية نفي صحة الخبر.

ولكن في جميع الأحوال فإن ظهور نخنوع في هذا التوقيت يعود بذاكرة المصريين إلى أدواره السابقة في دعم نظام حسني مبارك والسيسي، وكذلك أدوار شركة فالكون وخاصة في السيطرة على تظاهرات طلاب الجامعات إثر الانقلاب العسكري منتصف 2013، ما يعني بحسب مراقبين مشاركتهم بنفس الأدوار في الانتخابات القادمة.

وهو الدور الذي توقعه البرلماني طلعت خليل، قائلا عبر "فيسبوك": مع بيع فالكون للمعلم صبري نخنوخ، "انتظروا معلمين كثيرين يدخلون مجال الأمن والحراسة، لأداء مهام في منتهى الخطورة الفترة القادمة".


وفي رؤيته، انتقد السياسي المصري مجدي حمدان موسى، دفع حزب الأغلبية في البرلمان للمواطنين لعمل توكيلات لصالح السيسي، لافتا إلى أن "أحزاب الموالاة تدفعهم لعمل توكيلات مقابل مبالغ مالية أو هدايا".

عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين، وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "هدف النظام من ذلك الحشد تحرير أكبر عدد من توكيلات مواطنين حتى يقال إن الرئيس حائز على أغلبية مطلقة وشعبية واسعة".

وأعرب موسى، عن تعجبه من "لجوء حزب الأغلبية لهذا الأمر، خاصة وأن هناك أكثر من 300 نائبا يتبعونه في البرلمان ويمكنهم دعم الرئيس السيسي"، مستدركا: ولكن يبدو أن الهدف إظهار الشعبية المطلقة للرئيس وأن ترشحه بطلب جماهيري".

وانتقد السياسي المصري، تعرض حملة الطنطاوي للمنع من عمل التوكيلات، مشيرا إلى أن "الهيئة الوطنية للانتخابات قالت إن الجميع على قدم المساواة وأن هذا لم يحدث"، مؤكدا أن "حملة الطنطاوي رغم وصولها لنحو 20 ألف متطوع بأنحاء الجمهورية لم تتمكن إلا من تحرير توكيلين فقط".

وختم بالقول: إن "منع حملة الطنطاوي من تحرير توكيلات والاعتداء عليهم فعل خطير ويبعث برسالة أن تلك الانتخابات لن تكون شفافة وستكون غير عادلة، وتفقدنا الأمل في مشهد انتخابات حرة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر السيسي التوكيلات مصر السيسي الرئاسيات التوكيلات سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أحمد الطنطاوی الشهر العقاری حملة الطنطاوی لعمل توکیلات مستقبل وطن

إقرأ أيضاً:

مدير الشبكة السورية يكشف لـ عربي21 كيفية محاكمة الأسد وتحقيق العدالة الانتقالية (شاهد)

يعد ملف العدالة الانتقالية من أهم القضايا البارزة في المشهد السوري بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، المسؤول عن ارتكاب 90 بالمئة من الانتهاكات بحق السوريين منذ اندلاع الثورة عام 2011، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ويتصدر الحديث عن المحاسبة والعدالة الانتقالية الأوساط السورية بوصفه ضرورة لتحقيق الإنصاف للضحايا وضمان استقرار مستدام في البلاد، في حين لا يزال غياب الدور الفعال للسلطة في دمشق في دفع مسار المحاسبة محط انتقادات العديد من أهالي الضحايا والمغيبين قسريا.

والأربعاء، تطرق الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في مؤتمر انتصار الثورة السورية بالعاصمة دمشق إلى أولويات البلاد في المرحلة المقبلة بعد سقوط النظام، موضحا أن الحفاظ على السلم الأهلي من خلال السعي إلى تحقيق العدالة الانتقالية ومنع مظاهر الانتقام.


ويعتبر مسار العدالة الانتقالية من أهم التحديات أمام السوريين بسبب الكم الهائل من الانتهاكات التي جرى ارتكبها النظام المخلوع بحق الشعب السوري خلال الـ14 عاما الماضية.

وشدد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، على ضرورة مسار العدالة الانتقالية في سوريا لتحقيق العدالة للضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات التي وقعت بحق السوريين خلال عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

Bu gönderiyi Instagram'da gör Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)'in paylaştığı bir gönderi
وأوضح عبد الغني في لقاء خاص مع "عربي21"، أن العدالة الانتقالية تستند إلى أربعة أركان رئيسية: المحاسبة، لجان الحقيقة والمصالحة، التعويضات، وإصلاح المؤسسات. 

وأشار عبد الغني إلى أهمية تشكيل هيئة مستقلة تقود مسار العدالة الانتقالية، تتألف من خبراء في القانون الدولي ومنظمات حقوقية وروابط الضحايا، مع ضمان عدم خضوعها لسيطرة الحكومة، رغم أن الدولة يجب أن تلعب دورا في رعاية العملية. 

وتحدث مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن تفاصيل أركان العدالة الانتقالية الأربعة والخطوات الواجب اتخاذها خلال المرحلة المقبلة من أجل تحقيق العدالة للضحايا..

وتاليا اللقاء الكامل الذي أجرته "عربي21" مع مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان للوقوف على مسار تحقيق العدالة في سوريا:


ما هي "العدالة الانتقالية" وما أهمية هذا المسار في المجتمعات التي تخرج من نزاعات عنيفة دارت على مدى سنوات؟

مفهوم العدالة الانتقالية يتمثل في تحقيق العدل في مرحلة انتقالية، كما يشير الاسم. وفي هذه المرحلة ينعكس النزاع عبر ظهور طرفين اثنين، الطرف الأول هو مرتكب النزاعات. وهذا الطرف يهمه تجاوز هذه المرحلة انطلاقا من حجة انتهاء النزاع وضرورة المضي قدما. هذا الطرف يكون غالبا محسوبا على مرتكبي الانتهاكات.

أما الطرف الثاني وهو الجانب الآخر الذي يمثل الضحايا الذين وقعت عليهم الانتهاكات، ويرفض المضي قدما دون تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

وانطلاقا من هذه الجزئية، يندلع النزاع بين الجانبين. وهذه هي فلسفة مفهوم العدالة الانتقالية.

من أجل ضبط هذا النزاع، فهناك أربعة أركان أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية، الركن الأول هو المحاسبة، والثاني هو تشكيل لجان حقيقة ومصالحة، أما الركن الثالث فهو تقديم التعويضات، والركن الأخير إصلاح المؤسسات.

وفي الحالة السورية، نحتاج إلى تفعيل هذه الأركان الأربعة بشكل متواز بسبب كم الانتهاكات الهائلة التي جرى ارتكابها في سوريا.

من المكلف في إدارة هذا المسار؟
يجب أن تقود العدالة الانتقالية هيئة يتم تشكيلها عبر مشاورات ونقاشات مجتمعية، وتتكون من عدد من الخبراء بالقانون الدولي وملف العدالة الانتقالية ومنظمات حقوقية من المجتمع المدني وخبراء توثق الانتهاكات، بالإضافة إلى روابط الضحايا. وذلك بالاشتراك والتنسيق مع الحكومة.

ومن الضروري التأكيد على أن هذه الهيئة لا يجب أن يتم تشكيلها من قبل الحكومة وإلا ستكون جهة محسوبة على الحكومة، وإنما يتم تشكيلها من هذا المسار الذي من الممكن أن تقوم الحكومة بالإشراف عليه ورعايته.


الدولة تقود مسار العدالة الانتقالية عبر مؤسساتها، ولكن الهيئة يجب أن تكون على درجة من الاستقلالية لأن مسارها يتضمن محاسبة مرتكبي الانتهاكات. ومسار المحاسبة هو مسار قضائي يمر عبر المحاكم سواء الوطنية أو غيرها. يمكن القول إن هذه الهيئة تلعب دور قريب من دور الادعاء العام.

لماذا يجب ضمان استقلالية الهيئة عن الحكومة؟

المقصد هنا هو التأكيد على استقلالية الهيئة التي تقود المسار القضائي عن الحكومة، لأنها تسعى إلى محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في سوريا. صحيح أن النظام ارتكب 90 بالمئة من الانتهاكات، إلا أن هناك جهات أخرى ارتكبت انتهاكات ولو بنسبة أقل، ويجب محاكمة الجميع.

بالطبع سيتم محاسبة النظام من خلال التركيز عليه بشكل كبير لأنه مرتكب القدر الأكبر من الانتهاكات بحسب بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لكن سيتم في الوقت نفسه محاسبة باقي مرتكبي الانتهاكات.

المحاسبة يجب أن تكون ضد جميع مرتكبي الانتهاكات، لكن من غير المعقول أن تكون محاسبة النظام الذي ارتكب 90 بالمئة من الانتهاكات مثل طرف آخر ارتكب أقل، مثل القوات الكردية التي ارتكبت 3 بالمئة من الانتهاكات، أو المعارضة التي ارتكبت بدورها تقريبا 3 بالمئة، بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام حيث ارتكبت بما يعادل واحد بالمئة.

هلا فسرت لنا بالتفصيل أركان مسار العدالة الانتقالية؟
الركن الأول هو المحاسبة، محاسبة المتورطين بارتكاب الانتهاكات هي تنقسم إلى قسمين شق جنائي وشق غير جنائي. الشق الجنائي يستهدف الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حيث يتم إحالتهم إلى المحاكمات.

ويستهدف هذا الشق بشكل أساسي الصفوف العليا من مرتكبي الانتهاكات مثل الصف الأول والثاني بسبب وجود أعداد هائلة من مرتكبي الانتهاكات في سوريا. وبحسب بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فلدينا معلومات عن 16 ألفا و200 شخص ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من النظام.

بالتالي، نحن لا نستطيع أن نحاسب 16 ألفا و200 شخص بسبب العدد الضخم لمرتكبي الانتهاكات. وهذا الأمر يدفعنا إلى وضع معايير للمضي قدما في المحاسبة، والمعيار الأساسي يكون متمثلا بمحاسبة الصفوف العليا مثل قادة الجيش والفروع الأمنية والصفوف السياسية، ولا يستثني ذلك محاسبة المتورطين بجرائم اقتصادية عبر تمويل النظام بمبالغ ضخمة.

وبسبب ما أوردته من عدد ضخم من مرتكبي الانتهاكات، فعلينا في شق المحاسبة الجنائية استهداف المسؤول الأكبر عن الانتهاكات وهي الصفوف العليا من النظام الذي ارتكب 90 بالمئة من الانتهاكات في سوريا.

أما بالنسبة للمحاسبة غير الجنائية، فهذه تستهدف الصفوف الدنيا من مرتكبي الانتهاكات مثل الصف الثالث والرابع والخامس ما إلى ذلك. وهذه الفئة يتم استدعاؤها من قبل لجان الحقيقة والمصالحة من أجل تقديم الاعتراف والاعتذار ودفع التعويضات للضحايا.

كل ما تحدثنا عليه هو متمثل بالمسارات الأربعة التي يجب أن تعمل مع بعضها بشكل متواز، لأن مسار المحاسبة في سوريا مشاق ومعقد ومتداخل بسبب نتيجة الكم الهائل من الانتهاكات.

وهل من الممكن تحقيق العدالة من خلال المحاكم المحلية فقط أم إن هناك إمكانية لإشراك المجتمع الدولي في دعم عملية؟

بالنسبة للمحاكم، هناك أيضا أكثر من مسار، المسار الأول يتمثل في المحكمة الجنائية الدولية التي تعمل في الدول المصادقة على ميثاقها من أجل التحقيق بالجرائم المرتكبة على أراضي هذه الدولة. وفي حال لم تكن الدولة مصادقة على الميثاق فمن الممكن أن يكون هناك إجبار من مجلس الأمن يحيل الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية.

نظام الأسد سواء الأب أو الابن لم يصادق على ميثاق المحكمة وكذلك مجلس الأمن رفض الإحالة بسبب الفيتو الروسي بداية عام 2014، ما حال دون عمل المحكمة الجنائية الدولية في سوريا.

لكن من الممكن العمل بأثر رجعي من خلال الاستثناء الموجود في ميثاق المحكمة، والذي يسمح للدول غير الأطراف مثل سوريا بقبول اختصاص المحكمة بشأن جرائم محددة ارتكبت في سوريا.

ونوصي نحن في الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن تعطي الحكومة هذا الاستثناء للمحكمة الجنائية الدولية، وهذه فرصة تاريخية للحكومة للتأكيد على التزامها الممثل بشكل كبير بالمحكمة الجنائية، وإرسال رسالة للضحايا ومرتكبي الانتهاكات.

ولا تحاكم الجنائية الدولية عددا كبيرا من مرتكبي الانتهاكات، حيث تحاكم ما يقرب من 5 إلى 6 أشخاص بالحد الأعلى بالإضافة إلى القيادات الكبرى المسؤولة عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سوريا.

ماذا عن مسار المحاكم الوطنية؟
هذا المسار يحتاج إلى عمل كبير لأنه يتطلب في المقام الأول وجود إصلاح قضائي يشمل استقلالية القضاء وإصلاح القوانين وتضمينها بالقوانين المعنية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وهذا يحتاج جهد وتدريب للمحامين والقضاة لأننا لا نملك خبرة بالتعامل مع مجال جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.

ولا بديل عن هذا المسار لأن المحاكم الوطنية هي التي ستحاسب الكم الأكبر من مرتكبي الانتهاكات في سوريا.

حدثتنا عن لجان الحقيقة والمصالحة.. ما مهام هذه اللجان؟
هذه اللجان تأتي تحت مظلة هيئة العدالة الانتقالية، وتكون مسؤولة عن استدعاء عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من المتورطين بارتكاب انتهاكات مثل دعم اقتصادي وسياسي أو انخراطهم في أجهزة النظام مثل المستشفيات العسكرية والمؤسسات الدينية والفنانين والممثلين والمثقفين الذين دعموا النظام وبرروا جرائمه.


كثير من الجهات تدخل ضمن إطار لجان الحقيقة والمصالحة، بعيدا عن الـ16 ألفا الذين تحدثنا أنهم ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

تطلب اللجان من هؤلاء الاعتراف بما قاموا به بعد مواجهتهم مع الضحايا وتقديم الاعتذار العلني عن انتهاكاتهم. ومن الممكن أن تفرض اللجان على هؤلاء أن ينخرطوا بمبادرات أهلية واجتماعية مع الضحايا بشكل أساسي. وهذا المسار يستهدف مرتكبي الانتهاكات وداعمي النظام بالعزل السياسي أيضا.

بعد تحقيق هذه المسارات، ما الذي يتبقى؟

النقطة التالية في هذا المسار هو إصلاح المؤسسات. ونقصد من إصلاح المؤسسات هو إعادة العمل على هيكلة المؤسسات المتورطة بالانتهاكات مثل الجيش والأمن والسلطة القضاء بشكل أساسي.

يأتي بعد ذلك التعويضات التي يجب أن تقدم للضحايا وذويهم. وهذا أمر صعب في سوريا بسبب وجود ملايين الضحايا سيما أن على الدولة أن تقود هذا المسار بشكل أسياسي والدولة الآن منهكة اقتصاديا بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن يحجب التعويضات عن قسم كبير من الضحايا، لكن هذا هو الواقع الأليم الناجم عن حجم الانتهاكات الهائلة التي ارتكبها الأسد.

النقطة الأخيرة في هذا المسار هو تخليد ذكرى للأشخاص الذين كانوا مؤثرين وفاعلين وقدموا تضحيات هائلة في سبيل تحرير سوريا. ويجب هنا أن تقوم اللجان باختيار هؤلاء الأشخاص وفق محددات معينة تراعي التنوع المناطقي والديني والعرقي، بالإضافة إلى ضرورة التركيز على دور النساء اللواتي ساهمن في تحقيق هذا الانتصار.

مقالات مشابهة

  • بكري: التهديدات الإسرائيلية والتحريض على الرئيس ‏‏«بلطجة مرفوضة» ورد المصريين سيكون رادعا
  • المطوّر العقاري وتمليك التجاوزات.. تفاصيل جديدة عن المشروع
  • قيادي بـ«مستقبل وطن»: مصر تظل في طليعة الدول الداعمة لفلسطين بقيادة السيسي
  • خبير حقوقي: مطلب ترامب بتهجير الفلسطينين إلى مصر والأردن «بلطجة»
  • “بيوت” ترصد مميزات مشروع القطار السريع بين أبوظبي ودبي على القطاع العقاري
  • حشود من الدقهلية تتجه لرفح تنديدا بالتهجير للفلسطينين وتأيدا لقرارات السيسي
  • لسكان الجنوب... إليكم هذا البيان من أمانة سجل بنت جبيل العقاري
  • مدير الشبكة السورية يكشف لـ عربي21 كيفية محاكمة الأسد وتحقيق العدالة الانتقالية (شاهد)
  • عربي21 تحاور مدير الشبكة السورية حول آليات تحقيق العدالة الانتقالية (شاهد)
  • عربي21 تحاور مدير الشبكة السورية حول آليات تحقيق العدالة الانتقالية