الزلازل.. وزحزحة القارات
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
الفاهم محمد
تحت هذا الركام المكسور
هذه الأطراف المتناثرة
مائة ألف بائس تلتهمهم الأرض
دامين، ممزقين، يخفقون
مدفونين تحت أسطح منازلهم
ينهون أيامهم البائسة دون مساعدة
في هول المعاناة.
هذا ما كتبه فولتير في قصيدة رثاء عن زلزال لشبونة سنة 1755، فعندما تهتز الأرض كي تبتلع أبناءها، لا يسع الإنسان إلا أن يتساءل: أي معنى يمكن أن نمنحه لمكابدات الحياة؟
منذ قديم الزمان، ظل الإنسان يحاول دائماً أن يفهم هذه الظواهر التي تستعصي على الفهم، والتي تعبر عن تحديات الطبيعة: براكين، أعاصير، فيضانات، زلازل.
فيجنر ونظرية زحزحة القارات
لنقل باختصار: إن أقدام الإنسان لا توجد تحتها أرض ثابتة مستقرة. فعلم الجيولوجيا يخبرنا بأن القشرة الأرضية تهتز نتيجة الضغط الذي يمارس عليها من الداخل، فتتمزق الصدوع أو ما يسمى بلغة متخصصة الصفائح التكتونية، التي تصطدم وتنزلق فوق بعضها بعضاً، وهذا ما يجعل الأرض تميد في نهاية المطاف غير آبهة بمن يقف فوقها.
كانت هذه هي نظرية عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد فيجنر، التي عرضها في كتابه: «أصل القارات والمحيطات»، حيث رأى أن القارات تقع فوق صفائح تتحرك باستمرار. وأطلق فيجنر على هذه الظاهرة مصطلح «الانجراف القاري» أو زحزحة القارات. ومعناه أن القارات ليست ثابتة في مواقعها، بل هي تتحرك إما بالتباعد أو التقارب، مستشهداً على صحة نظريته، بالتشابه الذي يوجد بين حوافها. فالقارات جميعها في اعتقاده كانت تشكل يوماً ما كتلة واحدة.
وقد لقيت هذه النظرية العديد من الاعتراضات، حيث جرت السخرية والتشكيك في صحتها أحياناً. واعتبر بعض العلماء أن ألفريد فيجنر، المتخصص في الأرصاد الجوية، يريد أن يسقط حركة السماء على حركة الأرض. إلا أن النظرية تم تأكيدها اليوم، بفضل القياس الدقيق للانجراف القاري، بوساطة نظام تحديد المواقع العالمي GPS.
وهكذا كما هي السحب تسير شاردة فوق رؤوسنا، تتحرك وتترجرج الأرض أيضاً بدورها تحت أقدامنا.
محدودية الإنسان وضعفه
ومن بين أغلب الأخطار التي قد تهدد بها الطبيعة الإنسان تعتبر الزلازل الأكثر رعباً، لعدة أسباب نذكر من بينها كونها تتوعده، في المكان الذي يعتقد أنه موثوق وآمن: الأرض التي يقف عليها، والبيوت التي تؤويه. إضافة إلى أنها تأتي دائماً دون سابق إندار، وبدون أية أعراض مسبقة. وما دام هذا الحدث لا يزال إلى حد الآن على الأقل مفاجئاً وغير قابل للتوقع، فإن ردود أفعال الناس اتجاهه تكون غالباً ضعيفة للغاية.
ومن المؤكد أن الحيوانات والطيور تمتلك القدرة على استشعار قدوم الزلازل. مما يمكنها من الهرب، باستثناء الإنسان، الذي يظهر أمام هذا التحدي كما لو أنه من بين كل الكائنات الأكثر هشاشة وضعفاً. والشيء الوحيد الذي نتمكن من قياسه هو الفاقد الذي ينتج عنه. ففي اللحظات الهادئة التي يكون فيها الإنسان مستكيناً في حضن الحياة، مستسلماً لوداعة العيش، قد تأتي الزلازل كي تضرب على حين غرة، محدثة حالة من الخراب والدمار. أصوات تستغيث وأنين خافت، يأتي من تحت ركام الأتربة، والخرسانة المتهالكة. آنذاك يصبح الضحايا عبارة عن أجساد طرية سحقتها الحجارة، وقد استسلمت للنزع الأخير. أخبار ذات صلة مؤتمر اللغة العربية واللسانيات التطبيقية ينطلق في أبوظبي توقيع كتاب «محمد بن زايد آل نهيان.. إضاءات في مسيرة رجل الإنسانية»
الفلاسفة وزلزال لشبونة
كان زلزال لشبونة هو أول زلزال شكل في التاريخ الحديث، ليس فقط اهتزازاً في الأرض، ولكن أيضاً صدمة في الفكر الفلسفي الأوروبي. لقد حطم هذا الزلزال الاعتقاد الراسخ في الفلسفة الأنوارية، حول التفاؤل بمستقبل الجنس البشري، الذي يتحكم في وضعه، ويتجه بخطى حثيثة نحو مستقبل مشرق.
وقع الحدث بشكل متزامن مع عيد مسيحي كبير هو عيد القديسين، حيث دمر تماماً عاصمة البرتغال، وجعل الكنائس تنهار فوق الرؤوس، كما أودى بالآلاف من الضحايا. والعديد من الفلاسفة جعلوه موضوعاً للتأمل الفكري. نجد ذلك على سبيل المثال لدى جان جاك روسو الذي حاول فهم ظاهرة الشر والدمار الذي تحدثه الزلازل، باعتباره من مسؤولية الإنسان. حيث قال: أريد أن «أوضح للبشر كيف يخلقون مصائبهم، وبالتالي كيف يمكنهم تجنبها». فالطبيعة في نظر روسو لم تقم بتكديس المنازل في لشبونة في رقعة محدودة من الأرض، وربما لو كانت تلك الأبنية متباعدة عن بعضها بعضاً لتم تجنب هذه الأضرار، أو على الأقل التخفيف منها.
وهكذا فالشر بالنسبة لروسو ظاهرة أخلاقية، يمكن تدبير أمرها بإيجاد إصلاحات وتعاقدات اجتماعية. كما أن على الإنسان أيضاً أن يتعلم كيف يعيش في انسجام مع الطبيعة، بدل توهم التعالي والسيطرة عليها. فضد النظرة التشاؤمية عند فولتير، يرى روسو أن الحياة تستحق أن تعاش، وأن من الأفضل أن نكون موجودين على أن لا نكون موجودين!
أما ليبنتز فقد رأى ضمن نظريته التيوديسية Théodicée أن الطبيعة عندما تصب علينا جام غضبها، فإن هذا الشر قد يكون أحياناً ظاهرة ضرورية لتحقيق الخير الأسمى! فنحن نعيش إذن في عالم تم خلقه وحساب كل شيء فيه بدقة متناهية، وبالتالي فالعالم الذي نعيش فيه، مهما كانت أحواله يظل أفضل العوالم الممكنة. وقد شكلت هذه النظرية جوهر الرؤية التفاؤلية التي ستهيمن على أغلب فلاسفة الأنوار.
أفضل العوالم
وضد هذه المواقف الفلسفية المتفائلة، سيقف فولتير بكتابه الساخر «كانديد» منتقداً أطروحة ليبنتز حول أفضل العوالم. وحول الاعتقاد بأن كل شيء مرتب. ففي نظر فولتير ليس هناك أي مبرر يمكننا أن نستند إليه لتفسير الخراب الذي أحدثه الزلزال، وبالتالي سيظل عقل الإنسان عاجزاً عن اكتشاف كُنه هذا الشر الذي يسكن أحياناً في الطبيعة الصامتة.وبتزامن مع هذا الحدث سيكتب فولتير القصيدة آنفة الذكر التي تبلغ 700 بيت موجهاً سهام نقده للفلاسفة الذين يعتقدون أن «كل شيء على ما يرام»:
تعالوا هنا وشاهدوا الآثار الرهيبة
الركام والبقايا، وأكوام الرماد تشهد على البؤس
النساء والأطفال مستلقون بعضهم فوق بعض.
وعلى رغم الدمار الذي قد تحدثه الزلازل، تظل دائماً ظاهرة طبيعية لها وجهها الإيجابي أحياناً: إخراج المعادن المخزنة في باطن الأرض، وشق الأنهار والشلالات، وإحداث مرتفعات جديدة... ولكل هذه الاعتبارات قد يصبح الخراب المرافق للزلازل «شراً ملطفاً» في بعض الأحيان إذا ما قورن بالهلاك الذي قد يحدثه الإنسان بفعل «الشر المحض» الذي قد تجنيه يداه، مثل قنبلة هيروشيما، وأوشفيتز وأفران الغاز النازية، والإرهاب وأحداث الحادي عشر من سبتمبر... وعلى رغم أن الزلازل تكشف لنا هشاشة الوضع البشري ووهَنه، وتذكّرنا بعجزنا أمام بعض قوى الطبيعة الجبارة، إلا أنها تنبهنا أيضاً في الآن ذاته، إلى أن علينا الرهان على تحسين القدرة المعرفية والعلمية للإنسان. وتجنب بعض الأخطاء البشرية في التمدُّن. وتطوير معايير السلامة وتقنيات الإنقاذ والإغاثة. وأخيراً استنهاض الجانب الإنساني المتمثل في قيم التضامن والتآزر بين الناس.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
صدفة عجيبة لمبابي تجمع بين نهائي المونديال وكأس القارات
قطر – شهدت مواجهة ريال مدريد أمام باتشوكا المكسيكي بنهائي كأس القارات للأندية مصادفة عجيبة ربما لا تحدث إلا مرة واحدة بالعمر، كان بطلها النجم الفرنسي كيليان مبابي مهاجم “الملكي”.
وافتتح كيليان التسجيل لريال مدريد في فوزه العريض على باتشوكا 3-0، على ستاد لوسيل بالعاصمة القطرية الدوحة، ليساهم في تتويج فريقه بلقب كأس القارات للأندية “إنتركونتيننتال 2024”.
وسلطت صحيفة “ماركا” الإسبانية الضوء على صدفة غريبة، حيث سجل مبابي اليوم في تمام السادسة و37 دقيقة بتوقيت إسبانيا، وهي نفس الدقيقة التي سجل فيها النجم الفرنسي الهدف الثالث لمنتخب بلاده على نفس الملعب “ستاد لوسيل” وبالتزامن مع نفس اليوم “18 ديسمبر”، لكن كان ذلك قبل عامين في شباك الأرجنتين، والذي أدى إلى التمديد وركلات الترجيح، انتهت بخسارة فرنسا.
الهدف جاء في الدقيقة 118 من الوقت الإضافي وكان بمثابة التعادل المنقذ (في ذلك الوقت) للمنتخب الفرنسي وسجل من ركلة جزاء”.
واختتمت الصحيفة: “مصادفة مذهلة ولكن بنهاية مختلفة: في ذلك اليوم خسر كيليان النهائي، أما اليوم فقد فاز بسهولة ضد باتشوكا المكسيكي”.
يذكر أن ريال مدريد توج ببطولة كأس القارات للأندية للمرة الرابعة في تاريخه.
المصدر: صحيفة “ماركا” الإسبانية