الشيخ خالد الجندي يكتب: التفاؤل في حياة المصطفى
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
روى الإمام أحمد فى مسنده وغيره عن أبى هريرة قال «كان رسول الله يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة»، ما أحوجنا أحبتى القراء فى يومنا هذا من محبة الفأل الحسن، وكراهية التشاؤم. للأسف الشديد قد يصدر من أحدنا فى أوقات الغضب ما يكشف عن عدم الرضا بقضاء الله وقدره، فعندما يخرج أحدنا من بيته مثلاً، فيجد عطلاً فى سيارته، أو يذهب لقضاء حاجة، فيجد ما يعطله لحكمة يعلمها المولى سبحانه وتعالى، سرعان ما يتلفظ ويقول: «هو أنا اصطبحت بوش مين النهارده؟!»، وما دعاه ذلك إلا التشاؤم، وعدم التسليم بقضاء الله وقدره.
وفى الحديث المتفق عليه أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: «لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم»، وقوله: «لا طيرة» من باب الأسلوب الخبرى، الذى يجرى مجرى الإنشاء، أى: لا يكن منكم طيرة أى تشاؤم، وجاء اسمها «الطيرة» من الطير؛ لأن العرب قديماً فى الجاهلية كان عندهم «العيافة»، وهى التنبؤ بملاحظة حركة الطيور، فإذا طارت يميناً يتفاءلون، وإذا طارت يسرة يتشاءمون ولا يقدمون على الأمر، فسُمى التشاؤم بالطيرة تخصيصاً للفظ، ولما جاء الإسلام الحنيف أبطل هذه العادة، ودعا إلى عدم التطير. قال تعالى: «قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ».
وفى باب الطب من سنن أبى داود قال أحمد القرشى قال ذكرت الطيرة عند النبى فقال: «أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك»، فما أحوجنا اليوم إلى هذا المنهج النبوى القويم فى حياتنا، وأن ندعو بهذا الدعاء إذا رأينا ما نكرهه. حتى إن سيدنا أبا هريرة سُئل: هل سمعت من رسول الله الطيرة فى ثلاث: فى المسكن والفرس والمرأة؟ قال: قلت: إذا أقول على رسول الله ما لم يقل، ولكنى سمعت رسول الله يقول: «أصدق الطيرة الفأل والعين حق». وأيضاً عن أبى هريرة قال: قال رسول الله: «لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح».
وحاشاه أن يقول شيئاً ولا يلتزمه فى حياته، بل كان أول من يطبّق ذلك، فعن أبى هريرة قال: «ما عاب رسول الله طعاماً قط، كان إذا اشتهى شيئاً أكله وإن كرهه تركه». جاء فى شرح الإمام المناوى على الجامع الصغير للسيوطى فى قوله: «كان إذا أتاه الرجل وله الاسم لا يحبه حوله».
أوصانا حبيبنا -صلوات الله عليه- بحسن الظن بالله، فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله «إن حسن الظــن بالله من حسن عبادة الله»، بل كان من آخر وصاياه قبل انتقاله الشريف بثلاثة أيام حسن الظن بالله، فقد يغيب عن أحدنا هذا الأمر وما أشده وما أقساه على النفس، ويهول له الشيطان أعماله وأن الله لن يغفر له، فلا يُحسن الظن بربه عز وجل. فقد روى البخارى عن جابر بن عبدالله الأنصارى قال: سمعت رسول الله قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل».
فعليكم أحبتى الكرام بالتفاؤل، وإياكم وسوء الظن والتشاؤم، ولنتذكر جميعاً فى أى موقف سيئ يجرى بنا أن الله تعالى لطيف بعباده، ولا يأتى إلا بكل خير، قال رسول الله «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له». وهذه خير دعوة من رسولنا الكريم إلى التفاؤل والإقبال على الحياة بنفس آمنة مطمئنة. فهلا قبلنا دعوته صلى الله عليه وآله وسلم؟
* من علماء الأزهر الشريف وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية رسول الله حسن الظن
إقرأ أيضاً:
بيان فضل الإمامة في الصلاة وشروطها
قالت دار الإفتاء المصرية إن إمامة الصلاة في الإسلام لها شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ رفيعة؛ إذ بها تُقام جماعة المسلمين فتفضل صلاتهم وترتفع درجاتها عن صلاتهم منفردين؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه.
فضل الإمامة في الصلاة
وأوضحت الإفتاء أن لعظم شأن الإمامة اشترط الشرع لها تقديم أفضل مَن يحضُرُ الصلاة مِن المسلمين قراءةً لكتاب الله، وعلمًا بالسنة، وكبرًا في السنِّ، ونحو ذلك، وقد قَدَّم الشرع لإمامة المصلين أفضلهم وأعلمهم؛ رعايةً لأحكام الصلاة وشروطها؛ إذ الإمام ضامنٌ لصلاتهم، فإن أصاب فَلَهُ وَلَهُم، وإن أخطأ فعليه ولا عليهم.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إمامَ المسلمين في صلاتهم إذا حضرها، وتبعه على ذلك أفاضل الأمة علمًا وعملًا من الصحابة والتابعين ومَن تَبِعَهُم من أهل القرون المفضَّلة المُثْلَى، وهذا ما عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا في تقديم مَن يؤُمُّهُم في صلاتهم، وإلى يوم الناس هذا.
فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللهِ، فَإِنْ كانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً؛ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً؛ فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً؛ فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا -أي: إسلامًا- وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُد فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ». أخرجه مسلم في "صحيحه".
قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (2/ 299، ط. مكتبة الرشد): [وقال الطبري: لما استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصديق رضي الله عنه على الصلاة، بعد إعلامه لأمته أن أحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله؛ صحَّ أنه يَوْمَ قَدَّمَهُ للصلاة كان أقرأَ أُمَّتِهِ لكتاب الله وأعلمَهم وأفضلَهم] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» أخرجه أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط".
وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ فَلَهُ وَلَهُمْ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ». أخرجه أحمد في "المسند"، وأبو داود وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.