إيران تضاعف جهودها لفرض الحجاب
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
"أنتم تستفزون الناس. تبعدونهم أكثر عن الإسلام ووصاياه"، بهذه الجملة ردت صحيفة "هام ميهان" الإصلاحية على مشروع القانون الذي أقره البرلمان الإيراني في سبتمبر (أيلول) لتطبيق الحجاب الإلزامي بشكل أكثر صرامة على النساء في البلاد، بما في ذلك بالغرامات وأحكام السجن على المخالفين.
وفي تحليل لمجلة "فورين بوليسي"، فإن مشروع القانون، الذي لا يزال بحاجة إلى موافقة مجلس صيانة الدستور، يعد علامة واضحة على اتساع الفجوة بين الجمهورية الإسلامية والمجتمع الإيراني وخاصة النساء والشباب، الذين تحدوا بشكل متزايد قواعد اللباس التي فرضتها الدولة خلال العام الماضي.
كان قانون الحجاب الإلزامي أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل والتنازع في الجمهورية الإسلامية منذ إنشائها في عام 1979. يشترط القانون على جميع النساء تغطية شعورهن وأجسادهن في الأماكن العامة. وقد اعتبره العديد من الإيرانيين رمزا لتدخل الدولة في حياتهم الشخصية، وانتهاكاً لحقوقهم وحرياتهم الإنسانية، وأداةً للقمع والتمييز ضد المرأة.
وبحسب التقرير، تباينت عملية إنفاذ القانون بمرور الوقت، اعتماداً على المناخ السياسي وتوازن القوى بين الفصائل المختلفة. بشكل عام، كان هناك معسكران رئيسيان داخل نظام الجمهورية الإسلامية فيما يتعلق بكيفية تطبيق القانون، إذ يدعو أحد المعسكرات إلى نهج أكثر مرونة، ويعتمد بشكل أكبر على البرامج الثقافية والإقناع الاجتماعي، بينما يصر المعسكر الآخر على نهج أكثر صرامة وتشديداً، ويلجأ أكثر إلى التنفيذ القانوني، بما في ذلك الدوريات الإرشادية سيئة السمعة التي يُطلق عليها "شرطة الأخلاق" أو غيرها من العقوبات القانونية.
A Religious Ritual in Iran Becomes a New Form of Protest https://t.co/AEsYzkkTFK
— Razib ???? Khan ???? ????✍️???? (@razibkhan) August 14, 2023وكان المعسكر الأول المفضل من قبل العناصر الأكثر اعتدالاً وبراغماتيةً في النظام، مثل الإصلاحيين والتكنوقراط، الذين ينظرون إلى الحجاب على أنه مسألة تفضيل شخصي وتقاليد اجتماعية. بينما يفضل المعسكر الأخير العناصر الأكثر تحفظاً وتشدداً في الجمهورية الإسلامية، مثل بعض كبار رجال الدين والقضاء وأعضاء الحرس الثوري، الذين ينظرون إلى الحجاب كرمز غير قابل للتفاوض لهويتهم الدينية وسلطتهم.
"ثقافة العفة"ومشروع القانون الحالي الذي أقره البرلمان مثال على النهج الأخير، الذي يطلق عليه رسمياً "دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفة والحجاب"، ويحتوي على سلسلة من الأحكام القاسية التي تنتهك حقوق الإنسان والحريات الشخصية.
ووفقاً لمشروع القانون، فإن أي شخص لا يتبع قواعد اللباس الحكومية في الأماكن العامة أو الطرق سيواجه غرامات باهظة وعقوبات أخرى. تتراوح الغرامات من 20 مليون ريال (حوالي 404 دولارات في الولايات المتحدة) إلى 80 مليون ريال (1618 دولارا) للجريمة الأولى ويمكن أن تزيد إلى 180 مليون ريال (3640 دولارا) للجرائم اللاحقة. علاوة على ذلك، يمكن أيضا إخضاع المخالفين المتكررين للسجن أو حظر السفر أو قيود الإنترنت. يستهدف مشروع القانون، بحسب "فورين بوليسي"، أي شخص " يتعاون مع كيانات أجنبية أو يروج لثقافة عدم الاحتشام أو عدم وضع الحجاب أو ارتداء الملابس غير اللائقة" عبر الإنترنت أو في الحياة العامة. سيواجه هؤلاء الأفراد عقوبات شديدة، بما في ذلك السجن من سنة إلى 10 سنوات، وغرامة تصل إلى 1 مليار ريال (8000 دولار)، وحظر السفر، وحظر العمل.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم أيضاً معاقبة أصحاب الشركات التي تعلن عن أي شكل من أشكال "العري أو عدم الاحتشام أو عدم ارتداء الحجاب أو ارتداء ملابس غير لائقة في مكان عملهم". أما في الحالة الثالثة لمثل هذا الانتهاك، فسيحكم عليهم أيضاً بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات.
كما يجرم مشروع القانون أي شخص يهين الحجاب أو يسخر منه عبر الإنترنت أو في الحياة العامة. سيتم تغريمهم ما يصل إلى 360 مليون ريال (1440 دولارا)، ومنعهم من مغادرة البلاد لمدة تصل إلى عامين، ومنعهم من النشاط العام في الفضاء الإلكتروني لمدة 6 أشهر إلى عامين. في الحالات اللاحقة، سيحكم عليهم أيضاً بالسجن من سنة إلى 5 سنوات. ومع ذلك، فإن هذا التشريع القاسي ليس نهائياً بعد وقد يواجه بعض العقبات قبل أن يصبح قانوناً. ويضيف التقرير أن واحدة من هذه العقبات المحتملة هي موافقة مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة قوية تتكون من 12 عضواً (6 رجال دين يعينهم المرشد الأعلى و6 محامين ينتخبهم البرلمان) الذين لديهم سلطة فحص جميع التشريعات لتوافقها مع الشريعة الإسلامية والمبادئ الدستورية. ولم يعلن مجلس صيانة الدستور بعد قراره بشأن ما إذا كان سيوافق على مشروع القانون أو يرفضه. ومع ذلك، بالنظر إلى تكوينها المحافظ، من المتوقع على نطاق واسع الموافقة عليه.
وعلى الرغم من هذا التوقع، لا يعتقد الجميع أن الموافقة أمر لا مفر منه. ويقول بعض الخبراء القانونيين الإيرانيين، مثل محمد هادي جعفربور، إن مشروع القانون "غير دستوري". ويشير جعفربور في حديثه للمجلة، إلى أن مشروع القانون تم تمريره بطريقة غير عادية، باستخدام المادة 85 التي نادراً ما يتم الاحتجاج بها من الدستور، والتي سمحت له بتجاوز العملية البرلمانية العادية.
أقر البرلمان الإيراني مشروع القانون هذا بعد أربعة أيام من الذكرى السنوية الأولى لوفاة مهسا جينا أميني، المرأة الكردية الإيرانية البالغة من العمر 22 عاماً والتي توفيت بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق بزعم انتهاكها قواعد الحجاب المناسبة. وأشعل موتها حركة "المرأة والحياة والحرية"، وهي انتفاضة عفوية ومتنوعة في جميع أنحاء إيران طالبت بالعدالة والحرية والكرامة، وقادتها النساء والشباب. في حين أن الانتفاضة لم تحقق أهدافها المباشرة المتمثلة في الإطاحة بالجمهورية الإسلامية أو إحداث إصلاحات جذرية، فقد كان لها تأثيرات كبيرة على المجتمع والسياسة الإيرانية. يمكن القول، والأهم من ذلك أنها أثارت نوعا من الثورة الثقافية، مع العديد من النساء بجرأة وتحد الذهاب إلى الجمهور دون الحجاب في جميع أنحاء البلاد، بحسب التقرير.
Many Iranian women demand political change amid decades-long grievances https://t.co/4cHG7Bcfeh pic.twitter.com/NON88On8Tv
— Reuters (@Reuters) October 12, 2022معضلة النظام
ولا تقتصر هذه الظاهرة على النساء العلمانيات أو الحضريات، بل أثرت أيضاً على العديد من الأسر الدينية والأسر الريفية. حتى في الاحتفالات الدينية، شاركت بعض النساء بدون الحجاب، مما يدل على مدى قبول أجزاء كبيرة من المجتمع التقليدي لهذا التغيير ومشاركة مظالم الحركة الاحتجاجية.
ويكشف مشروع القانون الذي أقره البرلمان عن المعضلة التي تواجهها الجمهورية الإسلامية في التعامل مع الانتفاضة وتداعياتها. وهو يعكس نضال الجمهورية الإسلامية لتحقيق التوازن بين مبادئها الإيديولوجية ومصالحها البراغماتية؛ واغترابها لشريحة كبيرة من سكانها؛ وتآكل شرعيتها؛ وكيف تثير المزيد من المقاومة والمعارضة من منتقديها.
وسيمثل مشروع القانون، إذا وافق عليه مجلس صيانة الدستور، مرحلة جديدة في محاولة الجمهورية الإسلامية لفرض أيديولوجيتها وسلطتها على شعبها. كما سيشكل تحدياً جديداً للمجتمع الإيراني، وخاصة النساء، اللواتي أظهرن شجاعتهن وتحديهن في مواجهة الاضطهاد والظلم. وينهي التقرير بالإشارة إلى أن "مشروع القانون لن ينتهك حقوق الإنسان والحريات الشخصية فحسب، بل سيخلق أيضاً المزيد من المشاكل والصراعات الاجتماعية".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني إيران الجمهوریة الإسلامیة مشروع القانون ملیون ریال
إقرأ أيضاً:
البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون تشديد الهجرة
رفض البرلمان الألماني اليوم الجمعة مشروع قانون قدّمه الحزب المسيحي الديمقراطي لتشديد القيود على الهجرة. وجاء هذا الرفض بعد أيام من تصويت سابق على مقترح غير ملزم نجح فقط بفضل دعم حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، مما أثار أزمة سياسية واسعة.
ورفض البرلمان المشروع بأغلبية 350 صوتا مقابل 338 صوتا وامتناع 5 أعضاء عن التصويت. ويعد هذا التصويت الأول في تاريخ ألمانيا الحديثة حيث يحصل مشروع قانون على أغلبية بمساعدة حزب يميني متطرف، مما أدى إلى مخاوف من "تطبيع التعاون" مع هذا التيار.
وشهد الحزب الديمقراطي المسيحي وحليفه الاتحاد الاجتماعي المسيحي خلافات داخلية حول دعم القانون، بينما امتنع نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر عن التصويت، وسط جدل حول كيفية التعامل مع ملف الهجرة.
ودافع زعيم المعارضة، فريدريش ميرتز، عن القانون باعتباره استجابة ضرورية "لتعزيز الأمن الداخلي"، وذلك بعد سلسلة من جرائم القتل التي ارتكبها مهاجرون في ألمانيا.
وقال ميرتز "يخشى كثيرون على الديمقراطية، لكننا بحاجة إلى اتخاذ قرارات حاسمة لضمان الأمن في بلادنا".
وأظهر استطلاع للرأي أن 67% من الناخبين يؤيدون فرض ضوابط حدودية دائمة، بما في ذلك أكثر من نصف أنصار الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة المستشار أولاف شولتس.
إعلانفي المقابل، اعتبر شولتس أن القوانين الحالية كافية إذا طُبقت بشكل صارم، متهما المعارضة بالسعي لتحقيق مكاسب سياسية على حساب المبادئ الديمقراطية.
انقسام الأحزاب الديمقراطيةوحذر سياسيون من أن انقسام الأحزاب الديمقراطية قد يكرر سيناريو سقوط جمهورية فايمار في الثلاثينيات، إذ مهد لصعود النازيين. وقال عضو البرلمان الألماني رولف موتسنيتش "فشلت فايمار بسبب غياب الوحدة الديمقراطية… يجب إعادة بناء الجدار الفاصل بين الديمقراطيين واليمين المتطرف".
كذلك استقال الناشط اليهودي البارز ميشيل فريدمان من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي احتجاجا على الدعم الذي قدمه الحزب لمشروع قانون الهجرة، بينما أعاد الناجي من الهولوكوست ألبريشت فاينبرغ (99 عاما) وسام الاستحقاق الفدرالي تعبيرا عن رفضه لدعم المحافظين لمشروع القانون.
وشهدت برلين ومدن أخرى مظاهرات واسعة حمل فيها المتظاهرون لافتات تُدين أي تحالف مع اليمين المتطرف، من بينها شعار "الأمل والمقاومة" عند بوابة براندنبورغ.