الدكتور مجدي عاشور يكتب: ربيع الخير
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
تتفاضل الأزمنة بما يحدث فيها من أحوال سنية، فشهر رمضان شرف من أجل نزول القرآن الكريم فيه، يقول الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»، ولما جاء هذا التكريم والتفضيل، ناسب أن يتساوق معه التكليف الذى يليق به، فجاء الأمر الربانى بالصيام، فوردت تتمة الآية السابقة بهذا الحكم، فقال سبحانه: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»، وكذلك نرى فى فضيلة الأشهر الحرم الثلاثة المتتالية، «شوال وذو القعدة وذو الحجة»، حيث جـاء فيها فريضة الحج، فقال عز وجل: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ»، وغير ذلك من عبادات شريفة منيفة.
من الأشهر التى شرف بها الزمان، وتنورت بها الأكوان، وحق أن يفخر بها من العقلاء ذوو البصائر والأحلام، ذاك هو شهر ربيع الأول، الذى حل فيه بالظهور العبد الأول والكامل المكمل، الذى غطى نوره نور كل المخلوقين، لأنه هو الأوحد الذى قال فيه رب العالمين: «قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ»، وهو الذى ترجمت شيئاً من ذلك النور السارى أمه المباركة السيدة آمنة بنت وهب عليها السلام؛ فقد قال: «رأت أمى كأنه خرج منها نور، أضاءت منه قصور الشام».
ولما خرج ذلك النور فى شهر ربيع الأول، حسن بنا أن نسميه «ربيع الخير»؛ إذ به عمت الخيرات على من حوله وما حوله، ليس فى وقته بل إلى قيام الساعة، لأنه سيظل نبراساً وهادياً ودالاً على ربه عز وجل، وقياساً على ما ذكرناه أولاً من ربط الفضائل بالقربات، والتشريف بالتكليف، فما هو تكليفنا فى شهر قد أهل علينا فيه حبيبنا صاحب الطلعة البهية؟ ليس أقل من الاحتفال والاحتفاء بقدوم حضرته فى شهر مولده. وها أنا ذا أخاطب شهر ربيع الخير الذى حيى بأن كان زمناً ولد فيه صاحب كل خير، ووجه الخير، وقدم الخير، ومصدر الخير، ومظهر الخير، ومرآة الخير، وطريق الخير، لكل ذلك خاطبت ربيع الخير بتلك المناجاة والمخاطبات، وراعيت فيه حياته التى استمدها من صاحب الحياة الباقية والذكر الخالد، سيد الكونين والثقلين، فقلت فى ذلك: «يا ربيع الخير: كنت جالساً وحدى.. فجاءنى من يقول لى: إن الاحتفال بالمولد النبوى بدعة؟! فتعجبت كيف سمح لنفسه أن يجمع بين كلمة «بدعة» ولفظة «النبوى» الشريفة؟! وقلت: أنا لن أرد عليك.. بل سأترك ربيع الخير يجيبك.. فقال ربيع: ألم يعلم هذا المعترض بأن هناك من يحتفل بسيدنا النبى قبل مولده وبعده إلى أبد الآباد؟! وإن سألك: ما الدليل على ذلك؟ قل له: ألم تقرأ وتتدبر قول ربك «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ»، فالله والملائكة يذكرونه.. فقلت لربيع: ليتهم يعرفون قولك ويشعرون بك ويفهمونك، ثم انصرفت وقلت: شكراً لك.. يا ربيع الخير.. وسأظل أردد مع المحبين: صلى الله عليه وآله وسلم.
كل واحد سمى باسم جميل، لعله يتحقق بهذا الاسم بعد مولده وأثناء حياته، إلا الحبيب المصطفى فقد سماه الله بهذا الاسم، لأن الخلائق قد حمدته قبل مولده، وسيظلون يحمدونه حتى قيام الساعة، بل ويوم القيامة، وقد صدق صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أنا صاحب لواء الحمد يوم القيامة»، فهو محمود فى الأرض وفى السماء، ومحمود فى الماضى والحاضر والمستقبل، إنه «محمد» دائماً.. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا النبى، سيدنا محمد حبيبى «اللى مالوش زى»، صلاة ما انتهت إلا بدأت، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
* المستشار العلمى لمفتى الديار المصرية سابقاً
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية
إقرأ أيضاً:
الخير: الاستقلال مسؤولية ولا خيار لنا إلا أن نكون على قدرها
صدر عن النائب أحمد الخير، لمناسبة عيد الاستقلال، بيان قال فيه: "في زمن العدوان وويلاته، والفراغ وتداعياته، يدق عيد الاستقلال ال 81 جرس الإنذار، لعل وعسى يستيقظ الجميع قبل فوات الاوان. إما أن نكون "كلنا للوطن" أو لا نكون ..
إما أن يكون "لبنان أولا" أو لا نكون .. إما أن تكون "الدولة أولا" أو لا نكون .. إما أن نكون على قاعدة "ما حدا أكبر من بلده" أو لا نكون ..
إما أن تكون "عروبتنا أولا" أو لا نكون ..
الاستقلال مسؤولية، ولا خيار لنا إلا أن نكون على قدرها، حفاظا على لبنان العظيم".