يختزل ذاكرة جمَاعية، ويمتد بعمقه التاريخي إلى الدّولة الموحدية، فصنف ضمن اللائحة الأولية للتراث العالمي لمنظمة “اليونسكو”.

مسجد “تنمل” أو “المسجد الأعظم” الذي غزت صور الدمار الذي لحقه جراء زلزال الحوز صفحات التواصل الاجتماعي، أحدث حسرة لدى المغاربة باعتبار تفرد معماره، وباعتباره مرجعا تاريخيا عريقا، ومَعلمة هندسية فريدة تسكُن أعماق جبال الأطلس الكبير.

انبعاث وسط الأنقاض

قال أبو القاسم الشبري، باحث أثري، ورئيس اللجنة المغربية للمجلس العالمي للمباني التاريخية والمواقع، إن الدمار الذي شهده مسجد “تنمل” كان له “وقع كبير على نفوس المغاربة”.

وأشار الشبري، في لقاء مصور لـ “اليوم 24″، إلى أنه كان في عين المكان، مما جعله يعاين “الدمار الكبير” الذي لحق المسجد، إذ لم تتبق منه إلا أجزاء قليلة، حيث إن نصف المسجد “تعرض للدمار فيما الأسوار التي ما زالت واقفة تعرضت بدورها لشقوق وتصدعات”.

لم ينكر الشبري الصعوبة التي يتواجد عليها المسجد، فهو يحتاج لـ “عمل جبار ينتظر جميع المتدخلين لإعادته إلى وضعه الذي كان عليه”، مستدركا بالقول: “لكن أطمئن المغاربة وأقول إن المسجد سيرجع بإذن الله كما كان”.

واعتبر المتحدث، ما حدث “ضارة نافعة”، فقد أرجع المسجد إلى دائرة اهتمام المغاربة، وفتح لهم صفحة من تاريخهم المجيد، مشيرا إلى أهمية المكان، باعتباره “مهد إحدى أعظم الإمبراطوريات في تاريخ المغرب، فمسجد تنمل شاهد على إمبراطورية الموحدين ومؤسسها المهدي ابن تومرت”.

من جهتها، تحدثت نادية البورقادي، محافظة موقعي أغمات وتينمل الأثريين، في تصريح لـ “اليوم 24″، عن مميزات المسجد الأعظم الذي شيد وفق تصميم دقيق وصارم، فهو مرجع في العمارة الدينية الموحدية، ويتميز بصومعته المتواجدة وراء المحراب.

وأضافت، أنه، وبفضل المسجد، عُرفت المنطقة بالسياحة الثقافية، حين يزورها متخصصون وباحثون في مجالات التاريخ والتراث والمعمار، فالمسجد له “بناية معمارية دينية خاصة”.

ترميم وإعادة الإحياء

أهم ترميم وإعادة بناء تعرض لها المسجد، حسب ما أورده الشبري، هو الذي شهده في التسعينيات من طرف وزارة الثقافة ومؤسسة اقتصادية وطنية، حيث أخرج المسجد من تحت الأنقاض والرّكام، “فهنا بدأت أول عملية ترميم أعادت هذه المعلمة الموحدية للوَاجهة”.

وأشار إلى أن أي عملية ترميم تحتاج إلى عمل جماعي كل وتخصصه، فهناك جوانب تقنية تستدعي تصنيف الحفريات ودراستها، وعمل علمي توثيقي يهم معرفة الجوانب التاريخية من خلال استقراء المصادر التاريخية والفنون، وكذا الدراسات المخبرية التي تعتمد على دراسة المواد المستعملة كالطين والحجر وغيرها.

وفي السياق نفسه، أكد عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، في تصريح لـ “اليوم 24″، أن الأعمال التوثيقية السابقة ستساعد في عملية الترميم، حيث هناك تجارب سابقة ستجعل مسجد “تنمل” يعود كما كان.

وبين المتحدث، دور التكنولوجيا الحديثة، والتصميم الهندسي ثلاثي الأبعاد في إعادة وضع المشاهد الآثرية قبل تجسيدها واقعيا، معبرا، في سياق آخر، عن افتخاره بـ “الخبرة الوطنية داخل المعهد الوطني للتراث والجامعات، وكذا مكانة الحرفي المغربي في حفظ ذاكرة المآثر وعملية ترميم وتشييد المآثر”.

ولفت إلى أن المغرب زاخر بكفاءات تتقن عملية التوثيق والمساعدة فيما يخص قراءة الوثائق العلمية للمآثر التاريخية وفق المعايير الدولية، وكذا كفاءات علمية لها قدرة على مساعدة المُرممين لإعادة المباني التي تضررت”.

وتابع قائلا: “صراحة لم أشعر بأي قلق على هذه المباني التي تضررت بسبب الزلزال، خاصة مسجد “تنمل”، باعتبار أن المعرفة العلمية موجودة، والحرفة والاتقان متوفران، وبالتالي فإعادة المسجد إلى وضعه الأصلي “مسألة وقت”.

المآثر تصون الذّاكرة

تحدث عبد الجليل بوزوكار، عن المآثر التي اعتبرها لا تختزل فقط التاريخ والذاكرة، بل أيضا تصون جزءا من عبقرية الأجداد من حيث الزخرفة والتشييد في البناء والعمارة الدينية والأضرحة والقصور والمباني العسكرية وغيرها.

وأوضح أن المآثر التاريخية في العموم تتعرض للتّدهور والتلف سواء بسبب ظواهر طبيعية حيث تتعرض للتقادم مع مرور الزمن، أو للتخريب بسبب الفترات التاريخية العصيبة كالحروب، أو للعوامل الطبيعية مثل الزلازل والأمطار أو للحرارة.

من جانبها سلطت البورقادي، الضوء على خصوصية موقع مسجد تنمل فهو “محمي طبيعيا بالجبل شمالا ووادي نفيس جنوبا، كما حصنه الموحدون غربا وشرقا بسورين”، مؤكدة أن آثار السور الشرقي ما تزال متواجدة إلى اليوم.

يذكر أن مسجد “تنمل” شُيد سنة 1148م وظلت المدينة محجا ومزارا روحيا إلى حدود قدوم المرينيين الذين قاموا بتدمير المدينة سنة 1274 م مستثنين المسجد، كما كانت تينمل في الفترة الموحدية “مزارا مقدسا”، يتم الحج إليه لإحياء ذكرى الزعيم الروحي للموحدين المهدي بن تومرت.


حوار مع أبو القاسم الشبري، باحث أثري، ورئيس اللجنة المغربية للمجلس العالمي للمباني التاريخية والمواقع

كلمات دلالية الزلزال المدمر المسجد الأعظم زلزال الحوز ضحايا الزلزال مسجد تنمل

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الزلزال المدمر زلزال الحوز ضحايا الزلزال مسجد تنمل کما کان

إقرأ أيضاً:

أحرقه الاحتلال.. أهالي نابلس يهبُّون لإعمار مسجد النصر

ما إن وصل الطفل ريَّان صرميطي إلى مسجد النصر في البلدة القديمة بمدينة نابلس، حتى سارع لالتقاط قطعة من القماش وهمَّ بتنظيف النوافذ التي علاها دخان أسود كثيف نجم عن حريق تسبب به جيش الاحتلال الإسرائيلي عقب اقتحامه للمسجد فجر يوم الجمعة الماضي.

ومع الساعات الأولى من اندلاع الحريق، هبَّ الأهالي فرادى وجماعات وبشكل عفوي من داخل المدينة وخارجها، وبمشاركة واسعة من المؤسسات الإغاثية والأمنية، وشرعوا بأعمال تنظيف وترميم أوّلي للمسجد ردا على الاحتلال ولإقامة صلاة التراويح فيه.

وعاشت نابلس كبرى مدن شمال الضفة الغربية بأول جمعة من شهر رمضان، أكبر اقتحام إسرائيلي للمساجد منذ أكثر من عقدين، حيث توغَّلت آليات الاحتلال العسكرية وجنوده في البلدة القديمة واقتحموا 6 مساجد، وعاثوا بها خرابا كبيرا، وأحرقوا غرفة الإمام بمسجد النصر، ليندلع حريق كبير أتى على أجزاء كبيرة من المسجد وأخرجه عن الخدمة.

مسجد النصر من الداخل وقد احترقت جدرانه (الجزيرة) هبَّة الكل

ومع صباح اليوم الأحد، انطلقت أعمال الترميم الفعلي في المسجد، بعد أن تشكَّلت لجنة خاصة برئاسة محافظ نابلس وبمشاركة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ومؤسسات رسمية وأهلية بالمدينة، وسارع الناس لتقديم تبرعاتهم السخية، العينية والمادية للمسجد، وآخرون باشروا بالمساعدة والعمل بأيديهم، ومن المتوقع أن تستغرق أعمال الترميم أكثر من شهر.

ريان صرميطي يقوم بأعمال التنظيف داخل مسجد النصر (الجزيرة)

ورفقة شقيقه الأصغر لؤي، حضر ريان صرميطي من منزلهم بمنطقة الجبل الشمالي بالمدينة وشرعوا بالمساعدة بأعمال التنظيف للأرضيات والنوافذ. ويقول للجزيرة نت التي عاينت عن قرب أعمال الترميم في المسجد "دفعني لذلك حُرقتي على المسجد الذي اعتدت الصلاة فيه، وتأثرت بما قام به الاحتلال، وهذا بلدنا ونهتم به".

إعلان

وعلى وجه السرعة لبَّى عبد الهادي الخارف المتطوع بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بمدينة نابلس دعوة مؤسسته له وآخرين للمساعدة بأعمال الترميم والتنظيف. ويقول للجزيرة نت إنه لبى ومنذ اللحظة الأولى "نداء الواجب" وشارك بأعمال التنظيف وإزالة ما خلّفه وأحرقه جنود الاحتلال.
وذكر الخارف أنه ومنذ تطوعه في الهلال الأحمر قبل 23 عاما وهو يرصد اعتداءات جيش الاحتلال من الحرق والتدمير.

أما الشاب جمال القصص فقد جمع بين التبرع المادي والعمل المباشر والإشراف أيضا، ويقول إن كثيرين هبّوا منذ الساعة الأولى، وباشروا بأعمال التنظيف، وحققوا ما أرادوا بتأدية صلاة التراويح على مدار اليومين الماضيين.

ويضيف للجزيرة نت "رغم أنف الاحتلال سنواصل العمل، ونابلس ومساجدها عاصمة وقبلة للمقاومة". وأضاف أن جيش الاحتلال أحرق المسجد الأقصى سابقا، وهدَّم وأحرق مساجد أخرى بالضفة الغربية وغزة وأعادوها، مرددا "دمنا ومالنا وأروحنا فداء للدين والوطن".

شبان ينظفون مسجد النصر الذي أحرقه الاحتلال (الجزيرة) فضح الاحتلال

ورغم أعمال التنظيف والترميم لم تتوقف الزيارات لمسجد النصر. وحضر المواطنون من كل حدب وصوب لرؤية ما اقترفه جنود الاحتلال.

وبين باكٍ على المشهد وممتعض ومقهور، أخرج كثيرون هواتفهم وراحوا يصورون آثار الحريق والدمار الكبيرين.

ويقول "إيهاب" الذي جاء من قرية إمَّاتين (15 كيلومترا غرب نابلس) إنه وثَّق بهاتفه الخلوي الحريق، ليقوم بنشر الصور عبر مواقع التواصل "ليرى العالم إجرام الاحتلال بالفلسطينيين ومساجدهم".

ويضيف الشاب أنه صور أيضا الجهود المبذولة من الكل صغيرا وكبيرا، لإعادة المسجد إلى ما كان عليه، ليرى العالم حجم التعاضد، معبرا عن فخره بالمسجد الذي طالما صلى به.

ولليوم الثاني، حضرت شفيقة عفوري وابنتها ورود لمسجد النصر، تقول بحرقة كبيرة "نسكن بجوار المسجد في البلدة القديمة، ولا ننقطع عن الزيارة والصلاة فيه، وخاصة شهر رمضان، والآن انتقلنا للصلاة بمسجد آخر".

إعلان

وتضيف للجزيرة نت أنها تنتظر بشغف كبير انتهاء ترميمه، ومستعدة لتقديم المساعدة بأي شكل كان.

أحمد زنَّادة إمام مسجد النصر (الجزيرة) رمزية كبيرة

ويشكل مسجد النصر أبرز معالم نابلس التاريخية والأثرية، وقد بناه القائد والصحابي الجليل عمرو بن العاص عام 15 هجرية، وفق لوحة حجرية علِّقت عند مدخله، وأعيد بناؤه بعد تحرير المدينة على يد القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1187 ميلادية، بعد انتصاره على الصليبيين الذين كانوا قد حوَّلوه لكنيسة، وسمي بـ"مسجد النصر" تيمنا بذلك.

وقد بني المسجد على طراز مساجد إسطنبول، وقبة -توصف بأنها الأكبر بعد قبة الصخرة في المسجد الأقصى- وترتفع 27 مترا عن الأرض، مما يشكل رمزية كبيرة لدى أهالي نابلس خاصة، بفعل موقعه الذي يتوسط المدينة.

واتخذ السكان من ساحته الخارجية الكبيرة مركزا تجاريا يؤمه الزوَّار من كل مكان، ومنه أطلق الحراك الشبابي بالمدينة عام 2020 بعد صلاة "الفجر العظيم".

ويقول أحمد زنَّادة إمام مسجد النصر إن لجنة الترميم التي تشكلت ستباشر عملها منذ اليوم، وقدَّر حجم الخسائر الأولية بأكثر من 100 ألف دولار. ويضيف أنَّ "المسجد سيغلق أبوابه ليعاد ترميمه، وأن ذلك قد يستغرق أكثر من شهر، ليخرج تحفة معمارية وفنية كما كان".

وذكر زنَّادة أن الأهم من الخسائر المادية والتي عوضها أهل الخير من المدينة وخارجها هو "انقطاعهم كمواطنين ومصلين عن التعبُّد فيه خلال شهر رمضان، حيث يتميز بعاداته الجميلة، فضلا أنه يشكَّل حاضنة ترفيهية وسياحية لموقعه وتراثه".

وكان غسان دغلس محافظ نابلس قد أعلن ومن داخل مسجد النصر، بعد إحراقه مباشرة، أنه سيسارع لإعادة إعماره، وقال في كلمة مصورة له بثت عبر مواقع التواصل "الكل مجمعون على حب هذا البلد، وحماية مؤسساته، وسنبقى نشكل وحدة حال لنفوِّت الفرصة على الاحتلال".

إعلان

وأضاف دغلس "ستبقى نابلس كما هي، بلد الشهداء وقبلة الوطنية بالضفة الغربية وفلسطين".

مسجد النصر وساحته من الخارج (الجزيرة)

وكانت بيانات إعلامية صدرت عن محافظة نابلس ووزارة الأوقاف بالمدينة، أكدت إحراق الاحتلال لمسجد النصر، بينما ذكر شهود عيان للقائمين على المسجد بأنهم سمعوا انفجارا أعقب اقتحام الجيش الإسرائيلي للمسجد، ومن ثم شاهدوا الدخان الكثيف يتصاعد من مئذنته.

مقالات مشابهة

  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يُعالج مواد الترميم الحديثة بمسجد الزبير بن العوام ويُعيد له أصالته
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر على المسيرة، وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع، وتم تشكيل لجنة للمحافظة على السلم الأهلي والمصالحة بين الناس لأن الدم يأتي بدم إضافي
  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يُبقي مآذن مسجد أم زرينيق الاسطوانية شامخة
  • المساجد التاريخية في القاهرة.. معالم دينية تضيء ليالي رمضان
  • 6 أعوام على عملية “التاسع من رمضان” التاريخية.. باكورة العمليات الكبرى إلى ما بعد “يافا”
  • افتتاح مسجد عمير بن أبي وقاص بالصجعة
  • افتتاح مسجد ناصر لوتاه في محيصنة بدبي
  • أحرقه الاحتلال.. أهالي نابلس يهبُّون لإعمار مسجد النصر
  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد فيضة أثقب بحائل
  • عملية عسكرية إسرائيلية تحرق مسجد النصر التراثي بنابلس والسكان يتعهدون بترميمه