المشكلة ليست بالاسم بل بالثمن السياسي للتسوية
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
كتب محمد علوش في" الديار": من المفيد العودة إلى معادلة أساسية تحكم تمسك قوى الثامن من آذار بترشيح رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، عنوانها الأساسي، وهو ما يقوله صراحة مسؤولون في هذا الفريق، ان رئاسة الجمهورية من حصته، بحيث أن باقي المراكز الهامة في الدولة من المفترض أن تكون من حصة الفريق الآخر، وبالتالي المقايضة الممكنة تكمن في إمكان تخلي هؤلاء عن أحد هذه المراكز، وهو ما كانت تنطلق منه المبادرة الفرنسية، التي قامت على أساس المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة.
هذا الواقع، يتعزز من خلال إعادة التذكير بأنه كما أن قوى الثامن من آذار لا تملك القدرة على إيصال مرشحها إلى رئاسة الجمهورية، فإن الفريق الآخر، الذي من المفترض أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من حصته، لا يملك القدرة على تأمين تكليفه أو السماح له بالتشكيل، في حال لم يكن يحظى ذلك بتأييد "الثنائي الشيعي"، ما يحتم التسوية القادرة على إعادة إنتاج السلطة بجميع مواقعها، فما ينطبق اليوم على الرئاسة ينطبق على باقي المواقع.
بناء على ذلك، يمكن فهم موقف رئيس المجلس النيابي أو قوى الثامن من آذار بشكل كامل، بأنه يصب في إطار أن رفض المقايضة التي يكون اسم فرنجية أحد أركانها، يحتم على الفريق الآخر تقديم مبادرات أخرى قادرة على تأمين التوازن المطلوب في السلطة، على اعتبار أن التوازنات لا تسمح بأن يكون التخلي عن هذا الترشيح من دون ثمن مقابل.
وتكشف مصادر سياسية متابعة أن الثمن المقابل سيكون داخلياً وخارجياً أيضاً، إذ لن يكتفي الفريق الداعم لفرنجية بمواقع قيادية في الداخل، على اعتبار أن التسوية ستكون مع الخارج أولاً، وبالتالي يجب أن يكون الثمن كبيراً يتعلق بالحصار المفروض على لبنان اقتصادياً ومالياً، ووضعه الذي يمر به منذ 4 سنوات.
تمسك "الثنائي الشيعي" بموقفه الدعم لفرنجية أمام الموفد الأمني التحضيري القطري الذي طرح عدة أسماء للرئاسة، وطلب من الثنائي تقديم أسماء جديدة يرضى عنها لتصل الى الرئاسة، لكن الجواب كان واحداً سليمان فرنجية مرشحنا، وهو ما يفترض أن يفهمه القطري ومَن خلفه ومَن أمامه، بأن المشكلة ليست بالاسم، بل بشروط التسوية التي يُفترض أن تُقنع "الثنائي الشيعي"، المشكلة بالثمن السياسي المناسب.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
المتطرفون يستبعدون التسوية والتيار الداعم لها بلا أوراق ضغط.. سيناريوهات إسرائيل لـ«غزة» في 2025
في مطلع العام الجديد 2025، تتعدد التساؤلات حول استراتيچية إسرائيل في التعامل مع قطاع غزة، والسيناريوهات التي تفكر فيها، ولماذا لم تتبلور رؤية إسرائيلية شاملة تجاه الملف الفلسطيني، ككل، والقطاع على وجه الخصوص، وإلى أي مدى تتأثر حكومة، بنيامين نتنياهو، بالضغوط اليمينية المتطرفة، التي تعترض على أي اتفاق مع المقاومة الفلسطينية، وتحذر من أنه «سيكون تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل»؟
تتداخل الأبعاد السياسة والعسكرية والأمنية، مع الانقسامات الداخلية في إسرائيل، تعرقل جميعُها مساعي التهدئة في القطاع، حيث لا يزال الموقف داخل «الكيان» متذبذبًا، من واقع الخلافات داخل الحكومة نفسها، ومراكز الفكر والدراسات، ووسائل الإعلام، وشعبيًّا، تتباين ردود الفعل في إسرائيل بين الدعوة إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، وبين رفض أي تسوية قد «تعطي المقاومة الفلسطينية ميزةً سياسية أو اقتصادية».
تعيدنا هذه الأجواء إلى الهواجس الدفاعية التي تحكم الاستراتيچية الإسرائيلية، وتستند إلى مجموعة من الأسس الأمنية التي تجعل أي تسوية مع الجانب الفلسطيني مرفوضةً من التيارات اليمينية المتشددة، كونها على قناعة بأن أي مفاوضات هدنة ستمنح الفلسطينيين فرصةً لإعادة تعزيز قدراتهم العسكرية (صواريخ، أنفاق، وتكتيكات ميدانية)، مما يزيد من التهديدات الأمنية على المدى البعيد، على حد وصف هذه التيارات.
الموقف نفسه يعكس عقليةً ترفض تقديم أي تنازلات، وتَعتبرها إضعافًا لـ«الهيبة الإسرائيلية»، وأنه «لابد من مواصلة الحرب لتدمير البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية»، مقابل أصوات أخرى أقل تطرفًا في إسرائيل تدعو إلى «إقرار تهدئة مؤقتة»، وهؤلاء يرون أن «الوقت قد حان لإعادة تقييم الوضع العسكري في غزة، وأن التصعيد المستمر ليس إلا عقبةً أمام التوصل إلى حلول دائمة».
خلافات كبيرةرغم أن الأصوات الأقل تطرفًا لا تجد دعمًا كبيرًا بين اليمين المتشدد، المهيمن على صناعة القرار الإسرائيلي، فإنها تشكل جزءًا من تيارٍ يعتقد أن «وقف العنف قد يوفر فترةً مؤقتةً لإعادة تجميع القوات العسكرية في مواجهة التصعيد المتفاقم». فيما يعكس الخطاب الإعلامي في إسرائيل الخلافات حول التعامل مع القطاع. فصحيفة «هآرتس» ذات الاتجاه اليساري، ترى أن «التوصل إلى اتفاق تهدئة مع حماس قد يكون ضرورةً لضمان استقرار المنطقة وتجنُّب التصعيد المستقبلي، وضرورة أن يتضمن الاتفاق ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار».
وكان ناشر «هآرتس» عاموس شوكين، قد طالب بـ«تدخل دولي ضد حكومة نتنياهو، كون سياساتها تشبه الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية كشرط لتحقيق الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين». فيما يؤكد المحلل بالصحيفة، عاموس هرئيل، أن «نتنياهو يستغل الوضع العسكري لتحقيق أهدافه السياسية، لجعل الحرب جزءًا من الحياة اليومية للإسرائيليين، مستغلًّا تحالفاته مع اليمين المتطرف، والرغبة المشتركة لتعزيز سيطرتهم على السياسة الداخلية، مما سيُضعف استقلال الجيش، ويُدخل إسرائيل في أزمات متواصلة».
أما صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فقد كتب مراسلها لشئون المناطق الفلسطينية، أليشع بن كيمون، عن «اتجاه الحكومة الإسرائيلية لفرض حكم عسكري دائم في غزة، عبر: إعادة الانتشار العسكري، إنشاء مواقع جديدة، وتمديد شبكة الطرق التي يسيطر عليها الجيش في أنحاء غزة، ما يعزز من السيطرة العسكرية الدائمة. وأن عملية فرض السيطرة الإسرائيلية على القطاع تتم دون إعلان سياسي عن مراحلها التدريجية» مدعومة بتغييرات قيادية في حكومة نتنياهو، تعزز وزراء اليمين المتطرف: بتسلئيل سموتريتش، إيتمار بن غفير، وغيرهما، مع دعم قوي من قادة المستوطنين لتوسيع الاستيطان في غزة.
لا تُخفي صحيفة «معاريف» وجودَ انقسامات داخلية في إسرائيل، وأن «هناك مَن يرى في وقف إطلاق النار وسيلةً لتقليص الخسائر البشرية، وأنه يتيح للجيش إعادة الاستعداد لمواجهة تهديدات مستقبلية، مقابل مَن يعارضون أيَّ اتفاق مع الجانب الفلسطيني ما لم يتضمن نزع السلاح». فيما أشارتِ الصحيفة في وقت سابق إلى «خطة إسرائيلية مكونة من 3 مراحل صاغتها حكومة نتنياهو مع رجال أعمال لإنشاء إدارة عسكرية إسرائيلية، محاولةً إنشاء سلطة فلسطينية جديدة في القطاع، وتنفيذ إصلاحات في السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية»!
مقترحات ورهاناتأما معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب (INSS) فيتحدث عن خيارات المستقبل في قطاع غزة، بناءً على معايير استراتيچية تهم إسرائيل كـ«إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة، بعد خضوعها -وفق الرؤية الإسرائيلية- لإصلاحات هامة لضمان قدرتها على إدارة غزة، خاصة إصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية وضمان التزامها بمكافحة الإرهاب ومنع أي تهديدات أمنية ضد إسرائيل، أو تحويل غزة إلى مقاطعة تحت الإدارة الفلسطينية مع دعم إقليمي ودولي»!
ورغم أن السلطة الفلسطينية لا تعير مثل هذه المقترحات اهتمامًا، يصر، نتنياهو، على عدم إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة، ويفضِّل إضعافها لصالح إقامة كيان مستقل في القطاع، على النحو الذي يتم حاليًّا من خلال تغذية الفتنة بين الفلسطينيين في مخيم «جنين». فيما يرى مركز «بيجن- السادات» للدراسات الاستراتيچية أن «الخيار المفضل للإسرائيليين والأمريكان إدارة القطاع عبر سلطة فلسطينية، وأن أي تهدئة لا تشمل تنازلات أساسية من الطرف الفلسطيني كالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، تُعتبر انتصارًا لحماس، وهو ما سيعزز موقفها في المستقبل على حساب إسرائيل».
أما بعض برامج إذاعة الجيش الإسرائيلي والمحطات التليفزيونية في «الكيان» فتعبِّر عن تنوُّع الآراء بين الخبراء العسكريين وغيرهم حول جدوى التهدئة، حيث يراها البعض «تمنح إسرائيل وقتًا ثمينًا لإعادة الاستعداد العسكري لمواجهة أي تصعيد محتمل في المستقبل». ويحذر آخرون من أن «منح حماس فرصة لإعادة تسليح نفسها خلال تلك الفترة قد يؤدي إلى نتائج عكسية على أمن إسرائيل.. معتبرين أن أي اتفاق من هذا النوع قد يضر بالقدرة الأمنية لإسرائيل ويزيد من تهديدات حركة حماس في المستقبل».
سيناريوهات المستقبلمحاولة استشراف مستقبل الوضع في قطاع غزة من المنظور الإسرائيلي تُظهر أن المواقف الداخلية ستظل متباينة بين اليمين المتشدد الذي يرفض أي تنازلات للفلسطينيين، والأحزاب المعتدلة التي قد تدعو إلى تسوية أو تهدئة مؤقتة. ومع ذلك، ستسعى التيارات المتطرفة لاستمرار الحل العسكري، مما قد يطيل النزاع، وقد تخفف إسرائيل جهدَها العسكري بشكل نسبي، مع التركيز على العمليات النوعية، وتعزيز وجودها على حدود غزة واستخدام تقنيات جديدة كالحواجز الأمنية، والدفاع الجوي، والحرب الإلكترونية للحدِّ من الهجمات الصاروخية.
غير أن فرصة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، في 20 يناير المقبل، تبدو ضئيلة، حتى مع الضغوط التي يمارسها أهالي الأسرى الإسرائيليين، من واقع ما قاله وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، من أن «عودة الرهائن ليستِ الأولوية، وأن الأولوية لتدمير المقاومة الفلسطينية».
ومع ذلك، تحاول حكومة إسرائيل الظهورَ في صورة المهتمة بملف الأسرى، بعدما طالب نتنياهو بـ«قائمة بأسماء الرهائن الأحياء قبل أي تقدُّم في المفاوضات»، لكنها تظل مجرد محاولة لتهدئة الرأي العام الإسرائيلي. وفي ظل تعدُّد وجهات النظر داخل إسرائيل حول مفاوضات التهدئة، ستظل التوقعات المستقبلية للوضع في غزة معقدة، خاصة مع استمرار التحديات الداخلية والخارجية، وحتى في حال تجاوز الخلافات الجوهرية، فإن أي اتفاق سيكون هشًّا ومعرَّضًا للانهيار إذا لم يتم تنفيذ التزامات الأطراف بدقة.
اقرأ أيضاًبشير عبد الفتاح: نتنياهو يسعى لتحقيق هدفه بإعادة تشكيل شرق أوسط جديد (فيديو)
متحدث «فتح»: نتنياهو يريد استمرار الحرب لضمان البقاء في الحكم