الوطن:
2025-04-26@08:10:57 GMT

الدكتور علي جمعة يكتب: مولد النور

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

الدكتور علي جمعة يكتب: مولد النور

تميز المصريون دون غيرهم فى محبة سيدنا رسول الله، حتى إنهم إذا هلَّ عليهم شهر ربيع الأول بدأوا الاحتفال بمولد سيدنا النبى، وظل هذا ديدن المصريين إلى منتصف القرن العشرين، فراحوا بعد هذا يحتفلون بمولده فى الربيعين الأول والآخر. وتزلفاً إليه، نحتفل بمولده حباً وفرحاً وتعبداً مقتدين بسنته، سائرين على نهجه، متخلقين بأخلاقه، وأولى درجات علاقتنا بسيدنا، فهمه، وثانيها تصديقه والإيمان به، وثالثها اتباعه فى كل أمر ونهى وتخلق امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ».

ورابع درجات تلك العلاقة هى المعايشة والتلبس به ومعايشته بمعرفة صفاته والتخلق بها بمعايشة الأخلاق وليس معايشة الزمن.

ولو تتبعنا صفات النبى لوجدنا أنها فى منحى تصاعدى وترقٍّ دائم، ففى بدايته قبل البعثة كان متصفاً بالصادق والأمين، جميل الصفات والشمائل شهامة ورجولة وهدوء نفس، كما يقول البوصيرى -رحمه الله- فى بردته «كالزهر فى ترف والبدر فى شرف والبحر فى كرم والدهر فى همم».

كل هذه الأوصاف قبل نبوته، فكان صاحب همة متعبداً فى غار حراء، لم تخر عزيمته، وكان هذا سبباً فى ترقى روحه وجعله شفافاً مستشعراً بما حوله وبمن حوله، فيقول صلى الله عليه وسلم: «إنى لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث»، فكان يستشعر أن الكون على حقيقته يسبح للمولى، وأن الكون فى حالة تفاعل، فرأى كل هذا قبل البعثة مهيئاً لتلك الشفافية التى رأى بها الكون، متعبداً متأملاً ذاكراً على ما كان عليه أبونا إبراهيم، إذن من أولى درجاته الأخلاقية العبادة والتعبد.

وبعد نزول الوحى ثم انقطاعه فترة ليزينه ربه، ويحليه بالصبر ويزداد تحلياً بصفات حميدة مرجعها كلها إلى الثقة فيما عند الله من التسليم والرضا والتوكل، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ناصيتى بيدك، ماضٍ فىّ حكمك»، فهو فى حالة وجود دائم فى معية الله، وهنا درجة الإنسان الكامل، أو الكمال الإنسانى، فالوحى لا يكون إلا بالوصول إلى درجة الكمال. ثم وصل إلى مرحلة ثالثة من مراحل الترقى وهى الربانية من أهم ملامحها وأمثلتها الترفع عن النزاع بترك الحقوق وعدم المطالبة بها، وهذا يكون من علو الهمة واكتمال نصاب الكمال.

ومنها ما رواه عنه ابن حبان فى صحيحه عندما فتح مكة فقالوا له: «يا رسول الله أين تنزل فى دارك بمكة؟» فقال: «وهل ترك عقيل من رباع أو دور؟!»، فرغم حقه فى ملكه قبل الهجرة وامتلاكه لهذا الحق فإنه لم يطلبه من ابن عمه عقيل بن أبى طالب. فترك الحق للخلق وعدم منازعتهم هى درجة العبد الربانية، ونهاية الربانية أن يسأل الله السلامة.

وبعد معجزة الإسراء والمعراج وصل صلى الله عليه وسلم إلى درجة النورانية أو العبد النورانى، ومن ملامحها التوكل التام، والشفافية التامة استمداداً من قوله تعالى: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَوْ أَدْنَى»، وهى درجة القرب، فوصل المصطفى إلى حد النور، فكان هو العبد الكامل الربانى النورانى، وكان نور الله مثل قولنا بيت الله دلالة على خلقه، واستشعاراً للمعنى المراد نذكر أن مشايخنا عندما كان يُقرأ قوله تعالى فى سورة النور: «يَهْدِى اللَّهُ لِنُوره مَن يَشَاءُ» كانوا ينتفضون بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وعلة التسمية والوصف «بنور الله» أنه هدى الناس، ووضح لهم وبيّن، وكشف لهم الظلمة، فبعثته صلى الله عليه وسلم نور للبشرية أضاء الله بوجوده وميلاده ومبعثه دياجير الظلام، عليه أفضل الصلاة والسلام.

عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

هل التأمين على السيارات حلال أم حرام؟.. الإفتاء تكشف

كشفت دار الإفتاء المصرية، حكم التأمين على السيارات، مشيرة إلى أنه جائزٌ شرعًا؛ لأنه في حقيقته تبرعٌ وليس معاوضةً ولا ضريبةً تحصل بالقوة، بل هو من التكافل والتضامن والتعاون على البر في رفع ما يصيب الأفراد من أضرار الحوادث ونحوها، مستشهدة بقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

هل يجوز إخراج زكاة المال طعام للفقراء؟.. أمين الإفتاء يجيبهل يجوز للفتاة صلاة قضاء الحاجة للزواج من شخص معين؟.. الإفتاء توضحما التناجي الذي نهى عنه الرسول ومتى يجوز؟.. الإفتاء تجيبهل تُقبل الصدقة من مال مصدره حرام؟.. الإفتاء توضح الفرق بين التصدّق وتبرئة الذمّة

وسبق لـ دار الإفتاء المصرية أن أصدرت فتوى في شأن التأمين ونصت على :

لما كان التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملاتِ المستحدثةِ التي لم يرد بشأنها نصٌّ شرعيٌّ بالحلِّ أو بالحرمة شأنه في ذلك شأن معاملات البنوك فقد خضع التعامل به لاجتهادات العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى» رواه البخاري، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في هذا الباب.

والتأمين على ثلاثة أنواع:

الأول: التأمين التبادلي: وتقوم به مجموعة من الأفراد أو الجمعيات؛ لتعويض الأضرار التي تلحق بعضهم.

الثاني: التأمين الاجتماعي: وهو تأمين من يعتمدون في حياتهم على كسب عملهم من الأخطار التي يتعرضون لها، ويقوم على أساس فكرة التكافل الاجتماعي، وتقوم به الدولة.

الثالث: التأمين التجاري: وتقوم به شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض.

والنوع الأول والثاني يكاد الإجماع أن يكون منعقدًا على أنهما موافقان لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ لكونهما تبرعًا في الأصل، وتعاونًا على البر والتقوى، وتحقيقًا لمبدأ التكافل الاجتماعي، والتعاون بين المسلمين دون قصدٍ للربح، ولا تفسدهما الجهالة ولا الغرر، ولا تعتبر زيادة مبلغ التأمين فيهما عن الاشتراكات المدفوعة ربًا؛ لأن هذه الأقساط ليست في مقابل الأجل، وإنما هي تبرع لتعويض أضرار الخطر.

أما النوع الثالث: وهو التأمين التجاري ومنه التأمين على الأشخاص فقد اشتد الخلاف حوله واحتد: فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع من التعامل حرامٌ؛ لما يكتنفه من الغرر المنهي عنه، ولما يتضمنه من القمار والمراهنة والربا، يرى فريق آخر أن التأمين التجاري جائز وليس فيه ما يخالفُ الشريعةَ الإسلامية؛ لأنه قائم أساسًا على التكافل الاجتماعي والتعاون على البر، وأنه تبرعٌ في الأصل وليس معاوضة، واستدل هؤلاء الأخيرون على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص في الكتاب والسنة وبأدلة المعقول.

أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، فقالوا: إن لفظ العقود عامٌّ يشمل كل العقود ومنها التأمين وغيره، ولو كان هذا العقد محظورًا لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحيث لم يبينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن العموم يكون مرادًا ويدخل عقد التأمين تحت هذا العموم.

وأما السنة فقد روي عن عمرو بن يثربي الضَّمْرِيِّ قال: شهدتُ خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنًى، وكان فيما خطب: «وَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» رواه أحمد، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طريق حل المال أن تسمح به نفس باذله من خلال التراضي، والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مال بطريق مخصوص فيكون حلالًا.

ومن المعقول: أن التأمين وهو تبرعٌ من المؤمِّن؛ حيث يتبرع بالقسط المدفوع، وتبرع من جهة أخرى من الشركة؛ حيث تتبرع بقيمة التأمين، وذلك على سبيل توزيع المخاطر والتعاون على حمل المبتلى لا يشتمل على منهي شرعًا.

كما استدلوا أيضًا بالعرف فقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، والعرف مصدرٌ من مصادر التشريع كما هو معلوم، وكذا المصلحة المرسلة، كما أن بين التأمين التجاري والتأمين التبادلي والاجتماعي المجمع على حلهما وموافقتهما لمبادئ الشريعة وجوه شبه كثيرة، مما يسحب حكمهما عليه فيكون حلالًا.

مقالات مشابهة

  • من جامع زوجته بهذه الأيام.. علي جمعة: عليه كفارة 10 آلاف جنيه
  • تغلق كل شر.. علي جمعة: 3 أعمال تفتح لك أبواب الغفران والخير
  • ما حكم ترديد الصلاة على النبي أثناء الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • الدكتور أيمن أبو عمر: الوطن نعمة تستوجب الشكر.. وحبه نابع من الإيمان
  • دار الإفتاء تكشف حكم سجود التلاوة بدون وضوء
  • هل الحج يغني عن الصلاة الفائتة لشخص كان لا يصلي؟.. الإفتاء ترد
  • ما هي الأعمال المستحبة عند زيارة مسجد النبي؟.. داعية يُوضح
  • محمد حامد جمعة يكتب: الدو
  • هل التأمين على السيارات حلال أم حرام؟.. الإفتاء تكشف
  • دعاء الأم على أبنائها.. هل يستجاب حتى ولو كانت ظالمة ؟