صناعة كرات الكريكيت الجلدية في مواجهة قدسية الأبقار في الهند
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
يرفض كثير من الهندوس، الذين يشكّلون غالبية سكان الهند، صناعة كرات الكريكيت بجلود الأبقار، وهي مهنة بونتي ساغار، نظراً إلى كونهم يعتبرون هذه الحيوانات مقدّسة.
نظراً إلى القدسية التي تُعطى للأبقار من جانب فئة كبيرة من الهندوس، يتولى تنفيذ مهنة ساغار أشخاص لا يمانعون في العمل بالجلود، مقابل أجر زهيد ومن دون أي تقدير، بل على العكس تماماً.اعلان
ويتلقى العاملون في هذا النشاط الرتيب والمتكرر، تهديدات منتظمة من جانب القائمين على حملات لحماية الأبقار، يطلقها نشطاء هندوس، يسعون إلى حظر ذبح هذه الحيوانات المجترة.
طاردت حلمها ولم تيأس.. هندية تبلغ 92 عامًا تتعلم القراءة والكتابةفي بادئ الأمر، تابع ساغار البالغ 32 عاماً، تحصيلاً علمياً لكي لا ينتهي به الأمر في امتهان صنع الجلديات، وظيفة والده، لكن بعد وفاة الأخير في سن مبكرة، اضطر نجله إلى مواصلة المهنة لإعالة عائلته.
ويوضح هذا الهندوسي لوكالة فرانس برس، وهو يتصبب عرقاً في ورشة صغيرة خانقة، إلى جانب ستة عمال آخرين يشكّلون الجلد حول قلب من الفلين لكرات الكريكيت: "لا أشعر بأي شيء سلبي تجاه عملي".
ويظهر ساغار ولعاً كبيراً برياضة الكريكيت، على غرار الملايين من مواطنيه، لكنّ سجل الطلبات الضخم لشركة "راجندرا سبورتس" التي يعمل فيها لن يترك له وقت فراغ، لمشاهدة بث مباريات كأس العالم للكريكيت، التي ستستضيفها الهند من 5 تشرين الأول/أكتوبر حتى 19 تشرين الثاني/نوفمبر.
الأزمة الدبلوماسية بين الهند وكندا تتصاعد.. نيودلهي تعلق منح تأشيرات الدخول للكنديينويشرح ساغار فكرته قائلاً: "أحب مشاهدة لعبة الكريكيت، لكننا مشغولون للغاية، فأنا أعمل ثماني ساعات يومياً، سبعة أيام في الأسبوع...عملي يوفر انتظام الوضع في أسرتي".
وتُصنع جميع كرات الكريكيت الهندية تقريباً يدوياً بعناية في ولاية أوتار براديش، في ميروت، مسقط رأس ساغار، والتي لا تبعد كثيراً عن نيودلهي.
ويعتمد اقتصاد المدينة بشكل كامل تقريباً على إنتاج كرات الكريكيت، مع ما يقرب من 350 شركة، بحسب أرقام حكومية.
وتحتل شركة "سانباراي غرينلاندز" (Sanspareils Greenlands) موقعاً ريادياً في السوق، في مجال تصنيع الكرات المخصصة لبطولات الكريكيت المحلية في الهند، ويعتمد نجاحها على العمالة الوفيرة والرخيصة، ما يجنّب الاعتماد المتزايد على الآلات، كما الحال في بلدان أخرى.
ترودو يدعو الهند إلى التعاون في التحقيق حول مقتل زعيم للسيخ في كنداوقال صاحب الشركة بهوبندر سينغ لوكالة فرانس برس: "إن اليد العاملة هي التي توصل عملية تصنيع الكرة برمتها إلى نتيجة جميلة".
هذا العمل مخصص تقليدياً لأعضاء فئة جاتاف، في أدنى درجات النظام الطبقي المتوارث منذ قرون في الهند، والمكون من مجموعات وراثية وهرمية تعتمد على التزاوج اللحمي (الزواج بين أشخاص مرتبطين برابط الدم حصراً).
أقل من 6% من الهنود تزوجوا من خارج طبقتهم، بحسب آخر تعداد عام 2011.
وفئة جاتاف جزء من طائفة الداليت في الهند البالغ عددها 200 مليون نسمة، والذين كانوا يطلق عليهم ذات يوم اسم "المنبوذين".
فرص عمل محدودة
حُظر هذا المعيار التمييزي في عام 1950 من جانب مؤلف الدستور الهندي، بي آر أمبيدكار، وهو محام دافع عن حقوق مواطنيه الداليت.
وتزين صور أمبيدكار، الذي يكنّ له ساغار تقديراً كبيراً، جدران الكثير من ورش العمل في ميروت. لكنّ قلة من هؤلاء العمال يريدون أن يرث أطفالهم عنهم هذا العمل.
لكنّ معدل البطالة المرتفع في ميروت، أجبر أعضاء الطوائف الأعلى قليلاً على الانخراط في هذا النشاط، الذي اعتُبر لفترة طويلة "غير نقي".
كانت ميروت مركزاً مهماً لإنتاج السلع الرياضية الهندية، منذ تقسيم الهند البريطانية الذي أدى إلى استقلال الهند وباكستان في عام 1947، ويؤكد سينغ أن "الناس بحاجة إلى الدخل، خصوصاً وأن فرص العمل محدودة في هذه المنطقة".
كندا تطرد دبلوماسياً هندياً بعد اغتيال زعيم سيخي يحمل جنسيتها.. والهند تردّ: "اتهامات عبثية"وكان سينغ يأمل في توسيع نطاق أعماله، التي بدأها جده، لكن منذ وصول الحكومة القومية الهندوسية برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة، سعى الهندوس المتطرفون إلى حظر ذبح المواشي، وهو نشاط تهيمن عليه الأقلية المسلمة في الهند.
اعلانوكانت لحملاتهم في بعض الأحيان عواقب دموية. فقد أُعدم مسلمون للاشتباه في تورطهم في تجارة لحوم البقر على يد حشود من الهندوس الغاضبين، بما في ذلك في ميروت.
وقفز سعر الجلود المدبوغة، التي أصبح توريدها صعباً، بنسبة 50% العام الماضي. ونتيجة لذلك، تحول البعض إلى جلود الجاموس والثيران.
يحرص أشيش ماتا، تاجر السلع الرياضية بالجملة في ميروت، على الإشارة إلى أن منتجاته ليست مصنوعة من جلد البقر، لكنّه يلفت إلى أن قطاع صناعة السلع الجلدية في البلاد لا يلتزم بهذا المحظور، ويقول: "يُستخدم الجلد في صناعة الكثير من المنتجات: الأحذية، والأحزمة، والحقائب، والمحافظ، وحتى كرات الكريكيت، لذلك لا أرى مشكلة".
المصادر الإضافية • أ ف ب
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية أوكرانيا ستقاطع مسابقات "ويفا" عقب السماح للفرق الروسية ما دون 17 عاما بالمشاركة شاهد: كتّاب السيناريو يستأنفون عملهم بعد الاتفاق مع استوديوهات هوليوود طاردت حلمها ولم تيأس.. هندية تبلغ 92 عامًا تتعلم القراءة والكتابة قطاع الخدمات ديانة الهند اعلانالاكثر قراءة خمسة أدوية لا يجب تناولها عند احتساء القهوة..تعرّف عليها سجال وتبادل اتهامات بين المغرب والجزائر في الأمم المتحدة حول الصحراء الغربية هكذا تعيد الصين في مدرسة داخلية تأهيل المراهقين المدمنين على الشاشات مسؤول تنفيذي في الخطوط الجوية القطرية: "الفحوصات المهبلية في المطار حدثت مرة واحدة" إسرائيل ستستفيد من برنامج اعفاءات من تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة (مسؤول أميركي) اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next شاهد: الوداع الأخير لضحايا الحريق المفجع في مدينة قرقوش العراقية يعرض الآن Next مدفيدف يزور شرق أوكرانيا والجيش الروسي جنّد 325 ألف شخص منذ بداية العام يعرض الآن Next هذا ما ينتظر المهاجرين غير النظاميين: افتتاح أول مركز للاحتجاز في إيطاليا تمهيدا للإبعاد يعرض الآن Next صور أقمار صناعية| ثلث سكان ناغورني قره باغ يفرون نحو أرمينيا يعرض الآن Next هكذا تعيد الصين في مدرسة داخلية تأهيل المراهقين المدمنين على الشاشات LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم البيئة أرمينيا الاتحاد الأوروبي العراق إيطاليا لاجئون ناغورني قره باغ حريق رياضة أذربيجان الحرب الروسية الأوكرانية Themes My Europeالعالممال وأعمالرياضةGreenNextسفرثقافةفيديوبرامج Servicesمباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Games Job offers from Jobbio عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعونا النشرة الإخبارية Copyright © euronews 2023 - العربية EnglishFrançaisDeutschItalianoEspañolPortuguêsРусскийTürkçeΕλληνικάMagyarفارسیالعربيةShqipRomânăქართულიбългарскиSrpskiLoaderSearch أهم الأخبار البيئة أرمينيا الاتحاد الأوروبي العراق إيطاليا لاجئون My Europe العالم مال وأعمال رياضة Green Next سفر ثقافة فيديو كل البرامج Here we grow: Spain Discover Türkiye Algeria Tomorrow From Qatar أزمة المناخ Destination Dubai Angola 360 Explore Azerbaijan مباشرالنشرة الإخباريةAll viewsنشرة الأخبارجدول زمني الطقسGames English Français Deutsch Italiano Español Português Русский Türkçe Ελληνικά Magyar فارسی العربية Shqip Română ქართული български Srpskiالمصدر: euronews
كلمات دلالية: قطاع الخدمات ديانة الهند البيئة أرمينيا الاتحاد الأوروبي العراق إيطاليا لاجئون ناغورني قره باغ حريق رياضة أذربيجان الحرب الروسية الأوكرانية البيئة أرمينيا الاتحاد الأوروبي العراق إيطاليا لاجئون یعرض الآن Next فی الهند
إقرأ أيضاً:
هل يدفع ترامب الصين والهند إلى الاتفاق المستحيل؟
رغم أن الصين والهند قد جمعتهما المشاركة في تأسيس مجموعة "بريكس" (BRICS)، عام 2009، والتي يُنظر لها منذ ذلك التاريخ بوصفها تحالفا يسعى لكسر الهيمنة الأميركية والغربية وتحقيق التعددية في بنية النظام العالمي سياسيا واقتصاديا، فإن ذلك لم يضع حدا لتاريخ طويل من العلاقات المتوترة بين البلدين اللتين يسكنهما حوالي 35% من سكان العالم.
فثمة صراع جيوسياسي محتدم يدور بين البلدين على النفوذ في جنوب آسيا، حتى بات سؤال التقارب مع الصين أو الهند يرسم أهم خطوط التنافس السياسي الداخلي في دول المنطقة، ويجعلها محل تجاذب واستقطاب بين البلدين الكبيرين ومشروعاتهما السياسية والأمنية. فضلا عن نزاع حدودي استمر منذ ستينيات القرن الماضي، وصل إلى حد التصادم العسكري بين البلدين في عدة محطات، وظل طوال هذه العقود يهدد دائما بإمكانية نشوب حرب واسعة بينهما. ولكن مؤخرا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن البلدان بشكل متزامن عن اتفاق لحل أزمة النزاع الحدودي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الصين وأميركا في 2025 والصراع الذي قد يغير شكل العالمlist 2 of 2هل تقبل بكين أن تعوّض خسائر الغاز الروسي؟end of listجاء هذا الاتفاق قبل وقت قليل من دخول الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، للبيت الأبيض، المرتقب في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، وفي ظل تعهداته بفرض تعريفات جمركية ضخمة تصل إلى 60% على واردات السلع الصينية لبلاده منذرا بحرب تجارية طاحنة بين البلدين في عهده الجديد.
إعلانومع هذه الحرب التجارية المنتظرة ربما يكون توجه الصين لتحسين علاقاتها مع الهند مبررا في إطار سعيها لتأمين أسواق مستقرة مفتوحة لسلعها في سنوات ترامب القادمة، لا سيما أن الصين تُعد الشريك التجاري الأول للهند، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية بينهما 118.4 مليار دولار عام 2023.
وإذا كان هذا هو الدافع الأساسي للصين؛ فلماذا بادرت الهند أيضا بإقرار الاتفاق في هذا التوقيت، رغم إمكانية الانتظار حتى يأتي دونالد ترامب ويضيق الخناق على الصين فتزداد التنازلات الممكنة؟ وهل يمكن أن يؤدي الاتفاق إلى ما هو أبعد من مجرد التقارب المبدئي ويصل إلى مراحل أخرى من تطوير العلاقات في المستقبل؟ وليس ثمة شك في أن إجابة تلك الأسئلة ستكون بالغة الأهمية في فهم ماذا يمكن أن تنطوي عليه السنوات القادمة من تحولات في علاقات القوى الكبرى في العالم.
أطول حدود متنازع عليها في العالم!شهد أغسطس/آب 2023، حدثا جوهريا في مسار النزاع الحدودي بين البلدين، حيث أصدرت الصين نسختها من خريطتها القياسية في هذا العام، وقد ظهرت فيها منطقة أكساي تشين وولاية أروناتشال براديش، الغنية بالموارد الواقعة شمال شرق الهند، بضمن حدود الصين، وهو الأمر الذي احتجت عليه الهند بشدة.
ويرجع تاريخ النزاع على المنطقة إلى عام 1959، حين اقترحت الصين إقامة خط حدودي يُطلَق عليه "خط السيطرة الفعلية"، باعتباره آلية مؤقتة لتسوية الخلاف الحدودي بين الدولتين، لكن ومع مضي 7 عقود لم يجر ترسيم الحدود الصينية الهندية في ظل اختلاف موقف الدولتين بشأن تحديد مكانها وطولها.
حيث تسيطر الصين على 38 ألف كيلومتر مربع من منطقة أكساي تشين، التي تزعم الهند أنها جزء من إقليم لاداخ التابع لها، بينما تصر الصين أنها كانت جزءا من الإمبراطورية الصينية القديمة. كما تقول الصين إن 90 ألف كيلومتر مربع من الأراضي التي تقع حاليا في ولاية "أروناتشال براديش" الهندية هي جزء من التبت، لتكون تلك المنطقة بمثابة أطول حدود متنازع عليها في العالم، بحسب وصف مجموعة الأزمات الدولية.
إعلانوقد تسبب هذا النزاع الحدودي في توترات وصلت إلى حد اندلاع الحرب بين البلدين في ستينيات القرن الـ20، وخلال العقد الأخير تكررت المناوشات المسلحة في المنطقة الحدودية في أعوام 2013 و2014 و2017 و2021 و2020 و2022. كان أخطرها ما حدث في منطقة لاداخ في عام 2020، إذ أسفرت الاشتباكات عن مقتل 20 هنديا و4 صينيين، كما أدت إلى حدوث انتكاسة كبيرة في العلاقات بين الدولتين، فقيدت الهند تدفق الاستثمارات الصينية، وحظرت في بلادها أكثر من 250 تطبيقا طورته شركات صينية، ورفعت الضرائب بشكل كبير على شركات الاتصالات الصينية، وطردت الصحافيين الصينيين، وقد ردّت الصين بالمثل، وجرى تعليق الرحلات الجوية المباشرة للركاب بين البلدين.
وقد حدث هذا على الرغم من أن البلدين كانا قد اتفقا عام 1988 على التفاوض لإنهاء النزاع بالطرق السلمية وفصل هذه القضية عن العلاقات الثنائية بينهما، ولكن استمرت الدوريات التي يقوم بها كلا الجيشين فيما يرى أنها مناطق تابعة له تؤدي إلى مناوشات متكررة، كما أن صعود الصين الكبير خاصة مع مطلع القرن الـ21 قد لعب دوره في تشجيعها على ممارسة ما تعتقد أنه سيادتها بشكل أوضح في تلك المناطق.
لكن شيئا ما قد تغير بشدة في الشهور الأخيرة، لينتج عنه انفراجة وتطور ملحوظ في العلاقات السياسية بين البلدين، فجاء اتفاق أكتوبر/تشرين الأول ليمنح الهند القدرة مرة أخرى على تسيير دورياتها على طول الحدود المتنازع عليها، ضمن دوريات مشتركة من البلدين، وستنسحب على إثر ذلك آلاف القوات الهندية والصينية المنتشرة في مواقع متقدمة على الحدود، ومن ثم يعود المشهد إلى ما كان عليه قبل نزاع عام 2020.
خريطة الصين (الجزيرة)إضافة إلى هذا؛ كان الاجتماع الودي الثنائي الذي جمع بين رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، والرئيس الصيني، شي جين بينغ، لأول مرة منذ 5 سنوات، أثناء انعقاد قمة البريكس في قازان بروسيا بعد يومين من الاتفاق. وقد قال مودي على حسابه على موقع "إكس" بعد الاجتماع إن العلاقات بين الصين والهند مهمة لشعبي البلدين ولتحقيق السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، وإن الثقة المتبادلة والاحترام المتبادل سيوجهان العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد دفع هذا الاجتماع صحيفة الإيكونوميست البريطانية للتعقيب عليه بالقول إن "شي جين بينغ ومودي قد أصبحا صديقين".
إعلانوإن كان واقع الأمر يفيد بأن كلمة صديقين كانت أكبر مما حدث، فإن الدولتين على الأقل قد وجدتا طريقا مبدئيا لتحسين علاقتيهما.
وسرعان ما بدأ المسؤولون الصينيون يعربون أيضا عن أمنياتهم في أن يصلح الاتفاق سريعا ما تضرر في السنوات الماضية، بحيث تُستأنف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، وتُخفَّف القيود المفروضة على تأشيرات المواطنين الصينيين المسافرين للهند، وأن يُرفع الحظر المفروض على التطبيقات الصينية، وتعود العلاقات الثقافية ويعود الصحافيون الصينيون للعمل في الهند.
ومع ذلك؛ فإن هذا الاتفاق لا يُرجح أن يؤدي للتوصل إلى حل نهائي للأزمة الحدودية التي بلغت عمرا مديدا، وإنما أقصى ما يمكن أن يؤدي إليه هو سحب الصراع عدة سنوات للوراء ليعود إلى ما قبل اندلاع أزمة عام 2020.
دوافع متباينةبالنسبة للصين؛ فإن دوافع الإسراع في الاتفاق تبدو مُتفهمة تماما. حيث تمثل الصادرات الصينية المتجهة للولايات المتحدة الأميركية حوالي 15% من إجمالي الصادرات الصينية بحسب بيانات عام 2023 وفقا لـ"يورو نيوز"، وفي ظل وعود ترامب بفرض التعريفات الجمركية فإن حصيلة هذه الصادرات مهددة تماما بالتوقف، ولذا يبدو أن الصين تهيئ لنفسها أسواقا أخرى بديلة، وفي سبيل ذلك تسعى لتهدئة صراعاتها الأقل أولوية حتى تستعد لمواجهة الحرب التجارية الأميركية المحتملة.
وفي سياق أوسع؛ فإن الاقتصاد الصيني الذي لا يزال يعاني من تداعيات أزمة فيروس كورونا بات في وضع يجعله في أمسّ الحاجة للأسواق وفرص الاستثمار الجديدة، إذ يواجه عدة مشكلات معقدة ومزمنة أبرزها تباطؤ الاقتصاد المحلي وانهيار أسعار العقارات في السنوات الأخيرة، بالإضافة لمشكلة القيود المفروضة على السلع الصينية في الغرب، بحسب شركة النشرات الاستخبارية الدولية "جيوبوليتكال مونيتور".
أما من جانب الهند؛ فإن دوافعها المحتملة متنوعة ولكن يعود أغلبها إلى "الاقتصاد" أيضا، فالحدود المستقرة وتحييد جبهة الصين، ولو مؤقتا، سيعطي للهند الفرصة لتكثيف جهودها على مواجهة تحدياتها الاقتصادية. وبحسب مجلة فورين بوليسي الأميركية؛ فإن الهند تحتاج بشدة إلى المنتجات الصينية مثل المعادن والمكونات الصيدلانية والآلات والأجهزة الكهربائية، إذ تعد الصين أكبر مصدر للسلع الصناعية والمواد الخام للهند.
إعلانوقد ظهرت مؤشرات تفيد بأن مجتمع رجال الأعمال الهندي ومنهم على سبيل المثال تكتل الشركات الهندية متعددة الجنسيات (مجموعة أداني)، كان قد مارس ضغوطا هائلة على مودي لدفعه للتصالح مع الصين، وما يتبع ذلك من رفع القيود التي فُرضت بعد نزاع عام 2020 على الاستثمارات والتأشيرات، فالشركات الهندية وخاصة العاملة في القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا الصينية تنظر دائما للاستثمارات والشراكات الصينية باعتبارها ضرورية لتوسيع القطاع التصنيعي في الهند.
وهنا تكمن المفارقة؛ إذ إن جزءا من مجتمع الأعمال الهندي يحتاج للعلاقات الاقتصادية القوية مع الصين كي يوفر الوسائل اللازمة لتوسيع أعماله التي سوف تؤهله فيما بعد لاستغلال الحرب التجارية المتوقعة ضد الصين من جانب الولايات المتحدة الأميركية، فيحتل هو الموقع الشاغر المتوقع أن تتركه السلع الصينية بعد رفع التعريفات الجمركية على الصين، في حين تحتاج الصين للعلاقات القوية مع الهند لتوفير سوق آمن لمنتجاتها أثناء الحرب التجارية المتوقعة، في حين يبدو أنه فرصة لكلا الطرفين ولكن في الوقت نفسه محفوفة بالمخاطر.
وإلى جانب الاقتصاد؛ يبدو أيضا أن رئيس الوزراء مودي يسعى لتسويق الاتفاق سياسيا باعتباره انتصارا تاريخيا يحافظ على الحدود الوطنية ويعيد للهند ممارسة مظاهر السيادة على أراضٍ كانت قد حُرمت منها في السنوات الأخيرة، خاصة أن مودي كان يُتهم من طرف المعارضة كثيرا في السنوات الأخيرة بالتفريط في تلك الأراضي لصالح الصين.
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في قمة "بريكس" (رويترز) هل سيصمد التقارب بين الصين والهند؟بحسب معهد بروكينغز الأميركي، فإن الخطابات التي صدرت عن الطرفين بعد التوصل لاتفاق الحدود توضح مدى اختلاف أولويات الصين والهند وتضارب أهدافهما من التصالح والتقارب، فالشيء الوحيد الذي اتفقت عليه بياناتهما، بحسب المعهد، كان فقط تأكيد التوصل لاتفاق بشأن الحدود، أما دلالات الاتفاق وما يمكن أن يُبنى عليه في المستقبل فقد كان محل تباين بينهما.
فقد كانت الخطابات الصادرة عن الهند تؤكد على ضرورة تتويج الاتفاق باتفاق آخر نهائي بشأن الحدود واعتبار أن الالتزام بالاتفاق الجاري هو الأولوية القصوى التي يمكن أن يليها تعاون أوسع مع الصين، في المقابل ركزت الصين في خطاباتها على أن التعاون الواسع مع الهند لا يجب أن تعيقه مسألة الحدود، وأنه "لا ينبغي للخلافات المحدودة أن تعرقل العلاقة الأوسع".
إعلانوثمة اختلاف آخر كبير في إبراز مدى التنسيق السياسي بين البلدين، ففي حين أشارت الهند إلى أن الزعيمين الصيني والهندي قد اتفقا في اجتماعهما على أن العلاقات المستقرة والودية بين بلديهما ستساهم في ترسيخ "عالم متعدد الأقطاب وآسيا متعددة الأقطاب"، تجاهلت الصين عبارة "آسيا متعددة الأقطاب" وذكرت فقط اتفاقهما على ترسيخ "عالم متعدد الأقطاب"، ويمثل هذا واحدا من المشاكل الكبيرة التي تشوب علاقة البلدين، وتسهم في تضارب المصالح على المدى البعيد في الكثير من الأحيان، حيث تُظهر الصين رغبة واضحة في أن تصبح هي وحدها القطب المهيمن في آسيا، وهو ما لا ترضاه الهند.
ويبدو أن المعطيات بالنسبة لصانع القرار الهندي تحمل الكثير من التناقضات في داخلها، فمن ناحية تتخوف الهند بشدة من الطموحات السياسية الصينية في آسيا وتزايد نفوذها في جنوب آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي بالإضافة إلى علاقة الصين شديدة المتانة بباكستان التي وصلت بحسب تعبير أحد المسؤولين الصينيين إلى وصف باكستان باعتبارها بالنسبة للصين أشبه بإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية بحسب مجلة "فورين أفيرز"، كما أن الكثير من المحللين في الهند ينتظرون أن تتربح بلادهم من وراء الحرب التجارية التي سيشنها ترامب في حين يصعد للسلطة، لكن من ناحية أخرى يضغط مجتمع رجال الأعمال في الهند على مودي من أجل التقارب مع الصين للاستفادة من التكنولوجيا والاستثمارات الصينية.
وثمة جانب آخر لا يمكن تجاهله، وهو أن الرؤية الهندية للمستقبل مع ترامب يشوبها بعض من عدم التفاؤل، فذكريات الهند مع ترامب في المرة الأولى لم تكن خالية من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الهندي بسبب سياساته الاقتصادية، إذ كان سجله حافلا بالاحتكاكات التجارية مع نيودلهي بحسب تعبير مجمع تفكير "لوي إنستيتيوت" بسيدني.
إعلانوفي عام 2019 فرض ترامب تعريفات جمركية على الصلب والألومنيوم القادمين من الهند، وألغى المعاملة التفضيلية للهند التي استمرت لعقود بمسوغ أن الهند لم توفر إمكانية الدخول الأميركي لأسواقها بشكل منصف ومعقول، ومن ثم فالهند تنتظر ترامب بعين آملة في الاستفادة من التعريفات على الصين من جهة وعين أخرى متخوفة مما يمكن أن يفعله ترامب هذه المرة مع الهند ذاتها، والذي قد يتضمن الضغط على نيودلهي بقوة لصالح شركات التكنولوجيا الأميركية وهذا يجعلها تفكر في أن حل مشاكلها مع الصين ربما يجعلها في موقف أفضل في حال اضطرت لمواجهة سياسة اقتصادية عدوانية من ترامب.
وعلى جانب آخر، تشير العديد من التحليلات الاقتصادية إلى أن ما ستكسبه الهند من التعريفات الجمركية الضخمة المتوقع فرضها على الصين ربما ستصبح مكاسب قصيرة المدى في حال سمحت الصين بإضعاف قيمة اليوان بشكل كبير أمام الدولار، فضلا عن إمكانية أن يصل ترامب والصين إلى صفقة ما بينهما.
وما يزيد الصورة تعقيدا هو ارتفاع تكاليف المعيشة في الهند مؤخرا بصورة كبيرة، حيث إن التغيرات المناخية قد أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية لمستويات غير مسبوقة، وهذا يزيد الضغوط على الطبقات الفقيرة، التي يُتهم مودي دائما بأنه أهملها لصالح نخبة رجال الأعمال.
في نهاية المطاف، تبدو الصين واضحة بشأن أهدافها فهي تريد تعظيم تعاونها الاقتصادي مع الهند كي تستعد لحرب ترامب التجارية المنتظرة وتريد أن تنحي الخلافات السياسية بعيدا عن عرقلة التعاون الاقتصادي مع نيودلهي، ولكن على الجانب الآخر يبدو أن المعطيات على طاولة صانع القرار في الهند متناقضة بشكل محير. ومن ثم فإن الوجهة النهائية لمحاولات التقارب بين نيودلهي وبكين ستتدخل في حسمها الكثير من العوامل التي ستتشكل خلال الأشهر القادمة، وعلى رأسها الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع نيودلهي.
إعلان