الوطن:
2025-03-12@10:53:09 GMT

الشيخ خالد الجندي يكتب: التفاؤل في حياة المصطفى

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

الشيخ خالد الجندي يكتب: التفاؤل في حياة المصطفى

روى الإمام أحمد فى مسنده وغيره عن أبى هريرة قال «كان رسول الله يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة»، ما أحوجنا أحبتى القراء فى يومنا هذا من محبة الفأل الحسن، وكراهية التشاؤم. للأسف الشديد قد يصدر من أحدنا فى أوقات الغضب ما يكشف عن عدم الرضا بقضاء الله وقدره، فعندما يخرج أحدنا من بيته مثلاً، فيجد عطلاً فى سيارته، أو يذهب لقضاء حاجة، فيجد ما يعطله لحكمة يعلمها المولى سبحانه وتعالى، سرعان ما يتلفظ ويقول: «هو أنا اصطبحت بوش مين النهارده؟!»، وما دعاه ذلك إلا التشاؤم، وعدم التسليم بقضاء الله وقدره.

وفى الحديث المتفق عليه أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: «لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم»، وقوله: «لا طيرة» من باب الأسلوب الخبرى، الذى يجرى مجرى الإنشاء، أى: لا يكن منكم طيرة أى تشاؤم، وجاء اسمها «الطيرة» من الطير؛ لأن العرب قديماً فى الجاهلية كان عندهم «العيافة»، وهى التنبؤ بملاحظة حركة الطيور، فإذا طارت يميناً يتفاءلون، وإذا طارت يسرة يتشاءمون ولا يقدمون على الأمر، فسُمى التشاؤم بالطيرة تخصيصاً للفظ، ولما جاء الإسلام الحنيف أبطل هذه العادة، ودعا إلى عدم التطير. قال تعالى: «قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ».

وفى باب الطب من سنن أبى داود قال أحمد القرشى قال ذكرت الطيرة عند النبى فقال: «أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك»، فما أحوجنا اليوم إلى هذا المنهج النبوى القويم فى حياتنا، وأن ندعو بهذا الدعاء إذا رأينا ما نكرهه. حتى إن سيدنا أبا هريرة سُئل: هل سمعت من رسول الله الطيرة فى ثلاث: فى المسكن والفرس والمرأة؟ قال: قلت: إذا أقول على رسول الله ما لم يقل، ولكنى سمعت رسول الله يقول: «أصدق الطيرة الفأل والعين حق». وأيضاً عن أبى هريرة قال: قال رسول الله: «لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح».

وحاشاه أن يقول شيئاً ولا يلتزمه فى حياته، بل كان أول من يطبّق ذلك، فعن أبى هريرة قال: «ما عاب رسول الله طعاماً قط، كان إذا اشتهى شيئاً أكله وإن كرهه تركه». جاء فى شرح الإمام المناوى على الجامع الصغير للسيوطى فى قوله: «كان إذا أتاه الرجل وله الاسم لا يحبه حوله».

أوصانا حبيبنا -صلوات الله عليه- بحسن الظن بالله، فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله «إن حسن الظــن بالله من حسن عبادة الله»، بل كان من آخر وصاياه قبل انتقاله الشريف بثلاثة أيام حسن الظن بالله، فقد يغيب عن أحدنا هذا الأمر وما أشده وما أقساه على النفس، ويهول له الشيطان أعماله وأن الله لن يغفر له، فلا يُحسن الظن بربه عز وجل. فقد روى البخارى عن جابر بن عبدالله الأنصارى قال: سمعت رسول الله قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل».

فعليكم أحبتى الكرام بالتفاؤل، وإياكم وسوء الظن والتشاؤم، ولنتذكر جميعاً فى أى موقف سيئ يجرى بنا أن الله تعالى لطيف بعباده، ولا يأتى إلا بكل خير، قال رسول الله «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له». وهذه خير دعوة من رسولنا الكريم إلى التفاؤل والإقبال على الحياة بنفس آمنة مطمئنة. فهلا قبلنا دعوته صلى الله عليه وآله وسلم؟

* من علماء الأزهر الشريف وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية رسول الله حسن الظن

إقرأ أيضاً:

غربال الثورة الناعم

 

غربال الثورة الناعم

حيدر المكاشفي

لفت انتباهي مقال نشر مؤخرا لصديقنا وزميلنا الأصغر وائل محجوب، جاء في مقدمته أنه في مرحلة الثورة وما تلاها من حكم انتقالي، برزت وجوه محددة لعبت دورا متصلا وكبيرا، في إضعاف أي مجال للتقارب أو الحوار بين مختلف قوى الثورة، عبر شيطنة الناس وتبني الشائعات، وتسميم أجواء المجال العام، وتدني لغة الحوار بالسب والشتم لرموز وشعارات القوى المختلفة، وكانت وجهة نظري وقتها أن كثير من هذه الأصوات تؤدي أدوارا معلومة، وسينكشف أمرها يوما ما. وبعد اندلاع الحرب، تمايزت الصفوف وخرج من بين صفوف الثوار من حمل السلاح ضمن صفوف المقاومة الشعبية، وهجر أخرون السلمية وتبنوا الدعوة للحرب والتعبئة لها، بينما مضى أخرون بشكل أكثر وضوحا نحو كتائب البراء ابن مالك، ومعلوم انها كتائب للحركة الاسلامية، وضالعة بحسب أكثر من تصريح لقادتها في مهاجمة الثورة، ويشتبه في كونها من ضمن قوات القناصة التي أردت كثير من الشهداء، وصار كثير من هؤلاء الثوار “السابقين” “يردد أمن يا جن.. ومثلما كشف الله ستر كثيرون ممن عادوا لقواعدهم بعد الحرب، هاهو مؤتمر الميثاق التأسيسي الذي انعقد بنيروبي، يخرج البقية الباقية ممن تدثروا طويلا بشعارات رفض الحرب..
ما ذهب اليه الزميل وائل يعيد الى الذاكرة الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله (أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)، وهذا هو بالضبط حال ثورة ديسمبر المجيدة بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 الغاشم وحرب أبريل القذرة تعكف على نفي خبثها وغربلة صفوفها، وما خبثها الا اولئك المتملقين والمنافقين والمتذبذبين الذين ما اعلنوا انحيازهم للثورة الا على سبيل الملق والنفاق والمراء، وبدا واضحا انهم لم يؤيدوا الثورة الا لمنصب يصيبونه أو فائدة يجنونها، فما ان اعلن الانقلابيون سيطرتهم على الأوضاع ومن بعده حربهم اللعينة حتى انقلبوا معهم ولذات الاهداف الرخيصة، فصاروا مثل (فسية) تقرأ ذيل الديك التي تميل حيث تهب الهبوب، ولو كان للانقلاب والحرب من حسنة وحيدة ان كانت لهما حسنات، فهي أنهما فرزا الخبيث من الطيب والثوار الحقيقيون من ادعياء الثورة، وهذا ما يمكن الثورة والثوار الآن من نفي خبثهم كما ينفي الكير خبث الحديد وغربلة صفوفهم، ودنس الثورة وخبثها يجسده هيجان بعض من يدعونها من الذين لا يتحلون بأدبها ولا أخلاقها، ويأبى الله إلا أن يفضح مدعيها هؤلاء على رؤوس الأشهاد، وتلك سنة الله في اهل الملق والنفاق ولابسي ثياب الزور.. لقد كانت ثورة ديسمبر ولا تزال وستظل هي أعظم ما فعله السودانيون عبر تاريخهم الحديث، وهي ثورة طاهرة ستنفي خبثها وتنقي صفوفها، ولا يصلح أن يتصدى لحمل لوائها والدفاع عنها والسعي لاستعادتها، إلا من أخلص لها وآمن بمبادئها وضحى في سبيلها، وإذا كان البعض قد خذل الثورة أو خانها، وارتمى في أحضان الانقلابيين وحلفائهم من الكيزان وفلول النظام البائد، وأصبح أداتهم لاجهاضها، فإن هناك الغالبية الكاسحة من المخلصين للثورة ومبادئها والعاضين عليها بالنواجذ، والذين لن يقبلوا ان يعطوا الدنية في ثورتهم ولا في مبادئهم رغم كل ما تعرضوا له وسيتعرضون له من قمع وتنكيل، ولا يزالون يبذلون وسيظلون يبذلون ما في وسعهم دفاعا عنها في وجه هذه الهجمات التي تتعرض لها بلا كلل ولا ملل ولا يأس، فاليأس خيانة للثورة ولشهدائها، وفي تجارب التاريخ العبرة والمثل، فأصحاب كل القضايا العادلة لم ييأسوا في معاركهم طلبا لحقوقهم مهما تطاول عليهم الأمد، قرأنا ذلك في قصص الأنبياء والمرسلين، وقرأناه في تاريخ الشعوب، بل في تاريخنا الوطني ذاته، فالاصرار على استمرار فتنة هذه الحرب اللعينة المهلكة ماهو الا هو دليل خوف وليس دليل قوة، لأن هذه الحرب استهدفت بالأساس ثورة الشعب وليس المليشيا بدلالة كثير من الشواهد والمواقف والتصريحات والتلميحات، وهذا وضع لا يمكن له الاستمرار طويلا لأنه ضد طبيعة الأمور، وستظل بحول الله ثورة ديسمبر صامدة في وجه الثورة المضادة التي أرادت وأدها، وهو صمود مرشح للاستمرار ومن ثم النجاح لأن صبر الشعوب يفوق كثيرا قدرات أنظمة الحكم مهما بلغ جبروتها، وها هم أبناء الثورة، شبابها وكنداكاتها المخلصين يسطرون ملاحم في الصمود والتمسك بمبادئ ثورتهم والدفاع عنها، لا يضرهم من خذلهم أو خانهم، كما أنهم يزدادون وعيا بالمشهد من حولهم، ويحسبون خطواتهم، وهم يراهنون بالأساس على شعبهم، فارادة الشعب دائما هي الأقوى والردة مستحيلة..

 

 

الوسومالإنقلابيون الثورة حيدر المكاشفي وائل محجوب

مقالات مشابهة

  • توضيح مهم من الشيخ خالد الجندي عن لفظ السوء في القرآن الكريم
  • خالد الجندي: الصلاة على النبي رحمة واستغفار ودعاء ومقام عظيم في القرآن الكريم
  • خالد الجندي يوضح الفرق بين التجويد والتشكيل في قراءة القرآن
  • لا يعني عدم النجاح.. خالد الجندي يكشف المعنى الحقيقي لـ الفشل في القرآن
  • خالد الجندي: قراءة القرآن بالتشكيل ضرورة لمنع تحريف المعنى «فيديو»
  • غربال الثورة الناعم
  • للصائم دعوة لا ترد
  • خالد الجندي: الشكر على النعم أصعب من امتحان الصبر على الابتلاء
  • خالد الجندي: غفلة الناس عن نعم الله بعد الأزمات بلاء عظيم
  • خالد الجندي: غفلة الناس عن نعم الله بعد الأزمات بلاء عظيم.. فيديو