الدكتور محمد مهنا يكتب: كن حليماً
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
إن الله -عز وجل- يحب من عبده أن يراه على كل حالة خير تقربه من خالقه وتجعله مؤهلاً لينال رضا خالقه عنه فى الدنيا والآخرة، ومن أعظم هذه الخصال وأنبل هذه الصفات التى يحبها الله -عز وجل- فى عباده صفة الحلم والصفح عن الغير، فورد فى الحديث الشريف ما قاله النبى لأشج بن عبد قيس، إذ قال له: «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة»، والله -عز وجل- من أسمائه الحسنى الحليم، فكل من يحلم ويصفح عن غيره فما هو إلا تجلِّى أنوار الحق -جل وعلا- عليه بهذا الاسم.
ففى زمن كثرت مجرياته وأحداثه حتى كاد الناس لا يلفظون أنفاسهم من سرعة تلك الأحداث، ونسى الناس الفضل بينهم، وتعالت أصوات طلب النجاة لمن وقع فى براثن هذه الدنيا ولم يعتصم بعاصم، يلوح فى الأفق بريق أمل وشعاع نور يحمل قارب النجاة لمن هوى فى بحر الأخلاق المتدنية اللجى، الذى سيمته ظلمات بعضها فوق بعض، يلوح نور المصطفى معلناً نجاة من اعتصم به وتمسك بحبل أخلاقه وجميل صفاته، ولمَ لا فمن اعتصم بالجناب المحمدى سلك وملك وتمسك واستمسك.
والحلم أحد هذه الأخلاق النبوية الشريفة التى سجلها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أنه اتصف بها، بل كانت هذه الصفة مفاتح الخير والبركة، فالحلم ضبط النفس عند الغضب، وكفها عن مقابلة الإساءة بالإساءة، مع تحكيم المسلم دينه وعقله عند إيذاء الآخرين له، مع قدرته على رد الإيذاء بمثله، قول الإمام أبى حامد الغزالى فى بيان معنى الحليم: «الحليم هو الذى يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمر، ثم لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المشاركة إلى الانتقام، مع غاية الاقتدار».
والحلم من خلق الأنبياء، فلقد سجل القرآن الكريم ذلك الخلق عنهم، فقال تعالى فى وصف نبيه إبراهيم: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ»، وقال فى حق نبيه شعيب: «قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ»، ولقد كان الحلم والصفح عن الغير دأب النبى وشيمته على الدوام، فعن أم المؤمنين عائشة أنها قالت للنبى: «هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟». قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسى على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسى، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت فإذا فيها جبريل، فنادانى، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فنادانى ملك الجبال فسلَّم على ثم قال: يا محمد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبى: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً».
وقال لقمان الحكيم: «ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه»، فيجب على كل محب أراد أن يحظى بعناية النبى ورفقته الشريفة أن يتخلق بخلقه وأن يجاهد أن يكون له نصيب من الإرث المحمدى وليس ذلك الإرث مال ولا ضيعات وإنما هى أخلاقه وشمائله وصفاته السنية، فمن فتح له باب التخلق بهذا الخلق العظيم فليدخل ولا يتوانى فى لحوق هذا الركب الأنور، كما قال ابن عطاء الله: «إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبالِ معها إن قل عملك، فإنه ما فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك».
* رئيس مجلس أمناء البيت المحمدى للتصوف
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية إلا عند
إقرأ أيضاً:
د.محمد عسكر يكتب: أخطاء الذكاء الإصطناعي في آيات القرآن الكريم: الأسباب والتحديات
يعد الذكاء الاصطناعي (AI) من أبرز التطورات التقنية في العصر الحديث، حيث أصبح يستخدم في العديد من المجالات، بما في ذلك معالجة النصوص الدينية. ومن بين هذه النصوص، يأتي القرآن الكريم كأحد أقدس النصوص التي يتعامل معها الذكاء الاصطناعي في محاولة لتسهيل الوصول إليها ودراستها. ومع ذلك، فإن هناك تحديات تواجه الذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بنصوص القرآن الكريم، خاصة عندما تحدث أخطاء في استرجاع أو تقديم الآيات القراّنيه.
فقد شهدت الفترة الأخيرة انتشاراً واسعاً لإستخدامات الذكاء الإصطناعي وتطبيقاتة المختلفة التى جذبت ملايين المستخدمين حول العالم، وقد شاع إستعمال هذه الأدوات بين المستخدمين بشكل كبير وفي وقت قليل جدًّا؛ نظراً لمجانيتها وسهولة وصولها لجميع المستخدمين، وهوما يثير المخاوف من سوء إستخدامها، أو الإعتماد عليها خاصة إذا كان الأمر متعلق بالأمور الدينية. فمع هذه الطفرة التكنولوجية، برزت تحديات خطيرة تتعلق بإستخدام الذكاء الإصطناعي في الأمور الدينية، وهو ما يثير جدلاً واسعاً خاصةً بعد ما تداولت محادثات تُظهر أخطاءً فى أيات القرآن الكريم.
لذا أُحذّر من الإعتماد على الذكاء الاصطناعي أو غيره من التطبيقات الغير الموثوقة في الأمور الدينية، إذ أن التحريف في نصوص القرآن الكريم يعدّ من أخطر المشكلات التي قد تؤدي إلى فتن دينية وطائفية.
الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل رئيس على دقة البيانات المدخلة، وبالتالى فإن البيانات الغير الصحيحة والغير موثوقة تؤدي بالضرورة إلى نتائج خاطئة. إضافةً إلى ذلك فإن برامج الدردشة الآلية مفتوحة المصدر، أو المجانية تسمح لأي شخص بإدخال البيانات؛ مما يزيد من إحتمالية حدوث أخطاء في النتائج، حتى مع النماذج التي تطورها الشركات العملاقة والشهيرة مثل (شركة جوجل ، ميتا،…وغيرها).
لنفرض أن لديك سؤالاً بسيطاً خطر على بالك وأنت تقرأ القرأن وأنك تريد فهم أو تفسير أيه معينة، ماذا ستفعل ؟ في الماضي وقبل ظهورالإنترنت وتطبيقات الذكاء الإصطناعى كنت ستفتح كتب التفسير أو ستذهب إلى عالمِ جليل وفقيه ذو ثقة لتسأله سؤالك. ولكن الآن وبعد ظهور الإنترنت وإنتشار التطبيقات المدعومة بالذكاء الإصطناعى وربوتات الدردشة المختلفة فإنك قد تلجأ إليها سريعاً لمعرفة الإجابة على سؤالك وغالباً ما ستحصل على إجابة تم تأليفها بالكامل من قبل الذكاء الاصطناعي تتضمن تحريف لآيات القرآن الكريم، وتأليف أحاديث غير صحيحة ونسبها إلى الرسول صلى الله علية وسلم، وقد يختلط الأمر على من لا يحفظ كتاب الله عزَّ وجلَّ عن ملاحظة هذا التحريف، ومن ثمّ قد يعتمد عليه في فهمة لدينه أو تساؤلاته عن أمر ما، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشويش عقيدته و إنحرافه عن الدين الصحيح.
لذلك يجب أن ننتبه كمسلمين إلى خطورة الأمر ونعتمد الشريعة الإسلامية السوية منهج حياة لتتوافق مع قيمنا ومبدأنا ومعتقداتنا، كما يجب أن نتذكر دائماً أن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا أداة مساعدة، ولكن الفهم العميق للنصوص الدينية يتطلب دائمًا التفسير البشري المبني على العلم والدراية الدينية.
ولكن يبقى السؤال من الناحية التقنية:
لماذا يخطى الذكاء الإصطناعى فى ذكر أيات القرأن الكريم الصحيحة؟
قد يحدث أحيانًا خطأ في ذكر آيات القرآن الكريم لعدة أسباب تتعلق بالطريقة التي يعالج بها الذكاء الإصطناعي اللغة والنصوص. بعض الأسباب المحتملة تشمل:
1. الاسترجاع التلقائي للمعلومات: يتم تدريب نماذج الذكاء الإصطناعى على معلومات ضخمة جدًا من النصوص، وقد يحدث في بعض الأحيان خلط أو خطأ عند إسترجاع آية معينة، خاصة إذا كانت الآيات طويلة أو تحتوي على تشابه مع أيات أخرى.
2. التفسير أو الترجمة الغير دقيقة: رغم أن الذكاء الإصطناعي يحاول أن يذكر الآيات بشكل دقيق، إلا أن الإختلافات الدقيقة في الكتابة أو الترجمة قد تؤدي إلى أخطاء. أيضًا قد يكون هناك تقارب في النصوص بين الآيات التي تحتوي على معانى متشابه وقد لا يستطيع الذكاء الإصطناعى فهمها أو تفسيرها بصورة صحيحة.
3. قيود البرمجة والتدريب: الذكاء الاصطناعي لا يمتلك الفهم الديني العميق الذي يمتلكه الأئمة والفقهاء فى الدين من البشر. فالذكاء الإصطناعى يعتمد على النماذج الرياضية والإحصائية التي قد تكون عرضة للأخطاء في بعض الأحيان. على الرغم من أنه قادر على معالجة النصوص، إلا أن القيم الدينية والعقائدية تتطلب مستوى عميق من الفهم والتفسير.
4. الحدود في قواعد البيانات: يمكن أن تكون بعض النسخ من القرآن الكريم التي تم تدريب نموذج الذكاء الإصطناعى عليها ناقصة أو غير مكتملة في بعض الأحيان.
لذا من الأفضل دائمًا الرجوع إلى النصوص القرآنية الدقيقة أو المصادر الموثوقة. إذا كنت بحاجة إلى آيات دقيقة أو تفسيرصحيح، يمكنك الرجوع إلى المصحف الشريف أو إلى مواقع متخصصة في الشرح والتفسير.