عادل عسوم: مشاريع حياتية
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
الحياة بحلوها ومرها قصيرة مهما تطاولت سنوات العمر، والحال دوما لايدوم بحال، والأنسان قد آلى على نفسه حمل أمانة عجزت عنها السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها اشفاقا!…
ليتنا ننتبه ونحن مازال فينا عرق ينبض وعافية ووقت، فإن السنوات انتبهنا أو لم ننتبه تتسربل وتتباعد سراعا كحبات مسبحة في يد شيخ وقور يسبح الله، وهي كذلك كفقاعات صابون تتعالى من فيه صبي يلعب، ليت كل منّا يعمد إلى مشروع يزين به حياته، لا أقصد مشروعا تجاريا، إنما مشروع يصلنا بالحياة بعد أن نفضي إلى بارئنا:
سوزان ميد، امرأة أمريكية خرج طفلها الوحيد إلى الطريق فصدمته سيارة مسرعة يقودها مخمور فمات، وبعد أن وارت الثرى فلذة كبدها انقطعت عن الناس لأيام في بيتها حيث وضعت تصورا لجمعية تناهض الخمر وتحاربها، لم تكن كغيرها من غالب النساء تظل تجتر حزنها إلى أن تكون حرضا لتموت حزنا عليه، إنما حولت حزنها إلى مشروع حياة، وتمددت الجمعية إلى باقي ولاية ميريلاند، ثم انداحت في العديد من ولايات أمريكا في وقت وجيز، وأستطاعت أن تغير في دساتير عدد من الولايات بإيقاف وعقاب كل مخمور يقود سيارة، بل تعدى الأمر إلى أن يعاقب القانون في عدد من الولايات على مجرد السكر في دولة تحل شرب الخمر!…
وماتت سوزان، ولكن بقيت جمعيتها حية إلى اليوم، ومن قبل مات طفلها، لكنه بموته تسبب في بعث الحياة في أهاب أطفال كُثُر بسبب مشروع أمه ذاك…
المشروع ليس شرطا أن يكون كبيرا ومكلفا لمال أو وقت كثير، فالله يأمرنا بالشروع في الأمر، ولم يطلب منا أن ننتظر نتائجه واثمار غرسه، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:
(من كانت في يده فسيلة ورأى الساعة توشك فليغرسها).
نعم، يغرسها وهو جازم بأنها لن تثمر بل لعلها لن تنمو لأن الساعة قد أوشكت!
انها الدعوة إلى الشروع في العمل، فعلينا الغرس وعلى الله تعهد غرسنا وضمان ينعه وأثماره…
وفي ولاية أوهايو في أمريكا، أعتاد شخص يدعى نوح Noh كل صباح أن يقف في طريق الخارجين من شققهم إلى أعمالهم ودراستهم رافعا صوته وهو يضحك ليحكي لهم نكتة يسميها نكتة الصباح!…
وأصبح الأمر برنامجا صباحيا للسكان، لدرجة أنهم يتجمعون كل صباح في الناصية التي يقف فيها نوح ليخرج أليهم فيستمعون إلى نكتة الصباح!.
وبعد فترة، تناقش السكان في أمر الرجل فجمعوا له مبلغا وأشتروا له مكبرا يدويا للصوت، أذ تكاثر عليه المعجبون بنكاته وأصبح صوته لايصل اليهم جميعا…
بعد فترة أخرى نوقش أمر الرجل على مستوى المسئولين في المدينة فاستدعوه، وبعد عدد من اللقاءات وجدوا لدى الرجل رؤية وهدفا يرمي إليه وهو أشاعة روح المرح في نفوس الناس في الصباح، فما كان منهم ألاّ التصديق له بإذاعة محلية أصبحت تحمل أسمه لتبث على نطاق العديد من المدن.
حدثني صديق سعودي عن أخ له آلى بأن يفرِّغَ نفسه يوما من كل أسبوع، فيذهب فيه إلى المكتبات ليشتري من حر ماله مجلات وكتيبات ثقافية واسلامية واجتماعية هادفة، ثم يدور بسيارته على صوالين الحلاقة ليوزع هذه المجلات والكتب لكي يقرأها رواد الصوالين وهم ينتظرون دورهم للحلاقة!…
جارٌ لأخي في الديوم الشرقية له كارو صغير هو مصدر رزقه في سوق الديم والحي، رأيته يحمل على الكارو (برميلين مقرونين) يملأهما بالماء، ثم يمر على أطراف الطريق (حيث الفرناغة) ليرشها بالماء من خلال خرطوش يصله بالبراميل، سألت ابن أخي، هل الرجل يعمل مع حماية البيئة أو ماشابه؟! قال لي: (الزول دة مكشكش شوية)! …
كان الرجل يفعل ذلك مرتين في الأسبوع، قابلته مرة وسألته فقال لي:
ياأخوي الفرناغة دي بتعيش فيها ميكروبات كتيرة وبكتريا وجراثيم، والناس المساكين بيتنفسوها ويمرضو!
قلت له هل هذا جزء من عمل تتقاضى عليه أجرا؟ قال لي ضاحكا أيوة، حسنات يوم القيامة!
قلت لابن أخي، والله المكشكشين نحنا مش الزول دا…
في كسلا اعتادت فتاة لم يؤتها الله جمالا ففات قطارها، ظلت هذه الفتاة تحرص على الإتيان بعدد من أطفال الميرغنية والسوريبة لتراجع لهم دروسهم، حتى اللغة الإنجليزية التي لم يدرسوها بعد بعد كانت تعلمهم أبجدياتها، وفي مرة من المرات أعطى والد أحد التلاميذ مبلغا من المال داخل ظرف لتسليمه للفتاة، استلمت الظرف بعد سألت الفتى وما أن انتهت الحصة أتت معه إلى بيتهم وسألت والده عن المبلغ، فقال لها بأنه مساهمة من الآباء في الحي شكرا لها على الجهود الخيرة التي تفعلها مع ابنائهم، ما كان منها إلا أن أصرت على ارجاع الظرف قائلة بأنها تفعل ماتفعل لوجه الله، هذه الوضيئة خلال إحدى ثورات القاش؛ بدأت بعض بيوت حي الجسر في الانهيار ليلا، وشرع البعض في الصياح طلبا للنجدة والعون، وعندما أشرقت الشمس إذا بالأخبار تنعي تلك الفتاة الوضيئة حيث انهار عليها منزل أمرأة عجوز وحيدة…
يومها بكت تلك العجوز بحرقة وقالت للناس:
لقد حملتني بيديها إلى خارج المنزل، ثم دخلت مرة اخرى لتخلي بعض الأثاث فانهار عليها المنزل، اقسم أهل الحي بأنهم عندما حملوا جثمانها من بين الأنقاض وجدوها تبتسم ولم يكن على وجهها الذي يلفه الخمار ذرة غبار واحدة!
حقا وصدقاً، إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
يومها بكى تلاميذها الأطفال ممن كانت تذاكر لهم دروسهم، وظلوا يزورون قبرها كل يوم جمعة ويدعون لها.
أحبابي…
ليبدأ كل منا مشروعا، ولو كان من الصغر بمكان، فقد وقانا الله مصارع سوء عديدة طوال هذه الحرب الموشكة على أن أضع أوزارها بحول الله وفضله، وسيشرع الناس في العودة إلى بيوتهم قريبا جدا إن شاء الله.
عادل عسوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
ردًا على "حواس"… خبير: دخول يوسف عليه السلام مصر واقع يؤكده التاريخ
أثار العالم المصرى الشهير الدكتور زاهى حواس وزير الآثار الأسبق قضية جديدة فى ندوة بعنوان "أسرار الفراعنة" عقدت داخل مبني محاكاة قناة السويس بمحافظة الإسماعيلية عن قصة سيدنا يوسف قائلًا: إنه لا يوجد دليل قاطع وصحيح عن قصة سيدنا يوسف عليه السلام في مصر.
الدكتور زاهي حواس ردًا على "حواس"… خبير: دخول يوسف عليه السلام لمصر واقع يؤكده التاريخوفى ضوء ذلك رد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية قائلًا، إن اسم مصر ارتبط في القرآن الكريم بدخول يوسف الصديق وإخوته في الآية 99 من سورة يوسف " فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ".
الدكتور عبد الرحيم ريحانوبالتالي فإن إنكار وجود يوسف الصديق في مصر هو محو لاسم مصر التي ذكرت فى القرآن الكريم 37 مرة، 4 مرات صراحة باسمها مصر و33 مرة ضمنًا.
سورة يوسفوأضاف الدكتور ريحان أن قصة يوسف الصديق ودخوله إلى مصر وتربيته ووصوله إلى مركز مرموق ذكرت في سورة كاملة في القرآن الكريم باسم سورة يوسف وجاء فى التوراة أن نبي الله يعقوب عليه السلام وبنيه لمّا أقاموا فى مصر خيّرهم ملك مصر في تحديد الأرض التي ينزلون فيها فقالوا نحن رعاة ماشية فطلب نبي الله يوسف عليه السلام تسكينهم فى أرض جاسان أو جاشان شمال بلبيس الحالية والبعض يقول نواحي الصالحية وفي الآية 11 من الإصحاح 47 تكوين "فأسكن يوسف أباه إخوته وأعطاهم ملكًا فى مصر من أفضل الأرض من أرض رعمسيس"
كتابات المؤرخينويتابع الدكتور ريحان بأن الكتاب والمؤرخين ورجال الدين أكدوا دخول يوسف الصديق إلى مصر حيث ذكر عبد الوهاب النجار أنه دخل في عهد الأسرة السادسة عشرة فى أيام أحد ملوكها المدعو "إبابى الأول" وقد عثر على لوحة أثرية عبارة عن شاهد قبر ذكر فيه اسم "فوتى فارع" وهو المذكور فى التوراة "فوطيفار" عزيز مصر كما استدل من بعض آثار الأسرة السابعة عشرة على حدوث جدب فى مصر قبل هذه الأسرة وهو مما ذكر فى القرآن والتوراة عن سنين القحط، وبالتالى فدخول نبى الله يوسف كما حدده عبد الوهاب النجار عام 1600 ق.م.
قول المفسرينويرى الشيخ محمد متولى الشعراوى أن دخول نبي الله يوسف عليه السلام إلى مصر كان فى عهد الهكسوس حين ذكر القرآن الكريم لقب حاكم مصر في ذلك الوقت باسم الملك وكان يحكمها ملوك الهكسوس "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ" يوسف 50، ويوافقه الرأي بعض الكتاب ومنهم أحمد سوسة الذي يرى أن يوسف الصديق وصل إلى مصر فى عصر الهكسوس 1785- 1580 قبل الميلاد، وعابد الهاشمى الذي يرى أن هجرة آل يعقوب إلى مصر حدثت فى عصر الهكسوس 1720 ق.م.، وعبد الوهاب المسيرى الذى يؤكد أن وجود الهكسوس هو الذى سهل عملية دخول العبرانيين إلى مصر وربما كان هناك صلة عرقية بينهم وبين الهكسوس وكانت إقامة الهكسوس فى جاسان أو أواريس، وكذلك الدكتور عبد المنعم عبد الحليم سيد الذى أشار لدخول يوسف الصديق وأسرته إلى مصر فى عهد الهكسوس وأقام فى عاصمتهم أواريس
المؤرخون اليونانوينوه الدكتور ريحان إلى كتابات المؤرخين اليونان والرومان ولا سيما المؤرخ الرومانى أفريكانوس الذى عاش فى القرن الثالث الميلادى، أكدت أن نبى الله يعقوب والد يوسف الصديق عليهما السلام دخل مصر فى السنة السابعة عشرة من حكم الملك أبو فيس ملك الهكسوس، ويبدو أن هذه المعلومة كانت مدونة فى كتاب المؤرخ المصري مانيتون الذى أخذ عنه أفريكانوس ولكن ضاع كتاب مانيتون.
كما ذكر المؤرخ زينون كاسيدوفسكى أن عشيرة نبى الله يعقوب عليه السلام قد جاءت إلى مصر مع زحف الهكسوس أو بعد أن أقاموا سيطرتهم فيها وقد استقبلوا استقبالًا عظيمًا لأنهم كانوا أقرباء الهكسوس.
يوسف عليه السلام في الهيروغليفيةوأردف الدكتور ريحان بأن اسم يوسف الصديق "صفنات فعنيح" كما سماه ملك مصر وتعنى "الإله يتكلم هو يعيش" وقد ناقش إشتيندورف الاسم من واقع المصادر المصرية القديمة مؤكدًا أنه مشتق من إسم يوسف بالهيروغليفية "جد- با – نثر – ايو – اف – عنخ" ويعنى الله قال هو سوف يعيش.
يوسف عليه السلام في التوراةوقد ذكر إسم "صفنات فعنيح" فى التوراة "ودعا فرعون اسم يوسف (صفنات فعنيح) وأعطاه أسناث بنت فوطى فارع كاهن أون "عين شمس" زوجة فخرج يوسف على أرض مصر"، وذكر عبد الوهاب المسيرى أن اسم يوسف معناه بالهيروغليفية "بادى با رع" p3 di p3 rc بمعنى الذي وهبه الإله رع
وجاء فى التوراة "وأمّا يوسف فأنزل إلى مصر واشتراه فوطيفار رئيس الشرط رجل مصرى من يد الإسماعيليين الذين انزلوه إلى هناك وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا وكان فى بيت سيده المصرى".
ويرى البعض أن فوطيفار فى اللغة العبرية يقابل "با- دى- با- رع" فى الهيروغليفية ومعناه "الذى وهبه الإله رع" ويعتقد أن هذا الاسم اختصار للاسم الكامل بوتيفارع، وكان فوطيفار مدير الشرطة فى مقاطعة عين شمس وهى مركز العبادة الرئيسى للإله رع منذ بداية التاريخ المصرى القديم حتى نهاية عصر الانتقال الثالث على الأقل لكونه يعيش ويحكم فى أهم مدينة دينية فى مصر وهى أون أو أيونو فى الهيروغليفية، وقد كشف الدكتور عبد العزيز صالح عن صوامع غلال بمدينة أون يحتمل أن تكون الصوامع التي استخدمت لتخزين الغلال