أحمد يحيى الديلمي
في كلمته التي وجهها إلى الشعب اليمني بمناسبة العيد الواحد والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، كان الرئيس مهدي محمد المشاط واضحاً، حيث تطرق إلى موضوع طالما تحدثنا عنه ولم يتنبه إليه أحد من أصحاب الشأن المتبنين لمشاريع الشتائم ويتمثل في الغسيل الوسخ الذي يحاول البعض نشره عقب كل حركة أو انقلاب أو ثورة .
وأنا أستمع إلى الرئيس المشاط تذكرت كلمة للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح قالها عقب تنحيه عن الحكم وبقائه في البيت، سأله أحدهم ماذا تعمل ؟ أجاب “أنا أتحسر على نفسي، ثلاثون سنة وأنا أشتم الإمام يحيى وهو في قبره، واليوم أشاهدهم في التلفزيون وهم يشتموني أمام عيني”، والحادثة الثانية تمثلت في الموقف العظيم للرجل الوطني الصادق شاعر اليمن الكبير – بل أقول شاعر العروبة الأستاذ الراحل عبدالله البردوني “رحمه الله” – عندما أعلن في نادي ضباط القوات المسلحة في ندوة كبيرة أن مؤسس دولة اليمن الحديثة هو الإمام يحيى حميد الدين “رحمه الله”، وفي تلك اللحظة التي نطق بها العبارة كادت الدنيا تقوم ولم تقعد، بل وهبطت عليه الشتائم والاتهامات الزائفة رغم أن البردوني كان الأكثر صدقاً وموضوعية والأكثر حماساً للوطن، لكنه لم يتأثر بتلك المواقف الشاذة والطفولية، استمر على موقفه.. سألته ذات يوم بما تبرر مثل هذا الكلام يا أستاذ عبدالله؟ أجاب: إن الرجل فعلاً أراد أن يبني دولة ومؤسسات، إذ يكفي أن نُشير إلى حقائق هامة تتمثل في :
– عندما دخل من قفلة عذر إلى صنعاء رفض الدخول إلى المدينة مباشرةً وظل في الروضة لمدة عام، وعندما سأله الناس لماذا لم يواصل المشوار إلى صنعاء؟ أجاب “دخلت ومعي زُعماء الحرب من ساعدوني في فترة القضاء على فلول الأتراك وهؤلاء يريدون الثمن، دعوني أتخلص منهم ثم أدخل إلى المدينة بسلام” .
– الثانية أنه أبقى أربع وزارات بيد الأتراك وعندما احتج عليه زبانية الحكام الدائمين في كل زمان ومكان وأبناؤه، أجاب بكل ثقة ومسؤولية “تعلموا منهم الموضوع بناء دولة وليس أمراً عابراً”.
– الثالثة أنه لم يتسلم كرسي الحكم إلا بعد أن وضع أحكام الشريعة المسماة باختيارات وزارة العدل وحدد فيها كل ما يتعلق بالمواريث والخصومات وأحكام الشريعة الصافية البعيدة عن التعصب أو التزمت أو الانحياز غير المنطقي لفكر بذاته.
وعاد المرحوم ليسألني في نظرك أليست هذه صفات رجل دولة من الطراز الأول؟ فعلاً لم أتمكن من الإجابة في تلك اللحظة لكنها – كما وصفها الأستاذ عبد الله البردوني – صفات رجل دولة يُريد أن يبني دولة، مع ذلك كما قال الرئيس صالح تعرض للشتم والسب والتخوين وشاءت الأقدار أن تفضح الرجل ويعترف بنفسه بما أقدم عليه من جُرم، ولم يكن الاعتراف هو الدليل الوحيد لكن القدرة الإلهية شاءت أن تفضحه أكثر عندما أقدم بنفسه وفي فترة حكمه على بيع الأراضي اليمنية إلى الجانب السعودي، بيع نفاذ بينما كان الإمام يحيى قد وقع اتفاقية لمدة عشرين سنة فقط، كل هذه الحقائق تجعلنا نضع كلام الرئيس المشاط في ميزان الإنصاف والعدل وبالتالي نرى أن الرجل قالها صادقاً باحثاً عن كل ما يُقرب النفوس وما يُزكيها ويضعنا أمام اختيارات وطنية بحتة لا تنحاز إلى القبيلة ولا المنطقة ولا الحزب بل إلى الوطن اليمني بكل مقوماته، وهذا ما نأمل أن يكون عليه التغيير الذي أفصح عنه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، بحيث يكون التعيين للكفاءة والخبرة والقدرة من أين ما كان الرجل ومهما كانت اتجاهاته، المهم أن يكون صاحب خبرة وقادراً على تسيير الأعمال برؤية وطنية صادقة وهوية إيمانية متجذرة في الأعماق، لأننا تعبنا من تُجار الحروب والمتقمصين لأدوار البطولة في زمن ما بعد الحروب، فهؤلاء هم من يتمكنون من النفاذ إلى أروقة صانعي القرار ويؤثرون عليهم بحيث يصبحون هم الفعل البشع وهم آلياته وهم الفساد بعينه وهم أدواته، وحرام أن تظل هذه الإرادات الشاذة هي السائدة والمتحكمة في كل شيء، يجب أن يميل الجميع إلى فكرة تمجيد الفعل ومناصرته لا أن نظل نمجد حوادث أو أشخاصاً ونمنحهم ما يشبه القداسة، عند هذه اللحظة يمكننا الوصول إلى بر الأمان .
أكرر الشكر ثانيةٍ للرئيس المشاط الذي تطرق إلى موضوع هام ونرفع أصواتنا معه صارخين (يكفي الإمعان في جلد الذات وأن نتفرغ للعمل لا سواه، لا أن ينطبق علينا قول الله سبحانه وتعالى “كلما جاءت أمة لعنت أختها” صدق الله العظيم) والله من وراء القصد ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مصر منارة الإسلام الوسطي المستنير.. نص كلمة الرئيس السيسي بحفل تخريج أئمة الأوقاف
شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، صباح اليوم الثلاثاء، في حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية، وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن تخريج وتأهيل هذه الدفعة الجديدة من الأئمة، التي ضمت 550 امام واستمرت لمدة 24 أسبوعاً، يأتي في إطار تنفيذ توجيهات الرئيس لوزارة الأوقاف، بالتنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية، بما فيها الأكاديمية العسكرية المصرية، لوضع برنامج تدريبي متكامل يهدف إلى تعزيز قدرات الأئمة على مختلف المستويات، بما يسهم في الارتقاء بالخطاب الديني وتطوير آليات التواصل، خاصة لمكافحة ودحض الفكر المتطرف، فضلاً عن ترسيخ الوعي والمعرفة والإدراك لمختلف القضايا الفكرية والتحديات الراهنة.
وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن فعاليات الحفل شملت عرضاً لفيلم وثائقي بعنوان «تقرير نجاح الدورة»، تلاه عرض للبحث الجماعي لدارسي دورة الأئمة حول موسوعية العالم والداعية وأثر ذلك على أداء مهامه «الإمام جلال الدين السيوطي نموذجًا»، وإعلان نتيجة تخرج الدورة.
وأدى الخريجون قسم الولاء، وهو قسم مستحدث للخريجين من الأئمة والدعاة، لقنه للخريجين الدكتور أحمد نبوي، عضو المكتب الفني لوزير الأوقاف، وذلك قبل أن تشهد الفعاليات فقرة شعرية ألقاها أحد الدارسين، أعقبها إنشاد ديني.
وألقى كلٌ من الفريق أشرف زاهر، مدير الأكاديمية العسكرية المصرية، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، كلمات سلطت الضوء على أهمية التكامل والتعاون بين جهات الدولة المعنية لتنفيذ رؤية القيادة السياسية في إعداد جيل جديد من الأئمة، يجمع بين التعمق في علوم الدين وإتقان أدوات التواصل الحديثة، بما يعزز دورهم في نشر الفكر الوسطي وترسيخ القيم الوطنية.
النص الكامل لكلمة الرئيس في حفل تخريج أئمة الأوقاف
وألقى الرئيس السيسي كلمة بهذه المناسبة، فيما يلي نصها:
«بسم الله الرحمن الرحيم.. أبنائي الخريجين من الأئمة الكرام.. السيدات والسادة الحضور… نحتفل اليوم بتخريج كوكبة جديدة من الأئمة الذين سوف يحملون على عاتقهم أمانة الكلمة، ونشر نور الهداية، وترسيخ قيم الرحمة والتسامح والوعي.
وكنت قد وجهتُ وزارة الأوقاف، بالتعاون مع مؤسسات الدولة الوطنية، وعلى رأسها الأكاديمية العسكرية المصرية، بوضع برنامج تدريبي متكامل يُعنى بصقل مهارات الأئمة علميًا وثقافيًا وسلوكيًا، بهدف الارتقاء بمستوى الأداء الدعوي، وتعزيز أدوات التواصل مع المجتمع، ليكون الإمام نبراساً للوعي، متمكناً من البيان، بارعاً في الإقناع، أمينًا في النقل، حاضرًا بوعيٍ نافذ وإدراكٍ عميق لمختلف القضايا الفكرية والتحديات الراهنة.
وها نحن اليوم أمام ثمار هذا التعاون البناء، نرى فيه هذه النخبة المشرقة من الأئمة الذين تلقَّوا إعدادًا نوعيًا يمزج بين أصول علوم الدين الراسخة وأدوات التواصل الحديثة، متسلحين برؤية وطنية خالصة، وولاءٍ لله ثم للوطن، وإدراكٍ واعٍ لتحديات العصر ومتغيراته، مع المحافظة على الثوابت.
السادة الحضور … أبنائي الأئمة…
في زمن تتعاظم فيه الحاجة إلى خطاب ديني مستنير، وفكرٍ رشيد، وكلمة مسؤولة، تتجلّى مكانتكم بوصفكم حَمَلة لواء هذا النهج القويم. وقد أدركنا منذ اللحظة الأولى أن تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دعاة مستنيرين، أغنياء بالعلم، واسعي الأفق، مدركين للتحديات، أمناء على الدين والوطن، قادرين على تقديم حلول عمليةٍ للناس، تداوي مشكلاتهم وتتصدى لتحدياتهم، بما يُحقق مقاصد الدين ويحفظ ثوابته العريقة.
ولا تنحصر مهمة تجديد الخطاب الديني في تصحيح المفاهيم المغلوطة فحسب، بل تمتد لتقديم الصورة المشرقة الحقيقية للدين الحنيف، كما تجلّت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما نقلها الصحابة الكرام، وكما أرسى معالمها أئمة الهُدى عبر العصور.
واليوم وانتم تتخرجون، وتخطون أولى خطواتكم في هذا الدرب النبيل، فإن أعظم ما نعول عليه منكم هو أن تحفظوا العهد مع الله، ثم مع وطنكم بأن تكونوا دعاة إلى الخير، ناشرين للرحمة، وسفراء سلام للعالم بأسره.
وإن مصر، بتاريخها العريق وعلمائها الأجلاء ومؤسساتها الراسخة، كانت وستظل منارةً للإسلام الوسطي المستنير، الذي يُعلي قيمة الإنسان، ويُكرّم العقل، ويحترم التنوع، ويرسي معاني العدل والرحمة.
وما نشهده اليوم يؤكد مضيَّ الدولة المصرية بثباتٍ وعزمٍ في مشروعها الوطني لبناء الإنسان المصري بناءً متكاملًا، يُراعي العقل والوجدان، ويجعل من الدين ركيزةً للنهوض والتقدم، في ظل قيم الانتماء والوسطية والرشد.
ختامًا… أُحيي كل عقلٍ وفكرٍ ويدٍ أسهمت في إنجاز هذا العمل الجليل، من وزارة الأوقاف، ومن الأكاديمية العسكرية المصرية، ومن كل مؤسسة وطنية، آمنت بأن بناء الإنسان هو بناء للوطن، وتحصين لجيلٍ قادم، وتمهيدٌ لمستقبل أكثر إشراقًا.
وفقكم الله جميعًا، وبارك في جهودكم، وجعلنا دائمًا في خدمة الحق والخير والإنسانية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وبعد انتهاء الرئيس من كلمته المكتوبة، وجه عدة رسائل تحمل رؤية الدولة في إعداد إنسان متوازن ومسؤول، قادر على الإسهام الإيجابي في المجتمع، مشيراً إلى أهمية الاقتداء بالإمام السيوطي كنموذج يحتذى به، حيث قدم مساهمة استثنائية من خلال تأليف 1164 كتابًا خلال حياته.
وأكد الرئيس أن الكلمات وحدها لا تكفي لإحداث تأثير في المجتمع، بل يجب أن تُترجم إلى أفعال إيجابية وفعالة تُشكل مسارًا يُتبع ويُنفذ.
وضرب مثالًا على ذلك باستخدام مقار المساجد، إلى جانب كونها أماكن للعبادة، لتقديم خدمات تعليمية للطلاب، كما شدد على ضرورة حسن معاملة الجيران، والاهتمام بتربية الأبناء، ومواكبة التطور دون المساس بالثوابت.
واختتم الرئيس حديثه بالتأكيد على أهمية الحفاظ على اللغة العربية، ودور الدعاة في أن يكونوا حماة للحرية، مما يعكس رؤية شاملة للتنمية المجتمعية، مؤكداً سيادته على ان الدورة التي حصل عليها الأئمة بالأكاديمية العسكرية المصرية عكف على إعدادها علماء متخصصون في علم النفس والاجتماع والاعلام وكل المجالات ذات الصلة. وفي النهاية، ذكر الرئيس انه يود الإعراب مجدداً عن التعازي لوفاة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، مؤكداً أن الانسانية قد خسرت بوفاته قامة كبيرة.