الوطن:
2024-12-18@13:58:58 GMT

الدكتور علي جمعة يكتب: مولد النور

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

الدكتور علي جمعة يكتب: مولد النور

تميز المصريون دون غيرهم فى محبة سيدنا رسول الله، حتى إنهم إذا هلَّ عليهم شهر ربيع الأول بدأوا الاحتفال بمولد سيدنا النبى، وظل هذا ديدن المصريين إلى منتصف القرن العشرين، فراحوا بعد هذا يحتفلون بمولده فى الربيعين الأول والآخر. وتزلفاً إليه، نحتفل بمولده حباً وفرحاً وتعبداً مقتدين بسنته، سائرين على نهجه، متخلقين بأخلاقه، وأولى درجات علاقتنا بسيدنا، فهمه، وثانيها تصديقه والإيمان به، وثالثها اتباعه فى كل أمر ونهى وتخلق امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ».

ورابع درجات تلك العلاقة هى المعايشة والتلبس به ومعايشته بمعرفة صفاته والتخلق بها بمعايشة الأخلاق وليس معايشة الزمن.

ولو تتبعنا صفات النبى لوجدنا أنها فى منحى تصاعدى وترقٍّ دائم، ففى بدايته قبل البعثة كان متصفاً بالصادق والأمين، جميل الصفات والشمائل شهامة ورجولة وهدوء نفس، كما يقول البوصيرى -رحمه الله- فى بردته «كالزهر فى ترف والبدر فى شرف والبحر فى كرم والدهر فى همم».

كل هذه الأوصاف قبل نبوته، فكان صاحب همة متعبداً فى غار حراء، لم تخر عزيمته، وكان هذا سبباً فى ترقى روحه وجعله شفافاً مستشعراً بما حوله وبمن حوله، فيقول صلى الله عليه وسلم: «إنى لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث»، فكان يستشعر أن الكون على حقيقته يسبح للمولى، وأن الكون فى حالة تفاعل، فرأى كل هذا قبل البعثة مهيئاً لتلك الشفافية التى رأى بها الكون، متعبداً متأملاً ذاكراً على ما كان عليه أبونا إبراهيم، إذن من أولى درجاته الأخلاقية العبادة والتعبد.

وبعد نزول الوحى ثم انقطاعه فترة ليزينه ربه، ويحليه بالصبر ويزداد تحلياً بصفات حميدة مرجعها كلها إلى الثقة فيما عند الله من التسليم والرضا والتوكل، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ناصيتى بيدك، ماضٍ فىّ حكمك»، فهو فى حالة وجود دائم فى معية الله، وهنا درجة الإنسان الكامل، أو الكمال الإنسانى، فالوحى لا يكون إلا بالوصول إلى درجة الكمال. ثم وصل إلى مرحلة ثالثة من مراحل الترقى وهى الربانية من أهم ملامحها وأمثلتها الترفع عن النزاع بترك الحقوق وعدم المطالبة بها، وهذا يكون من علو الهمة واكتمال نصاب الكمال.

ومنها ما رواه عنه ابن حبان فى صحيحه عندما فتح مكة فقالوا له: «يا رسول الله أين تنزل فى دارك بمكة؟» فقال: «وهل ترك عقيل من رباع أو دور؟!»، فرغم حقه فى ملكه قبل الهجرة وامتلاكه لهذا الحق فإنه لم يطلبه من ابن عمه عقيل بن أبى طالب. فترك الحق للخلق وعدم منازعتهم هى درجة العبد الربانية، ونهاية الربانية أن يسأل الله السلامة.

وبعد معجزة الإسراء والمعراج وصل صلى الله عليه وسلم إلى درجة النورانية أو العبد النورانى، ومن ملامحها التوكل التام، والشفافية التامة استمداداً من قوله تعالى: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَوْ أَدْنَى»، وهى درجة القرب، فوصل المصطفى إلى حد النور، فكان هو العبد الكامل الربانى النورانى، وكان نور الله مثل قولنا بيت الله دلالة على خلقه، واستشعاراً للمعنى المراد نذكر أن مشايخنا عندما كان يُقرأ قوله تعالى فى سورة النور: «يَهْدِى اللَّهُ لِنُوره مَن يَشَاءُ» كانوا ينتفضون بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وعلة التسمية والوصف «بنور الله» أنه هدى الناس، ووضح لهم وبيّن، وكشف لهم الظلمة، فبعثته صلى الله عليه وسلم نور للبشرية أضاء الله بوجوده وميلاده ومبعثه دياجير الظلام، عليه أفضل الصلاة والسلام.

عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: تقوى الله وحسن الخلق أكثر ما يدخل الجنة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل جعل التقوى هي معيار التفاضل المعتبر عنده، ونفى وجود تفاضل وتمايز بين خلقه إلا وفقا لذلك المعيار ألا وهو معيار التقوى فقال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواص الإجتماعي فيسبوك، أن الله عز وجل أخبرنا أن التقوى هي الوصية التي يوصي بها عباده على مر الزمان، فقال تعالى  : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِياًّ حَمِيداً ).

وقد أخبر النبي ﷺ بفضل التقوى في كثير من أحاديثه الشريفة، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : «أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق»[أخرجه الترمذي]. وعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» [أخرجه مسلم] .

وقد خطب سيدنا النبي ﷺ في فتح مكة فقال : «أيها الناس ، إن الله قد وضع عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها، الناس رجلان،  فبر تقي كريم على الله ، وكافر شقي هين على الله، أيها الناس ، إن الله يقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ، أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم}. [المصنف لأبي شيبة].

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : «ما أعجب رسول الله ﷺ بشيء من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقى» [رواه أحمد].

وبين النبي ﷺ أن ملازمة التقوى تصل بالعبد إلى منزله الورع، التي يترك فيها العبد بعض الحلال خشية الوقوع في الحرام، فقال ﷺ أنه قال : «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به، حذرا مما به بأس»  [الحاكم في المستدرك]. وأوضح النبي ﷺ أن تقوى الله هي أصل الأمور كلها فقال ﷺ : «أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله»  [الجامع الصغير للسيوطي]. 

فعباد الرحمن أصحاب همة عالية وعزيمة صادقة، فهم لا يسألون الله مجرد التقوى بل إنهم يسألونه أن يكونوا أئمة للمتقين، يقول القرطبي في معنى قوله تعالى : (واجعلنا للمتقين إماما) أي قدوة يقتدى بنا في الخير وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقيا قدوة وهذا هو قصد الداعي. [تفسير القرطبي]. وقال ابن كثير : «قال ابن عباس والحسن والسدي وقتادة والربيع بن أنس : أئمة يقتدى بنا في الخير. وقال غيرهم : هداة مهتدين، دعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم، وأن يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع؛ وذلك أكثر ثوابا، وأحسن مآبا» [تفسير ابن كثير].  

فبسؤال الله الإمامة في التقوى يتحصل تمام التقوى وزيادة، ويمن الله على عباده بدرجة الإمامة بالتقوى والإمامة في الدين بعد أن يمن عليهم بالصبر واليقين، قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).

فكانت هذه هي صفات عباد الرحمن، وكان جزاؤهم بهذه الصفات الجنات الدائمة والسعادة الأبدية في الآخرة، قال تعالى : (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا). جعلنا الله منهم.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: لا تسألوا الله الصبر بل اللطف
  • ذكرى أول صلاة جمعة بالجامع الأزهر .. 15معلومة لا تعرفها
  • «اللهم رب الناس أذهب البأس».. دعاء المريض كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
  • علي جمعة: تقوى الله وحسن الخلق أكثر ما يدخل الجنة
  • المراد بالنصيحة في حديث النبي عليه السلام "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"
  • كل كلام يقوله الإنسان محسوب عليه إلا 3 أمور فما هي؟.. علي جمعة يوضح
  • لماذا أمرنا الله بالاستعانة بالصلاة والصبر عند أي أمر؟ .. علي جمعة يجيب
  • كيف تحصن نفسك من الفتن والإقلاع عن المعاصي.. علي جمعة يوضح
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: اكتشاف آثار برتغالية جنوب رأس الحدّ في بحر عُمان