الدكتور يوسف عامر يكتب: الأثر الحضاري لدعوة النبي في الأمم
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
رسَّخ سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، القيم والأخلاق والمثل العليا ونشرها ممارسة وسلوكاً قبل أن يكلف بالرسالة، فكانت قريش تلقبه صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين، وذكرت أم المؤمنين السيدة خديجة، رضى الله تعالى عنها، بعضاً من صفاته صلى الله عليه وسلم قبل ظهور الرسالة، منها أنه يصل الرحم، ويحمل الكل (أى يقوم بشأن من لا يستقل بأمره حتى يقضى)، ويكسب المعدوم (أى يتبرع بالمال لمن عدمه، ويعطى الناس ما لا يجدونه عند غيره)، ويَقرى الضيف (أى يكرم الضيف من طعام وشراب وما يحتاجه حال وجوده عند مضيفه)، ويعين على نوائب الحق (النوائب جمع نائبة وهى ما ينزل بالإنسان من المهمات وأضيفت إلى الحق لأنها تكون فى الحق والباطل).
وهو أن كل واحد (أنثى كان أو ذكراً) مسئول فى الإطار الكلى، وأن كل شخص فى مكانه له دور مؤثر فى المجتمع كله. وفى قول الله تعالى: «خلق لكم من أنفسكم أزواجاً»، إشارة إلى اتحاد النوع «من أنفسكم» المقتضى التكافؤ فى الحقوق والواجبات، وفيه إشارة كذلك إلى مفهوم «الزوجية» المقتضى التكامل بين الزوجين.
علَّم سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، الناس أن الله تعالى شاء أن يكون التزاوج سنة من سننه فى الخلق والتكوين واستمرار الوجود على جميع مستويات المخلوقات، لا يشذ عنها عالم الإنسان، أو عالم الحيوان، أو عالم النبات، أو عالم الأشياء، أو أى عوالم أخرى لا يعلمها الناس، يقول الله تعالى: «ومن كل شىء خلقنا زوجين»، «سبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون».
ووضع صلى الله عليه وسلم أسساً ثابتة عادلة تتجاوز الزمان والمكان تضمن الحق للأفراد والمجتمعات فى مختلف المعاملات، ووضع صلى الله عليه وسلم أسساً إنسانية وحضارية فى السلم والحرب، وحرر الإنسان من عبودية الأفراد والرق، وكفل له حق اختيار الدين، لأنه فى ذاته حر مكرَّم من الله تعالى، وأرسى النظام الأخلاقى الذى يتبعه الإنسان فى علاقته مع الله، ومع كل من وما حوله فى الكون، وحرَّم أى شكل من أشكال التنمر وعدم احترام الآخر، فإن من مقاصد الشريعة الخمسة الحفاظ على العرض وهى تشمل كرامة الإنسان، وقد قال النبى، صلى الله عليه وسلم، لما كان بمنى فى حجة الوداع: «.. فإن الله حرّم عليكم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم..».
علّم صلى الله عليه وسلم آداب الاستئذان، وحرّم الافتراء على الناس، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، وساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، وأوجب على الآباء اختيار الاسم الحسن للأبناء وحسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئة علمية ورياضية ونفسية صحيحة، وفرض العمل على الجميع وإتقانه من أجل ألا يكون أحد عالة على غيره، وأوجب الشورى، ونهى عن أن يكون المرء إمعة لا رأى له، وأوجب حقوقاً على المسلمين تجاه غيرهم، وحرّم الاعتداء بكل صوره وأشكاله، وأوجب التعاون فى كل ما ينفع الناس، وحرّم الإضرار بالإنسان مادياً أو معنوياً، قال: «لا ضرر ولا ضرار»، ولما سأله رجل فقال: يا رسول الله أى الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم الناس من لسانه ويده».
علّم سيدنا محمد الناس الوقاية الصحية، يقول الله تعالى: «كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله»، كما علمهم توقى الأمراض المعدية، يقول: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها».
ولذلك لما بلغ المقوقس فى مصر ملامح هذه الرسالة الهادية وجاءه كتاب كريم من الرسول الأكرم لم يسعه إلا أن يقابل ذلك بالإكرام والتعظيم، ولما بلغ هرقل نبأ النبى قال قولته الشهيرة: ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، أما النجاشى فلم يكتف بالإكبار والاحترام بل سارع بالإذعان والتسليم، والإيمان بهذا النبى الكريم. هذه بعض المعانى والقيم التى جاء بها النبى، صلى الله عليه وسلم، فنالت إعجاب العرب وكل الأمم، وكانت سبباً فى انتشار هذا الدين فى الشرق والغرب، واحترام كثير من غير المسلمين لهذه الرسالة، حتى إن كثيراً من المستشرقين الغربيين لم يخفوا مظاهر هذا الإعجاب وبيان هذا الأثر الكبير التى أحدثته تلك الرسالة من نقلات حضارية هائلة فى المجتمع الإنسانى.
* رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشيوخ
ورئيس قناة الناس
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية صلى الله علیه وسلم الله تعالى
إقرأ أيضاً:
لم يكن حسن الوجه.. كلمات غالية قالها النبي لصحابي جليل
قال الدكتور محمود مرزوق، وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة شمال سيناء، إن النبي الكريم نطق بكلمات غالية لصحابي لم يكن حسن الوجه فقال له "أنت عند الله غال".
وأضاف مرزوق، في خطبة الجمعة التي نقلها التليفزيون المصري من مسجد الروضة بمحافظة شمال سيناء، عن موضوع "أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ"، أن رسول الله نطق بهذه الكلمات حتى يعلي من مكانة الإنسان عند نفسه وعند الله وفي كون الله.
واستشهد خطيب الجمعة بقوله تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
وأشار إلى أن احترام الإنسان له مكانة كبيرة في الإسلام فهو كائن مشرف ومكرم من الله تعالى، فقد جعل الله جملة من الآداب الإجتماعية والأخلاقية والسلوكية مسجلة في القرآن الكريم للتعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان في هذا الكون.
واستشهد بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.
وأكد أن الإِنْسَانَ المُكَرَّمَ المُبَجَّلَ لَا يَجُوزُ الانْتِقَاصُ مِنْهُ بِأَيِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِشَارَةٍ، فالإنسان هو بنيان الله وصنعته جعل احترامه وتقديره من أعظم المقدسات وجعل الانتقاص منه من أشد المحرمات.