أحمد بن محمد يشهد جلسة «من الصحراء إلى الفضاء»
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
دبي (الاتحاد)
في ختام «منتدى الإعلام العربي»، الذي أقيم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شهد سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، رئيس مجلس دبي للإعلام، جلسة «من الصحراء إلى الفضاء»، والتي استضافت الدكتور سلطان النيادي رائد الفضاء الإماراتي.
وحضر الجلسة معالي محمد بن عبد الله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء، ومنى غانم المري، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام رئيسة نادي دبي للصحافة، ورائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري، وسالم المري مدير مركز محمد بن راشد للفضاء، وعدد من الوزراء والمسؤولين وجمهور كبير.
واستعرض رائد الفضاء سلطان النيادي خلال الجلسة الحوارية التي أدارها الإعلامي محمد سالم في «دبي للإعلام»، تفاصيل مهمته التاريخية «طموح زايد2»، وأهم التجارب التي مر بها على متن محطة الفضاء الدولية خلال 6 أشهر في مهمة تعد الأطول عربياً، بينما تطرق إلى دور عائلته ودعمهم له، وصولاً إلى أهمية قطاع الفضاء الإماراتي وتأثيره عالمياً، كما تحدث عن بداية حلمه أن يكون رائد فضاء، وما هي رسالته للأجيال الجديدة لإعادة أمجاد الحضارة العربية التي لطالما تميزت بثرائها الذي ألهم وأفاد الحضارة الغربية.
في بداية الجلسة، أوضح النيادي أن أهم اللحظات التي لن تفارقه، تلك التي دخل فيها مجال الغلاف الجوي للأرض في طريق عودته بعد انتهاء مهمته بنجاح، داخل المركبة الفضائية «دراجون»، وانعدام الجاذبية، التي كانت مؤشراً لهبوطه وعودته بسلام، فيما اعتبر ذلك أنها لحظة حرجة، خاصة أن درجة الحرارة عند الدخول بالغلاف الجوي تصل حتى 1950 درجة مئوية خارج المركبة، بينما لفت إلى قضائه نحو ساعة داخل المركبة في مياه البحر عند نقطة الهبوط، معتبراً أنه ورغم هذه التحديات إلا أن حصوله طوال 5 سنوات على تدريبات متقدمة، جعلته مؤهلاً للتعامل مع كافة هذه الظروف باحترافية.
وتحدث النيادي عن شعوره بأنه سيكون يوماً رائد فضاء، حيث أفاد أنه كان محظوظاً بكونه عاش في منطقة أم غافة شرق مدينة العين، والتي تتمتع بطبيعة بكر، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، وكان دائماً شغوفاً بمراقبة النجوم والسماء التي ألهمته كثيراً لتحقيق حلمه، مشيراً إلى أن والديه غرسا في نفسه حب العلم والتحدي لتحقيق هدفه.
ولفت النيادي إلى دعم والدته التي أرسلت إليه رسالة خطية في محطة الفضاء الدولية، معتبراً أنها من أعظم الأشياء التي حدثت له خلال مهمته، فيما ألمح إلى أن والدته لم تكن ملمة بالقراءة والكتابة، لكنها وبعد انتهائه من التعليم، بدأت هي تتعلم حتى نجحت في ذلك، وحفظت القرآن الكريم كاملاً.
واستذكر رائد الفضاء سلطان النيادي تلك اللحظات التاريخية التي استقبله فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث أهدى رئيس الدولة العَلَم الذي صاحبه خلال مهمته السير بالفضاء خارج محطة الفضاء الدولية، مؤكداً أن قادة الدولة يعملون بكل قوة لرفعة الوطن وإعلاء شأنه، وأن الفرص التي يتم توفيرها للشباب هي فارقة في حياتهم إذا ما استفادوا منها بالشكل الصحيح، ومن ثمّ رد الجميل.
وأشار النيادي إلى لحظة تقبيل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للعلم الذي أحضره معه من رحلته إلى محطة الفضاء الدولية، والتي شعر حينها فعلاً بأهمية هذا الإنجاز، معتبراً أن هذا الموقف رسالة لكل شباب الوطن، وأن الجميع لديهم الفرصة، فيما يجب عليهم فقط اغتنامها وإنجاز ما يقومون به بنجاح، حتى يحصلوا على تقدير الدولة لهم، وأن هذا الأمر ينطبق على كافة المجالات والقطاعات وليس قطاع الفضاء فقط.
وتطرق سلطان النيادي إلى تحديات اللحظات الأولى عند وصوله إلى محطة الفضاء الدولية، خاصة مع انعدام الجاذبية والبيئة الجديدة التي سيمكث فيها 6 شهور كاملة، حيث ذكر أنه وزميله رائد الفضاء هزاع المنصوري، حصلا على تدريبات محترفة خلال 5 سنوات وأكثر، وأنهما قادران على التعامل مع أي تحديات قد تواجههما، ولذلك فإن اندماجه مع البيئة الجديدة تم بسهولة وخلال مدة زمنية بسيطة.
وأشار سلطان النيادي إلى تقدير العالم للنجاحات الإماراتية في قطاع الفضاء، وأنها استطاعت وخلال فترة زمنية وجيزة، وضع بصمة عالمية كبيرة بفضل مشروعاتها النوعية التي أطلقتها، وتركت مردوداً وأثراً مهماً لدى المجتمع العلمي العالمي.
وأردف النيادي أنه يشتاق للعودة مرة أخرى إلى الفضاء، وهو الأمر الذي تحدث فيه مع سالم المري مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء، حينما عاد من مهمته مؤخراً، حيث قال له يجب أن يعود الإماراتيون مرة أخرى للفضاء قريباً وبالأخص القمر، متطرقاً إلى فريق مهمته «سبيس إكس كرو6» الذين قضى معهم طوال 6 شهور، جمعتهم خلالها وحدة الهدف العلمي والرؤى المشتركة، وأنهم كانوا بمثابة عائلة واحدة.
لقاء
التقى سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، رئيس مجلس دبي للإعلام أمس، رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، حيث هنأه خلال اللقاء على نجاح مهمته التاريخية «طموح زايد2»، أطول مهمة فضائية عربية، مثنياً على هذا الإنجاز الوطني، الذي يعد مبعث فخر لجميع الإماراتيين وللعرب، منوهاً سموه بقدرة شبابنا على صُنع الفارق، خاصة أن حضارتنا العربية لطالما استلهم العالم منها إنجازاته.
واعتبر سموه الإنجاز الذي حققه سلطان النيادي نموذجاً مشرفاً وملهماً لشباب الوطن ورمزاً لطموح أبناء الإمارات، بما لهذه المهمة التاريخية من أثر في تعزيز جهود دولة الإمارات في قطاع الفضاء.
دافع
ختم رائد الفضاء الإماراتي حديثه للجمهور بالقول، إن جملة والده له أن «لكل مجتهد نصيب»، لطالما كانت عالقة في ذهنه طيلة حياته، وأنها بالفعل دافع لتحقيق أي هدف حتى لو كان صعباً ويحمل من العراقيل والتحديات الكثير، وأنه يجب دائماً أن يكون لكل شخص هدف أبعد، يتجاوز هدفه الأساسي، حتى يستطيع إنجاز أحلامه.
صورة
في ختام الجلسة، تم التقاط صورة تذكارية لسمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، رئيس مجلس دبي للإعلام، مع فريق عمل منتدى الإعلام العربي بحضور منى غانم المري وسلطان النيادي وهزاع المنصوري وعدد من حضور الجلسة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أحمد بن محمد منتدى الإعلام العربي دبي محمد بن راشد سلطان النيادي رائد الفضاء الإماراتی محمد بن راشد آل مکتوم محطة الفضاء الدولیة السمو الشیخ محمد بن مجلس دبی للإعلام سلطان النیادی أحمد بن محمد قطاع الفضاء النیادی إلى رئیس الدولة رئیس مجلس
إقرأ أيضاً:
صلاح بن البادية- سيرة رائد الحداثة الروحية في الأغنية السودانية
زهير عثمان
صوتٌ يرقص بين الروح والوطن
في فضاء الأغنية السودانية، حيث تتداخل الألحان الأفريقية مع الإيقاعات العربية، وتنحت الكلماتُ مشاعرَ الشعبِ بين ألمِ الحروبِ وبهجةِ الترابِ، يظلُّ اسم صلاح بن البادية علامةً فارقة. لم يكن مجردَ فنانٍ، بل كان ظاهرةً فنيةً جمعت بين العمقِ الروحيِّ والحداثةِ الفنيةِ، فخلقتْ لنفسها مسارًا خاصًا في ذاكرةِ السودانيين. رحلَ الجسدُ، لكن صوته ما زال يُردِّدُ في الأسماعِ: "سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ".
البدايات: من قرى الجزيرة إلى عرشِ الأغنيةِ
وُلد صلاح بن البادية في منطقة الدبيبة بولاية الجزيرة، حيثُ النيلُ ينسابُ بين الحقولِ الخضراءِ، وحيثُ تُورِقُ الأغاني الشعبيةُ كأشجارِ الطلحِ. نشأ في بيئةٍ تتنفسُ التصوفَ والمدائحَ النبويةَ، فتعلَّمَ من تراتيلِ الزوايا والصوفيةِ كيف تكون الموسيقى صلاةً. انتقلَ إلى أم درمان ليكملَ تعليمَه، وهناكَ بدأتْ موهبتهُ تتفجرُ بين جدرانِ المدارسِ والأحياءِ الشعبيةِ.
في ستينيات القرن الماضي، خطا أولى خطواته الفنية، حاملًا معه روحَ الريفِ السودانيِّ ونبضَ المدينةِ. لم يكن صوته مجردَ آلةٍ موسيقيةٍ، بل كان جسرًا بين التراثِ والحداثةِ، بين الفصحى والعاميةِ، بين الصوفيةِ والعاطفةِ الإنسانيةِ.
"سال من شعرها الذهب": حين يُولد اللحنُ من إيقاعِ القطارِ
لا يمكن ذكر صلاح بن البادية دون التوقف عند تحفته الخالدة "سال من شعرها الذهب"، التي كتبها الشاعرُ أبو آمنة حامد بلغةٍ فصيحةٍ نادرةٍ في الأغنية السودانية، ولحنها الموسيقارُ عبد اللطيف خضر الحاوي (ود الحاوي).
القصةُ التي حيكت حول اللحنِ تُجسِّدُ سحرَ الإبداعِ: في رحلةٍ بالقطارِ من بورتسودان إلى الخرطوم، استوحى ود الحاوي الإيقاعَ من دندنةِ عجلاتِ القطارِ، فسجلَّ اللحنَ على عجلٍ في منزل بن البادية فجرًا، خوفًا من أن يطيرَ الإلهامُ مع أولِ خيطِ شمسٍ.
الأغنيةُ، التي غناها بن البادية بصوتهِ الجهوريِّ الممزوجِ بالحنينِ، تحولت إلى أيقونةٍ. كلماتُها تصفُ جمالَ المرأةِ بلغةٍ شعريةٍ مدهشةٍ:
"سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ
كلما عبثتْ به نسمةٌ... ماجَ واضطربُ".
لكنها أيضًا كانت قصيدةً في حبِّ السودانِ، حيثُ الذهبُ رمزٌ لثراءِ الأرضِ، والنسيمُ إشارةٌ إلى شوقِ المغتربين.
الحداثة الروحية: حين يصيرُ الغناءُ ابتهالًا
تميز بن البادية بقدرتهِ على تحويلِ الأغنيةِ العاطفيةِ إلى تجربةٍ روحيةٍ. في أعمالٍ مثل "يا زهرة الروض الظليل" و"وا أسفاي"، مزجَ بين الغناءِ الصوفيِ والعاطفةِ الإنسانيةِ، فكان صوتهُ يُشبهُ الدعاءَ.
أسلوبُه اعتمد على:
الانتقاء الشعري الراقي: تعاون مع شعراء كبار مثل أبو آمنة حامد والتجاني حاج موسى، واختار قصائدَ تحملُ طبقاتٍ من المعنى.
التلحين الهادئ العميق: فضلَ الألحانَ التي تتنفسُ برويةٍ، كأنها تيارٌ نهرِيٌّ يلامسُ الشواطئَ.
الأداء المسرحيِّ الوقور: على المسرح، كان يرتدي الجلبابَ الأبيضَ، ويحركُ يديهِ كأنه يُناجي السماءَ.
أغنياتٌ صارت عيونًا: بصماتٌ لا تُنسى
من أبرز أعماله التي شكلت "عيون الأغنية السودانية":
"ليالي الخير": احتفاليةٌ بالأملِ، لحنٌ يرقصُ بين الفرحِ والطمأنينةِ.
"كسلا": قصيدةٌ في حبِّ المدينةِ، غناها وكأنها معشوقةٌ تستحقُ التمجيدَ.
"ردي النضارة": حوارٌ مع الذاتِ عن فقدانِ البراءةِ في زمنِ الحربِ.
في كلِّ أغنيةٍ، كان بن البادية يحفرُ في الذاكرةِ الجمعيةِ للسودانيينَ، ليتركَ نقشًا يقولُ: "هنا مرَّ فنانٌ رأى الجمالَ حتى في جراحِ الوطنِ".
الجدلُ الفنيُّ: عندما اختلفَ العمالقةُ
أثارتْ أغنيةُ "سال من شعرها الذهب" غضبَ الفنانِ الكبيرِ إبراهيم عوض، الذي اعتبر أن ود الحاوي كان يجب أن يمنحَ اللحنَ لهُ بعد تعاونهما الناجحِ في أغانٍ مثل "المصير". لكن التاريخَ أثبتَ أن اختيارَ ود الحاوي لبن البادية كانَ صائبًا، فقد حوّلَ الصوتُ القويُّ والروحُ التأمليةُ الأغنيةَ إلى تحفةٍ خالدةٍ.
الإرثُ: ما بعد الرحيلِ
رحل صلاح بن البادية تاركًا وراءه إرثًا غنائيًا يُدرسُ في كلياتِ الموسيقى، وصوتًا ما زالَ يُعيدُ للسودانيينَ ذكرياتِ زمنٍ كان الفنُّ فيهِ رسالةً وليسَ سلعةً. اليومَ، تُعيدُ الأجيالُ الجديدةُ اكتشافَ أغانيهِ، لا كتراثٍ فحسب، بل كدليلٍ على أن الفنَّ الحقيقيَّ لا يموتُ.
في زمنِ الانقساماتِ، يظلُّ بن البادية رمزًا لوحدةِ السودانِ الثقافيةِ، حيثُ لا فرقَ بين شمالٍ وجنوبٍ، إلا في تنوعِ الإيقاعاتِ التي تجتمعُ تحتَ سماءِ أغانيهِ.
النغمةُ التي صارتْ ترابًا
عندما يُذكر صلاح بن البادية، يُذكر السودانُ بكلِّ تناقضاتِه: جمالُ الأرضِ وقسوةُ الحروبِ، غنى الثقافةِ وفقرُ السياسةِ. كانَ صوتُه مرآةً لهذا التناقضِ، لكنه اختارَ أن يُغني للجمالِ رغمَ الجراحِ. اليومَ، وبعد رحيلِه، صارتْ أغانيهِ جزءًا من ترابِ السودانِ، تُنبِتُ كلما مرَّ عليها مطرُ الذاكرةِ.
رحم الله صلاح بن البادية، فقد كان نغمةً صادقةً في سماءِ الفنِّ السودانيِّ.
zuhair.osman@aol.com